تعرّف على هذه القبيلة التي أصابها الحزن والكرب جراء وفاة، الأمير (فيليب) دوق إدنبره!
من زياد اليوسف109تفاعل
صورة: Getty Images / Richard Shears/Shutterstock
Play Video
دخلك بتعرف نصب «رجم الهري» الغامض في الجولان، الذي يلقب بـ”ستونهنج الشام“
Share
Watch on
على مر عقود من الزمن، اعتبر سكان إحدى قرى جزيرة تانا، التابعة لجمهورية فانواتو في جنوب المحيط الهادئ، الأمير (فيليب) دوق إدنبره بمثابة إله لهم. وبعد وفاة الأمير (فيليب) في 9 أبريل من هذا العام، دخل سكان تلك القرية في فترة حداد على وفاته.
قال زعيم محلي يُدعى الزعيم (يابا) لوكالة رويترز: ”-الروابط بين شعب جزيرة تانا والشعب الإنجليزي قوية جداً… نرسل أحر تعازينا إلى العائلة الملكية وشعب انجلترا“.
أفراد من القبيلة يحملون صورة الأمير الراحل.صورة: Rex
على مدار الأسابيع التالية لوفاة الأمير، اجتمع سكان قرى تانا بشكل دوري لإجراء طقوس خاصة بوفاة الأمير، والذي يُعتبر ”سليل روحٍ عظيمة أو إله يسكن إحدى الجبال الموجودة في منطقتهم“ وفقاً لأقوال عالم الأنثروبولوجيا (كيرك هوفمان) الذي درس تلك القبائل منذ سبعينيات القرن الماضي.
الإعلانات
سيجري سكان تانا رقصات كجزء من الطقوس، وبالطبع سيقومون بإجراء موكب للجنازة وعرض صور تذكارية للأمير فيليب. من المراسم أيضاً شرب الـ كافا، وهو مشروب خاص صُنع من جذور نبات الكافا.
سيجري اجتماع ضخم في نهاية مراسم الحداد، ووفقاً للصحفي (دان مكغاري) الذي زار فانواتو، سيقوم السكان المحليون بعرض أغلى ما لديهم خلال الحداد، وهو على الأرجح يشير إلى نباتات اليام (نوع من البطاطا) والكافا والخنازير، وباعتبار الأخيرة مصدراً غنياً بالبروتينات، فعلى الأرجح أن سكان الجزيرة سيذبحون الكثير من الخنازير خلال مراسم الحداد تلك.
ألقى بعض الرجال خطابات تمتدح الأمير (فيليب) وتخلذ ذكراه، وبرزت أيضاً نقاشات حول الخليفة المحتمل للأمير. ووفقاً لإذاعة «بي بي سي»، أرسل كبار القبيلة رسالة خاصة إلى الملكة (إليزابيث) عن طريق الصحفيين الذين زاروا تانا، وعلى الأرجح أن الصحفيين سيرسلونها إلى المسؤولين البريطانيين.
الإعلاناترحلة بطل
صورة من زيارة للملكة (إليزابيث) وزوجها (فيليب) عام 1974 إلى جزيرة تانا.صورة: Getty
لمدة تقارب نصف قرن، ازدهرت حركة الأمير (فيليب) في قرى ياكيل وياونانين، ودخل فيها آلاف الأتباع، لكن الأرقام اليوم لا تتعدى بضعة مئات.
Sponsored Links
يعيش هؤلاء القريون في أدغال تانا، ولايزال هؤلاء يمارسون الطقوس والعادات التي ورثوها عن أجدادهم، فهم يرتدون اللباس التقليدي حتى اليوم، مع أن لهم علاقات وروابط قوية بالمجتمع الحديث والنظام المالي وتكنولوجيا العصر الحالي، لكنهم يحبذون العيش على طريقة الأجداد، فبالكاد ستجد هاتفاً جوالاً لدى سكان تلك القرى.
يعيش هؤلاء القرويون على بعد بضعة كيلومترات فقط من أقرب مطار في المنطقة، لكنهم اختاروا جدياً الابتعاد عن العالم الحديث، فهم يعيشون على بعد مسافة قصيرة من الحضارة، لكنهم اختاروا الابتعاد عنها بمحض إرادتهم.
يُعتبر الأمير (فيليب) بمثابة إله أو روح مقدسة بالنسبة للقبائل التي تسكن جزيرة تانا.صورة: AFP – Getty
لدى أولئك القرويين ثقافة أو أسلوب حياة يُدعى ”كاستوم“ يعود تاريخه إلى قرون مضت، ويعتبرون جزيرة تانا أصل العالم ويهدفون إلى الترويج للسلام، وهنا يأتي دور الأمير (فيليب)، والقصة كالتالي:
على مر الزمن، ساد اعتقاد لدى القرويين أن الأمير (فيليب) هو واحدٌ منهم، وأن شخصه تحقيق لنبوءة تقول أن روح أحد رجال القبيلة غادرت الجزيرة لتعثر على زوجة قوية وثرية بعيداً عن الجزيرة وفي ما وراء البحار. وهنا يبدو أن (فيليب) حقق فعلاً هذه الشروط، فهو من حكم المملكة المتحدة بمساعدة زوجته الملكة (إليزابيث)، وهو يحاول جلب السلام والاحترام لهذا التقليد، سواء في انجلترا أو باقي أنحاء العالم.
إذا نجحت روح ذلك الرجل، أو الأمير (فيليب) الذي تجسدت الروح بهيئته، بإمكانها العودة إلى تانا. لكن تلك القبائل ترى أن غباء وطمع وغيرة البيض، وكذلك الحروب الدائمة التي افتعلها البشر ذوي البشرة البيضاء، منعت الأمير (فيليب) من العودة إلى قبيلته.
اعتُبر دوق إدنبره تجسيداً حياً لثقافة قبائل تانا، فهو في مهمة لزرع بذرة تقاليد تانا ”كاستوم“ في قلب الإمبراطورية البريطانية والكومنولث. وفقاً لـ (مكغاري)، فالأمير (فيليب) حقق النبوءة، وحياته بالنسبة للقبيلة أقرب لـ ”رحلة بطل حاول تحقيق مسعاه في نشر السلام، وكسب زوجة قوية ومملكة بريطانيا“.
الإعلاناتلا يُعرف تماماً كيف بدأت تلك الحركة، لكن هناك عدة نظريات تفسر السبب
صورة للأمير (فيليب) وهو حامل بندقيته، يحملها أحد أفراد القبائل المحلية.صورة: Rex
إحدى تلك الأفكار، وفقاً للسيد (هوفمان)، هي أن القرويين ربما رأوا صورة (فيليب) إلى جانب صورة الملكة على جدران مخافر الاستعمار البريطاني في فانواتو، عندها كانت البلاد تُعرف باسم هيبريدس الجديدة، وتُدار بشكل مشترك بين فرنسا وبريطانيا.
في المقابل، يقترح (مكغاري) نظرية أخرى وراء هذه القصة، حيث يقول أن ”رد فعل القبيلة على الوجود الاستعماري لبريطانيا تمثل في هذه القصة بهدف استعادة ما أخذه الاستعمار عبر الربط بين تاريخ وثقافة تلك الشعوب وبين الشخص الذي يجلس إلى جانب ملكة الكومنولث“، حيث يشير (مكغاري) إلى التاريخ الاستعماري العنيف لجمهورية فانواتو.
لكن الخبراء واثقون أن حركة الأمير (فيليب) ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، والتي برزت إثر زيارة الملكة وزوجها أرخبيل هيبريدس الجديدة (مجموعة من الجزر جنوب المحيط الهادئ تشكل الآن فانواتو) في عام 1974، حيث شارك دوق إدنبره حينها في طقوس شرب الكافا.
بالمناسبة، يبدو أن الأمير (فيليب) قبل بهذا المنصب الروحي، فأصبح يرسل الكثير من الرسائل والصور الشخصية إلى رجال القبيلة، وردّ هؤلاء الرجال بإرسال الهدايا التقليدية له خلال السنوات التالية.
إحدى أولى الهدايا التي قدمتها القبيلة هي هراوة اسمها «نال نال» في عام 1978، ومُنحت للأمير في مؤتمر حضره السيد (هوفمان) وطرح فيه القرويون الكثير من الأسئلة عن الأمير (فيليب)، وأرادوا معرفة المزيد من المعلومات عنه.
في ذلك المؤتمر، زار المفوض البريطاني الحدث وقدم عرضاً صورياً عن الأمير (فيليب). ووفقاً لـ (هوفمان) ”جاء مئات الأشخاص ليشاهدوا، وكانوا يجلسون في أي مكان قرب أو تحت الشجيرات، وكانوا يصغون بصمت شديد“. بعد التعرّف على الأمير (فيليب)، طالب أحد زعماء القبيلة بإرسال تلك الهراوة إلى الأمير (فيليب)، وأراد دليلاً يؤكد وصولها إليه.
بالفعل، وصلت الهراوة إلى المملكة المتحدة، وتصوّر الدوق وهو يحملها، ثم أُرجعت إلى القرويين. لا يزال القرويون يحتفظون بتلك الصورة حتى يومنا هذا، وهي من الأشياء الثمينة لديهم.
زعيم قبيلة ياكيل حاملاً صورة الأمير (فيليب). صورة: AFP
في عام 2007، التقى بعض رجال القبيلة بالأمير (فيليب) شخصياً، حيث سافروا إلى المملكة المتحدة عبر برنامج تلفزيوني أعدته القناة الرابعة البريطانية بعنوان «تعرّف على السكان الأصليين»، فالتقى 5 زعماء من القبيلة بالأمير (فيليب) بعيداً عن الكاميرات في قصر وندسور الملكي، جالبين معهم الهدايا، كما طلبوا من الأمير أن يعود معهم إلى تانا.
جاء الرد من الأمير غامضاً، وفق ما قاله أحد رجال القبيلة، لكنهم رضيوا بهذا الرد، حيث قال لهم: ”عندما يصبح الجو أدفأ، سأبعث لكم برسالة“.
عُرف الأمير (فيليب) بصراحته، وانتُقد مرات عديدة في الماضي جراء عدم مراعاته ثقافات الآخرين، لكن يبدو أن تانا حالة خاصة، حيث يقول (هوفمان) أن الأمير (فيليب) كان ”شديد المراعاة والدعم“ تجاه سكان تانا.
استمر التواصل بين العائلة الملكية وقبائل تانا عن طريق الأمير (تشارلز)، ابن الأمير (فيليب)، حيث زار (تشارلز) فانواتو عام 2018 وشرب أيضاً الكافا الذي شربه والده قبل عقود. تلقى (تشارلز) أيضاً عصاة من قبيلة ياونانين.
هل يكمل الابن مهمة الأب؟
الأمير (تشارلز) يشرب الكافا عند زيارته تانا عام 2018.صورة: Press Association
من المؤكد أن وفاة الأمير (فيليب) فتحت الباب أمام التساؤل حول من سيحلّ مكانه، لكن بما أننا نتحدث عن قبائل، فتجري التقاليد عادة بأن يتولى ابن الزعيم المحلي مثلاً لقب والده بعد وفاته، وبالتالي من الواضح إذاً أن (تشارلز) هو من سيكمل مهمة أبيه.
لكن على أي حال، يقول (هوفمان) أن ذكرى الأمير (فيليب) لن تُمحى من ذاكرة قبائل تانا، حتى لو كان الأمير (تشارلز) التجسد الجديد لتلك الروح. يقول (هوفمان) أيضاً أن الحركة ستبقي على اسمها الحالي (حركة الأمير فيليب)، بل أن أحد رجال القبيلة أخبره أن الحركة قد تسعى الآن إلى التحول لحزب سياسي.
Sponsored Links
على أي حال، يبقى لدى سكان القبائل في تانا اعتقاد راسخ مفاده أن الأمير (فيليب) سيعود في يوم من الأيام، سواء متجسداً بالأمير (فيليب) أو أن روحه المجردة هي التي ستعود، ويضيف (هوفمان) أن وفاة (فيليب) قد تكون شرارة خلاص الروح من الجسد، وفقاً لمعتقدات السكان طبعاً.
نُصّب الأمير (تشارلز) زعيماً عندما زار جزيرة تانا.صورة: Press Association
قال السكان المحليون لـ (هوفمان) أن بإمكان الأمير (تشارلز) استكمال مهمة والده إذا أراد، والحفاظ بالتالي على هذا التواصل الروحي. لكن إن لم يرغب (تشارلز) بذلك، فالروح قد تسكن أحد أبناء أو أحفاد (فيليب)، وفي المستقبل، ستقوم الروح باستكمال هذا التواصل.
بينما يرقد الأمير (فيليب) في قبره ضمن قصر وندسور، يعتقد سكان القبائل أن روحه تحاول العودة قاطعة أمواج المحيط الهادئ لتصل إلى منزله الأخير، جزيرة تانا –ليستقر مع مع من يحب ومع أولئك الذين قدسوا مكانته بعد كل تلك السنوات.