رواية "المُعَلَّب" للأديب الياباني كوبو آبي تناقش تشظي الذات خلال حقبة النمو الاقتصادي السريع لطوكيو (الجزيرة)عارف حمزة
14/4/2024
العودة إلى عوالم الياباني كوبي آبي بصدور ترجمة روايته "المُعَلَّب"
يعد الكاتب الياباني كوبو آبي (1924-1993) من الكتاب المعروفين لدى القارئ العربي، إذ تُرجمت عديد من أعماله منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت أكثرها على يد المترجّم المصري المعروف كامل يوسف حسين، الذي ترجم روايته الأشهر "امرأة في الرمال" عام 1988، وكان قد ترجم له كذلك روايته "موعد سرّي".
وإضافة لهاتين الروايتين، ترجم له حسين أيضا 3 مسرحيّات في كتاب واحد بعنوان "الرجل الذي تحوّل إلى عصا". ولكن توقفت ترجمة أعمال "كافكا اليابان" منذ أكثر من 20 عاما، رغم وجود أعمال كثيرة لكوبو آبي غير مترجمة بعد إلى العربية. لذلك عندما ترجم المصري مجدي عبد المجيد خاطر روايته "المُعلَّب" عادت ذكرى قراءة عوالم كوبو آبي من جديد.
وكذلك عادت للقارئ ذلك الزمن من الترجمات المهمّة للغة العربية، التي كانت تصدرها وزارة الثقافة السورية، وعلى وجه الخصوص عادت للذاكرة سلسلة "ذاكرة الشعوب" التي كانت تصدرها مؤسسة الأبحاث العربية، وصدرت منها 32 رواية، كانت على يد مترجمين، هم كتّاب أيضا، مختلفين مثل الشاعر وديع سعادة، والشاعر سعدي يوسف، والناقد صبحي حديدي، والكاتب عيسى مخلوف، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والكاتب كمال يوسف حسين، والمترجم الراحل صالح علماني، وغيرهم.
الأديب الياباني كوبو آبي (1924-1993) تُرجمت عديد من أعماله للعربية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي (مواقع التواصل)عوالم غرائبيّة
مع صدور ترجمة رواية "المُعلّب" عن دار العين المصريّة، يعود لذهن القارئ أعمال وعوالم كوبو آبي، ولكن كذلك يتعرّف القارئ الجديد، الذي لم يسبق له أن قرأ أعمال كوبو آبي المترجمة إلى العربية، على عوالم غرائبية وكابوسيّة وتحليليّة مميزة. ولكن هل سيجد القارئ الجديد، في عصر السرعة و"الأعلى مبيعا"، متعة في قراءة أعمال كوبو آبي؟
هو سؤال لا بد من طرحه، لأن كوبو آبي كانت لديه ميّزات خاصّة في الكتابة، وخصائص التصقت بكتابته، ربما، رغما عنه. وهذه الطريقة الغرائبيّة في الكتابة والسرد، جعلت النقّاد يُطلقون على كوبو آبي لقب "كافكا اليابان"، ورغم ذلك، ورغم أن الكابوسيّة لدى كافكا تختلف عن الكابوسيّة التي قدّمها كوبو آبي، فإن كثيرا من النقاد اطلقوا عليه هذا اللقب وارتاحوا بعدها، من دون البحث والتمحيص في المقارنة بين أسلوب الكاتبين.
رواية "المعلَّب"، التي صدرت في اليابان عام 1973، وترجمت إلى عديد من اللغات العالمية بمجرّد صدورها، ما زالت مقروءة، ويُشار إليها ضمن الأعمال التي وضّحت أكثر طريقة كوبو آبي في الكتابة. وصعوبة هذه الرواية -حتى أنها أصعب في تقنية الكتابة من روايته الشهيرة امرأة في الرمال- تكمن في أنها تبدو هي نفسها كُتبت، كبناء روائيّ، بطريقة غرائبيّة مبتكرة.
ابتكار الموضوع
تبدو هذه الرواية مختلفة، وملتصقة باسم كوبو آبي، بأنها رواية لها موضوع لا يُمكن تكراره دون الإشارة لكوبو آبي، كما هي الحال مع رواية "العمى" لجوزيه ساراماغو على سبيل المثال. فإذا ما كتب أحد ما عن سكان مدينة أصيبوا بالعمى، فإننا سرعان ما سنفكّر بجوزيه ساراماغو (1922-2010)، فهذا الموضوع صار كأنه علامة تجارية، إذا صح التعبير، ارتبطت باسم ساراماغو.
جوزيه ساراماغو (1922-2010) أديب نوبل البرتغالي (غيتي)
وفي رواية "المعلب" يكون بطل العمل شخصا يسكن وينتقل داخل علبة من الكرتون. علبة تم صنعها بحيث يمكن للشخص أن يرى الآخرين، دون أن يكشفوا شخصيّته، وهي تغطيه حتى وركيه.
العلبة، التي يُقدم الراوي طريقة وأدوات ونصائح صنعها، هي مكان لسكن المُعلب، فهو يحمل فيها أغراضا تساعده على السكن داخلها دائما، مثل أوراق للكتابة وآلة تصوير وسكين وشاحن ضوئي وأقلام وسكين ومرايا عاكسة مثل مرايا السيارات…. ولكن هل يشبه المعلب متسولا؟ يُجيب آبي عن هذا التساؤل ضمن الرواية، بقوله "يبدو أن المجتمع لا يُدرك بصورة واضحة الفارق بين الاثنين، شأن المُعلبين أنفسهم. إذ تجمعهما في الواقع أوجه شبه كثيرة. فكلاهما لا يملك بطاقة هوية ولا مهنة ولا مكانا ثابت للإقامة ولا إشارة للاسم أو العمر أو مكانا أو توقيتا محددين للأكل والنوم. ومن ثم لا يقصّون شعرهم أو يغسلون أسنانهم، وهم نادرا ما يستحمّون، كما أنهم ليسوا في حاجة إلى النقود إلا في القليل النادر من أجل التعيش اليومي". وربما الفارق الأهم بينهما هو أنه "بمجرّد الدخول في هذه الحجرة الكرتونيّة المتواضعة المُنفّرة والخروج بها إلى الشوارع، يتحوّل الرجل إلى شبح لا هو برجل ولا علبة، إذ يستحوذ على المُعلّب سُمّ كريه ما يتعلّق بهويّته".
تعليق