أمير تاج السر
إعادة الكتابة والتفاصيل
13 - أبريل - 2024م
اعتدت من حين لآخر أن أعود إلى أعمال كتبتها قديما، ونشرتها، وأيضا أعمال مهملة كتبتها ذات يوم بفعل إيحاءات ما، ولم أنشرها أو لم تكتمل أصلا، أعود باحثا عن نقاط ربما أكون أغفلتها، وكان من الممكن أن تضيف شيئا. والحقيقة هو غالبا ليس إغفالا لشيء بقدر ما هي حدودي في وقت كتابة تلك الأعمال، وما قد أعثر عليه من ضعف سيكون نتاجا طبيعيا للخبرة التي جاءت بعد ذلك.
وبناء على ذلك أعدت كتابة عملين منشورين من قبل، ونشرتهما من جديد، مع النضج الجديد، ونجحا كثيرا من الناحية القرائية، وتأكد لي أنه فضول من القراء للمقارنة بين الصيغة الأولى القديمة، والصيغة الجديدة، خاصة في العمل الذي كتبت في مقدمته، إنه إعادة كتابة لنص بعينه.
كان ثمة سؤال يراودني وأنا أتطفل على نصوصي التي ولدت وظهرت للناس، لأعيد ترميمها ونشرها: هل من حق الكاتب أن يفعل ذلك بنصوصه؟ أم من الأفضل أن تترك الأعمال كما هي، لتؤرخ بجدية وصدق تطور المبدع، وأن يجد من يتابع التجربة أن هناك مشروعا حقيقيا، سلك طريق المشاريع التي قد تبدأ ببساطة، وتتعقد أو تتسع بعد ذلك؟
في شهادة للروائي الياباني هاروكي موراكامي ذكر مرة أنه يعيد كتابة أعماله المنشورة، من حين لآخر، بغرض البحث عن النقص وإكماله، لكن ذلك لا يتعدى طاولة كتابته. هو يتعلم أو يتدرب على الكتابة، وربما تمنحه إيحاءات جديدة، خاصة أن روايات موراكامي، كثيرة الصفحات، وفيها حيوات متعددة، ومتشابكة، وممكن جدا أن توحي أي قصة جانبية داخلها بعمل جديد.
بالنسبة لي أفعل ما يفعله موراكامي، مع الفارق أنني أتجرأ على إعادة النشر، وأواجه القراء الذين ربما يحسون بالغرابة تجاه ذلك، ومنهم من يهاجم الكاتب على فعله، ويصفون النسخة الجديدة من العمل بأنها تشويه للعمل الأصلي. وصراحة تبدو المسألة في النهاية مزاجا كتابيا من كاتب، يقترفه من دون النظر لأي عواقب.
أيضا بالنسبة للنصوص المنشورة لكتاب آخرين، يحس القارئ المتمكن أحيانا أن هذه النصوص فيها كثير من النقص وكانت ستكون أفضل لو أضيفت إليها، أو حذفت منها مقاطع معينة، خاصة في الكتب الضخمة الغاصة بالتفاصيل غير الضرورية أحيانا. مثلا يمكن وصف بيت معين، تدور فيه أحداث معينة داخل رواية، بما يمنح النص حضورا في الذهن القرائي فقط، ويضيف إلى جو الكتابة وأحداثها، ليس من الضروري أبدا كتابة عدد الكراسي الموضوعة في الصالة، وعدد الأكواب والأطباق داخل الفضية الموجودة أيضا، وهل هناك مفارش على الطاولات أم لا؟ إنها كتابة مضجرة صراحة، وتزيد عدد صفحات الكتاب من دون إغناء للكتابة، لكن هناك من يفعلها في الغالب لأن أسلوبه في الكتابة هو هكذا، ونعرف في صناعة الكتابة أن الروائي يعيد قراءة نصوصه بعد الانتهاء منها، لتقييمها، والبحث عن متعة ما داخلها، بوصفه قارئا أولا لها، ولا أدري هل يجد كتاب التفاصيل الكثيرة جدا، متعة فيها؟
تعليق