الكأس المقدسة وكل الغموض والخلاف حولها؟
من سامي عبد القدوس116تفاعل
Play Video- Now Playing
Play Video
دعاء الإكثار من العبادة والطاعة
Share
Watch on
أراد الناس من خلال الفهم الجيد للكتاب المقدس والإيمان به الفصل بين الحقيقة الدينية والخرافة. ولقد أدى الاعجاب الدائم بالكتاب المقدس وشخصيات التوراة ومعتقدات المسيحيين إلى ظهور البحث التاريخي والأثري.
لم تكن الأدلة المرتبطة بصلب المسيح او بسفينة (نوح) ملموسه فعلًا، ما يحافظ على الرغبة في التعرف والفضول في معرفة المزيد. إن تفكير المؤمنين المسيحيين مازال متعلق بهيئة الكأس المقدسة معتبرين أنها قطعة أثرية لا يمكن الحصول عليها.
لقد تم الاعتقاد بأن الكأس المقدسة استخدمها (يسوع) في العشاء الأخير، أو استخدمت لجمع دم (يسوع) عند موته على الصليب، هذه الأفكار جميعها أساطير، ومع ذلك فقد انتشرت في البرامج التلفزيونية والأعمال الأدبية والأفلام، وإن امكانية امتلاك الكأس المقدسة لأشكال أو تأويلات عدة، زاد الفرضيات حول مظهرها.
الإعلانات
لكن السؤال الأكثر أهمية، أين تتواجد هذه الكأس؟
مازال الاختلاف والالتباس يرافقان الكأس المقدسة. ومع استمرار البحث في أصولها، افترض العلماء والناس إمكانية اختفائها عبر الزمن، لا بل أنه تم العثور عليها ورؤيتها بالفعل.
زعم زوج مؤرخان أن الكأس المقدسة كانت في إسبانيا
صورة: National Library of Wales / Wikimedia Commons / Public Domain
ادعى المؤرخان (مارغريتا توريس) و(خوسيه ميغيل أورتيغا ديل ريو) في كتابهم «ملوك الكأس: تتبع تاريخ الكأس المقدس» الذي صدر عام 2014، أنهم تتبعوا تاريخ الكأس المقدسة وعثروا عليها. إذ خمّن الثنائي أن القطعة الأثرية المفقودة هي كأس (إنفانتا دونيا أوراكا) الواقعة في (بازيليكا سان إيزيدورو) في (ليون) والمعروضة منذ عقود.
إن اعتقادات (توريس) و(ديل ريو) اعتمدت على مخطوطة مصرية تشرح كيف تم نقل الكأس المقدسة من (القدس) إلى (القاهرة)، وصولا إلى (إسبانيا الإسلامية) ليتم تقديمها لأمير محلي، وبعدها تم إهداء الكأس للملك (فرديناند الأول) ملك (ليون) وذلك تقريبا في 1015، وثم جرى نقلها إلى الكنيسة التي دُفن فيها الملك عام 1065.
Sponsored Links
وأن هذه الكـأس تحمل اسم (أوراكا من زامورا) ابنة الملك (فرديناند). أما صناعتها فقد كانت من العقيق والذهب ومزخرفة بالأحجار الكريمة وتمت بدمج كأسين في كأس واحد. كما قام العلماء بتحديد الكأس على أنه ينتمي للفترة بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول للميلاد، وذلك دعما لمزاعم (توريس) و(دي ريو).
وهكذا تم إيجاد الكأس حسب تصريح (دي ريو) بأنه ”الكأس الوحيد الذي يمكن اعتباره الكأس المقدسة هو الذي قطع الرحلة إلى القاهرة ثم إلى ليون.“
الإعلاناتلم يكن 2014 هو العام الوحيد الذي عُثر فيه على الكأس المقدسة
صورة: National Library of Wales / Wikimedia Commons / Public Domain
إن المؤرخين (توريس) و(ديل ريو) ليسوا الوحيدين الذين صمموا على حل غموض الكأس المقدسة. ففي أوائل القرن الثاني عشر، وصف الشعراء والأدباء الكأس، وادعوا أنهم يعلمون مكانها. حيث انتشرت عدة مواقع للكأس المقدسة في أنحاء العالم، مع التلميح إلى كؤوس (كندا) و(اسكتلندا)، وتلك التي سيطر عليها فرسان الهيكل.
لقد تم الاعتقاد أن كأس (مريم المجدلية) المصنوع من المرمر الأخضر الذي يعود إلى القرن الأول الميلادي تم استخدامها لجمع دم (اليسوع) عند موته على الصليب من قبل أحد محبيه.
أما بالنسبة للمؤلف (غراهام فيليبس) يرفض فكرة استخدم (اليسوع) لكأس (ماريان تشاليس) باعتباره وعاء يشبه جرة صغيرة من المرجح انها استخدمت لحمل العطر أو المرهم، ربما استخدمها (يسوع)، وقد اختلطت الأفكار بينها وبين الكأس المقدسة.
فقد كان رأي (فيليبس) أن الكأس المقدسة هي الكتاب المقدس السري (إنجيل توماس) الذي تم اكتشافه عام 1945. وحسب نظريته فإن كأس (مريم المجدلية) حصل عليها (فولك فيتز وارين) بعد أن تم نقلها إلى (بريطانيا) خلال القرن الخامس الميلادي.
هناك أقوال أخرى، أحدها بأن الكأس المقدسة هي كأس (هوكستون)، التي عثرت عليها عائلة) فيتز وارين) في حديقة (هوكستون) وخبأتها في قلعة (واينتغون). ربما هذا هو السبب لربط كاس (ماريان) وكأس (هوكستون) بالكأس المقدسة.
على الأرجح هما متشابهين تمامًا، فقد زعم (توماس رايت) من سلالة عائلة (فيتز وارين) أنه عثر على الكأس خلال القرن الثامن عشر، لكن ما عثر عليه أقرب الى كأس (مريم)، وهي في ثقافات أخرى تشير إلى النبيذ و الدم وغيرها.
الإعلاناتإن الكأس الأسطورية المقدسة هي كأس فالنسيا حسب اعتقاد البعض
صورة: Master of the Female Half-Lengths / Wikimedia Commons / Public Domain
ربما تكون أكثر كأس مقدسة تم الاعتراف بها هي (سانتو كاليز) أو الكأس المقدسة المصنوعة من الذهب والعقيق والتي يعود أصولها للقرن الأول قبل الميلاد في مدينة (فالنسيا) الإسبانية، وخلال القرن الأول الميلادي تم الاعتقاد أن (يسوع) استخدمها في عشاءه الأخير فقام القديس (بطرس) بنقلها إلى (روما).
ونتيجة لتهديد (البابوية) خلال القرن الثالث الميلادي تم نقل الكأس إلى (هويسكا الإسبانية)، أما في العصور الوسطى فقد خُبئت في (البرانس) نتيجة للغزوات الإسلامية. ولكن بالنسبة لسجلات التاريخ فقد نُقل الكأس إلى دير (سان خوان دي بينيا) عام 1071 للميلاد.
ولقد قام الملك (أراغون مارتن) بوضع الكأس بين الممتلكات الملكية في عام 1399، ليتم نقله إلى (فالنسيا) عام 1416. وقد ظهر واختفى الكأس خلال القرون اللاحقة في (إسبانيا) ليصل في نهاية الأمر إلى كاتدرائية (فالنسيا) وذلك عام 1939. وبالنسبة للوقت الحالي فيمكن للمؤمنين المسيحيين مشاهدة الكأس المقدسة مرتين سنويًا وذلك عند عرضها للجمهور في (فالنسيا).
مازال العلماء يدافعون عن كأس (فالنسيا) باعتبارها الكأس المقدسة الحقيقية. وقد صرحت المؤرخة الفنية (آنا مافي غارسيا) عام 2019 أن ”تكوين الكأس يمثل قبيلة (يهوذا)، والتي كان (يسوع الناصري) عضوًا فيها“.
المنافس المحتمل للكأس هو كأس جنوة
صورة: Sylvain Billet / Wikimedia Commons / CC BY-SA 4.0
لقد تم صناعة كأس (ساكرو كاتينو) في مصر من الزجاج، وهو معروف باسم (كأس جنوة) ذو الشكل سداسي الأضلاع، ولقد قامت ملكة (سبأ) بنقله إلى (القدس) ثم إلى (الموقع الساحلي) في (القيصرية) وذلك قبل القرن الحادي عشر. حتى تبنى (غوليلمو) أخذ الكأس إلى (جنوة) وذلك في أعقاب الحملة الصليبية الأولى.
لقد كتب (ويليام) خلال القرن الثاني عشر، أن ”الكأس أكثر من مجرد إناء من اللون الأخضر اللامع استولت عليه جمهورية عوضا عن مبلغ كبير من المال معتبرين أنها من الزمرد، وذلك للحصول على ديكور رائع لكنيستهم.“
أصبح الطبق الزجاجي عنصرًا تم الاعتراف به بقدوم القرن الثالث عشر كعنصر أساسي مستخدم في العشاء الأخير، وبذلك أصبح جزءًا من قصة (يسوع) على الصليب. أما القصص التي تحدثت عن استخدام الكأس لجمع دم (يسوع) فهي مقتبسة عن (نيقوديموس) الذي دفن (يسوع) مع (جوزيف) من (اريماثا.)
ولقد قام (نابليون) بأخذ بقايا الكأس إلى (باريس) في أوائل القرن التاسع عشر، ليكتشف أنها مصنوعة من الزجاج وليس من الزمرد.
Sponsored Linksلم يتكلم الكتاب المقدس عن الكأس المقدسة بالاسم
صورة: Theophanes the Cretan / Wikimedia Commons / Public Domain
لم تذكر الكأس المقدسة في (الكتاب المقدس)، رغم أن هنالك إشارات كثيرة للكؤوس وأواني الشرب في العهد الجديد. ومازال الجدال قائٌم حول أهمية الكأس وقدسيته.
على سبيل المثال الآية 22:20 يصف فيها (لوقا) العشاء الأخير ليسوع وقوله لمناصريه “هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ”. يصف (مرقس) 15:23 الناس المشاهدين لـ(يسوع) وهو على الصليب لقد “وَأَعْطَوْهُ خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ لِيَشْرَبَ، فَلَمْ يَقْبَلْ”، من المرجح أنه من الكأس.
ويمكن للأشياء المشابهة للكأس المقدسة والمذكورة في (الكتاب المقدس) ان تدعم وجودها، ولكن الافتقار إلى الوصف والخصوصية لا يساعد في تحديد ماهية الكأس الحقيقية.
Sponsored Linksتم تسمية الكأس المقدسة في القرن الثاني عشر
صورة: Theodor Pixis / Wikimedia Commons / Public Domain
كان الشاعر الرومانسي الفرنسي (كريتيان دي تروا) هو أول من استخدم مصطلح الكأس خلال القرن الثاني عشر وذلك في عمله (بيرسيفال) أو (قصة الكأس) التي يعود تاريخها إلى 1190 ميلادي، وقد أشار (كريتيان) من خلالها إلى “الكأس المقدسة”، والتي مازالت تثير الفضول.
توفي (كريتيان) قبل انتهاء العمل، مضيفًا إلى لغز الكأس ما عرفه وما لمح له، وكانت كأس (كريتيان) كـ طبق تقديم، لكن ذكرها شجع الادباء للتحدث عن الكأس. لتصبح هي الكأس التي استخدمها (يسوع) في العشاء الأخير أو الكأس التي جمعت دمه عند موته على الصليب.
الروايات لم تتوقف عند هذا الحد حيث افترضوا أن الكأس المقدسة هي شخص من سلالة (يسوع) أو ربما نوع من القوة الخارقة للطبيعة. والأكثر أهمية أنه عام 1200م قام (روبرت دي بورون) بربط الكأس المقدسة مباشرة بصلب (يسوع) وذلك عندما أدخل (جوزيف) من (اريثما) المكلف بدفن (اليسوع) في كتاباته، حيث افترض أنه استخدم كأس (العشاء الأخير) لجمع دم (اليسوع)، مازجا العديد من الأفكار.
إن الارتباط بأسطورة الملك (آرثر) كان سببا لربط مواقع إنجلترا بالكأس
صورة: Évrard d’Espinques / Wikimedia Commons / Public Domain
في عام 1190م قدم الشاعر الفرنسي (كريتيان دي تروا) للعالم شخصية الفارس (بيرسيفال)، أحد فرسان الملك أرثر من أجل البحث عن الكأس.
اما بعد وفاة (كريتيان)، فقد قام مؤلفون مثل (روبرت دي بورون) بإحضار الكأس إلى (بريطانيا) في1200 م، وتم وضعها مع (يوسف الرامي) الذي دفن الكأس في مكان سري، وهو الموقع الذي سيطر عليه الملك (آرثر) و(فرسان المائدة المستديرة) نتيجة غزواتهم، ولهذا السبب ارتبطت المنطقة بتقاليد (آرثر).
بشكل خرافي أقام (يوسف الرامي) (دير غلاستونبري) في (جنوب بريطانيا)، باعتباره بئر وموطن للكأس حيث كانت مخبأة. وقد ارتبطت عدة مواقع بالكأس المقدسة منها (أفلون) وهي (موقع دفن الملك آرثر) وقلعة (كادبوري) وقلعة (تينتاجيل) في (كورنوال) مكان ولادة الملك (آرثر).
ومازال يتكرر الحديث عن الكأس خاصة مع تطور النثر وقصائد (آرثر).
إن عمل «موت آرثر» الأدبي الذي يجمع تقاليد (آرثر) السابقة للسيد (توماس مالوري) يعود للقرن الخامس عشر، ولكنه أعطى حياة للكأس المقدسة، وكان ذلك من خلال صوت يقود (لانسلوت) للسير إلى الغرفة ليصف ما شاهد:
كان هناك طاولة من الفضة والكأس المقدسة مغطاة بـ(السميت الأحمر) وهنالك ملائكة حولها، حيث كان أحدهم يحمل شمعة مشتعلة والآخر يحمل صليبًا وحلى مزخرفة.
يزعم بعض المؤرخين عدم وجود الكأس المقدسة
صورة: Jean-Pol GRANDMONT / Wikimedia Commons / CC BY 4.0
السبب الرئيسي لتشكيك العلماء بوجود الكأس واعتبارها مجرد خيال بشري هو عدم ظهور دليل ملموس على وجودها. إن الكأس المقدسة لم تذكر في (الكتاب المقدس) ولا من قبل أي سلطة دينية، لكنها موجودة في الأدب، والتي ازداد ذكرها منذ القرن الثاني عشر في التقاليد والتاريخ.
لقد صرح المؤرخ (كارلوس دي أيالا) أنه ”لا يمكنك البحث عن شيء غير موجود“. ومع ذلك، فإن الغياب المادي للكأس المقدسة لا يجعلها خرافة. ونتيجة لازدهار الحديث عن الكأس، فقد قدمت الكثير من الأفكار للأشخاص على مر الأيام وللأعمال الفنية إضافة للغة والصلات الثقافية.
وستبقى الكأس المقدسة رمز للمهام الإلهية والشخصية على الرغم من عدم معرفة ماهيتها وأهميتها.
ربما لغز الكأس المقدسة ليس له حل
مازال البحث عن أصول الكأس وموقعها ومظهرها مستمر. ولكن اسم “الكأس المقدسة” يدل على شيء غير قابل للامتلاك، وربما لا يمكن رؤيته، ومن المرجح أن تبقى الكأس المقدسة لغزا للأبد.
إن التفسيرات والفرضيات الجديدة عن الكأس المقدسة تقدم الكثير من الغموض والتعقيد لادعاءات المؤرخين (مارغريتا توريس) و(خوسيه أورتيغا ديل ريو) عام 2014، إضافة إلى أنها تشير إلى جهود لا تنتهي لمعرفة مكان الكأس المقدسة.
ولكن لم يتم الاتفاق بشأن الكأس المقدسة من قبل كاتبي الخيال في هوليود ك (جريجور فيدان) و(دان براون) والفنانين والمديرين التنفيذيين إضافة إلى المؤرخين وعلماء الآثار، علما أن البحث عنها لم ينتهِ.
المصدر: موقع Ranker