صفحة من كتاب "عشر مقالات في العين" لحنين بن إسحاق الذي يعد نقطة انطلاق في علم الكحالة (طب العيون) عند العرب. |
كان العرب يطلقون على هذا الفرع من الطب اسم الكحالة، ويسمون المشتغلين به من الأطباء باسم الكحالين. وقد قام العرب بترجمة ما وصلهم من كتب علم الكحالة من الهند واليونان والرومان. وكما فعلوا في حقل الطب الجراحي من حيث تطويره وتطوير الأدوات التي استخدمت فيه، قاموا بتطوير نوع من العمليات لم يرثوه عن أحد من الأمم الأخرى ؛ فقد برعوا في قدح الماء الأزرق من العين مع الصعوبة التي تكتنف إجراء مثل هذه العملية حتى اليوم. وكانت نتائج هذه العمليات مضمونة، ويقال إنه لما أصاب الطبيب الرازي العمى، عرضوا عليه أن يجروا له عملية القدح فقال لهم إنه يفضل البقاء أعمى كيلا يرى أناس ذلك الزمان.
وإلى جانب ما توصلوا إليه من إجراء العمليات الجراحية لقدح الماء الأزرق، أجروا عمليات جراحية لقدح الماء الأبيض (الساد). وابتكروا فيها ست طرق كانت إحداها بوساطة المص، وكانوا يستخدمون في ذلك أنبوبًا زجاجيًا رقيقًا يدخلونه من مقدمة العين ويفتتون به العدسة المعتمة ثم تمتص هذه العدسة بعد ذلك. وكانت هذه العملية أحدث عملية جراحية لعلاج الساد آنذاك. وهناك شبه كبير من حيث المبدأ بين تلك العملية والعملية المتطورة التي تجرى الآن رغم الفارق في المعدات. كما ألف العرب العديد من الكتب في طب العيون وجراحتها ومداواتها. ومن أشهر كتب الكحالة كتاب عشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق. ويعد هذا الكتاب نقطة الانطلاق في علم الكحالة عند العرب. وتطورت الكحالة على يد اثنين من أشهر الكحالين العرب هما أبو القاسم عمار بن علي الموصلي (ت 400هـ،1010م) وعلي بن عيسى الكحال (ت 430هـ،1039م). وكان الأول خبيرًا في طب العيون وإجراء العمليات الجراحية، وهو من أكثر أطباء العيون العرب ابتكارًا، وألّف كتابًا في أمراض العيون ومداواتها اسمه المنتخب في علاج أمراض العين. وقد مارس مهنته في القاهرة. أما علي بن عيسى فقد اشتهر إلى جانب حذقه مهنة الكحالة بكتابه المعروف تذكرة الكحالين، ومارس مهنته في بغداد. ويعتبره المستشرقون أكبر طبيب للعيون أنجبته العصور الوسطى، وترجموا كتابه إلى اللاتينية مرتين وإلى العبرية. وبيّن ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء أن كتاب علي بن عيسى يحتوي على ثلاث مقالات ؛ الأولى في حد العين وتشريحها، وطبقاتها، ورطوباتها، وأعصابها، وعضلاتها، ومن أين نبات كل طبقة منها، ومن أين يأتي غذاؤها، وإلى أين انتهاؤها، وأين موضعها ومنفعتها. أما المقالة الثانية ففي أمراض العين الظاهرة للحس، وأسبابها وعلاماتها وعلاجاتها. والمقالة الثالثة في أمراضها الخفية عن الحس وعلاماتها وعلاجاتها ونسخ أدويتها. أما مجموع ما ألفه من كتب في طب العيون فيبلغ 32 كتابًا. وبلغ مجموع ما وصفه من أمراض العيون في تذكرة الكحالين وحده 130 مرضًا. ولعل إبداع العرب وإجادتهم في هذا المجال يعود إلى كثرة انتشار أمراض العيون في المناطق الحارة. إلى جانب ذلك مارس الكحالون العرب تشريح عيون الحيوانات ؛ مما أوقفهم على معلومات قيمة، منها تعرفهم على سبب حركة المقلة والحدقة ¸...وأن حركة المقلة مسببة من انقباض عضلات العين، كما أن حركة الحدقة مسببة عن انقباض وانبساط القزحية...·. ووصف ابن سينا عضلات العين وأعصابها ووظائفها.
ومن المراجع المهمة المحيطة في أمراض العيون كتاب صلاح الدين بن يوسف الكحّال واسمه نور العيون وجامع الفنون صنفه حوالي سنة 697هـ، 1297م. وقد قسمه إلى أبواب في: وصف العين، والبصر، والأمراض، وأسبابها وأعراضها، وحفظ صحة العين، وأمراض الجفون، والملتحمة، والقرنية، والحدقة، وأمراض العين التي لا تقع تحت الحواس، وأدوية العيون. أما أفضل من كتب عن العين من حيث الجانب الفيزيائي فهو الحسن بن الهيثم (ت 430هـ، 1038م)، وامتاز وصفه للعين بالدقة. كما بحث في قضايا البصريات وفي طبيعة النظر، وقال: "إن النور يدخل العين لا يخرج منها، وأن شبكية العين هي مركز المرئيات، وأن هذه المرئيات تنتقل إلى الدماغ بوساطة عصب البصر، وأن وحدة النظر بين الباصرتين عائد إلى تماثل الصور على الشبكيتين...". ومن الكتب التي اشتهرت كتاب ألفه أحد أطباء العيون في مصر، وهو القاضي فتح الدين أبو العباس القيسي (ت 657هـ،1258م) وكان يلقب برئيس الأطباء المصرية. ويحتوى كتابه على 15 فصلاً في علم الرمد. وكذلك كتاب الكافي في الكحل لخليفة بن أبي المحاسن الحلبي وألفه بين عامي 654ـ 674هـ، 1256 ـ 1275م.