رحلة مخرج
"الكسندر باين - Alexander Payne"
ألكسندر باين مخرج وكاتب سيناريو ومنتج أميركي معروف باستخدامه السخرية لإيصال الفكرة. ويعتبره المعنيون بشؤون السينما صوتا رائدا في السينما الاميركية الحديثة وما يميزه هو ذكاؤه الحاد وملاحظاته الدقيقة التي تتابع تفاصيل السلوك البشري وقدرته على التقاط نفس فكاهي في كل لفتة أو كلمة أو مشهد أو مكان.
تركز أفلام باين على ثيمات معقدة مثل الاغتراب والندم والبحث عن معنى الوجود في عالم ملئ بالتعقيدات وهو يستخدم عناصر إخراجية عديدة تساعده على طرح فكرته وعرضها بطريقته الخاصة على المشاهد.
من أهم هذه العناصر البساطة البصرية أي أنه يستخدم أسلوبا واضحا ومنظما ويتجنب التصوير الذي ترافقه بهرجة مبالغ بها ويفضل اللقطات الطويلة مع التركيز على الشخصيات في الشاشة والقصة وهو ما يعطي المشاهد انطباعا بأنه يتابع مَشاهد واقعية جدا تُظهر تفاصيل دقيقة يسعى المخرج إلى إبرازها.
أحد العناصر الأخرى يتمثل في أن كل المَشاهد التي نتابعها في أفلامه تدور في أماكن طبيعية جدا قد يراها المرء أو يزورها يوميا لا سيما تلك التي تعكس أسلوب حياة الغرب الأوسط الأميركي وهو ما يجعل تأثير القصة التي يرويها أقوى وأعمق.
عُرف باين بخلق توازن مُتقَن بين الفكاهة والدراما إذ نراه ينقل الشخصيات في مشهد واحد من الضحك بصوت عالٍ إلى الغرق في فيض من المشاعر المؤلمة والعميقة مع عدم المبالغة في الإثنين والحفاظ على ذلك التوازن الدقيق.
يُعرف أيضا بالتركيز على الشخصيات وتطورها العاطفي والنفسي والتعمق في الدوافع والتفاعلات الداخلية والمعقدة حتى لو كانت مُخجلة وهو ما يساعده على عرض صورة تفصيلية تخلق تعاطفا وتفاعلا لدى المُشاهد الذي يكتشف الألم والفكاهة معا في أي مأزق تمر به الشخصية.
وفي أفلام باين حوارات ذكية للغاية ولكنها واقعية جدا تخلو من المبالغة والزورقة وغالبا ما يضع على لسان أبطاله تعليقات وانتقادات دقيقة للمجتمع والعالم تكشف التناقضات التي تسود في هذا المجتمع.
من الملاحظ أيضا أن باين يلجأ أحيانا إلى تشغيل ممثلين غير محترفين إلى جانب محترفين متمرسين كبار وهو ما يضيف أصالة إلى أعماله ويُكرس النَفَس الطبيعي فيها.
ومن المعروف عنه أيضا استخدامه مواقع تصوير لها أهمية شخصية بالنسبة له مثل مسقط رأسه في أوماها، نبراسكا وهو ما يضفي على أفلامه إحساسا قويا بالمكان ويخلق أجواء بصرية مميزة.
من خلال الجمع بين هذه العناصر الأسلوبية يصنع ألكسندر باين أفلاما ذكية ومسلية ودرامية في الوقت نفسه تدفع إلى التفكير في الحياة وتفاصيلها ودواخل المجتمع الأميركي الذي يحب انتقاده والكشف عن خباياه من خلال الشخصيات التي يختارها وحتى الممثلين.
***
مواضيعه
من أهم المواضيع التي يحب باين التطرق إليها في أعماله السينمائية تلك المتعلقة بخية الأمل في الحلم الأميركي إذ غالبا ما تتصارع الشخصيات التي يقدمها مع العيوب الكامنة والمخفية في هذا الحلم. هناك مثلا شخصيات لا تشعر بالرضا عن وظائفها وأخرى تسعى إلى تحقيق طموحات لا يمكن تحقيقها لأسباب خارجة عن إرادتها ثم هناك البعض ممن يعيشون داخل المجتمع ولكنهم منفصلون عنه ولا يتمكنون من الانسجام مع طريقة الحياة والتصرف والسلوكيات السائدة (أحد الأمثلة المتقاعد وارن في فيلم عن شميدت).
من الثيمات الأخرى التي يحب باين معالجتها في أفلامه تحديات منتصف العمر وخيبات الأمل والمشاكل الزوجية ثم صعوبات التأقلم مع الشيخوخة والتقدم في السن كما نرى ذلك واضحا في أفلامه "عن شميدت" و "نبراسكا".
يحب باين أيضا عرض تفاصيل أسرية تعكس اختلالات كبيرة ومعقدة فهناك التوتر وسوء التواصل والاستياء المكبوت وهو ما يتكرر في أفلامه بشكل عام.
ثم هناك الوحدة والعزلة والشعور بالانفصال عن الآخرين التي تتكرر أيضا في أفلامه إذ نرى أشخاصا يحبون التواصل مع آخرين ولكنهم لا ينجحون.
يتناول باين أيضا موضوعا آخر عزيزا على نفسه وهو عبثية الحياة الحديثة وعادة ما يستخدم السخرية والفكاهة لتسليط الضوء على هذه العبثية التي تسود في مجتمعاتنا المعاصرة ومن مظاهرها النزعة الاستهلاكية الاستعراضية والثقافة المهنية الدقيقة والمحدودة في نهاية الأمر والأحداث السياسية ثم ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي.
تتشابك كل هذه القضايا في أفلام باين لتعرض بالنتيجة صورة تبرز ما في الحياة من ثقوب وهو يركز هنا بالطبع على المجتمع الأميركي.
***
كوميديا مُعيبة
الكوميديا السوداء إحدى أهم وسائل باين إذ يضع أبطاله في مواقف محرجة ويجعلهم يأتون بأفعال معيبة وسخيفة وغير متوقعة منهم وهو يستخدم هذا لطرح مواضيع جادة. يستخدم باين السخرية أيضا لفضح النفاق وتناقضات المجتمع والنظام السياسي وهو يستخدم أيضا كوميديا جسدية لإثارة الضحك وللسخرية من فكرة معينة أو إبراز عيب في مكان ما.
***
حوار بارع
مما يميز أفلام باين أن الحوارات فيها ذكية وفكاهية غالبا ما تكشف بكلمات بسيطة عن صراعات ضخمة بين الأفراد وهو يعتمد في الحصول على مثل هذه الحوارات القوية على كاتب السيناريو جيم تايلور حيث يشترك الإثنان في الحس الكوميدي والعين التي ترصد الظواهر الاجتماعية. يركز باين على صناعة الصور والمشاهد فيما يوزع تايلور الحوار بحيث يبدو كل شئ واقعيا تماما. هما الإثنان يعملان معا ويتكاملان وقد حازا جوائز وإعجابا من المعنيين بالسينما بفضل عملهما المشترك.
***
أعمال باين
ولد باين في أوماها، نبراسكا في عام 1961، في أسرة من أصول يونانية وكان والداه يديران مطعما يونانيا وهو الأصغر بين ثلاثة أشقاء. درس اللغة الاسبانية والتاريخ في جامعة ستانفورد ثم تحول إلى دراسة السينما في جامعة كاليفورنيا. عُرض فيلم أطروحته الجامعية في مهرجان صاندانس السينمائي مما سهل له الحصول على دعم لكتابة وإخراج فيلمه الأول "المواطنة روث" إنتاج عام 1996.
حصل باين على العديد من الجوائز خلال مسيرته المهنية منها جائزتا أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلميه "Sideways و The Descendants" كما حصل على جائزتي بافتا وجائزتي غولدن غلوبز. ومن أهم أفلامه الأخرى "عن شميدت إنتاج 2002، إنتخاب إنتاج 1999، Sideways إنتاج 2004، نبراسكا إنتاج 2013، تصغير إنتاج 2017، وآخر أفلامه "The Holdovers" إنتاج 2023 وقد عرضته صفحة سينما العالم قبل أيام.
أترككم مع اثنين من أفلامه وهما "Sideways" و "The Descendants"
"الكسندر باين - Alexander Payne"
ألكسندر باين مخرج وكاتب سيناريو ومنتج أميركي معروف باستخدامه السخرية لإيصال الفكرة. ويعتبره المعنيون بشؤون السينما صوتا رائدا في السينما الاميركية الحديثة وما يميزه هو ذكاؤه الحاد وملاحظاته الدقيقة التي تتابع تفاصيل السلوك البشري وقدرته على التقاط نفس فكاهي في كل لفتة أو كلمة أو مشهد أو مكان.
تركز أفلام باين على ثيمات معقدة مثل الاغتراب والندم والبحث عن معنى الوجود في عالم ملئ بالتعقيدات وهو يستخدم عناصر إخراجية عديدة تساعده على طرح فكرته وعرضها بطريقته الخاصة على المشاهد.
من أهم هذه العناصر البساطة البصرية أي أنه يستخدم أسلوبا واضحا ومنظما ويتجنب التصوير الذي ترافقه بهرجة مبالغ بها ويفضل اللقطات الطويلة مع التركيز على الشخصيات في الشاشة والقصة وهو ما يعطي المشاهد انطباعا بأنه يتابع مَشاهد واقعية جدا تُظهر تفاصيل دقيقة يسعى المخرج إلى إبرازها.
أحد العناصر الأخرى يتمثل في أن كل المَشاهد التي نتابعها في أفلامه تدور في أماكن طبيعية جدا قد يراها المرء أو يزورها يوميا لا سيما تلك التي تعكس أسلوب حياة الغرب الأوسط الأميركي وهو ما يجعل تأثير القصة التي يرويها أقوى وأعمق.
عُرف باين بخلق توازن مُتقَن بين الفكاهة والدراما إذ نراه ينقل الشخصيات في مشهد واحد من الضحك بصوت عالٍ إلى الغرق في فيض من المشاعر المؤلمة والعميقة مع عدم المبالغة في الإثنين والحفاظ على ذلك التوازن الدقيق.
يُعرف أيضا بالتركيز على الشخصيات وتطورها العاطفي والنفسي والتعمق في الدوافع والتفاعلات الداخلية والمعقدة حتى لو كانت مُخجلة وهو ما يساعده على عرض صورة تفصيلية تخلق تعاطفا وتفاعلا لدى المُشاهد الذي يكتشف الألم والفكاهة معا في أي مأزق تمر به الشخصية.
وفي أفلام باين حوارات ذكية للغاية ولكنها واقعية جدا تخلو من المبالغة والزورقة وغالبا ما يضع على لسان أبطاله تعليقات وانتقادات دقيقة للمجتمع والعالم تكشف التناقضات التي تسود في هذا المجتمع.
من الملاحظ أيضا أن باين يلجأ أحيانا إلى تشغيل ممثلين غير محترفين إلى جانب محترفين متمرسين كبار وهو ما يضيف أصالة إلى أعماله ويُكرس النَفَس الطبيعي فيها.
ومن المعروف عنه أيضا استخدامه مواقع تصوير لها أهمية شخصية بالنسبة له مثل مسقط رأسه في أوماها، نبراسكا وهو ما يضفي على أفلامه إحساسا قويا بالمكان ويخلق أجواء بصرية مميزة.
من خلال الجمع بين هذه العناصر الأسلوبية يصنع ألكسندر باين أفلاما ذكية ومسلية ودرامية في الوقت نفسه تدفع إلى التفكير في الحياة وتفاصيلها ودواخل المجتمع الأميركي الذي يحب انتقاده والكشف عن خباياه من خلال الشخصيات التي يختارها وحتى الممثلين.
***
مواضيعه
من أهم المواضيع التي يحب باين التطرق إليها في أعماله السينمائية تلك المتعلقة بخية الأمل في الحلم الأميركي إذ غالبا ما تتصارع الشخصيات التي يقدمها مع العيوب الكامنة والمخفية في هذا الحلم. هناك مثلا شخصيات لا تشعر بالرضا عن وظائفها وأخرى تسعى إلى تحقيق طموحات لا يمكن تحقيقها لأسباب خارجة عن إرادتها ثم هناك البعض ممن يعيشون داخل المجتمع ولكنهم منفصلون عنه ولا يتمكنون من الانسجام مع طريقة الحياة والتصرف والسلوكيات السائدة (أحد الأمثلة المتقاعد وارن في فيلم عن شميدت).
من الثيمات الأخرى التي يحب باين معالجتها في أفلامه تحديات منتصف العمر وخيبات الأمل والمشاكل الزوجية ثم صعوبات التأقلم مع الشيخوخة والتقدم في السن كما نرى ذلك واضحا في أفلامه "عن شميدت" و "نبراسكا".
يحب باين أيضا عرض تفاصيل أسرية تعكس اختلالات كبيرة ومعقدة فهناك التوتر وسوء التواصل والاستياء المكبوت وهو ما يتكرر في أفلامه بشكل عام.
ثم هناك الوحدة والعزلة والشعور بالانفصال عن الآخرين التي تتكرر أيضا في أفلامه إذ نرى أشخاصا يحبون التواصل مع آخرين ولكنهم لا ينجحون.
يتناول باين أيضا موضوعا آخر عزيزا على نفسه وهو عبثية الحياة الحديثة وعادة ما يستخدم السخرية والفكاهة لتسليط الضوء على هذه العبثية التي تسود في مجتمعاتنا المعاصرة ومن مظاهرها النزعة الاستهلاكية الاستعراضية والثقافة المهنية الدقيقة والمحدودة في نهاية الأمر والأحداث السياسية ثم ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي.
تتشابك كل هذه القضايا في أفلام باين لتعرض بالنتيجة صورة تبرز ما في الحياة من ثقوب وهو يركز هنا بالطبع على المجتمع الأميركي.
***
كوميديا مُعيبة
الكوميديا السوداء إحدى أهم وسائل باين إذ يضع أبطاله في مواقف محرجة ويجعلهم يأتون بأفعال معيبة وسخيفة وغير متوقعة منهم وهو يستخدم هذا لطرح مواضيع جادة. يستخدم باين السخرية أيضا لفضح النفاق وتناقضات المجتمع والنظام السياسي وهو يستخدم أيضا كوميديا جسدية لإثارة الضحك وللسخرية من فكرة معينة أو إبراز عيب في مكان ما.
***
حوار بارع
مما يميز أفلام باين أن الحوارات فيها ذكية وفكاهية غالبا ما تكشف بكلمات بسيطة عن صراعات ضخمة بين الأفراد وهو يعتمد في الحصول على مثل هذه الحوارات القوية على كاتب السيناريو جيم تايلور حيث يشترك الإثنان في الحس الكوميدي والعين التي ترصد الظواهر الاجتماعية. يركز باين على صناعة الصور والمشاهد فيما يوزع تايلور الحوار بحيث يبدو كل شئ واقعيا تماما. هما الإثنان يعملان معا ويتكاملان وقد حازا جوائز وإعجابا من المعنيين بالسينما بفضل عملهما المشترك.
***
أعمال باين
ولد باين في أوماها، نبراسكا في عام 1961، في أسرة من أصول يونانية وكان والداه يديران مطعما يونانيا وهو الأصغر بين ثلاثة أشقاء. درس اللغة الاسبانية والتاريخ في جامعة ستانفورد ثم تحول إلى دراسة السينما في جامعة كاليفورنيا. عُرض فيلم أطروحته الجامعية في مهرجان صاندانس السينمائي مما سهل له الحصول على دعم لكتابة وإخراج فيلمه الأول "المواطنة روث" إنتاج عام 1996.
حصل باين على العديد من الجوائز خلال مسيرته المهنية منها جائزتا أوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلميه "Sideways و The Descendants" كما حصل على جائزتي بافتا وجائزتي غولدن غلوبز. ومن أهم أفلامه الأخرى "عن شميدت إنتاج 2002، إنتخاب إنتاج 1999، Sideways إنتاج 2004، نبراسكا إنتاج 2013، تصغير إنتاج 2017، وآخر أفلامه "The Holdovers" إنتاج 2023 وقد عرضته صفحة سينما العالم قبل أيام.
أترككم مع اثنين من أفلامه وهما "Sideways" و "The Descendants"