El-Sayed Abo El-Naga
الاحتلال الإنجليزي لبلاد الهند
الهند عبر التاريخ:
عندما نتكلَّم عن بلاد الهند في التاريخ، فإننا لا نعني بذلك دولة الهند القائمة اليوم بحدودها المعروفة، ولكن نعني بذلك شبه القارَّة الهندية التي انقسمت بفعل الاحتلال الاوربى الذي يَكره بشدَّة الكياناتِ الكبيرةَ، .
انقسمت هذه البلاد الشاسعة الآن إلى عدَّة دول، هي: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، ونيبال، وبوتان، وسيريلانكا، إضافة إلى ما يتبعها من جزر في المحيط الهندي، وهي: جزر المالديف، وجزر لكاديف في الغرب، وأندمان ونيكوبار في الشرق، وسيلان أو سرنديب في الجنوب.
وشبه القارَّة الهندية عالمٌ قائم بذاته جغرافيًّا في قلب القارة الآسيوية؛ ففي الشمال جبال الهمالايا الشامخة، والتي تُعرف بسقف الدنيا، وفي الشرق جبال آسام، وهي في الأصل متفرعة من جبال الهمالايا، وفي الغرب جبال الهندوكوش الممتدَّة حتى الشاطئ، أمَّا في جهة الجنوب فالمحيط.
وهي بلاد شاسعة ممتدة الأرجاء تبلغ مساحتها قرابة 4.5 مليون كيلو متر مربع، وبها الكثير من الشعوب والقوميات واللغات واللهجات، وكانت عبر التاريخ من المناطق المؤثِّرة على ركب الحضارة ومسيرة البشريَّة، وتعدَّدت بها الأجناس والديانات بصورة واسعة؛ حتى يمكن القول: إنَّ شبه القارة الهندية هي تجسيد حقيقي لجميع أدوار تاريخ البشرية في شتَّى صوره، وفيها التمثيل الكامل لفروق الآدميين وما عرَفوه من معتقدات منذ ظهور الوثنيَّات حتى هداية الناس إلى التوحيد.
البرتغاليون وبلاد الهند:
تعتبر بلاد الهند من أخصب بقاع العالم وأكثرها ثراءً بالموارد الطبيعية التي تجعل لعاب المحتلين الأوربيين تسيل وبغزارة، ولكن ضخامة المساحة وكثافة السكَّان والطبيعة الجغرافية حالت دون تحقيق تلك الأطماعِ الاوربية على أرض الهند، وكانت ناحية الجنوب حيث المحيط الهندي هي الجهة الوحيدة التي يمكن النفوذ إلى بلاد الهند منها، وما غيرها من سبل دونه عقباتٌ ودول وممالك كبيرة وقوية ، كانت حتمًا ستحول دون الوصول إليها.
كان البرتغاليون هم أول من وصَل إلى سواحل الهند من ناحية المحيط؛ وذلك خلال حركة الكشوف البحرية التي بدأت فور سقوط دولة الأندلس سنة 897 هـ، وبالفعل وصل البحار البرتغالي الشهير (فاسكو دي جاما) إلى سواحل الهند عند إقليم الكوجرات سنة 904 هـ، مكتشفًا بذلك طريقًا جديدًا للدوران حول العالم، وهو طريق رأس الرجاء الصَّالح، ورأى البحَّار البرتغالي من ثروات وخيرات البلاد ما جعله يعود مسرعًا إلى مليكه (إيمانويل الثاني) الملقب بالملاح لعنايته بالبحار والأساطيل، وأخبره بالكشف الجديد، فاستعدَّ البرتغاليون لغزو بلاد الهند، وحشدوا من أجل ذلك أمهر قادتهم وكلَّ قوتهم البحرية.
كانت دولة في الهند وقتها تعاني من ويلات الحروب الداخلية بين الممالك هناك، وسلطنة دهلي التي تعتبر أكبر وأقوى الممالك وقتها تعاني من صراع بين أمرائها على الحكم، وأوضاعها الداخلية شديدة الاضطراب، وغيرها من الممالك ليس بأحسن حالًا منها، في حين استطاع الهندوس أن يقيموا لهم عدَّةَ ممالك قوية في جنوبي الهند، ظلت شوكة في خاصرة دولة المغول في الهند.
استغلَّ البرتغاليون تلك الأوضاع المضطربة داخل بلاد الهند، وهجموا بأسطول كبير على إقليم الكوجرات، وهي شبه جزيرة تقع في غربي بلاد الهند؛ وذلك سنة 906 هـ، وكانت مملكة الكوجرات تتبع سلطنة دهلي الإسلامية حتى سنة 840 هـ، وبعدها استقلَّت وأصبحت مملكة خاصَّة مستقلة يحكمها أمراء أسرةِ مظفر شاه، وكان أمير الكوجرات وقت الهجوم عليها اسمه (محمود باشا)، وحاول صدَّ العدوان الغاشم عليه، ولكنه فوجئ بالتفاوت الكبير بين السلاح الهندي والبرتغالي، وبالفعل نجح البرتغاليون في احتلال عدَّة نقاط في سواحل الكوجرات.
دخل الإنجليز لأول مرَّة بلادَ الهند على هيئة شركات تجارية لنقل البضائع من الهند إلى أوروبا، وقد اجتمع كبار تجَّار إنجلترا مع محافظ مدينة لندن سنة 1008 هـ، وقرَّروا تأسيس شركة تجارية تتعامل مع حكومة الهند (سلطان المغول) مباشرة دون وساطة البرتغاليين، فأرسلَتْ ملكة إنجلترا وقتها إلى السلطان جلال الدين أكبر تستأذنه في ذلك، فأذِن لهم، فتكوَّنتْ شركة تجمع كبارَ التجار الإنجليز، وهي التي ستصبح بعد فترة من الزمان شركة الهند الشرقية، المشهورة في التاريخ بأنها واجهة الاحتلال الإنجليزي في المنطقة بأسرها.
رحَّب أهل البلاد بالإنجليز في بادئ الأمر؛ كراهية منهم للبرتغاليين ، وأنشأت المراكز التجارية في سورات وجوكوندا ومدراس وكلكتا، فلمَّا تولَّى السلطان نور الدين محمد جهانكير السلطنة سنة 1014 هـ - 1605م أراد الاستفادة من دخول الإنجليز سواحل الهند، فأغراهم بالبرتغاليين فاشتبكوا معهم في أعالي البحار، وأنزلوا بهم هزائمَ كبيرة أسعدت سلطان الهند، فأعطاهم حقوقًا على سواحل الهند مهَّدَت لهم السبيلَ للسيطرة على البلاد كلها فيما بعد.
أدرك الإنجليز بأنَّ سلطنة المغول الإسلامية وسلطان دهلي القوَّة الحقيقية والفاعلة في الهند، فساروا على خطَّة التقرُّب من سلاطين دهلي ومحالفتهم ضد خصومهم من البرتغاليين والإمارات الهندوسيَّة في جنوبي الهند، وفي المقابل توسع سلاطين دهلي في الاعتماد على القوة الإنجليزية نظير مَنح الامتيازات التجارية وبناء المراكز التجارية، التي ستصبح فيما بعد قواعدَ الاحتلال الإنجليزي للبلاد.
كان السلطان "محيي الدين أوزنكزيب عالم كير" أول مَن توسَّع في محالفة الإنجليز رغم أنَّه كان من أفضل وأصلح سلاطين دولة المغول المسلمة بالهند؛ بل هو من كبار العلماء، وله مؤلَّفات في الفقه الحنفي، ولكنه تحالف مع الإنجليز من موضع قوَّة، ولما شعر الإنجليز بنوع من القوَّة في البنغال وأرادوا أن يستعرضوا هذه القوة سنة 1680م أمر السلطان بالاستيلاء على كلِّ مراكزهم ومصانعهم، وفقد الإنجليز نتيجةَ تهورهم كثيرًا من مكتسباتهم في الهند، ولكن سرعان ما أعاد لهم السلطان مراكزَهم بعد أن علم أنهم قد وعوا الدَّرس جيدًا، وبالفعل ظلَّ الإنجليز قرابة النِّصف قرن بعدها بعيدين عن أمور الدولة الداخليَّة، وانصرفوا خلالها لتثبيت أقدامهم ووجودهم في البلاد.
لم يكن خلفاء السلطان محيي الدين على شاكلته في الحَزم والشجاعة، فأخذ الضَّعف يدبُّ في سلطنة المغول في الهند، وتصارع أمراؤها على الحُكم، وأخذ الهندوس يرفعون رؤوسَهم في هضبة الدكن والبنغال، وأخذت عُرى الدولة الكبيرة في الانفصام الإقليم تلو الإقليم، وأخذ ولاة الأقاليم والقادة الكبار في الانفصال بأجزاء السلطنة؛ وذلك بسبب ضعف السلطة المركزية عن التصدِّي لثورات الهندوس والسيخ والمراتها، ومن أبرز الإمارات التي ظهرت في تلك الفترة إمارة نظام الملك في حيدر آباد الدكنية، وإمارة ميسور في جنوب شرق الهند، وتلك الإمارات هي التي ستتولَّى محاربة الإنجليز والهندوس وقيادة الثورة المسلحة ضدهم.
لعب الإنجليز لعبة تبادل الجياد بكل خبث ومكر، فبعد أن شعروا بسريان الضعف في أوصال سلطنة المغول في دهلي، وفي المقابل أخذت قوة الهندوس والسيخ في التنامي، نقلوا رهانهم على الهندوس والسيخ، وعملوا على محالفتهم ضد المسلمين، ولكن بصورة خفيَّة بادئ الأمر؛ حتى يبقوا على علائقهم مع المسلمين، وظلُّوا يتسلَّلون شيئًا فشيئًا بالداخل الهندي؛ حتى سيطروا على البنغال وأوده سنة 1760م، ثم حيدر آباد سنة 1766م، ثم ميسور سنة 1792م، وأخيرًا دخلوا دهلي عاصمة سلطنة المغول
وبعد قرنين من الاستعمار نالت الهند حريتها يوم 15 أغسطس/آب 1947، بعد نضال طويل لحركة التحرر، انتهى بإقرار مجلس العموم البريطاني مشروع قانون الاستقلال