El-Sayed Abo El-Naga
الاحتفال بعيد الفطر فى العصرين الفاطمى والمملوكى
تتعدد مظاهرالاحتفال بعيد الفطر المبارك فى العصرين الفاطمى والمملوكي، والثابت تاريخيا أن بداية المراسم والاحتفالات الصاخبة المصاحبة للعيد كانت مع قدوم الفاطميين لمصر، ويستهل الاحتفال بعيد بخروج موكب الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى من قصره محاطا بالأبهة والعظمة، وكان المعز يرتدى لهذه المناسبة الديباج والملابس البيضاء ويتقدم موكبه الجند وحملة الأعلام والناس من حوله تتعالى تكبيراتهم، وقد اختار المعز أن تكون الصلاة فى ساحة مفتوحة خارج العاصمة وخارج المصلى المخصص عند باب النصر، وكان الخليفة الفاطمى يقف بالمصلين إمامًا وهى عادة ظلت ترافق العهد الفاطمى حتى فى أصعب فتراته كالشدة المستنصرية، فعلى الرغم من خروج زمام الحكم من أيدى المستنصر بالله فى هذه الشدة إلا أنه بقى محافظًا على أداء الصلاة بالناس فى العيدين.
وكان من عادة الخلفاء الفاطميين زيارة تربة الزعفران حيث ترقد جثامين أسلافهم ثم توزع الصدقات على الفقراء، ومن المعروف أن تربة الزعفران حل محلها خان الخليلى الآن .
وفى عهد الخليفة الفاطمى العزيز بالله أخذت الاحتفالات وجها أكثر جاذبية وإثارة مع إشراك الحيوانات فى المواكب كالأسود والزراف والفيلة فكان جنوده المشاركين فى الحفل يجلسون على أسرة على ظهور الفيلة وترافق المواكب فرق الموسيقى تصدح بأصوات بهية علاوة على ممارسة الألعاب البهلوانية والاستعراضات والتى تخصص فيها طائفة من أهل برقة أطلق عليهم صبيان الخف وكانت هذه الألعاب والاستعراضات تقام فى ساحة مفتوحة سميت رحبة العيد أمام القصر الفاطمى ليطل عليها الخليفة من نافذة قصره ومازالت هذه الرحبة قائمة بحى الجمالية أمام مدرسة الأميرة تتر الحجازية.
وكان توزيع الحلوى على الناس من مظاهر الاحتفالات الفاطمية بالعيد ومنها خشكنانج (حلوى على شكل هلال من رقاق فى وسطها اللوز أو الفستق) وبسندود أو كعب الغزال و الكعك علاوة على إقامة الأسمطة الحافلة بألوان شتى من الطعام وبكميات ضخمة ودعوة الناس من مختلف الطبقات لها وقد أقيمت دارا خاصة بذلك عرفت بدار الفطرة ليأخذ الأمر شكل أكثر تنظيما فى عهد الخليفة العزيز بالله وخصص لها ميزانية كبيرة وكان الناس يأكلون على قدر طاقتهم ويسمح لهم بحمل ما فاض معهم.
ومن الجدير بالذكر، أن صناعة كعك العيد سابقة على العهد الفاطمى فهى على الأرجح عادة فرعونية حيث وجدت فى مقابر الفراعنة لكنها تسربت للعهود الإسلامية بمصر وذاع صيتها فى الدولة الطولونية والأخشيدية أيضا إلى حد أن وصل الأمر لحشو أبو بكر المارداني، وكان وزيراً لكافور ولأبى منصور تكين التركى للكعك بالنقود الذهبية والتى عرفت بأنطونلة أو أفطن له!.
ومن العادات الفرعونية الأخرى التى ظلت ملازمة للمصريين بأعيادهم فى العهود الإسلامية تناول الأسماك المملحة فى عيد الفطر ، وبالعودة مرة أخرى إلى العهد الفاطمى حيث تقام الأسمطة بالأيوان الكبير وكان يبلغ طول السماط ثلاثمائة ذراع وعرضه عشرة أذرع حافلا بالأطعمة ومتسعا لأعداد ضخمة من زوار الخليفة ككبار رجال الدولة والقضاة والأمراء وزعماء اليهود والأقباط ، ولا يخلو الحفل من تبارى الشعراء فى إلقاء قصائدهم . وقد تدرج الإنفاق فى أسمطة العيدين ما بين أربعة آلاف دينار فى بعض العهود الفاطمية إلى أن وصل لمائة ألف دينار عينا فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله وقد قصد بهذا الانفاق الكبير المبالغة فى إظهار جود الخلفاء الفاطمين وكسب محبة العامة لهم واسترضائهم وكان المسؤول عن تسجيل نفقات العيد صاحب إيوان المجلس
وقد وصل البذخ فى الاحتفال بعيد الفطر إلى حد توزيع الإقطاعات فى عهد الحاكم بأمر الله . أما فى العهد المملوكى والذى ارتبط بكثرة الخرافات لدى العامة والسلاطين على السواء كالتطير والتشاؤم من مجىء العيد يوم الجمعة لكونه علامة على زوال السلطان، وحدث أن تصادف مجيء العيد يوم الجمعة فى عهد السلطان الناصر أبو السعادات محمد بن الأشرف قايتباى وقد كان صبيا فتحادث العامة بأن ذلك نذير شؤم و علامة على زوال سلطانه وحاول السلطان أن يقنع
قاضى القضاة الشافعى زين الدين زكريا أن يستبق العيد بيوم حتى لا يكون يوم الجمعة لكن القاضى رفض فاحتجب السلطان ولم يخرج للصلاة، ولم يمنع حذر السلطان ولا تصديقه للخرافات من بلوغ قدره إذ سرعان ما انقلب الأمراء عليه بمعاونة خاله الظاهر قانصوه الأشرفى وقتلوه وتسلطن قانصوه مكانه لينقلب عليه الأمراء لضعفه، ففر قانصوه متنكرا فى زى النساء لكنهم قبضوا عليه واقتادوه إلى سجن الإسكندرية، ونصبوا الأتابك الأشرف جان بلاط ثم العادل طومان باى ثم قانصوه الغورى .
أخذت احتفالات المصريين بالعيد فى الأزمنة المملوكية أشكالا متنوعة بين زيارة المقابر وبين ركوب القوارب بالنيل وقد شهد العصر المملوكى مصادفة عيد الفطر مع أعياد الأقباط عامى 1463 و1488 م وكذلك عيد وفاء النيل عام 1490م فكانت تتضاعف سعادة المصريين وتكتمل فرحتهم.