عائشة الدرمكي
منهج الكتابة الإبداعية
2 - أبريل - 2024م
كتب غابرييل غارسيا ماركيز مقالا مهما في كتابه «كيف تكتب الرواية؟»، ففي محاولته للإجابة عن السؤال الذي حمل عنوان الكتاب نفسه، يقرر ماركيز بعد مناقشة مطوَّلة، أن (المسألة ليست في كتابة رواية أو قصة قصيرة، وإنما في كتابتهما بجدية)، والأمر يعتمد على قدرة الكاتب وقناعته، بصرف النظر إن حقق النص بعد ذلك رواجا، أو فاز بجائزة أدبية أم لا، وهذه القناعة التي يحدثنا عنها متعلقة بتجربته الشخصية في الكتابة، وزاوية النظر التي يعتقد أنها مناسبة لأولئك الكُتَّاب الذين يعتقدون أن (الأدب فن موجَّه لتحسين العالم).
إلاَّ أن غابرييل نفسه يعتقد أن تلك الإجابة (لا وجود لها) باعتبارها غير مرئية ومُلبسة من الناحية العملية، وهو يسرد لنا ما حدث له عندما مزَّق جزءا من رواية باعتباره ميؤوسا منه، بينما وجده الشاعر خورخي غيتان، الذي أتاه ليطلب منه نصا ينشره في مجلة «ميتو»، فوجد هذا النص في سلة المهملات واعتبره (صالحا جدا للنشر)، على الرغم من أنه فصل انتزعه ماركيز من روايته الأولى (عاصفة الأوراق)، عندما وجده فائضا عن الحاجة، بينما يُقِّر بأنه قام بالتخلص من مجموعة من قصص قصيرة كان قد كتبها عن حياة الأمريكيين اللاتينيين في أوروبا ورماها في سلة المهملات لأنه لم يقتنع بها.
إن مثل هذه الأحداث والمواقف التي تحوِّل بعض النصوص أو الكتابات من مكانة تقديرية إلى أخرى، يكشف ما يسميه جاك رانسيير في كتابه سياسة الأدب بـ(سوء التفاهم الأدبي)، الذي يشكِّل العلاقة بين الدلالات وحالات الأشياء التي ترتكز في الذات المستقلة عن الكاتب نفسه لحظة الكتابة؛ ذلك أن الأدب يدَّعي مقابل ما يرفضه لنا، تقديم خدمات أخرى، إذ يقرأ الأدِّلة المكتوبة، وقد ينزع الدلالات التي يمكن للمتلقي تحميلها إيَّاه. ولأن (الأدب هو الحياة)، كما يقول رانسيير، فإن العديد من الكُتَّاب حاولوا فهم تلك العلاقات التي تربط بين فعل الكتابة والإبداع الكتابي، خاصة من الناحية المهنية الإجرائية، وهي محاولات استطاعت أو كادت القبض على إمكانات الأدب والكتابة الأدبية والتناقض بين حياة النص وحياة الواقع، الذي يمكن للكاتب أن يستطيع من خلالهما تغيير الحياة وتحويل أشكال الرؤية إلى كيان مشترك يجمع نظام الدلالة وتأويل العالم، وتغيير أشكال النظر إلى الممارسات الأدبية التي يمكن أن يخلقها النص أثناء فعل الكتابة. لقد عرَف العالم الغربي مجموعة من المقاربات التي حاولت إيجاد منهج واضح للكتابة السردية، فغير مقال ماركيز الشهير، كتبت نانسي كريس (تقنيات كتابة الرواية. تقنيات وتمارين لابتكار شخصيات ديناميكية ووجهات نظر ناجحة)، وكتب لورانس بلوك (كتابة الرواية. من الحبكة إلى الطباعة)، ناهيك عن تلك الكتب التي تفصِّل الحديث عن النص السردي، خاصة الرواية أشهرها «فن الرواية» لميلان
تعليق