فلسفة المسرح الأرسطية أساس للدراما العصرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فلسفة المسرح الأرسطية أساس للدراما العصرية

    فلسفة المسرح الأرسطية أساس للدراما العصرية


    "فن الشعر" منبع الدراما على خشبة المسرح والدراما خلف شاشة التلفزيون.
    الخميس 2024/04/04
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    التراجيديا لدى أرسطو: تقليد مثالي للفعل الإنساني

    يقول أرسطو إن تجسيد الفن الدرامي للإنسان يتمثل في ثلاث حالات: إما أن يتجاوز حالته الحالية ويكون أفضل مما هو عليه في الواقع، أو ينحدر ليكون أسوأ، أو يظل كما هو بالضبط. وقد أسست هذه الفلسفة لفن الدراما بكل أشكالها، بما فيها الدراما التلفزيونية والمسرحية اللتين لا تزالان محدودتي التأثير في المجتمع المغربي.

    الرباط - إن مفهوم الدراما يحتل مكانة مرموقة في تاريخ الفنون الإنسانية. ولم تخل حضارة أو شعب أو أمة من فن الدراما، فهو الفن المتمثل بالمحاكاة وأداء الأدوار لأغراض التسلية أو الترفيه أو التثقيف، وهو أقدم فن عرفه الإنسان إذا ما ربطناه بتاريخ الإنسان نفسه، وهو الشيء الذي جعل رواد المسرح يدرسونه كلا من زاويته الخاصة سواء من خلال أعمال موليير، أو تشيخوف أو أعمال شكسبير، أو حتى المدرسة الإغريقية لفن الدراما، فهؤلاء جعلوه جزءا من حياتهم في جميع مجالاتها الدينية والاجتماعية والسياسية، إذ أن لهم الفضل في وضع أصوله ومناهجه وكلها نابعة من الدراما الأرسطية. فهل هناك اختلاف بين الفنون الدرامية التي أسسها أرسطو والدراما في المسلسلات التلفزيونية؟

    من خلال قراءتنا لكتاب “فن الشعر” للفيلسوف أرسطو، يتضح أنه حدد عناصر البناء الدرامي الستة: الحبكة، الشخصية، اللغة، الفكرة، المنظر المسرحي والغناء، ويضع أرسطو هذه العناصر حسب أهميتها في الاشتغال داخل النص الدرامي، وفي خضم بحثنا حول تاريخ فن المسرح العالمي نكتشف أن فن الدراما مرّ بمراحل عبر المنظور الفلسفي والنظري والتطبيقي، منذ الإغريق مرورا بالعصور الوسطى وعصر النهضة وعصر التنوير والعصر الحديث إلى عصرنا الراهن، شأنه شأن تاريخ الفلسفة النير.


    كتاب أرسطو أهم الكتب التي أسست لنظرية الدراما الغربية، فهو من حدد المصطلحات المستخدمة في النقد الدرامي


    وتكمن قيمة فن الدراما المسرحي وأهميته في كونه الحجر الأساس للدراما في المسلسلات التلفزيونية، لكن ماذا؟ لأن المسرح مرتبط بأدب الحوار أو تبادل الحوار إذ أنه المعنى بتقديم نهايات تخالف المقدمات أو البدايات عن طريق الأخذ والرد، ما يجعل المشاهد منجذبا متحيرا في الأحداث وتسلسلها، وفي أداء الممثلين أو الشخوص وتحولاتهم المنطقية وغير المنطقية، وتأتي تلك المفارقات في الأعمال الفنية التلفزيونية أيضا، وتتخذ عدة قوالب منها ما هو كوميدي مثل المسلسلات الرمضانية القائمة على الترفيه، ومنها ما هو تراجيدي من الأفلام التي يموت أبطالها في سبيل العدالة، وذلك من خلال الممثلين والحركة والصورة، ويتجلى العرض الدرامي في المسرح بصورة تجمع بين الضحك والجد والواقع والخوف والحزن والبؤس، ومن هنا يمكننا القول فلسفة دراما المسرح تعد الأساس التي انطلقت منه كافة الفنون الدرامية.

    ويعتبر كتاب أرسطو أهم الكتب التي أسست لنظرية الدراما الغربية، فهو من حدد المصطلحات المستخدمة في النقد الدرامي وقدم إشارات حول الإدراك الطبيعي للنص الدرامي، كما يعتبر أرسطو أن طبيعة التراجيديا تكمن في تقليد مثالي للفعل الإنساني، وأن وظيفة هذا الفن هو إظهار العواطف التي تبدأ من الشفقة وتنتهي بالخوف، وقد تكمن أيضا هذه المسألة المتعلقة بالمنفعة الاجتماعية النفسية في أن الدراما هي المحرك الأساسي للعواطف وتقليد باطني للعالم الظاهري، وهذا يتداخل بين الدراما على خشبة المسرح والدراما خلف شاشات التلفزيون وهذا ما يجمع الفن بالمجتمع.

    فـ”المسرحية خيال ولكن غرضها ليس الخداع بل البحث عن الحقيقة” كما يقول أنطون تشيخوف.

    وتعد الدراما بصفة عامة سواء في المسرح أو التلفزيون مؤسسة اجتماعية، إذ يجتمع الناس ويتفاعلون عن طريق نشاطاتها، فعلي سبيل المثال الأعمال التي تعرض حاليا ضمن برامج رمضان، في هذه الحالة تجتمع مجموعة من الناس لمناقشة مواضيع المسلسلات والسيتكوم والأفلام التلفزيونية وأداء الممثلين بشكل يفوق التوقعات، سواء على مستوى نسب المشاهدة أو على مستوى اللغط الذي تخلفه الأحداث الدرامية، وهذا يدل على أن الدراما والإنسان وجهان لعملة واحدة وهي الفن الذي يخدم المجتمع، ولكن في حالة التلفزيون تعتبر الدراما مؤسسة مفتوحة أي بمجرد أن تفتح جهاز التلفاز يمكنك المشاهدة والتفاعل.

    أما في حالة خشبة المسرح فهو يسمح فقط للناس المعنيين بالعمل في المسرح بالمشاركة، مثل المخرج والممثلين وعمال السينوغرافيا والديكور والإضاءة والمنتج، والجمهور الانتقائي الذي يدفع ثمن التذكرة، وعلى الرغم من طلب من الجمهور دفع رسوم الدخول لمشاهدة العرض المسرحي، فإن المجتمع الذي يخدمه المسرح هو مجتمع واسع مثل المجتمع الذي يكون خارج المسرح نفسه، ولكن على صعيد التطبيق والواقع مازال المجتمع المغربي لم يطبّع بشكل تام مع الفرق المسرحية من أجل المواكبة المستمرة، وخاصة تلك الفرقة التي تقدم عدة مسرحيات في موسم واحد بدلا من مسرحية واحدة يعاد تقديمها طوال العام.



    هنا طبعا نكتشف أن لكل مؤسسة اجتماعية نوعا من أنواع التنظيم الذي يؤدي إلى تحقيق أهدافها ويؤدي وظائفها ويحمي معاييرها ويضمن استمرارها وتواصلها المستقبلي، والمسرح المغربي لا يجب أن يستثنى من هذه القاعدة، إذ أن العديد من المسرحيات التي تتكلف بها القنوات التلفزيونية تنجح عند الجمهور المغربي، والمسرح المغربي له تاريخ عريق بدأ خلال القرن الأول ميلادي في ظل حكم موريطنية الطنجية أي الفترة الرومانية، فهو شأنه شأن المسرح العالمي بشكله الإغريقي والروماني، وأيضا بين القرن الثامن والقرن التاسع عشر بعد انتهاء الوجود الروماني وبداية المرحلة الإسلامية في تاريخ المغرب، إذ تميزت بروافد ثقافية عربية وأمازيغية وأندلسية وأفريقية التي كان قاسمها المشترك هو الجمهور المغربي الواسع بدءا من فن الحلقة إلى أول مسرحية عصرية عام 1913.

    ورغم أن منذ بداية القرن العشرين إلى غاية العشرينات منه، كانت كل العروض المسرحية المقدمة في المغرب مؤداة من طرف فرق أجنبية، إسبانية ومصرية وفرنسية، وبالأساس في مدن طنجة وتطوان والرباط وسلا وفاس ومكناس ومراكش، كان لها تأثير كبير على الجمهور المغربي وساهمت في تحفيز ظهور أولى الفرق وأول الممثلين المسرحيين المغاربة، وكانت أولى العروض والفرق ذات اتجاهات تهذيبية وسلفية تغلب على عروضها النزعة القومية والتاريخية، ولكن بعدها ظهرت تيارات في المسرح المغربي منها الجامعي والعجائبي ثم مسرح الهواة الذي نال الشهرة الواسعة عند الجمهور المغربي من خلال مهرجانه السنوي الذي انطلق أول مرة عام 1957.

    وفي سياق ما سلف من آراء مختلفة ورؤى كلاسيكية وأخرى حديثة غربية ومغربية لفن الدراما، فإنه يمكن لنا أن نقول ونحن واثقون أن العمل الدرامي بين المسرح والمسلسلات التلفزيونية هو عمل إنساني اجتماعي بامتياز، وهو ما نلمسه اليوم سواء في المسرحيات المغربية التي تجول في أنحاء العالم، ولا المسلسلات التي زادت نسبة إنتاجها بسب الإقبال الذي تناله من الجمهور، إذ أنها أعمال درامية تدخل في أعماق الإنسان وسلوكه وأفكاره وتحركاته وثقافته، فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا لا ينفك عنه، فالأعمال الدرامية شئنا أم أبينا تمثل كينونتنا ككائنات عاقلة وعاطفية وكمجتمعات مترابطة ومتماسكة ومتشعبة، وهذا كله يعود إلى الدراما الأرسطية التي أسس لها الفيلسوف أرسطو في كتاب “فن الشعر”، ولكن يبقى الإنسان في العصر الحالي فردا كان أو مجتمعا، متغيرا ومتحولا ومتطورا فكريا وثقافيا وسلوكيا واجتماعيا واقتصاديا، فإذا كان هذا هو حال الإنسان فإن حال الفنون الدرامية كذلك أيضا، متحولة ومتغيرة ومتطورة بما يتوافق ويحاكي أذواق الجمهور على مر الأجيال.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    عبدالرحيم الشافعي
    كاتب مغربي
يعمل...
X