"كراسي القش"...تمشيط القمح بعد حصاده .. مهنة تحارب الحداثة
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عرف الدمشقيون حرفة صناعة الكراسي من القش منذ القديم، وهي مهنة تتميز بإتقان صناعتها ومتانتها مقارنة بأنواع الكراسي الأخرى، فهي تخلو من المواد اللاصقة، كما أنها خفيفة الوزن وصغيرة الحجم.
.
وكانت الكراسي المصنوعة يدوياً من القش والخشب منذ بضعة عقود من الزمن تتواجد في كل بيت دمشقي، وتعدّ من أساسياته، فكانت موجودة إلى جانب بحرة باحة البيت وداخل الغرف، ناهيك عن انتشارها في الدكاكين والمقاهي، ولكن الأمور تغيرت حينما غزت الكراسي الرخيصة الثمن المصنوعة من البلاستيك والمعدن السوق المحلي،
.
وقد خرجت "كراسي القش" من عباءة التراث مرة جديدة بعد مضيّ سنوات على نسيانها..
لتعود إلى الاستخدام الفعلي كأثاث يحتاج إليه المنزل، الأمر الذي جعل الورشات التي تعمل في مجال صناعة الكراسي الخشبيّة مع "القش" أو "الخيزران" تعاود نشاطها وتسترجع مجدها في البيع،
واصبحت "كراسي القش" تحف للزينة ضمن البيت الدمشقي التراثي، معتمدة على التصنيع اليدوي الذي بدأ في "دمشق" قبل 600 عام.
.
ولا تزال الكراسي الخشبية او كراسي القش كما يعرفها معظم الجيل القديم تحجز لها موقعا متميزاً في العديد من البيوت السورية القديمة منها والحديثة وذلك لشكلها من الخشب والقش المتميز من جهة، ولتباهي أصحاب البيت بامتلاكهم مجموعة كــراس تراثية قديمة من جهة اخرى.
.
وبما ان "كراسي القش" تشكل جزءاً من التراث الشرقي،فاننا نرى العديد من المطاعم والفنادق والمقاهي في "دمشق القديمة" إلى إعادة استخدامها انسجاماً مع طبيعة هذه الأماكن وتصاميمها ومواقعها في منطقة قديمة، إضافة إلى كونها صحية أكثر للجسم؛ فالعديد من المختصين أثبتوا أن هذا النوع من الكراسي مريح لجسم الإنسان أكثر من غيره.
.
ولمقاومة اندثار هذه الحرفة، اهتم من بقي من القشاشين بمواكبة العصر في صناعة أثاث البيت، وتطورت تصميمات هذه الكراسي عن السابق.
فظهرت بألوان مغايرة جعل عدداً من أصحاب البيوت يقبلون عليها، ويستخدمونها في المنازل،
ففي السابق كان لها لون واحد، وهو لون الحبال المصنوعة منها، والآن دخلت عليها ألوان عدة بحسب اختيار الزبون، كما أصبحت متعددة الأشكال والألوان بما يتناسب مع ديكور كل منزل، وأضيفت إليها مخدات صغيرة زادتها جمالا.
.
ان هذه المهنة معروفة في "دمشق" منذ اكثر من 600 عام، وتعتمد بوجه أساسي على الخشب وقش القمح او "قش الحلفا"؛ وهما المادتان الأساسيتان في صناعتها التي تتم يدوياً، فبعد إحضار "القش" الناتج عن القمح بعد حصاده، يرطب بالماء حوالي أربع أو خمس ساعات ويغطى بقطعة من "الخيش" المبلول، ثم يمشط بمشط خاص، حيث إن القش عريض والمشط عبارة عن قطعة خشبة فيها مجموعة مسامير على شكل مشط الشعر بهدف تقطيعه، حتى يصبح كشعر البنات، ثم يُجدّل (يضفر) ويتم تشكيله على الكرسي.
.
ولمهنة تقشيش الكراسي أسرارها كغيرها من المهن، فقش (الحلفا) الذي يستخدمونه في صناعة الكراسي يتم جلبه من المستنقعات وضفاف الأنهار ثم ينقع في الماء ويوضع فوقه الخشب حتى يكتسب الطراوة والليونة ليسهل لفه ثم يمشط ويفتل ليصبح حبلا متينا ويشكل حسب الطلب.. وقد أطلق عليه هذا الاسم لمرارة طعمه، فلا تقربه الحيوانات،
كما لا يحتاج القش إلى أي آلة في تجهيزه بل هو يدوي الصنع بامتياز
.
وتتوزع الأنواع المصنعة منه ما بين "كنبة" وكرسي السفرة وكرسي الاستخدام الخارجي أو الداخلي،
وصناعة الكرسي الواحد تحتاج إلى وقت قد يصل إلى يوم كامل، بعد مرحلة تجميع القش التي تستغرق ثلاثة أيام متتالية
.
ويمتاز كرسي القش بطراوته وهو صحي للغاية لأنه يمتص الرطوبة في الشتاء والحرارة في الصيف. و يدوم لأكثر من عشر سنوات في حال منع الأطفال من اللعب به وتقطيع قشه، ، وباعتبار أن القش يعتبر نقطة ضعف الكرسي، فإن صناع الكراسي تكون لديهم ورشة خاصة لترميم القش حيث تتم معالجة أي مشكلة تطرأ عليه ويرمم من جديد لإعادة استخدامه
.
وما زالت "كراسي القش" مثل تحف تزين البيوت الدمشقية القديمة منها والحديثة، وتعطي البيت شعوراً بالدفء والجمال، حيث عمل الحرفي الدمشقي على استعمال النقوش عليها؛ وأبرزها: "الطاووس"، و"عين الشمس"، و"النسر"؛ وجميعها يتداخل فيها الفن مع الصناعة .
.
هناك تصاميم مختلفة للكرسي المحليّ منها "الأبيض" و"الحمصي" و"الهزاز" و"الكعكة" و"قرن الغزال" و"المدور"..
هناك نوع ظهر في مسلسل (أم كامل) التلفزيوني، فصار الكرسي معروفا بين الناس والحرفيين باسم (كرسي أم كامل)،
كذلك هناك موديل يدعى (العربي الصغير) وهو منتشر بكثرة، وعادة ما يصنع من خشب الحور ومن قش الحلفاء الذي كان يؤتى به من منطقة دير الزور على ضفاف نهر الفرات . وثمة من يصنع نماذج صغيرة للزينة أو لوضع الهاتف الجوال عليها أشبه ما تكون بالدمية أو النموذج المصغر.. وهذه تستهوي السياح الأجانب كثيرا”.
.
ومع اهتمام المرأة بديكور البيت، فقد جعل الحرفيون وخاصة الشبان كراسي القش تواكب ذوق المرأة وما يتناسب مع ذوقها في تأثيث البيت، فاختلفت تصاميمها وألوانها بما يتماشى مع غرفة الصالون أو غرفة الضيوف.
.
ولاتزال صناعة "كراسي القش" تأخذ حيزاً من حياة أهل الريف، وذلك بصناعة عدة أنواع من القش كالمكانس والأطباق والسلال وحتى الكراسي الصغيرة والكبيرة، وهذا يعود إلى ملامستهم منتجات الطبيعة ومخلفاتها مباشرة، وتوافر المواد الأولية اللازمة لتلك الصناعات اليدوية التي تمثل جزءاً من التراث الشعبي .
.
ان مهنة تقشيش الكراسي بالأصل مهنة موسمية إذ أنها تنشط في فصل الصيف فقط، وتتوقف في فصل الشتاء، ذلك أن تصنيع هذه الكراسي يحتاج إلى طقس حار وجاف، ومعظم الناس يرغبون في صيانة كراسيهم مع بداية فصل الصيف للجلوس عليها في فناءات المنازل
.
وقد تمت إضافة خيط السيلوفان البراق للقش ولاقى الكرسي الممزوج بالسيلوفان والقش طلبا بخاصة في المنتجعات
.
في الفترة السابقة كانت هذه الكراسي يقتنيها الأغنياء كأثاث للصالونات والشرفات وحدائق بيوتهم، وفي المطاعم والمنشآت والمقاهي السياحية التي تهتم بالتراث
.
وقد تركزت دكاكين صناعة كراسي القش الشعبية في منطقة "باب مصلى" و"سوق القباقبية" القديم خلف الجامع الأموي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
العالم سورية
سانا
ومصادر اخرى