تقديم:د.حمدي موصللي.الهدس مشهدية المكان- دراستي عن رواية الهدس للروائي:إبراهيم الخليل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تقديم:د.حمدي موصللي.الهدس مشهدية المكان- دراستي عن رواية الهدس للروائي:إبراهيم الخليل

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٤٠٤٠٣-٢٠٥٣٤١_Facebook.jpg 
مشاهدات:	11 
الحجم:	53.7 كيلوبايت 
الهوية:	200312
    الهدس مشهدية المكان ـــــ دراستي عن رواية الهدس للروائي إبراهيم الخليل في سلسلة الكتاب الشهري / كتاب الجيب/ رقم 194 شباط 2024 الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق بعنوان: ( إبراهيم الخليل صفصافة الشرق ــــ مولاي)
    شارك فيه مجموعة من النقّاد السوريين البارزين، وأعدّ له، وقدّمه الدكتور حمدي موصللي.
    كلّ المحبّة للعاملين على إصدار الكتاب، وعلى رأسهم الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب.
    وتكريم الخليل بإصدار كتاب خاص بأدبه تكريم للرقة ومثقفيها، وتقدير للكلمة المبدعة.
    دراسة عمر الحمود *
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    رواية الهدس ( مشهدية المكان )
    ـــــ تعريف بالرواية: الهدس (1) رواية للكاتب ابراهيم الخليل ـــــ صادرة عن دار التنوير ـــــ بيروت 1987 تقع في 259 صفحة من القطع الوسط.
    وهي جزءٌ من رباعية روائية تضمّ: الهدس ـــ سودوم ـــ الزواقيل ـــ الطريق إلى الرقة.
    واشتهر الكاتب بها، فحين يُذكَرُ اسمُه تُذكر رواية الهدس معه.
    للعنوان دلالة على البيئة الفراتية التي يطلق أهلها على الشاحنة ذلك الاسم كما يقول الناقد الدكتور نذير جعفر (2).
    والهدس آلة جديدة طارئة على المكان.
    تتحدّث الرواية عن الرقة في أواخر الوجود العثماني وخلال الوجود الفرنسي وبدايات العهد الوطني في سورية، حيث كان عماد الحياة الاقتصادية تربية الماشية والانتقال بين مواطن الكلأ والماء والزراعة والرعي...
    والقارىء لهذه الرواية يكتشف أنّ المكان هو نبض الحياة في الرواية، وقد اختاره الكاتب بشغفٍ ودراية مما جعل روايته من الروايات العربية التي تحمل ملامح الرواية العربية الخالصة والممتلكة لخصوصية الهوية، والعصب الرئيسي في هذا الامتلاك هو المكان، وإعادة اكتشافه برؤيةٍ ونظرة جديدة إلى التطور والتاريخ ( رعي وبداوة ـــ ريفية وزراعة يدوية ـــ دخول الآلة إلى الحياة ـــ الخروج من دائرة الزراعة إلى دائرة المدينة الصغيرة والاستقرار ).
    ويقول ابن خلدون: ( المدن بسكانها ).
    تنوّع الناس في الرقة نتاج تنوع للمكان ( بدو في البادية ـــ شوايا في القرى ـــ قول في المدينة ـــ فلاليح في القرى والمزارع ـ عمال وافدين في الأمكنة التي تحتاج إلى أيدي عاملة ....)، وتفاوت الأمكنة الرقية وتنوعها نوّع فعاليات الحياة فيها وخاصة الفعاليات الاقتصادية، فلكلٍ أسبابه وحياته ونمطه المعيشي.
    ومهما كتبنا عن المكان الرقي الذي عاش منسياً أو منفياً في المشهد الروائي السوري، عدا بعض كتابات العجيلي، وفيها انزياحات لا تمثّل الرقة مستوحاة من دمشق وحلب، نشعر بأنّنا لم نكتب عنه إلا النـزر لسعته وتنوّعه وغناه بإرثٍ كبير.
    ــــــ رؤية الكاتب إلى المكان: لم يتناول الخليل المكان في الرواية تناولاً يرضي القارىء الآخر، ويثبّت صورة الشرق التقليدية في التراث الحضاري الغربي، بل تناوله بموضوعية مع سبرٍ لأعماقه، ويزيد في قيمة هذا التناول أنه اهتمّ بمكانٍ مهمّش روائياً ، وبمرور الأيام يلفّ المكان الصمت والسكون، وتضيع تفاصيله في دهاليز النسيان.
    ويتميّز المكان الرقّاوي بطبيعة قاسية خاصة به اعتاد الناس عليها، ولاتتكيّف معها إلا قلّة وافدة، يقول الدركي في حواره مع شيخموس النوري: ( لماذا جئت إلى أرض القرود هذه ؟.
    حتى الأبالسة لايمكنهم البقاء في هذا المكان ) ص 36.
    كتابته عن المكان وفاء للواقع وللبيئة التي نشأ، وعاش فيها، فهو يعرف الرقة ببراريها وأنهارها وحاراتها وعشائرها، هذه المعرفة الواسعة بجغرافية المكان وتاريخه السري والعلني والشفوي والمدوّن لها بريق إغراء تناديه لكشف المجهول من بخبرة ووجد ، وسبر طِباع أهله مع قراءة لألواح شرائعهم الاجتماعية، فيطيب البوح من المكان عن المكان ( توحّد الطبيعي مع الإنساني ).
    ولايخفى على القارىء وجود إحفورات لإجياء الفصيح المنسي من اللغة، فهناك المفردات المحلية، أو الفصيحة المهملة و المنسية في الرواية، والناطقة بلسان المكان والمتهجّدة في معبده العابق بالقِدم: تلبط كالشبوط ـــ يملخك الانتظار ـــ الجلف ـــ تكرع عرقك الخاص ـــ خمشت وجه الريح .....
    والعبارات المستوحاة من أجواء المكان: الشيخ عندنا لاتسبّه ولاتعبده ـــ يمامات براويات يعبرن النهر ـــ امتلأت يده برسومٍ بدائية زرقاء حفرتها إبر النوَر عن سيوف وخناجر وعصافير للحظ والبشائر والخصب والزينة والتطبب ـــ أوشام الحناء ـ
    يارب قُربان عينك ـــ اندفع رشيقاً كجرو الثعلب ـــ تفوح من الجسد رائحة الخضيرة .....
    وهذا يخلق نوعاً من تطابق المكان مع وعي اللغة.
    وتعابير عاشقة للمكان، ومن أشواقه حبلت بتراكيب دالة على أبوّته: أظعان وهوادج ـــ عند الفجر رحلت القافلة ـــ اندفعت السيارة في الطريق ــــ رحل البدو من حويجة العبيد ـــ يبارون الفرات من عانة إلى العشارة ....
    إنّ هذا يدخل في باب تجديد وتطوير وكشف لصورة المكان.
    وأشكال ترسم جغرافية المكان بريشة فنانٍ نضجت تجربته، وذاب في مزيج الألوان: الأرض بساط بلا نهاية ـــ تتوالد دروب وشعبان ـــ تنهض تلول ـــ السهل منبسط عند البليخ ....
    ومن هذه الجغرافية تنطلق الحركة البشرية حاملة آثار هذه الجغرافية ضفائر لايخفيها وشاح أو هبرية، ونوعية الآثار تختلف من مكانٍ لآخر، وتبعاً لميول الشخصية وثقافتها.
    والكاتب الناجح هو الذي يهتم ببيئته، وكيف ننسى مقولة رسول حمزاتوف: العالم يبدأ من عتبة بيتي.
    ويتوسّد همومها، وينام على صدرها، وكما يقول سعيد علوش: ( إنسانية الأدب وعالميته لايمكن أن تكون إلا من خلال واقع الكاتب أيّ مجتمعه ) (3) .
    ولهذا سنقرأ الرواية باتخاذنا ( بانوراما ) المكان نبراساً لهذه القراءة، إننا أمام رواية مشهدية.
    ـــ أولاً: المكان وتأثيره على الأشخاص: طبع المكان الشخصيات بطباعه، وأضفى ملامح من سيرته على سيرتها، ولوّن وجوهها بلونه الغباري، وختمها بسمرته، وظهرت ميول الشخصيات عليه، فكان المرآة لها بلا مساحيق تجميل، فأحمد الفياض تعلّق بنهر الفرات وأدغاله إلى حدّ العبادة، وباعتبار النهر مكان عبور للبدو وغيرهم من الشامية إلى الجزيرة ومن الجزيرة إلى الشامية رفع عنه الشعور بالغربة والرتابة المملة، ويمتاز النهر بحياةٍ زاخرة وبدائية ، فيها الولادة والحياة والموت والخير والخصب، أحبّها أحمد الفياض كمملكةٍ له، وبنى عرشه عليها متخذاً من السفينة قصراً لهذه المملكة الممتدة، وعاشر الماء والحصى وأشجار الضفاف وفصول النهر المتعاقبة، تكيّف مع ريحها، وتفيّأ ظلالها، واستأنس بأعواد السوس الخضر الدبقة والنجيل الرابي، ورأى قوة النهر الجبّار حين يفيض، فيكتسح الأحياء والجماد، ورأى وداعته وكثرة خيراته عند الهدوء، فهو شريان الحياة في المنطقة، والمروّض لعنفوانها في انتفاضات كرٍّ وفرٍّ موسمية، تحوّل ماؤه إلى طميٍ ولحمٍ ودم، ففي باطنه الغرقى حتى قيل عنه: النهر بلاش أي قاتل.
    وعرف مخاضات النهر التي يقلّ فيها عرض النهر، ويقلّ عمقه، ويشفّ ماؤه، ويظهر قاعه صقيلاً مغسولاً تحت الشمس، وخَبِرَ الحوائج الناهدة في عرض النهر، أو على شاطئيه التي تحيي الرغائب البدائية في التفرّد والوحشة ، مثلما عرف السلسلة الجبلية التي توازيه في الشامية، وبعدها البراري الموحشة التي يلوذ بها الوحش وجوارح الطير والخارجين على السلطة، ومايُحاك عنها من أساطير وحكاياتٍ عن جنٍّ وعفاريت وغيلان يؤذون من ينتهك حرمها المصون، هذا المكان النهري الغامض والثري، والذي يخافه العابرون، منح أحمد الفياض ملامح الشخصية الملحمية كقوة الجسم الخارقة والعقل الراجح والتفرّد والنخوة والمروءة، وعدم طأطأة الرأس أمام ابن أنثى كائناً من كان، واستقطاب الشخصيات الأخرى بدءاً من المهجّرين الأرمن ووصولاً إلى رموز السلطة العليا في البلاد ( الوزير في دمشق ) ومروراً بأهل المدينة والمخفر وغيره، يصوّر الكاتب مواجهة أحمد الدامية مع الشنّاق الظالم المتعجرف الذي عاث فساداً مع عساكره، فكسروا الأبواب، وهدموا العشش والقواويش، وجرّوا النساء والأطفال كالبهائم، رأى الفياض هذا، فاخترق قلبه وجعٌ، أسرّ له في عميق نفسه أنّ الشنّاق عدو النهار والإنسان وبؤرة شرّ في المكان، ولايمكن السكوت عنه في ظلّ غياب العدالة، فقتله بالقدوم : ( ارتفع القدّوم عالياً فادياً ككبش ابراهيم، مقدّساً كحمامات الحسن والحسين الذبيح، وقبق الرأس الكبيرة، وتفجّر الدم والجعير، خار ثم سقط، وتسمّر الموجودون، صعقتهم المفاجأة، وتحوّل الحشد إلى حجر ) ص190.
    وكأننا أمام جلجامش بلا هالة خرج من سلالات الماء، وطغى بقوةٍ قاهرة ( الطوفان )، وماالغرقى إلا قرابين له، فتصدى له أحمد الفياض أنكيدو اليوم الذي تغلّب على الصعاب، ووقف مع المسحوقين، وبعد المواجهة والإلفة وجد النهر المكان المتحرّك والعابر للمدن والبلدان ملك الأنهار وفردوسه الأرضي مثلما صادق جلجامش أنكيدو، وكلّ شجر الطرفاء والغرَب حوريات عِين يتنافسن لخدمة هذا الملك المائي، فيفتخر به، وتباهى به أكثر حين رأى نهر العاصي أثناء سفرته إلى الشام.
    وتشعر أحياناً أنّه توحّد مع المكان، وصار جزءاً منه، يصحو معه، ويغفو معه: ( وأنت ياأحمد الفياض كنت وحدك تعسل بين دغل الحوائج، وتشم رائحة الطين وحركة الماء السريّة، وتكمن لطرائد البط والدرّاج، وترقب ورود القطا من السهوب القاحلة، وقد أعماها العطش وضوء الشمس الجاسية ) ص11.
    ومكان العراء وزوابعه التي تهبّ من جهة الغرب، وتكسي قرص الشمس بلون الصفرة أو القتام، وتدفع أمامها العجاج والرمل ، وتصفع الوجوه وتدهم السفن، وتغيّر وجه الحوائج وتسفع الجدران الفخارية، وتغرق عيون الأطفال، وترعش قلوب النسوة والطير، تجعل الجنود الذين لم يعتادوا على طبيعة المنطقة في حالة توتر ونزق وشعورٍ بأنهم في مكانٍ مضاد لهم، يضيق النفَس فيه، فيسبّون، ويشتمون.
    وقسوة المكان ابتكرت قوانين خاصة لها ومأثورات امتازت بها، واحتضنها الفكر البري العشائري، فمن رشّك بالماء رشه بالدم، و حنّاء الأصابع دم طرائد أو ضحايا تنعش الروح، وتبعد الخمول عن الجسد.
    وتصنع هذه القسوة أعرافاً تكون فوق قوانين السلطة وغير مرة تقمّصت دور السلطة، ففي عين عيسى يزرع الشيخ جدعان الناصر الحشيش، ولايجرؤ بشرٌ على مساءلته: ( الذي يلجأ إلى بيت الشيخ جدعان لاتجرؤ كل قوات الدرك في سورية على اعتقاله أو المطالبة به ) ص 89.
    وندرة الرزق تجعل اللقمة مسألة حياة وموت، فيضطرّ المرء أن يمزّق كلّ صكوك الرحمة، ويُسقِط كلّ رايات الشفقة، فينهب أو يسلب ليحصل عليها بلا رادع، فالروح لله والمتاع لهم.
    البوادي أعطت أعرافها للبدو، فهم وحدهم الجديرون بالبقاء، ولهم المكان ومافيه، وغيرهم زوائد لا لزوم لها، فدفع لهم الناس ( الخوّة ) ثمناً للحماية التي يوفّرونها لهم.
    وقسوتها انعكست على البشر، وجعلتهم كالضواري أو أشدّ قسوة، فشرارة صغيرة قد تحيي عداوة يروح فيها عدد كبير من الضحايا.
    وإرث العداوة والثأر في البراري لايقف عند جيلٍ أو جيلين، بل يستمر لعنة خبيثة تتجذّر، وتتسرطن لأجيال كبذور نبات بري يحاول القيظ وأده بحرّه الكاوي، فينمو عند أول زخّة مطر.
    أمّا في الربيع وحول الأنهار، فتتحوّل البراري إلى جنّة ورد وعطر وخضرة ومرعى للقطعان، وتزهو الديار بصهيل فرح ودوحة طير لا يخفت نشيده، فتميل النفوس إلى الهدوء والدعة، لاحظ قول الحرس السيار لصاحبه عند نهر البليخ: ( بعد الغطسة الأولى في الماء تنسى كل تعبك، ومع الحليب والتتن لاتحسد الباشا، تسلطن مثل عبد الحميد ) ص 92.
    ينطبق على ماسبق قول يوري لوتمان: ( يفرض كلّ مكان سلوكاً خاصاً على الناس الذين يلجؤون إليه ) (4) .
    ــــــ ثانياً: المدينة كمكان: بداية كانت المدينة مكاناً قديماً مهجوراً وغامضاً، تشمخ فيه الأطلال العباسية وخرائب الفخّار، ولم يكن داخل السور الأثري سوى الأطلال وجراء الذؤبان والبوم ومخفر عثماني يسمى قره قول، ولم يجرؤ أحد على الدخول إلى المدينة القديمة، فظلّت مكاناً للخراب.
    وإلى عهدٍ قريب من تاريخ كتابة الرواية، والمدينة عبارة عن قريةٍ كبيرة أو مسرحٍ لتجمعٍ بشري، يشكّل فيما بعد نواة لمدينة صغيرة هادئة، بمعالم بسيطة قليلة: سور أثري ومقابر وأكواخ وافدين جدد وبويتات زرية للقدامى مبنية من حجارة السور الأثري القديم الفخارية ومن الحجر الغشيم، تثرثر النسوة المجللات بالسواد عادة أمامها، وتفوح من أردانهن رائحة خبز الصاج أو التنور والرقاق وجلف الذرة، ومخفر وسرايا صغيرة وبيت القائمقام ودكاكين قليلة لقادمين من مناطق حلب وتادف وسفيرة، وأكواخ الفلاليح من منطقة بزاعة وغيرها، وبيوت موظفين وبعض المضافات وتيجان أثرية من الصخر تتناثر أمامها، تدلّ على ماضٍ باذخٍ وحاضر متواضع، وتستظهر عبر نقوشها حكايات الأوائل الذين بنوا المكان، وعمّروه عهداً، وغيّبهم موت أو رحيل.
    والحارات راكدة بين ملهاة ومأساة، وقد سلّمت مفاتيح أبوابها ليد الضجر والرتابة وانتظار ساردٍ لحكاية أو ناقلٍ لخبر.
    وبلدات وقرى الرقة منتجات الحياة البدوية التي مالت إلى الاستقرار مؤخراً مع احتفاظها بثقافتها البدوية وأعرافها السارية وتراثها وقيمها التي لا تموت، ولا يطويها النسيان، ففي الربيع يترك السكان منازلهم المبنية من الفخّار المشوي، ويرحلون إلى المراعي والآبار، يختلطون بالفلاليح الغنّامة، فإرث الحلّ والترحال يجري في عروقهم منذ أن جاء أوائلهم في بداية القرن السابع عشر إلى المنطقة من حويجة العبيد، في العراق، زهدوا في أراضيهم وحلالهم، بعد مرارة عيش ودوران رحى القتل بينهم، وإقصاء العقول: ( راقبتهم التلول والرجوم والوديان وعيون الوحش ، وهم يدفعون كلابهم وضعونهم في قلب الليل البري، سلكوا طريق الفرات، وحين تعب الأولاد والحريم حملوهم في السفن من عانة، وظلّوا يبارون الفرات، ملك الملوك والأنهار عندهم، وفي الليل يتصاعد السويحلي والنايل والموليا غناء كالبكاء يلامس وجع الرجال ) ص207.
    وبُعَيْد المساء ينطلق الناس إلى شرفاتٍ تجمعهم، ويطلّون منها على أخبار القرى والمواسم، إلى المضافات للسهر والتدخين وشرب القهوة المرّة، والثرثرة وذكْر الغائبين في السفربرلك والباحثين عن رزقٍ ندرَ، أو الذين اختطفهم المرض والجوع.
    وعلى الأغلب أمكنة المدينة أمكنة مغلقة بدائية ( عدا بعض البيوت التي تعود لكبار الموظفين وبعض زعامات البلد ) تنفر منها الشخصيات التي اعتادت وضع بصماتها على المكان الواسع اللامتناهي، وقد سكنتها روح المكان وضمّتها شغاف القلب بحنوٍ ولهفة، يقول عبدي: ( أنا برّاوي ، لا أستطيع أن أعيش بين أربعة جدران، ولو حبستني أسبوعاً في بيت أو دكان لفطست ) ص 100.
    نلاحظ أن بيت أحمد الفياض الشخصية المحورية في الرواية عبارة عن غرفة أرضها من الجص، وسقفها من عيدان الزلّ والطرفاء، فيها صندوق خشبي وحصيرة وموقد وإبريق شاي ودن ماء فخاري، تُنار بسكروجة فخّارية التقطتها جدته من الحفائر الأثرية، وملأتها بالدهن، وهذه الغرفة تشبه الوكر أو المغارة.
    ويسرجون خيلهم لتحدي الفقر بمؤونةٍ لاتتعدى كيس طحين وبعض الشعيرية والذرة والسمن العربي عند أكثر البيوت.
    أمّا شوارعها فكثيراً ما تكون فرعية ضيّقة، تلعب بها زوابع الغبار.
    لكن فقر المدينة في الحاضر لا يُبعد ماضيها الباذخ في العراقة والغني بالموروث الكبير وخاصة الموروث اللامادي، ومنه الفولكلور، فعيونه تترصّد فصول الرواية، وترصّعها، ففي بداية الرواية نجد أثر هذا: عيون الحزينة ضي الهدس بالليل.
    وتمهّد للفصول في الرواية بعتباتٍ تشير إلى متنها كالفصل الثاني:
    أنتم تنامون وعيني تسـحن الليمون
    مدري تجون السنة مدري بالعمق تشتون .
    والفصل الرابع: أحمد وحيد وابن الغريبة وماجابن السباع إلا الغرايب
    والفصل الخامس: ماينفع العطشان كثر السبوحي.
    والفصل السابع: محتوم ذكرك عليّ بكل فريضة ووِرد.
    فهناك العوالم القديمة النابضة بالحياةكأوابد المدينة والتلال الأثرية المتناثرة حولها، فبعد ليل يعكّره السكارى أو لصوص صغار أو رجل يسترِق لحظة متعة مع صاحبته، تتمطى تلك العوالم، وتتثاءب، وتُصابح المكان بأثقالها وتاريخها، وتزيده غموضاً وبهامة وهيبة.
    وإلى جانب مكان المدينة أمكنة ثانوية ( ثابتة أو متحركة ) ومن أبرز هذه الأمكنة:
    ـــ مخيم النوَر في المواسم، يبرز في مواسم الخير والمطر لكثرة الأعراس وحفلات الأفراح، ينصبون خيامهم البسيطة قرب السور الأثري للمدينة ، ويقيم فيهم إرث الكار، ويصرخ بعد الاستقرار وبعد المساءات، ويحوّل مخيمهم مكان لهو ومتعة عند الميسورين ومكان إزعاج وشغب عند الآخرين، وقد يتدنّى إلى ألعن مكانٍ في الدنيا عند النساء اللواتي يخشين على أزواجهن من إغواء النوريات وألاعيبهن.
    يأتون فجأة بحميرهم وكلابهم وصغارهم، وحين يشعرون أنّ المكان يريد لفظهم يرحلون، ولا يبقى في الديار سوى الأثافي والرماد وفراغ مسكون بضلالاتٍ مهوّمة.
    ــــــ المخفر رمز السلطة، يجثم على التلّة في طرف المدينة الغربي، ويمثل الأنموذج المثالي للمكان المكروه في الرواية، لِما فيه من ظلم وقمع وفساد، وقبل المخفر كان المكان مشغولاً بالخراب والخواء، والتفّ من جاء من أسر القضاء حوله، فحماهم من تعديات الفلاليح والبدو، ويستمد هيبته من علاقاته مع مراكز المدن ومن صفته الرسمية وتفويض السلطة له بترحيل الأنفار إلى جبهات القتال.
    ـــــ المضافات تعدُّ أمكنة مفتوحة ومغلقة في آنٍ واحد، والدخول إليها يتمّ بلا دعوة وخاصة للضيوف والسهارى لخلو البلد من الفنادق، وتتصف بسعتها قياساً إلى غيرها، ولها دور اجتماعي واضح، تتم فيه اجتماعات، وتحلّ نزاعات عبر عوارف وقضاة من العشائر، وقد يرافق الدور الاجتماعي دور ديني، حيث تتمّ فيها أحياناً حوادث خارقة كما حدث حين اجتمع الشيخ المرندي والراوي والجنيدي في حلقة ذكر.
    ـــــ المعسكر الفرنسي، فحين خرج العثماني جاء الفرنسي بلا فاصل زمني يجعل المكان يلتقط أنفاسه، يقع المعسكر غربي البلد على كتف منحدر يميل حتى يتصل بسرير السهل النهري، يتميّز بأبنيته العسكرية ومخازنها، وقد توسّع على حساب الحارات المجاورة كحارة الشركس، ويعد بأنظمته الخاصة مكاناً مغلقاً محروساً.
    وفي صحائفه أسرار المكائد ضد الناس، وفي مكاتبه الدسائس ضد البلد وإذكاء الفتن بين أبنائها، وتفعيل مبدأ ( فرّقْ تسد ) كما حدث بين البدو وعشيرة الولدة عند معبر شمس الدين.
    ـــــ دار البغاء، وهي دخيلة على البلد، وتقليد استعماري، ومكان ممقوت ومحبوب وفضوح ومستور في آنٍ واحد ،يقع بين الفرات والجبل وحوله الدغل وشجر الغرَب والعصافير وقباب الطين، جلب الفرنسيون بغاياه معهم، فكنّ الصهباء المعتّقة لكثير من المسؤولين والأغنياء ورجال العسكر.
    ـــــ القاطر، وهو أنموذجٌ لغموض المكان، ولاتفتح مغاليقه تمائم أو تعاويذ، ويبيت فيه المنفيون من العشائر والخارجون على السلطة.
    ـــ الخمّارة: مكان مخملي سخي للشرب وتفريغ الهموم، جاءت من أرمن حلب، ووصفها المعماري لا يتجاوز مكاناً مغلقاً صغيراً يتكوّن من غرفة مربعة من الفخّار المشوي الذي انتزعه آرو من السور القريب.
    وهناك الأمكنة الثانوية المتحركة كسفينة أحمد الفياض وهي المكان الآمن المؤقت التي تجوب عرض النهر، وهي جسرُ العبور للعابرين من ضفةٍ إلى أخرى بعد استعارِ حنينٍ أو حاجة دنيا.
    والقطارات التي نُزِعت من مفاصلها الرحمة، فازدحمت بالأرمن المهجّرين وسيارات الفرنسيين العسكرية التي تبدو كبثور على طرق اعتادت قطعان الأغنام والأباعر وأقدام الرعاة، والهدس البدوي الذي أذهل الكثيرين، وشاحنات البدو الصغيرة التي تثير زوابع الغبار والعجاج خلفها ....
    ـــــ ثالثاً: الصحراء كمكانٍ واسع متحرّك في الرواية: الصحراء بطاقة الهوية إن أردنا تميّزاً ، وتميل الشخصية في الرواية مكانين : الأول مكان إقامتها الشرعي والثاني مكان يراودها كعشّيق ٍحين يضيق بها المكان الأول ، ويحضرنا هنا قول ميرال الطحاوي : ( إنّ الرواية العربية وجدت في الصحراء ضالتها لامتلاك خصوصية وهوية بعد استنفاد الأماكن الأخرى كالريف والمدينة لما فيها من إمكانات الدهشة ، وبعد سيل التجارب الروائية ) (5) .
    الصحراء هي البديل للثقافة الدخيلة، بديل بحثَ عنه كثيرون للوصول إلى رواية جوهرها الخصوصية العربية.
    إنّها المكان اللامتناهي والملكية المشاعة، ويكون الإنسان فيها حراً لاسلطة فعلية عليه سوى سلطة الصحراء وشرائعها، ووُجِدت الصحراء بأسماء عديدة كالعراء والخلاء والحماد والبراري، وشعار الحياة فيها الغزو والتنقل على مدى قرون طويلة ، وهما الحركتان الأساسيتان اللتان تكسران رتابة الوقت في ذلك المكان، وقد تحدث بعض الأدباء عن الصحراء كلٌ حسب رؤيته، أمّا الخليل فقد تحدّث عنها كمكانٍ مأهول، أو ناطق وملهم، وسعتُه تفتح آفاقاً للكتابة والتخييل، ومكانه الصحراوي يختلف عن صحراء إبراهيم الكوني الليبية الغارقة في الرموز والأساطير كما في روايته نزيف الحجر وأخواتها (6) ، وتختلف عن صحراء عبد الرحمن منيف الراضخة للنفط وآثاره كما في مدن الملح.
    الصحراء في الهدس سلطان الأمكنة، وعلى الرغم من فقرها بالعمران، فقد يأوي إليها الإنسان أكثر من بيته، ولها طقوسها الخاصة ومكوّناتها الفريدة، فهي ملكوتٌ غامض، وموئل العشائر الرحّل والذؤبان وملاعب القطا والرخم والحبارى، تتناثر بها مضارب الشعر، وفي ربعاتها دلال القهوة النحاسية، تتآخى مع المحماس، ويتعالى صوت النجر ، وتنتشر رائحة القهوة المرّة مع الهيل، ونار الرمث والغضا لاتنطفىء أمامها، وبويتات وقرى صغيرة وأصحاب حلال وأولادهم بنحولٍ أسمر وعيونٍ صقرية حادة وخفّة حركة كالسنّور، ومشاكل الإنسان مع الطير والقطعان والرعاة، ودفع الفلاليح الغنّامة لـ ( الخوّة ) للبدو ثمناً للحماية وردّ الأذى.
    وفي العراء مقابر وقلاع قديمة، طمرها العجاج وسافي الرمال، وفيها السهوب والخيول وقطعان الأغنام والجمال والكلاب وأصوات الأجراس، والحماد والانتجاع والحصيد والصيد والسباقات، وترى عاناتٍ من الغِزلان ترد البليخ أو الفرات، وتملأ عيون الرعيان والسفّار لرشاقتها واتساع عينيها ، فيتغنون بها.
    ( كان العربان يحملون خناجرهم، ويخرجون إلى الصيد والطراد، تركوا لخيولهم العنان، طاردوا عانات الغزلان، تعرضوا للذئاب والأسود وصخر الرجوم ونسور الجو ) ص214.
    وهناك الآبار والآكام والوحش والطير والشجيرات الرعوية الجاسية والشعبان الملتوية والمغاور والغيران.
    وفي السهوب وقريباً من مسايل المياه ترى الرعيان والورّادات، وتسمع أصوات السويحلي والنايل، تتصاعد شجية في الأمسيات.
    وفي عراءاتها الممتدة بين البليخ والفرات يتجوّل الباعة على حميرهم يسرحون في القرى وبين مضارب البدو ...
    ولكلّ مكونٍ فيها ما يميّزه، فعندما سلكت العشائر طريق الصحراء الموازي للفرات لم يرفع الرجال لثامهم خوفاً من ملاحقة ثأرٍ تمتد إلى الجدّ الخامس، أو فراسة ترمي الوجوه على الدم !.
    والطرق في الصحراء حاضرة بقوة، فهي أمكنة ممتدة طويلة ومفتوحة وأفقية، وقد نجد قربها مكاناً شاقولياً كهضبة أو تلّة، تتلوّى الطرق المغبرة مع التواءات النهر، وقد تكون خالية وغير آمنة، ولايؤتمن فيها ذؤبان البدو ، أو قطّاع الطرق على حبّة تمر.
    و( المكان يُضفي على التخييل مظهر الحقيقة )كما يقول جيرار جنت (7)، فأيّ مشهد يتخيّله الكاتب، يضع له المكان خلفية تُوحي بواقعيته، أو تُوهم بها، فنتفاعل معها كواقعٍ ملموس مُعاش.
    ( الشمس كاوية كالقصدير، غزالة من الذهب والبريق الأبهي، تمضي بمهابة ملكةٍ سومرية، تصطاد ثيران السماء وأيائل الأفق النحيل، واللحظة ترتعش، ثمّ تلوي عنقها الطري، وتذوي بصمتٍ خامل مثل وردة اليقطين، وهبّات العجاج تتصاعد ) ص88.
    فالصحراء بكلّ مسمياتها في الرواية قصيدة القوافل، وقافية التفرّد ، وإيقاع الحداء، ورائحة الشيح والقيصوم.
    ــــــ رابعاً: المكان الرقي مكان متسامح: نجد في الأمكنة الرقية الوجوه العربية والأرمنية والكردية والشركسية والتركمانية، وتعاطف المكانُ ومن فيه مع الأرمن، فمن الشمال جاءت قوافلهم بترحيلٍ قسري، تحت سماء البراري وسياط الجندرمة، ومات الكثير منهم، ومقابرهم الجماعية انتشرت في رأس العين والسبخة وشطوط الفرات والبليخ ، ومَنْ بقي حيّاً لاقى الويلات على يد أبناء الحرام والطامعين بالذهب والمهووسين بالجنس:
    ( رأت آزنيف جماعة من قطاع الطرق يجرون رفيقتها أناهيد إلى حفرة، ويتناوبون على اغتصابها، جعرت، فرددت الوديان جعيرها عاوياً مفجوعاً، والرجال يضحكون، والقمر دائرة من الحياد البارد الساهي، صرخت أناهيد، وتوجّعت، ورائحة الرجال ذكّرتها بزنخ التيوس، وقبل الفجر رحلوا بعد أن تركوا في قلبها خنجراً رعوياً علامة وحشية ) ص219.
    مجيء الأرمن أقصى الرتابة عن الأمكنة الرقية، وغيّر فيها مفاهيم كثيرة، فلأول مرّة يكتشف الأهالي أناساً أكثر منهم بؤساً، ويلاحقهم الطاعون، وقطّاع الطرق وحثالات العشائر، ممّا جعلهم يتخذون موقفاً إنسانياً لايمكن تجاهله، فقد رفعت المدينة صوتها أمام القائمقام الذي يمثّل السلطة، وطالبت بعدم ترحيل الأرمن بحجّة حاجة البلد إليهم، فهم عمال مهَرة وأهل حِرْفة، وحين رفض القائمقام قام الأهالي بإضرابٍ شامل، وهو أول إضراب يقوم في الرقة، ولو نطقت الأمكنة الرقية لروت فصولاً من مأساة الأرمن.
    أقام المكان بينه وبين الأرمن جسورَ تواصل، فحمَت المضاربُ ورعاةُ البدو البناتَ الأرمنيات، والقرى النائية آوت الهاربين ، تزوجت منهم، أو أعطتهم اسماً وعملاً وديانة جديدة، آواهم المكان بكلّ تسامحٍ ورحابة صدر، ولكن ولاغرابة في هذا ظلّت نايات الأرمن تعزف ألحان الحنين إلى المكان الأصلي لديهم، إلى أرمينيا، وترتّل حناجرهم صلواتٍ لسماءٍ هناك أكثر زرقة، فساكو الأرمني يشرب حتى السُكر، ويندفع إلى الشمال، إلى الحدود، ويفتك به لغم.
    خاتمة: نستطيع القول: إنّ الخليل على درايةٍ واعية بالمكان الرقي، وغناه بالموروث، فالتقط أنفاس المكان الداخلية، وصوّره بحلاوته ومرارته، وبعيداً عن النظرة الشاعرية التي تتغنّى بالمكان، وتغفل مواقع الخلل فيه، وانطبق عليه قول عبد الملك مرتاض :
    ( الكاتب المبدع يمزج بين عالمين، العالم الجغرافي والعالم الإبداعي، فينسج مكانه الروائي، ويُكسيه بعداً جغرافياً وكأنّه ينقلنا إليه، بوصفه له وتخيّله إيّاه، حتى يمكّن القارىء من مسايرته، والوصول إلى مراميه الأكثر بعداً وعمقاً ودلالة) (8) .
    ومن خلال تنقيبه وسبره للمكان وتاريخه القريب والبعيد وصل إلى كنوزٍ لايُستهان بها في الدراسات الأدبية المهتمة بالمكان ، ووصل إلى عوالم بكرٍ لم يطأها كاتبٌ قبله، فأخذ منها ثوباً وبطانة، فزهت روايته بخصوصية وهوية وبنية مكانية ثرية بالدلالات، جعلت أماكن الرقة تتكلّم في الرواية بدل أن تتكلم الرواية عنها .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
    المصادر :
    1ـــ رواية الهدس ـــ ابراهيم الخليل .
    2ـــ استراتيجية العنونة عند ابراهيم الخليل ـــ د . نذير جعفر ـــ الملحق الثقافي ـــ دمشق 25/3/2013 .
    3ـــ سعيد علوش ـــ الرواية العربية والأيدلوجيا في المغرب العربي ـــ دار الكلمة للنشر ــــ بيروت 1981ـــ ص 142.
    4ــــ يوري لوتمان ـــ مشكلة المكان الفني ـــ مجلة ألف باء ـــ لعدد 6 لعام 1986 ص 89.
    5ـــ مقال أميرال الطحاوي ـــ مجلة القبس 13 يوليو ـــ 2005.
    6ـــ رواية نزيف الحجر ـــ ابراهيم الكوني ـــ رياض الريس للكتب ـــ لندن 1990.
    7ـــ جيرار جنت وآخرون ـــ الفضاء الروائي ـــ ت عبد الرحيم مزل ـــ أفريقيا الشرق ـــ المغرب 2002 ص 137.
    8 ــــ عبد الملك مرتاض ـــ في نظرية الرواية ـــ ص213
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1712166865250.jpg 
مشاهدات:	9 
الحجم:	69.6 كيلوبايت 
الهوية:	200313 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1712166883029.jpg 
مشاهدات:	9 
الحجم:	56.1 كيلوبايت 
الهوية:	200314
يعمل...
X