مازلت أذكر رغم مرور السنين ، أنني منذ وُلِدت أدركت حقيقتين اثنتين لا شك فيهما ، أولهما أنني بنت ولست ولداً مثل أخي ، وثانيهما أن بشرتي سمراء وليست بيضاء مثل أمي ، ومع هاتين الحقيقتين أدركت شيئاً آخر أكثر أهمية ، ذلك أن هاتين الصفتين وحدهما بدون أي عيوب كافيتان للحكم على مستقبلي بالفشل ..
كان المؤهل الوحيد الذي يرشح البنت -في ذلك الوقت- لمستقبل مضمون هي أن تكون جميلة ، أو على الأقل بيضاء البشرة ..
جدتي لأمي ذات الأصل التركي ، كانت حين تدللني تناديني "جارية ورور .." ومنذ تلك اللحظة رسخ في ذهني أن الجواري والعبيد ، لهم بشرة من لون بشرتي ، وأصبحت أخفيها بمسحوق أبيض ، وأتصور أن إخفاء بشرتي إنما هو حركة نحو شيء أفضل ، لكنني ومع ذلك كنت أدرك بجزء آخر عميق من عقلي ، أن لون بشرتي هو حقيقتي مثل كوني بنتا ً، وأنني أحب حقيقتي ، بل إن الحب الحقيقي الوحيد في حياتي هو حبي لنفسي الحقيقية ، ورغم ذلك لم أتخلص من مساحيق وجهي تخلصاً كاملاً إلا بعد أن أدركت قيمة عقلي ، فإذا بي أملك الشجاعة لمواجهة العالم بوجه مغسول نظيف ..
د.نوال السعداوي/ من كتاب " رحلاتي في العالم ".
كان المؤهل الوحيد الذي يرشح البنت -في ذلك الوقت- لمستقبل مضمون هي أن تكون جميلة ، أو على الأقل بيضاء البشرة ..
جدتي لأمي ذات الأصل التركي ، كانت حين تدللني تناديني "جارية ورور .." ومنذ تلك اللحظة رسخ في ذهني أن الجواري والعبيد ، لهم بشرة من لون بشرتي ، وأصبحت أخفيها بمسحوق أبيض ، وأتصور أن إخفاء بشرتي إنما هو حركة نحو شيء أفضل ، لكنني ومع ذلك كنت أدرك بجزء آخر عميق من عقلي ، أن لون بشرتي هو حقيقتي مثل كوني بنتا ً، وأنني أحب حقيقتي ، بل إن الحب الحقيقي الوحيد في حياتي هو حبي لنفسي الحقيقية ، ورغم ذلك لم أتخلص من مساحيق وجهي تخلصاً كاملاً إلا بعد أن أدركت قيمة عقلي ، فإذا بي أملك الشجاعة لمواجهة العالم بوجه مغسول نظيف ..
د.نوال السعداوي/ من كتاب " رحلاتي في العالم ".