قنوع (محمد ـ)
(1932 ـ 2005)
محمد قنوع خطاط سوري ولد في القنيطرة، حيث كان والده مصطفى يعمل عازفاً بالبوق (الترومبيت) في فرقة الخيالّة التابعة للجيش العربي السوري، ومحمد هو الأكبر بين عشرة أبناء، وكان لشغف والده بالفن (موسيقى ـ مسرح ـ خط) أكبر الأثر في اهتمام الأبناء بالفنون مما دفع بعضهم إلى العمل مبكراً في المسرح تمثيلاً وإخراجاً ومنهم محمد، على الرغم من عناء التنقّل في مختلف المحافظات السورية بحكم العمل الوظيفي للأب.
درس محمد في مدارس دمشق، وانتسب إلى دار المعلمين وتخرج فيها 1951 معلماً، تتلمذ إبان دراسته على يد أستاذ الخط حلمي حباب ورافقه، واستزاد فيما بعد بالتدرب على يد خطاط بلاد الشام الأول محمد بدوي الديراني.
عمل قنوع معلماً، ثم مديراً لمدرسة «محيي الدين بن عربي» بدمشق (1951ـ1984) وأحبّ المسرح، فكان أحد مؤسسي المسرح العسكري عام 1959، وأحد فناني كلية الضباط الاحتياط بحلب ممثلاً ومخرجاً، ولاسيما في الأعمال الفنية القوميّة، ولكن فن الخط والعمل فيه بقي شغله الشاغل، مما دفعه إلى افتتاح مكتب يمارس فيه فن الخط، ويبدأ طريق الاحتراف بدءاً من عام 1958، وليغدو المكتب ملتقى للأدباء والفنانين والمثقفين والأصدقاء، وليُعتمد مقراً للجمعية الحرفيّة للخطاطين في سورية التي ترأسها لسنوات.
أبدع قنوع وأنجز أشهر لوحاته الخطية، وانطلق يشارك في المعارض والمهرجانات الفنية، ونظّم أعمال فناني الخط وجمعها، وأرسلها إلى المحافظات، وإلى بعض الدول العربية والأجنبية، ولعل أهمها المشاركة المهمة في المعارض السنوية لفناني سورية التي تقيمها وزارة الثقافة. وتنوع نشاطه في مجالات عدة، فقد عمل خطاطاً للمؤسسة العربية للإعلان منذ عام 1960، وخطاطاً للقصر الجمهوري، فمشق خطوط أضرحة الرئيس الراحل حافظ الأسد ووالدته ناعسة، وولده الفارس باسل حافظ الأسد، كما عمل خطاطاً للموسوعة العربية، واتحاد الكتاب العرب منذ تأسيسه، ومطبوعات وزارة الثقافة، إضافة إلى عمله المتواصل في الإعلانات المضاءة وعنوانات الكتب، وخطوط عدد من الصحف والمجلات «المعلم العربي»، «الطليعة». وتعددت مجالات عمله الفني المتقن لتبلغ حداً يصعب حصره، مما أسهم بفاعلية في انتشارها وشهرتها على الصعيدين الرسمي والشعبي.
تجربته الفنية
تجاوزت تجربته الفنية مع الخط العربي نصف قرن، وأثرت في الجيلين الثاني والثالث من خطاطي سورية، لعمقها وغناها، وتمتعها بثراء تشكيلي ميّزها وأعطاها فرادة وخصوصية، ما دفع بعض محبي فن الخط للتتلمذ على يده، أمثال الخطاط «جمال بوستان» وغيره، وقد تجلّت تجربته الفنية في الآتي:
ـ البناء المعرفي والحِرَفي: أُسست تجربة قنوع وفق دراسة دؤوبة لقواعد الخط العربي، ورأى أن محاكاة نماذج الرواد واللهاث وراء إتقان أشكالها، والاعتماد على الموهبة كافية لإعطاء التجربة خصوصيتها وتميزها، فاعتمد الجوهر الفكري من دون صرف الوقت للمحاكاة البلهاء لخطوط الآخرين، ودفعه حبه للبحث والتجديد، إلى التعمق في الثقافة الفنية، فبحث وجرّب، وقرأ وناقش، وأدرك أن الفكر أساس أي تجربة فنية، فترافقت الحرفة مع المعرفة، فكانت المحصلة مهمة وغنية لفتت أنظار المهتمين بفن الخط مبكراً.
أدرك قنوع أهمية الأسفار لصقل التجربة، وعرف أهمية الاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى في الفن، فزار عدداً من بلدان العالم كالصين والسعودية وإيران والإمارات وقطر.
ـ اختيار الخطوط: شمل تدربه معظم خطوط الأسلوبين الليّن والجاف في الخط العربي، ولكنه توقف بإعجاب عند خطي النسخ والتعليق، ليقدم إضافات مهمة في مسيرة هذين الخطين، فكان مع خط النسخ مُجيداً لأناقة غير معهودة، رأت الاختصار ضرورة، وابتعدت عن صرامة القواعد وحلّقت في فضاء تشكيلي اتسم برسم حروفه النسخية الجميلة المطوّرة، التي تضيء مُعرّفة بخصوصية فنان أحب الجمال، وعشق حرفه العربي.
ولم تكن تجربته مع خط التعليق، والتأثير الكبير لمدرسة «بدوي الديراني» الشامية في هذا الخط، بأقل من تجربته مع خط النسخ، فأضاف واختصر، وكعادته كانت الأناقة في مشق حروفه وكلماته هي أساس لوحته الخطية، فبرع وتميز في التعليق، ورسم ملامح عمل فني مشرق وجذّاب.
ومما اشتهر به أيضاً خطه الحر المسمّى «بالخط الفني» المبني على رسم حر لحروف الكلمات كافة والمعتمد على توزيع متناغم ومنسجم للعبارات من دون التقيد بصرامة أساس قاعدي، وانتشرت خطوطه الفنية على أغلفة القصص والدواوين، واللّوحات الإعلانية والبطاقات.
ـ الجماليّة والوظيفيّة: تعدّ تجربة قنوع الفنية الخطية أنموذجاً يجمع النظريتين الوظيفية والجماليّة بانسجام في العمل الفني، فهو فنّان متقن لحرفته، ومطلّع على تقانات العصر، وهو مبدع ومبتكر، فلم تكن اللافتات، مع أنها تؤدي وظيفة مؤقتة، إلا لوحات فنيّة مدروسة في تكوين عباراتها وألوانها، وتنوع أشكال خطوطها.
تكريمه
أعطى محمد قنوع لفن الخط العربي كثيراً، بعد أن أخذ واستفاد وجرّب وبحث، فقدّم في تجربته عملاً معاصراً نهل من الجذور مشرقاً في عالم اليوم، واستمرت رحلته الحافلة بالعمل والنشاط. لم تؤثر غزارة إنتاجه في نوعيته وجودته، فلم ينس يوماً احترامه لهذا الفن، فاجتهد وتابع إنتاجه من دون كلل أو ملل فقدّم أعمالاً كثيرة، وشارك في الأنشطة الفنية داخل سورية وخارجها، فاستحق تكريم وزارة الثقافة السورية في مهرجان المحبة الخامس عشر (2003)، واستمر تكريمه بعد رحيله حين أقام الخطاطون السوريون معرضاً لتحيته (الثلاثاء 19/4/2005) في صالة تشرين بحلب، وكُرِّم يوم تأبينه بكلمات الأصدقاء والمحبين والمعجبين والأدباء، ترافق مع معرض لبعض إبداعاته التي توقفت يوم وفاته.
محمد غنوم
(1932 ـ 2005)
درس محمد في مدارس دمشق، وانتسب إلى دار المعلمين وتخرج فيها 1951 معلماً، تتلمذ إبان دراسته على يد أستاذ الخط حلمي حباب ورافقه، واستزاد فيما بعد بالتدرب على يد خطاط بلاد الشام الأول محمد بدوي الديراني.
عمل قنوع معلماً، ثم مديراً لمدرسة «محيي الدين بن عربي» بدمشق (1951ـ1984) وأحبّ المسرح، فكان أحد مؤسسي المسرح العسكري عام 1959، وأحد فناني كلية الضباط الاحتياط بحلب ممثلاً ومخرجاً، ولاسيما في الأعمال الفنية القوميّة، ولكن فن الخط والعمل فيه بقي شغله الشاغل، مما دفعه إلى افتتاح مكتب يمارس فيه فن الخط، ويبدأ طريق الاحتراف بدءاً من عام 1958، وليغدو المكتب ملتقى للأدباء والفنانين والمثقفين والأصدقاء، وليُعتمد مقراً للجمعية الحرفيّة للخطاطين في سورية التي ترأسها لسنوات.
أبدع قنوع وأنجز أشهر لوحاته الخطية، وانطلق يشارك في المعارض والمهرجانات الفنية، ونظّم أعمال فناني الخط وجمعها، وأرسلها إلى المحافظات، وإلى بعض الدول العربية والأجنبية، ولعل أهمها المشاركة المهمة في المعارض السنوية لفناني سورية التي تقيمها وزارة الثقافة. وتنوع نشاطه في مجالات عدة، فقد عمل خطاطاً للمؤسسة العربية للإعلان منذ عام 1960، وخطاطاً للقصر الجمهوري، فمشق خطوط أضرحة الرئيس الراحل حافظ الأسد ووالدته ناعسة، وولده الفارس باسل حافظ الأسد، كما عمل خطاطاً للموسوعة العربية، واتحاد الكتاب العرب منذ تأسيسه، ومطبوعات وزارة الثقافة، إضافة إلى عمله المتواصل في الإعلانات المضاءة وعنوانات الكتب، وخطوط عدد من الصحف والمجلات «المعلم العربي»، «الطليعة». وتعددت مجالات عمله الفني المتقن لتبلغ حداً يصعب حصره، مما أسهم بفاعلية في انتشارها وشهرتها على الصعيدين الرسمي والشعبي.
تجربته الفنية
تجاوزت تجربته الفنية مع الخط العربي نصف قرن، وأثرت في الجيلين الثاني والثالث من خطاطي سورية، لعمقها وغناها، وتمتعها بثراء تشكيلي ميّزها وأعطاها فرادة وخصوصية، ما دفع بعض محبي فن الخط للتتلمذ على يده، أمثال الخطاط «جمال بوستان» وغيره، وقد تجلّت تجربته الفنية في الآتي:
ـ البناء المعرفي والحِرَفي: أُسست تجربة قنوع وفق دراسة دؤوبة لقواعد الخط العربي، ورأى أن محاكاة نماذج الرواد واللهاث وراء إتقان أشكالها، والاعتماد على الموهبة كافية لإعطاء التجربة خصوصيتها وتميزها، فاعتمد الجوهر الفكري من دون صرف الوقت للمحاكاة البلهاء لخطوط الآخرين، ودفعه حبه للبحث والتجديد، إلى التعمق في الثقافة الفنية، فبحث وجرّب، وقرأ وناقش، وأدرك أن الفكر أساس أي تجربة فنية، فترافقت الحرفة مع المعرفة، فكانت المحصلة مهمة وغنية لفتت أنظار المهتمين بفن الخط مبكراً.
أدرك قنوع أهمية الأسفار لصقل التجربة، وعرف أهمية الاطلاع على تجارب الشعوب الأخرى في الفن، فزار عدداً من بلدان العالم كالصين والسعودية وإيران والإمارات وقطر.
ـ اختيار الخطوط: شمل تدربه معظم خطوط الأسلوبين الليّن والجاف في الخط العربي، ولكنه توقف بإعجاب عند خطي النسخ والتعليق، ليقدم إضافات مهمة في مسيرة هذين الخطين، فكان مع خط النسخ مُجيداً لأناقة غير معهودة، رأت الاختصار ضرورة، وابتعدت عن صرامة القواعد وحلّقت في فضاء تشكيلي اتسم برسم حروفه النسخية الجميلة المطوّرة، التي تضيء مُعرّفة بخصوصية فنان أحب الجمال، وعشق حرفه العربي.
ولم تكن تجربته مع خط التعليق، والتأثير الكبير لمدرسة «بدوي الديراني» الشامية في هذا الخط، بأقل من تجربته مع خط النسخ، فأضاف واختصر، وكعادته كانت الأناقة في مشق حروفه وكلماته هي أساس لوحته الخطية، فبرع وتميز في التعليق، ورسم ملامح عمل فني مشرق وجذّاب.
ومما اشتهر به أيضاً خطه الحر المسمّى «بالخط الفني» المبني على رسم حر لحروف الكلمات كافة والمعتمد على توزيع متناغم ومنسجم للعبارات من دون التقيد بصرامة أساس قاعدي، وانتشرت خطوطه الفنية على أغلفة القصص والدواوين، واللّوحات الإعلانية والبطاقات.
ـ الجماليّة والوظيفيّة: تعدّ تجربة قنوع الفنية الخطية أنموذجاً يجمع النظريتين الوظيفية والجماليّة بانسجام في العمل الفني، فهو فنّان متقن لحرفته، ومطلّع على تقانات العصر، وهو مبدع ومبتكر، فلم تكن اللافتات، مع أنها تؤدي وظيفة مؤقتة، إلا لوحات فنيّة مدروسة في تكوين عباراتها وألوانها، وتنوع أشكال خطوطها.
تكريمه
أعطى محمد قنوع لفن الخط العربي كثيراً، بعد أن أخذ واستفاد وجرّب وبحث، فقدّم في تجربته عملاً معاصراً نهل من الجذور مشرقاً في عالم اليوم، واستمرت رحلته الحافلة بالعمل والنشاط. لم تؤثر غزارة إنتاجه في نوعيته وجودته، فلم ينس يوماً احترامه لهذا الفن، فاجتهد وتابع إنتاجه من دون كلل أو ملل فقدّم أعمالاً كثيرة، وشارك في الأنشطة الفنية داخل سورية وخارجها، فاستحق تكريم وزارة الثقافة السورية في مهرجان المحبة الخامس عشر (2003)، واستمر تكريمه بعد رحيله حين أقام الخطاطون السوريون معرضاً لتحيته (الثلاثاء 19/4/2005) في صالة تشرين بحلب، وكُرِّم يوم تأبينه بكلمات الأصدقاء والمحبين والمعجبين والأدباء، ترافق مع معرض لبعض إبداعاته التي توقفت يوم وفاته.
محمد غنوم