قلعة صلاح الدين
تقع قلعة صلاح الدين على بعد 33كم شرقي مدينة اللاذقية، قرب بلدة الحفة، تجثم على رأس صخري مثلث الشكل، مرتبط من جهته الشرقية بالهضبة المجاورة، ويرتفع 400م عن سطح البحر، ويحيط بالقلعة من الجهتين الشمالية والجنوبية واديان عميقان في مقريهما مجاري مياه. طولها 740م، أما مساحتها فتنوف على خمسة هكتارات.
تنقسم القلعة إلى قسمين متميزين من بعضهما بعضاً، قسم شرقي مرتفع فيه أغلب التحصينات المهمة، وقسم غربي ينخفض انخفاضاً ظاهراً عن القسم الشرقي.
عرفت القلعة قديماً باسم قلعة «صهيون» وتعني الكلمة في اللغة السريانية الصخرة العالية أو البرج في أعلى الجبل.
كان الحمدانيون (الأمير سيف الدولة) أول من بنى هذه القلعة في القرن الرابع الهجري منتصف القرن العاشر الميلادي تقريباً، قبل أن يحتلها منهم الامبراطور البيزنطي يوحنا تزمسكس (الذي عرفه العرب بـابن شِمشِقيق) عام 975م، ويعتقد أن التحصينات والقلعة والمنارة وربما السورين الخارجيين إضافة إلى الكنيسة التي تقوم في القسم الغربي المنخفض من القلعة؛ تعود إلى تلك الفترة.
استولى الفرنجة الصليبيون على القلعة في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وشيَّدوا ـ مثل البيزنطيين ـ تحصيناتهم العسكرية في القسم الشرقي المرتفع من القلعة، بينما تُرك القسم الغربي منطقة سكنية، وأهمها الأبراج الدفاعية المربعة والمستطيلة والأسوار الضخمة والبوابات وخزانات المياه والإصطبلات. ولأن الجهة الشرقية كانت أقل مناعة بسبب ارتباطها بالهضبة المجاورة، فقد حفروا فيها خندقاً كبيراً في الصخر طوله 156م وعرضه 14 ـ 17م ارتفاعه 25م، ليفصلوا بذلك القلعة عن الهضبة المذكورة؛ تاركين في وسط الخندق عموداً حجرياً يرتكز عليه جسر متحرك يصل الهضبة بالباب المفتوح من الواجهة الشرقية للقلعة، في حين اكتفوا برفع الأسوار القوية لتدعيم الجهة الغربية من القلعة التي كانت عرضة للخطر، والتي قامت بها الأبنية السكنية.
تتميز الأبنية التي تعود إلى تلك الحقبة الفرنجية بأنها شيدت بالأحجار الضخمة التي قطعت من الخندق، ومن معالمها الباقية أبراج للحراسة مع القصر الملكي وإصطبلات ومرابط الخيول وخزانات المياه وكنيسة ومستودعات وسجن ومعاصر للزيوت.
بقيت القلعة منيعة قوية بيد الصليبيين طوال سبعين عاماً حتى حررها صلاح الدين الأيوبي، بعد أن دك أسوارها، واستسلم أهلها، كما ذكر المؤرخون العرب، وذلك في 29 تموز/يوليو 1188م.
تعود إلى العهود العربية الإسلامية مبانٍ عديدة، أهمها الجامع والمئذنة وحمامان وبرج يطل على القسم المنخفض من القلعة، وهناك كتابات عربية، واحدة منها على جدران الحمام الشمالي تقول: «بسم الله الرحمن الرحيم عز مولانا السلطان الملك العادل… المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور… سلطان الإسلام والمسلمين قامع الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين، كتبها المنصور أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره».
ويرجح أن المباني العربية في القلعة تعود إلى عهد منكورس الذي تسلم القلعة من صلاح الدين، وأجريت فيها الترميمات في عهد سنقر وقلاوون، وأضيفت أبنية أخرى على ما كان موجوداً.
قامت مؤخراً بعثة أثرية من مؤسسة الآغا خان للثقافة -بالتعاون مع دائرة آثار اللاذقية- بإجراء تنقيبات أثرية في القسم الإسلامي من القلعة (المجمع الأيوبي)، وأسفرت أعمالها عن إظهار معالم القصر الذي شيده الظاهر غازي ابن صلاح الدين وتحديد أبعاده من الجهات الأربع، ومعرفة مدى ارتباطه تاريخياً وإنشائياً مع الأجزاء الأقدم، كما تم معرفة الوظائف المعمارية لهذه الأجزاء المكتشفة، بعد أن كان هذا القصر مغيباً تحت أمتار عدة من الركام والأتربة.
كما اكتشفت مجموعة من القطع النقدية الفرنجية والإسلامية وبعض الأواني المنزلية ذات الاستخدامات اليومية المصنوعة من الفخار والنحاس، وكان لهذه الاكتشافات فائدة كبيرة في قراءة تاريخ القلعة وفهمه.
تعتبر قلعة صلاح الدين من أروع القلاع التي خلفتها عمارة القرون الوسطى من حيث قيمتها التاريخية والأثرية التي دلت عليها ضخامة أبنيتها العسكرية والمدنية ومناعتها وفنونها الرائعة وموقعها المتميز.
تنفذ المديرية العامة للآثار والمتاحف في القلعة مشروعات صيانة وترميم مستمرة، ويتم الإعداد لإدراجها لدى منظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي، مما يتيح فرصة نادرة للجمهور للقيام بسياحة بيئية وثقافية، ويجعل من القلعة موقعاً سياحياً يعم بالفائدة على الجميع.
جمال حيدر
تنقسم القلعة إلى قسمين متميزين من بعضهما بعضاً، قسم شرقي مرتفع فيه أغلب التحصينات المهمة، وقسم غربي ينخفض انخفاضاً ظاهراً عن القسم الشرقي.
عرفت القلعة قديماً باسم قلعة «صهيون» وتعني الكلمة في اللغة السريانية الصخرة العالية أو البرج في أعلى الجبل.
كان الحمدانيون (الأمير سيف الدولة) أول من بنى هذه القلعة في القرن الرابع الهجري منتصف القرن العاشر الميلادي تقريباً، قبل أن يحتلها منهم الامبراطور البيزنطي يوحنا تزمسكس (الذي عرفه العرب بـابن شِمشِقيق) عام 975م، ويعتقد أن التحصينات والقلعة والمنارة وربما السورين الخارجيين إضافة إلى الكنيسة التي تقوم في القسم الغربي المنخفض من القلعة؛ تعود إلى تلك الفترة.
منظر جوي لقلعة صلاح الدين |
تتميز الأبنية التي تعود إلى تلك الحقبة الفرنجية بأنها شيدت بالأحجار الضخمة التي قطعت من الخندق، ومن معالمها الباقية أبراج للحراسة مع القصر الملكي وإصطبلات ومرابط الخيول وخزانات المياه وكنيسة ومستودعات وسجن ومعاصر للزيوت.
بقيت القلعة منيعة قوية بيد الصليبيين طوال سبعين عاماً حتى حررها صلاح الدين الأيوبي، بعد أن دك أسوارها، واستسلم أهلها، كما ذكر المؤرخون العرب، وذلك في 29 تموز/يوليو 1188م.
تعود إلى العهود العربية الإسلامية مبانٍ عديدة، أهمها الجامع والمئذنة وحمامان وبرج يطل على القسم المنخفض من القلعة، وهناك كتابات عربية، واحدة منها على جدران الحمام الشمالي تقول: «بسم الله الرحمن الرحيم عز مولانا السلطان الملك العادل… المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور… سلطان الإسلام والمسلمين قامع الكفرة والمشركين محيي العدل في العالمين، كتبها المنصور أعز الله أنصاره، وأدام اقتداره».
ويرجح أن المباني العربية في القلعة تعود إلى عهد منكورس الذي تسلم القلعة من صلاح الدين، وأجريت فيها الترميمات في عهد سنقر وقلاوون، وأضيفت أبنية أخرى على ما كان موجوداً.
قامت مؤخراً بعثة أثرية من مؤسسة الآغا خان للثقافة -بالتعاون مع دائرة آثار اللاذقية- بإجراء تنقيبات أثرية في القسم الإسلامي من القلعة (المجمع الأيوبي)، وأسفرت أعمالها عن إظهار معالم القصر الذي شيده الظاهر غازي ابن صلاح الدين وتحديد أبعاده من الجهات الأربع، ومعرفة مدى ارتباطه تاريخياً وإنشائياً مع الأجزاء الأقدم، كما تم معرفة الوظائف المعمارية لهذه الأجزاء المكتشفة، بعد أن كان هذا القصر مغيباً تحت أمتار عدة من الركام والأتربة.
كما اكتشفت مجموعة من القطع النقدية الفرنجية والإسلامية وبعض الأواني المنزلية ذات الاستخدامات اليومية المصنوعة من الفخار والنحاس، وكان لهذه الاكتشافات فائدة كبيرة في قراءة تاريخ القلعة وفهمه.
تعتبر قلعة صلاح الدين من أروع القلاع التي خلفتها عمارة القرون الوسطى من حيث قيمتها التاريخية والأثرية التي دلت عليها ضخامة أبنيتها العسكرية والمدنية ومناعتها وفنونها الرائعة وموقعها المتميز.
تنفذ المديرية العامة للآثار والمتاحف في القلعة مشروعات صيانة وترميم مستمرة، ويتم الإعداد لإدراجها لدى منظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي، مما يتيح فرصة نادرة للجمهور للقيام بسياحة بيئية وثقافية، ويجعل من القلعة موقعاً سياحياً يعم بالفائدة على الجميع.
جمال حيدر