"الخيال الأميركي".. هجاء ذكي للعنصرية التي تتحكم بالأدب الأميركي
تحليل دقيق وسخرية حادة للنفاق الثقافي والبحث عن كبش فداء فكري.
فيلم ساخر بذكاء
هناك خفايا نمطية تحكم عوالم الفن، فمثلا في عالم الكتابة الأدبية تتحكم الأفكار المسبقة بتوجهات الناشرين الذين يحاولون بدورهم تطويع الخيال والسيطرة عليه ليقول ما يطلبه السوق، والوضع معقد حتى في بلد مثل الولايات المتحدة، حيث لا نجاح مثلا لكاتب أسود ما لم يكتب عن السود وفق مخيلة البيض. وهذا ما يعالجه فيلم “الخيال الأميركي”.
حدث تحول في أميركا بعد وفاة جورج فلويد وبريونا تايلور، وأثارت وفاتهما المأساوية وكذلك إزهاق أرواح العديد من السود الآخرين احتجاجات ومظاهرات على مستوى البلاد ضد العنصرية المنهجية وكذلك وحشية الشرطة.
وشارك المؤلفون السود تجاربهم من خلال الكلمة المكتوبة في المقالات المؤثرة والقصص الشخصية عن فضح الكراهية والتميز العنصري وعنف الشرطة في الولايات المتحدة الأميركية. وأدى ذلك إلى شكل جديد من أشكال التعبير الأدبي المعروف باسم الأدب الأميركي – الأفريقي. الشاغل الرئيسي لهذا النوع من الأدب هو تخليص وجه الرجل الأسود وثقافته من السلبية إلى اتجاه أكثر إيجابية.
المشكلة التي أفرزتها العنصرية كانت ومازالت العامل الرئيسي وراء معظم إبداع الأدباء السود على مر العصور، يتطلع الكثيرون إلى الأعمال الأدبية لمساعدتهم بشكل أفضل على فهم القضايا التي يواجهها السود في الولايات المتحدة. وضمن هذا الاتجاه يكيف المخرج الواعد كورد جيفرسون في أول تجربة إخراجية كتابا صدر قبل 23 عاما ومحوره السخرية من محاولة هوليوود ودور النشر الأميركية تسويق التجربة الأميركية – الأفريقية في فيلمه “الخيال الأميركي” الفائز بجائزة الأوسكار هذا العام لأفضل كتابة (سيناريو مقتبس)، استنادا إلى رواية الكاتب بيرسيفال إيفريت عام 2001.
يشير فيلم ” الخيال الأميركي” من خلال عدسته الساخرة إلى صناعة النشر للكتاب السود. بطل الفيلم ثيلونيوس إليسون (جيفري رايت) الملقب بـ”مونك”، كاتب سيئ الحظ قوبل عمله الأخير بالرفض لأن الناشرين يريدون “كتابا أسود”. يتساءل مونك كيف أن كتابا لرجل أسود لا يكفي؟ يشرح جيفرسون في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز ”هناك عدم القدرة على التفكير فينا على أننا نمتلك شغفنا الخاص ووجودنا المعقد خارج هذه النافذة المحدودة للغاية لما تسمح لنا بقوله عن حياتنا”. لا يريد الناشرون والقراء رواية عن تجربة السود باستخدام كتاب إسخيلوس الفرس، مثل ما يحاول مونك بيعه. ما لم تكن القصص تنطوي على العبودية أو العنف أو الفقر فإن الناشرين وحتى أستوديوهات هوليوود غير مهتمين به.
معايير للخيال
الفيلم يصور بذكاء وصدق كيف تعمل لجان منح الجوائز في عالم الأدب ويفضح معايير دور النشر الأميركية
قبل كتابة وإخراج فيلمه الروائي الطويل الأول “الخيال الأميركي” (أميركان فيكشن) عمل كورد جيفرسون في الصحافة. خلال ذلك الوقت، كتب مقالا بعنوان “ضربة العنصرية” يشرح فيه توقعات الصحافيين السود بالكتابة عن المواقف السيئة التي تحدث للسود، يحول هذا التركيز في الأدب الأسود في أميركا إلى السينما.
يبدأ الفيلم من قاعة المحاضرات في الجامعة في لوس أنجلس التي يدرس فيها الأستاذ الجامعي مونك، وفي محاضرة حول أدب الجنوب الأميركي، في تحليل لقصة قصيرة شهيرة لفلانيري أوكونور وردت كلمة زنجي (نيكرو)، تحتج طالبة بيضاء على الكلمة. تنكسر روح الأستاذ الجامعي مونك وتنهار ملامحه ويرد بشكل أكثر لباقة، لكن الطالبة تقدم شكوى ضد الأستاذ الجامعي مونك، لذلك يمنح الأستاذ والكاتب (مونك) إجازة مفتوحة من قبل عميد الجامعة، ويعود إلى منزله في بوسطن لقضاء بعض الوقت مع عائلته.
عند رحيله من لوس أنجلس حيث يعيش إلى بوسطن محل نشأته وعودته إلى بلدته وأهله يواجه تعقيدات مشاكل أفراد عائلته وجميعهم أطباء ما يضيف له أعباء أخرى. أخته الدكتورة ليزا إليسون (تريسي إليس روس) تكافح ماليا بسبب طلاقها. يخوض شقيقه الدكتور كليفورد إليسون (ستيرلينج ك. براون) نوعا من المعارك المالية بسبب الإدمان، ومما زاد الطين بلة، حالة والدته أغنيس (ليزلي أوغامز) التي تم تشخيصها للتو بمرض الزهايمر.
يلتقي الكاتب مونك بالمحامية كورالين (إريكا ألكسندر) الساكنة بجوار منزل أهله، وتنشأ بينهما علاقة عاطفية، كورالين معجبة بعمله، لكن عليه أن يتعلم الدرس الصعب وهو أن الحب لا يجبر شخصا آخر على رؤية العالم تماما كما يراه. لم تحقق كتبه التي أعيد تصورها إلى حد كبير عن المسرحيات القديمة لأريستوفانيس وإسخيلوس إلا نجاحا شعبيا ضئيلا. ويبدو أن هذه المؤلفات غالبا ما تنتهي في الحفظ في المكتبة في قسم “الدراسات الأميركية – الأفريقية”.
لكن ما يثير غضب مونك حقا هو عندما يتوجه إلى ندوة أدبية، تتحدث مؤلفة شابة سوداء سينتارا جولدن (إيسا راي) عن روايتها الأخيرة “نحن نعيش في دا غيتو”، الرواية محشوة بأنواع الصور النمطية للثقافة السوداء والعامية التي يكرهها الكاتب، ولكنها نشرت لأنها تتوافق مع ذائقة البيض وخيالهم في استهلاك معاناة السود والشعور بالاهتمام بقضيتهم، ونجاح الكتاب يزيده اكتئابا.
الفيلم يجسد بدقة نقد الكاتب والمخرج كورد جيفرسون لأول مرة للمعايير التي يتم من خلالها التحكم باستمرار في السرد والخيال الأميركي السائد حول الفن والفكر الأسود – ما هو عليه وما يجب أن يكون – من قبل الأصوات البيضاء، لكن اختزال الفيلم ببساطة في نظرته إلى العرق يتجاهل محتواه ورسالته، حيث إن بعض عناصره الأكثر تأثيرا عند تتبع مونك وعلاقته بعائلته، للحصول على صورة مضحكة ومؤثرة لرجل يحاول صقل علاقته بالعالم، علاوة على القضايا المهنية التي يواجهها مونك في النشر.
كانت موهبة مونك الأدبية رائعة ولكن كتبه لا تلقى رواجا، تخيل مرارته حين يجد اهتمام النقاد والصحافة والإعلام بكاتبة شبه متعلمة سينتارا جولدن، التي أحدثت روايتها البائسة ضجة كبيرة بين عشية وضحاها. يصر مونك على عدم الإيمان بالعرق، ولكن هذ الشعور يصطدم بالواقع الذي تجسد في أحد المشاهد، حين يقف في أحد شوارع بوسطن فتتجاوزه سيارة أجرة رغم ذراعه الممدودة، وتتوقف عند أقرب شخص أبيض.
فيلمان مختلفان
الكاتب والمخرج كورد جيفرسون ينقد لأول مرة المعايير التي يتم من خلالها التحكم باستمرار في السرد والخيال الأميركي السائد
يتم تحدي يقينه المتعجرف بأدب من قبل كورالين (إريكا ألكسندر) جارته في منزل العائلة الشاطئي، مما يجعله يعيد تقييم أولوياته الشخصية ويصطدم بتوقعات صناعة النشر منه التي تصيبه بنوبة من الإحباط. يحاول أن يجاري الموجة في الأدب الأميركي ويفهم خيال المتلقي الأميركي، يعكف على كتابة رواية ساخرة أطلق عليها عنوان “ماي بافولوجي” (نزعاتي) مخطوطة لا قيمة لها، فقط مكتظة بالصور النمطية العنصرية المتوهجة التي ترفضها قناعاته، لغرض السخرية اختار للرواية اسم مؤلف مستعارا (ستاغ آر لي) متظاهرا بأنه مجرم عنيف مدان، وبالترتيب مع الناشر ووكيل أعماله أرثر (جون أورتيز)، لكنه يفاجأ بالضجة الأدبية والاحتفاء بالرواية التي جذبت له عرضا مذهلا بقيمة 750 ألف دولار من دار نشر واحدة.
“إنها النكتة الأكثر ربحا التي قلتها على الإطلاق” كما يقول مونك لوكيله (جون أورتيز). يباع الكتاب إلى منتج أفلام ناجح وايلي (آدم برودي) مقابل 4 ملايين دولار، لكنه يريد مقابلة ستاغ شخصيا، لذلك يتبنى مونك شخصية المجرم. مع توتر مونك بشأن كل الدعاية والضجة الإعلامية، يردد “كلما تصرفت غبيا، كلما أصبحت أكثر ثراء”، يحاول تخريب صفقة الكتاب من خلال المطالبة بتغيير العنوان إلى كلمة بذيئة. يتفق الناشرون على مضض، واصفين ذلك بأنه “قرار شجاع جدا”. في مفارقة أخرى يتم ترشيح مونك للجنة التحكيم للجائزة الأدبية السنوية لجمعية نيو إنجلاند للكتاب. وفي الوقت نفسه، تظهر روايته السيئة مرشحة لأول مرة كأكثر الكتب مبيعا، ينزعج مونك عندما يجد حبيبته كورالين تقرأ الرواية وتحبها، يتشاجر معها مما يؤدي إلى انفصالهما. بينما تدخل شركة للنشر رواية الكاتب مونك “اللعنة” للجائزة الأدبية، لذلك يجب أن يحكم على روايته الخاصة مع الكاتبة سينتارا هي أيضا ضمن لجنة تحكيم منح الجائزة.
من حيث الجوهر، هناك تشابه واضح بين فيلم “الخيال الأميركي” وفيلم أميركي آخر بعنوان “خدع” لسبايك لي، الذي صدر في عام 2000، ويدور حول موظف أسود يعمل في محطة تلفزيونية، لم يعد قادرا على تحمل العنصرية السائدة في الوسط الإعلامي ويريد إنهاء عقده. تحقيقا لهذه الغاية ابتكر عرضا عنصريا مفرطا، حيث كان الممثلون السود يرتدون وجها أسود، ولن يكون لديه خيار سوى طرده كما كان يظن. لكن يفاجأ بردة فعل رئيسه الأبيض ووسائل الإعلام وجمهور كبير يحتفون بالعرض الذي يحقق نجاحا جماهيريا.
يصور الفيلم بذكاء وصدق كيف تعمل لجان منح الجوائز في عالم الأدب ويلقي نظرة على معايير دور النشر الأميركية بشكل خاص. كانت النغمة الكوميدية متميزة وكانت الفكاهة لاذعة وصادقة أيضا، مع تسليط الضوء على المقابلة التلفزيونية وموافقة الناشرين على عنوان الكتاب السخيف، كل ذلك يمنح المشاهد نظرة صادقة جدا على جانب من التحيز والنظرة العنصرية تجاه الكتاب السود.
هناك أيضا مشكلة هيكلية في جوهر الفيلم، محاولة المخرج في التوفيق بين قصتين ونغمتين مختلفتين في وقت واحد، بحيث بدا وكأنه فيلمان مختلفان تماما، أحدهما كوميديا ساخرة وهجاء لدور النشر الأميركية ووسائل الإعلام والآخر دراما عائلية مأساوية. عملت كلتا القصتين بسبب المشاركة العاطفية القوية والتوصيف القوي والتمثيل الممتاز في جميع المجالات. ربما كانت الحبكة الفرعية للأخ المثلي للكاتب مونك بلا داع في هذا الخليط غير المتكافئ من الأفكار والموضوعات.
هجاء ذكي
صناعة النشر يحكمها خيال البيض
تمتع الممثل ستيرلينج ك. براون بشخصية جذابة للغاية، بينما أظهر الممثل جيفري رايت في شخصية مونك مشاهد كوميدية ودرامية في مثل هذا الدور الرائع. فيلم يحكي الكثير عن عنصرية البيض وتحيزاتهم بينما كانت سخريته من وسائل الإعلام بشكل خاص.
قدم رايت أداء متميزا في الدور الرئيسي لشخصية الكاتب (مونك)، في مهرجان بوسطن للكتاب، يحضر مونك مقابلة مع المؤلفة سينتارا جولدن (إيسا راي) التي احتفلت بكتابها “الأسود” الأكثر مبيعا الذي يحكي قصصا سوداء نمطية للأشخاص السود الفقراء وغير المتعلمين. كان مونك مذعورا وغاضبا من وجود مثل هذا الجمهور الضخم لمثل هذا الكاريكاتير العنصري الهجومي. عندما تتم دعوته ليكون لجنة تحكيم أدبية، فإنه يشعر بالدهشة أكثر من أن كتابا بعنوان “نحن نعيش في دا غيتو”، لا يجد جمهورا ضخما فحسب، بل يحظى بتبجيل كبير من قبل لجنة التحكيم الأدبية البيضاء في الغالب. بينما يعود إلى منزل عائلته على الشاطئ، يأتي بفكرة لكتابة كتاب يسخر من هذا التصور الضيق لقيمة الإبداع الأدبي للكتاب السود، كتاب مليء بالتفاهة ولغة تقترب من الحضيض (كما يصفه مونك) وينشر تحت اسم مستعار.
يقدم المخرج جيفرسون بطلا لا تشوبه شائبة يملك روحا شفافة وساخرة، ويسعى إلى تعليمنا درسا حول قضايا السود في الثقافة الأميركية. إنها أيضا دراسة شخصية للروائي نفسه الذي لديه الكثير من القضايا الخاصة به. إنه ليس دائما الابن الأفضل لوالدته (ليزلي أوغامز) التي تعاني من الخرف، ولا الأخ الأكثر دعما لكليف (ستيرلينغ ك. براون) الذي ظهر مؤخرا كمثلي الجنس.
من الواضح أن مونك يبتلى بأوهام الذات بالطريقة التي يرفض بها الاعتراف بأن العرق يلعب أي دور في حياته. مونك غاضب معظم الوقت، لكنه نوع الغضب الذي يلتهم الشخص من الداخل. لا يفهم مونك لماذا تصر المكتبات على تقديم رواياته في قسم “الدراسات الأميركية – الأفريقية”، بدلا من المكان الذي تنتمي إليه تحت عنوان “الأدب القصصي والروائي”. في حين يحتفي النقاد (البيض) بالكتاب الأكثر مبيعا وعنوانه “نحن نعيش في دا غيتو” من تأليف سينتارا جولدن.
ما لم تكن قصص الكاتب الأسود تنطوي على العبودية أو العنف أو الفقر فإن الناشرين وهوليوود غير مهتمين بها
في وقت لاحق من الفيلم، يجد نفسه يواجه المؤلفة “كتب مثل هذه ليست حقيقية. يقول إنها تسطيح لحياتنا”. يقول وكيل مونك (جون أورتيز) “يعتقد البيض أنهم يريدون الحقيقة. إنهم يريدون فقط أن يشعروا بالبراءة”. ربما، ولكن أليس هذا النوع من التصوير الذي يريد مونك كشفه وفضحه.
في جوهره، يدور فيلم “الخيال الأميركي” حول عدم الإنصاف بتمثيل التجربة السوداء بأكملها. على هذا النحو، من الأفضل قراءة الفيلم كنافذة على واقع مونك، والذي ينطوي على تحديات ذات صلة مثل فقدان أخت (تريسي إليس روس) ومحاولة العثور على دار لرعاية المسنين يمكنه تحمل تكاليفها لأمه (ليزلي أوغامز). نحن نشجع مونك عندما يلتقي بمحامية لطيفة جارة لوالدته وتدعى كورالين (إريكا ألكسندر) التي تقرأ أعماله الأدبية وتظهر اهتماما أكبر بكثير مما يفعل بما يخص عملها.
الفيلم هو أول ظهور مثير للإعجاب من جيفرسون الذي قفز بسلاسة من الشاشة الصغيرة إلى الشاشة الكبيرة، إنه يتحدث بذكاء عن قضايا العرق في الأدب الأميركي.
في النهاية يذهب جيفرسون إلى ذروة الفيلم، مما يمنح الجمهور خيارا من ثلاث نهايات محتملة. “الخيال الأميركي” لكورد جيفرسون هو هجاء ذكي ومعبر جيدا حول التوقعات الفكرية لأميركا التي تكافح بفتور ضد تحيزاتها. والنتيجة هي تحليل دقيق وخيالي ومباشر للنفاق الثقافي والبحث عن كبش فداء فكري. كل ذلك في خضم كوميديا أنيقة مصممة خصيصا لجائزة الأوسكار.
الفيلم إذن نقد غني بالأفكار ويعالج تسويق الأدب وحالة النشر، ويعبر عن العديد من الحقائق الاجتماعية والاقتصادية. يتضمن هذا الفيلم الكثير ليقوله حول كيفية تعامل وسائل الإعلام مع قصص السود، مع التركيز بشكل خاص على انتقاد الفكر الضيف والانحيازي لأصحاب دور النشر ووسائل الأعلام والصحافة من البيض. ربما تكون الرسالة الأكثر تأثيرا التي يقدمها فيلم “أميركان فيكشن” هي تحديد الإبداع الأدبي وفق مقاييس تجارية أو الرؤية القاصرة في عالم يسعى غالبا إلى تحديد قصص الآخرين. قد لا تتغير نظرة وسائل الإعلام قصيرة النظر لحياة السود أبدا، لكن الأفراد لديهم القدرة على تحديد رواياتهم وحدودهم الإبداعية. يتحدى هذا الفيلم المشاهدين للتفكير والتساؤل وإعادة تقييم تصوراتهم عن حرية الإبداع والنشر في نهاية المطاف.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي
تحليل دقيق وسخرية حادة للنفاق الثقافي والبحث عن كبش فداء فكري.
فيلم ساخر بذكاء
هناك خفايا نمطية تحكم عوالم الفن، فمثلا في عالم الكتابة الأدبية تتحكم الأفكار المسبقة بتوجهات الناشرين الذين يحاولون بدورهم تطويع الخيال والسيطرة عليه ليقول ما يطلبه السوق، والوضع معقد حتى في بلد مثل الولايات المتحدة، حيث لا نجاح مثلا لكاتب أسود ما لم يكتب عن السود وفق مخيلة البيض. وهذا ما يعالجه فيلم “الخيال الأميركي”.
حدث تحول في أميركا بعد وفاة جورج فلويد وبريونا تايلور، وأثارت وفاتهما المأساوية وكذلك إزهاق أرواح العديد من السود الآخرين احتجاجات ومظاهرات على مستوى البلاد ضد العنصرية المنهجية وكذلك وحشية الشرطة.
وشارك المؤلفون السود تجاربهم من خلال الكلمة المكتوبة في المقالات المؤثرة والقصص الشخصية عن فضح الكراهية والتميز العنصري وعنف الشرطة في الولايات المتحدة الأميركية. وأدى ذلك إلى شكل جديد من أشكال التعبير الأدبي المعروف باسم الأدب الأميركي – الأفريقي. الشاغل الرئيسي لهذا النوع من الأدب هو تخليص وجه الرجل الأسود وثقافته من السلبية إلى اتجاه أكثر إيجابية.
المشكلة التي أفرزتها العنصرية كانت ومازالت العامل الرئيسي وراء معظم إبداع الأدباء السود على مر العصور، يتطلع الكثيرون إلى الأعمال الأدبية لمساعدتهم بشكل أفضل على فهم القضايا التي يواجهها السود في الولايات المتحدة. وضمن هذا الاتجاه يكيف المخرج الواعد كورد جيفرسون في أول تجربة إخراجية كتابا صدر قبل 23 عاما ومحوره السخرية من محاولة هوليوود ودور النشر الأميركية تسويق التجربة الأميركية – الأفريقية في فيلمه “الخيال الأميركي” الفائز بجائزة الأوسكار هذا العام لأفضل كتابة (سيناريو مقتبس)، استنادا إلى رواية الكاتب بيرسيفال إيفريت عام 2001.
يشير فيلم ” الخيال الأميركي” من خلال عدسته الساخرة إلى صناعة النشر للكتاب السود. بطل الفيلم ثيلونيوس إليسون (جيفري رايت) الملقب بـ”مونك”، كاتب سيئ الحظ قوبل عمله الأخير بالرفض لأن الناشرين يريدون “كتابا أسود”. يتساءل مونك كيف أن كتابا لرجل أسود لا يكفي؟ يشرح جيفرسون في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز ”هناك عدم القدرة على التفكير فينا على أننا نمتلك شغفنا الخاص ووجودنا المعقد خارج هذه النافذة المحدودة للغاية لما تسمح لنا بقوله عن حياتنا”. لا يريد الناشرون والقراء رواية عن تجربة السود باستخدام كتاب إسخيلوس الفرس، مثل ما يحاول مونك بيعه. ما لم تكن القصص تنطوي على العبودية أو العنف أو الفقر فإن الناشرين وحتى أستوديوهات هوليوود غير مهتمين به.
معايير للخيال
الفيلم يصور بذكاء وصدق كيف تعمل لجان منح الجوائز في عالم الأدب ويفضح معايير دور النشر الأميركية
قبل كتابة وإخراج فيلمه الروائي الطويل الأول “الخيال الأميركي” (أميركان فيكشن) عمل كورد جيفرسون في الصحافة. خلال ذلك الوقت، كتب مقالا بعنوان “ضربة العنصرية” يشرح فيه توقعات الصحافيين السود بالكتابة عن المواقف السيئة التي تحدث للسود، يحول هذا التركيز في الأدب الأسود في أميركا إلى السينما.
يبدأ الفيلم من قاعة المحاضرات في الجامعة في لوس أنجلس التي يدرس فيها الأستاذ الجامعي مونك، وفي محاضرة حول أدب الجنوب الأميركي، في تحليل لقصة قصيرة شهيرة لفلانيري أوكونور وردت كلمة زنجي (نيكرو)، تحتج طالبة بيضاء على الكلمة. تنكسر روح الأستاذ الجامعي مونك وتنهار ملامحه ويرد بشكل أكثر لباقة، لكن الطالبة تقدم شكوى ضد الأستاذ الجامعي مونك، لذلك يمنح الأستاذ والكاتب (مونك) إجازة مفتوحة من قبل عميد الجامعة، ويعود إلى منزله في بوسطن لقضاء بعض الوقت مع عائلته.
عند رحيله من لوس أنجلس حيث يعيش إلى بوسطن محل نشأته وعودته إلى بلدته وأهله يواجه تعقيدات مشاكل أفراد عائلته وجميعهم أطباء ما يضيف له أعباء أخرى. أخته الدكتورة ليزا إليسون (تريسي إليس روس) تكافح ماليا بسبب طلاقها. يخوض شقيقه الدكتور كليفورد إليسون (ستيرلينج ك. براون) نوعا من المعارك المالية بسبب الإدمان، ومما زاد الطين بلة، حالة والدته أغنيس (ليزلي أوغامز) التي تم تشخيصها للتو بمرض الزهايمر.
يلتقي الكاتب مونك بالمحامية كورالين (إريكا ألكسندر) الساكنة بجوار منزل أهله، وتنشأ بينهما علاقة عاطفية، كورالين معجبة بعمله، لكن عليه أن يتعلم الدرس الصعب وهو أن الحب لا يجبر شخصا آخر على رؤية العالم تماما كما يراه. لم تحقق كتبه التي أعيد تصورها إلى حد كبير عن المسرحيات القديمة لأريستوفانيس وإسخيلوس إلا نجاحا شعبيا ضئيلا. ويبدو أن هذه المؤلفات غالبا ما تنتهي في الحفظ في المكتبة في قسم “الدراسات الأميركية – الأفريقية”.
لكن ما يثير غضب مونك حقا هو عندما يتوجه إلى ندوة أدبية، تتحدث مؤلفة شابة سوداء سينتارا جولدن (إيسا راي) عن روايتها الأخيرة “نحن نعيش في دا غيتو”، الرواية محشوة بأنواع الصور النمطية للثقافة السوداء والعامية التي يكرهها الكاتب، ولكنها نشرت لأنها تتوافق مع ذائقة البيض وخيالهم في استهلاك معاناة السود والشعور بالاهتمام بقضيتهم، ونجاح الكتاب يزيده اكتئابا.
الفيلم يجسد بدقة نقد الكاتب والمخرج كورد جيفرسون لأول مرة للمعايير التي يتم من خلالها التحكم باستمرار في السرد والخيال الأميركي السائد حول الفن والفكر الأسود – ما هو عليه وما يجب أن يكون – من قبل الأصوات البيضاء، لكن اختزال الفيلم ببساطة في نظرته إلى العرق يتجاهل محتواه ورسالته، حيث إن بعض عناصره الأكثر تأثيرا عند تتبع مونك وعلاقته بعائلته، للحصول على صورة مضحكة ومؤثرة لرجل يحاول صقل علاقته بالعالم، علاوة على القضايا المهنية التي يواجهها مونك في النشر.
كانت موهبة مونك الأدبية رائعة ولكن كتبه لا تلقى رواجا، تخيل مرارته حين يجد اهتمام النقاد والصحافة والإعلام بكاتبة شبه متعلمة سينتارا جولدن، التي أحدثت روايتها البائسة ضجة كبيرة بين عشية وضحاها. يصر مونك على عدم الإيمان بالعرق، ولكن هذ الشعور يصطدم بالواقع الذي تجسد في أحد المشاهد، حين يقف في أحد شوارع بوسطن فتتجاوزه سيارة أجرة رغم ذراعه الممدودة، وتتوقف عند أقرب شخص أبيض.
فيلمان مختلفان
الكاتب والمخرج كورد جيفرسون ينقد لأول مرة المعايير التي يتم من خلالها التحكم باستمرار في السرد والخيال الأميركي السائد
يتم تحدي يقينه المتعجرف بأدب من قبل كورالين (إريكا ألكسندر) جارته في منزل العائلة الشاطئي، مما يجعله يعيد تقييم أولوياته الشخصية ويصطدم بتوقعات صناعة النشر منه التي تصيبه بنوبة من الإحباط. يحاول أن يجاري الموجة في الأدب الأميركي ويفهم خيال المتلقي الأميركي، يعكف على كتابة رواية ساخرة أطلق عليها عنوان “ماي بافولوجي” (نزعاتي) مخطوطة لا قيمة لها، فقط مكتظة بالصور النمطية العنصرية المتوهجة التي ترفضها قناعاته، لغرض السخرية اختار للرواية اسم مؤلف مستعارا (ستاغ آر لي) متظاهرا بأنه مجرم عنيف مدان، وبالترتيب مع الناشر ووكيل أعماله أرثر (جون أورتيز)، لكنه يفاجأ بالضجة الأدبية والاحتفاء بالرواية التي جذبت له عرضا مذهلا بقيمة 750 ألف دولار من دار نشر واحدة.
“إنها النكتة الأكثر ربحا التي قلتها على الإطلاق” كما يقول مونك لوكيله (جون أورتيز). يباع الكتاب إلى منتج أفلام ناجح وايلي (آدم برودي) مقابل 4 ملايين دولار، لكنه يريد مقابلة ستاغ شخصيا، لذلك يتبنى مونك شخصية المجرم. مع توتر مونك بشأن كل الدعاية والضجة الإعلامية، يردد “كلما تصرفت غبيا، كلما أصبحت أكثر ثراء”، يحاول تخريب صفقة الكتاب من خلال المطالبة بتغيير العنوان إلى كلمة بذيئة. يتفق الناشرون على مضض، واصفين ذلك بأنه “قرار شجاع جدا”. في مفارقة أخرى يتم ترشيح مونك للجنة التحكيم للجائزة الأدبية السنوية لجمعية نيو إنجلاند للكتاب. وفي الوقت نفسه، تظهر روايته السيئة مرشحة لأول مرة كأكثر الكتب مبيعا، ينزعج مونك عندما يجد حبيبته كورالين تقرأ الرواية وتحبها، يتشاجر معها مما يؤدي إلى انفصالهما. بينما تدخل شركة للنشر رواية الكاتب مونك “اللعنة” للجائزة الأدبية، لذلك يجب أن يحكم على روايته الخاصة مع الكاتبة سينتارا هي أيضا ضمن لجنة تحكيم منح الجائزة.
من حيث الجوهر، هناك تشابه واضح بين فيلم “الخيال الأميركي” وفيلم أميركي آخر بعنوان “خدع” لسبايك لي، الذي صدر في عام 2000، ويدور حول موظف أسود يعمل في محطة تلفزيونية، لم يعد قادرا على تحمل العنصرية السائدة في الوسط الإعلامي ويريد إنهاء عقده. تحقيقا لهذه الغاية ابتكر عرضا عنصريا مفرطا، حيث كان الممثلون السود يرتدون وجها أسود، ولن يكون لديه خيار سوى طرده كما كان يظن. لكن يفاجأ بردة فعل رئيسه الأبيض ووسائل الإعلام وجمهور كبير يحتفون بالعرض الذي يحقق نجاحا جماهيريا.
يصور الفيلم بذكاء وصدق كيف تعمل لجان منح الجوائز في عالم الأدب ويلقي نظرة على معايير دور النشر الأميركية بشكل خاص. كانت النغمة الكوميدية متميزة وكانت الفكاهة لاذعة وصادقة أيضا، مع تسليط الضوء على المقابلة التلفزيونية وموافقة الناشرين على عنوان الكتاب السخيف، كل ذلك يمنح المشاهد نظرة صادقة جدا على جانب من التحيز والنظرة العنصرية تجاه الكتاب السود.
هناك أيضا مشكلة هيكلية في جوهر الفيلم، محاولة المخرج في التوفيق بين قصتين ونغمتين مختلفتين في وقت واحد، بحيث بدا وكأنه فيلمان مختلفان تماما، أحدهما كوميديا ساخرة وهجاء لدور النشر الأميركية ووسائل الإعلام والآخر دراما عائلية مأساوية. عملت كلتا القصتين بسبب المشاركة العاطفية القوية والتوصيف القوي والتمثيل الممتاز في جميع المجالات. ربما كانت الحبكة الفرعية للأخ المثلي للكاتب مونك بلا داع في هذا الخليط غير المتكافئ من الأفكار والموضوعات.
هجاء ذكي
صناعة النشر يحكمها خيال البيض
تمتع الممثل ستيرلينج ك. براون بشخصية جذابة للغاية، بينما أظهر الممثل جيفري رايت في شخصية مونك مشاهد كوميدية ودرامية في مثل هذا الدور الرائع. فيلم يحكي الكثير عن عنصرية البيض وتحيزاتهم بينما كانت سخريته من وسائل الإعلام بشكل خاص.
قدم رايت أداء متميزا في الدور الرئيسي لشخصية الكاتب (مونك)، في مهرجان بوسطن للكتاب، يحضر مونك مقابلة مع المؤلفة سينتارا جولدن (إيسا راي) التي احتفلت بكتابها “الأسود” الأكثر مبيعا الذي يحكي قصصا سوداء نمطية للأشخاص السود الفقراء وغير المتعلمين. كان مونك مذعورا وغاضبا من وجود مثل هذا الجمهور الضخم لمثل هذا الكاريكاتير العنصري الهجومي. عندما تتم دعوته ليكون لجنة تحكيم أدبية، فإنه يشعر بالدهشة أكثر من أن كتابا بعنوان “نحن نعيش في دا غيتو”، لا يجد جمهورا ضخما فحسب، بل يحظى بتبجيل كبير من قبل لجنة التحكيم الأدبية البيضاء في الغالب. بينما يعود إلى منزل عائلته على الشاطئ، يأتي بفكرة لكتابة كتاب يسخر من هذا التصور الضيق لقيمة الإبداع الأدبي للكتاب السود، كتاب مليء بالتفاهة ولغة تقترب من الحضيض (كما يصفه مونك) وينشر تحت اسم مستعار.
يقدم المخرج جيفرسون بطلا لا تشوبه شائبة يملك روحا شفافة وساخرة، ويسعى إلى تعليمنا درسا حول قضايا السود في الثقافة الأميركية. إنها أيضا دراسة شخصية للروائي نفسه الذي لديه الكثير من القضايا الخاصة به. إنه ليس دائما الابن الأفضل لوالدته (ليزلي أوغامز) التي تعاني من الخرف، ولا الأخ الأكثر دعما لكليف (ستيرلينغ ك. براون) الذي ظهر مؤخرا كمثلي الجنس.
من الواضح أن مونك يبتلى بأوهام الذات بالطريقة التي يرفض بها الاعتراف بأن العرق يلعب أي دور في حياته. مونك غاضب معظم الوقت، لكنه نوع الغضب الذي يلتهم الشخص من الداخل. لا يفهم مونك لماذا تصر المكتبات على تقديم رواياته في قسم “الدراسات الأميركية – الأفريقية”، بدلا من المكان الذي تنتمي إليه تحت عنوان “الأدب القصصي والروائي”. في حين يحتفي النقاد (البيض) بالكتاب الأكثر مبيعا وعنوانه “نحن نعيش في دا غيتو” من تأليف سينتارا جولدن.
ما لم تكن قصص الكاتب الأسود تنطوي على العبودية أو العنف أو الفقر فإن الناشرين وهوليوود غير مهتمين بها
في وقت لاحق من الفيلم، يجد نفسه يواجه المؤلفة “كتب مثل هذه ليست حقيقية. يقول إنها تسطيح لحياتنا”. يقول وكيل مونك (جون أورتيز) “يعتقد البيض أنهم يريدون الحقيقة. إنهم يريدون فقط أن يشعروا بالبراءة”. ربما، ولكن أليس هذا النوع من التصوير الذي يريد مونك كشفه وفضحه.
في جوهره، يدور فيلم “الخيال الأميركي” حول عدم الإنصاف بتمثيل التجربة السوداء بأكملها. على هذا النحو، من الأفضل قراءة الفيلم كنافذة على واقع مونك، والذي ينطوي على تحديات ذات صلة مثل فقدان أخت (تريسي إليس روس) ومحاولة العثور على دار لرعاية المسنين يمكنه تحمل تكاليفها لأمه (ليزلي أوغامز). نحن نشجع مونك عندما يلتقي بمحامية لطيفة جارة لوالدته وتدعى كورالين (إريكا ألكسندر) التي تقرأ أعماله الأدبية وتظهر اهتماما أكبر بكثير مما يفعل بما يخص عملها.
الفيلم هو أول ظهور مثير للإعجاب من جيفرسون الذي قفز بسلاسة من الشاشة الصغيرة إلى الشاشة الكبيرة، إنه يتحدث بذكاء عن قضايا العرق في الأدب الأميركي.
في النهاية يذهب جيفرسون إلى ذروة الفيلم، مما يمنح الجمهور خيارا من ثلاث نهايات محتملة. “الخيال الأميركي” لكورد جيفرسون هو هجاء ذكي ومعبر جيدا حول التوقعات الفكرية لأميركا التي تكافح بفتور ضد تحيزاتها. والنتيجة هي تحليل دقيق وخيالي ومباشر للنفاق الثقافي والبحث عن كبش فداء فكري. كل ذلك في خضم كوميديا أنيقة مصممة خصيصا لجائزة الأوسكار.
الفيلم إذن نقد غني بالأفكار ويعالج تسويق الأدب وحالة النشر، ويعبر عن العديد من الحقائق الاجتماعية والاقتصادية. يتضمن هذا الفيلم الكثير ليقوله حول كيفية تعامل وسائل الإعلام مع قصص السود، مع التركيز بشكل خاص على انتقاد الفكر الضيف والانحيازي لأصحاب دور النشر ووسائل الأعلام والصحافة من البيض. ربما تكون الرسالة الأكثر تأثيرا التي يقدمها فيلم “أميركان فيكشن” هي تحديد الإبداع الأدبي وفق مقاييس تجارية أو الرؤية القاصرة في عالم يسعى غالبا إلى تحديد قصص الآخرين. قد لا تتغير نظرة وسائل الإعلام قصيرة النظر لحياة السود أبدا، لكن الأفراد لديهم القدرة على تحديد رواياتهم وحدودهم الإبداعية. يتحدى هذا الفيلم المشاهدين للتفكير والتساؤل وإعادة تقييم تصوراتهم عن حرية الإبداع والنشر في نهاية المطاف.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي