بين باريس والقاهرة: "نابليون" يثير ردود فعل متباينة من الجمهور
الفيلم يواجه اتهامات بمغالطات تاريخية
باريس - أثار فيلم “نابليون” للمخرج ريدلي سكوت بعد إطلاقه هذا الأسبوع ردود فعل متباينة سواء في باريس عاصمة حكم الإمبراطور التاريخي أو في مصر التي شن عليها نابليون حملته الشهيرة بين عامي 1798 و1801.
واختلفت آراء طلائع الفرنسيين الذين حضروا الفيلم، إذ لاحظ بعضهم ضخامة العمل، وأخذ عليه آخرون في المقابل “الأخطاء التاريخية” التي “يحفل بها”، واعتبروه مسيئا إلى شخصية وطنية، فيما جاء موقف النقاد مائلا إلى الفتور.
وقال كليمان بيّيه بعد مشاهدته الفيلم في سينما “بارادي” في فونتينبلو بجنوب باريس “إنه هراء! لا، لم يعجبني”.
ورغم إقراره بأن المخرج البريطاني تمكنّ “بشكل جيد إلى حد ما” من تحقيق التحدي المتمثل في “سرد حياة نابليون في ساعتين وأربعين دقيقة”، لم تقنعه على الإطلاق مشاهد المعارك التي تُعدّ مع ذلك أبرز ما في الفيلم.
طارق الشناوي: التوقع تجاوز بكثير سقف الواقع للشخصيات التاريخية
أما جاك لوك الذي امتنع عن ذكر شهرته فوصف الفيلم بأنه “خيبة أمل كبيرة”، وانتقد “الأخطاء التاريخية” فيه و”مهاجمته نابليون”، الذي أدى دوره الممثل جواكين فينيكس.
ولم يخفِ ريدلي سكوت في الفيلم إعجابه بقصة الإمبراطور الذي سَكِر بانتصاراته في المعارك وحملاته العسكرية الظافرة، واشتُهر ببراعته في فن الحرب، وأشعل نار الحروب في أوروبا.
وشددت ماري لور جان موجان على أن بعض مشاهد الفيلم “غير الضرورية أساءت إلى صورة” نابليون الذي يشكّل في تاريخ فرنسا “شخصية استثنائية، سواء أكان المرء يحبه أم لا”.
لكنها رأت أن الفيلم “جميل جدا.. وعمل يتصف بالضخامة، تمامًا كما يُتوقع من الأميركيين”.
وأشار موقع “آلو سينيه” المتخصص إلى أن نقاد الصحافة الفرنسية قابلوا الفيلم بردود فعل متباينة أيضا، إذ لم تجاوز العلامة التقييمية للفيلم 2.9 على 5.
ولاحظ عدد من المؤرخين الفرنسيين أن المخرج ريدلي سكوت تصرّف بحريّة كبيرة في القصة التاريخية، واتهمه بعضهم حتى بالتحيز البريطاني المعادي لنابليون.
وانتقد المؤرخ باتريس غينيفيه في مجلة “لوبوان” الأسبوعية “الصورة الكاريكاتيرية” التي أعطاها الفيلم عن نابليون “كغول كورسيكي طموح، متفاخر ومتجهم، ومثير للاشمئزاز أيضا في علاقته مع زوجته جوزفين” التي تؤدي دورها فانيسا كيربي.
وفي مصر أثارت مشاهد من الفيلم الجدل حول حقيقة إطلاق نابليون قذائف مدفعية على أهرامات الجيزة في مصر، وحقيقة تسببه في كسر أنف تمثال أبوالهول الشهير.
وعلق الناقد الفني طارق الشناوي على الفيلم قائلا إنه لم يندم على مشاهدته ندما تامّا، لكنه أشار إلى أن العمل السينمائي فيه أخطاء تاريخية، ومنها تحديدا ما يتعلق بمعركة الأهرام التي جرت في مصر.
ومعركة الأهرام، أو معركة إمبابة، هي معركة كبيرة وقعت في 21 يوليو 1798، أثناء الحملة الفرنسية على مصر. دارت المعركة بالقرب من قرية إمبابة، عند نهر النيل من القاهرة، ولكن نابليون أسماها معركة الأهرام نسبة إلى هرم الجيزة الأكبر.
وكتب الشناوي في تدوينة على فيسبوك “مأزق فيلم ريدلي سكوت الأخير الذي عرض في مصر قبل 24 ساعة مواكبا لعرضه العالمي، أن التوقع تجاوز بكثير سقف الواقع للشخصيات التي صارت بمثابة جزء من تاريخ وثقافة العالم، وقدمت بكل لغات وثقافات العالم في أعمال درامية متعددة تواجه دائما هذا الحاجز النفسي، ولم يتمكن ريدلي سكوت من عبور هذا الحاجز وارتفاع خيال المشاهد عن الشريط الفني، رغم أنه كان حريصا على أن يقدم لنا نابليون الإنسان بكل ضعفه أمام جوزفين المرأة التي كانت تحكم نابليون ومن خلاله تتحكم في العالم”.
وتابع “وكالعادة هناك انتقادات بسبب أخطاء تاريخية منها معركة الأهرام التي دارت رحاها في مصر”، وقال “إنه يقدم رؤية بصرية وليست تاريخية، في كل الأحوال لم أندم على نحو ساعتين ونصف الساعة وأنا أشاهد هذه الملحمة التاريخية للمخرج الذي يقترب من التسعين من عمره ولا يزال يملك كل مفردات لياقته الإبداعية رغم أنني كنت أترقب ما هو أبعد وأبدع”.
وعلق المخرج المصري عصام الشماع على رأي الناقد الشناوي فكتب “الأفلام التاريخية طبيعتها كده (هكذا) لأنها صراع ما بين مادية وجفاف الحدث الواقعي وما بين طبيعة الفن من خيال وإبداع. وهناك بعد آخر وهو تفسير خيال المتلقي نفسه، هذا المثلث يضع الأفلام التاريخية وأفلام السيرة الذاتية في أزمة طبيعية من أصغر عمل إلى أكبر عمل”.