"شوفالييه".. سيرة "موزارت الأسود" الذي أبهر المجتمع الفرنسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "شوفالييه".. سيرة "موزارت الأسود" الذي أبهر المجتمع الفرنسي

    "شوفالييه".. سيرة "موزارت الأسود" الذي أبهر المجتمع الفرنسي


    الفيلم دراما رومانسية مليئة بالمؤامرات والخيانات وإعادة اكتشاف الذات.


    الفيلم يعرف بعبقرية موسيقية منسية

    بين حين وآخر نكتشف أحد المبدعين الذين لم ينصفهم التاريخ، ووقع تناسيهم أو إتلاف أعمالهم، وبالتالي يبقون في الظلال، إلى أن يكتشفهم أحدهم ويعيد سرد قصصهم وأعمالهم وسير حيواتهم التي تكون مثيرة في الغالب. وهذا ما يحاوله فيلم “شوفالييه” الذي يعيد الاعتبار لأول موسيقي أسود في فرنسا.

    هل سمعت عن بلاك موزارت؟ إنه جوزيف بولون شوفالييه دي سان جورج (25 ديسمبر 1745 – 10 يونيو 1799)، أول ملحن كلاسيكي معروف من أصل أفريقي. قام بتأليف العديد من المقطوعات الموسيقية وكونشيرتو الكمان بالإضافة إلى تقديمه للعديد من عروض الأوبرا.

    وُلد شوفالييه دي سان جورج في مستعمرة غوادلوب الفرنسية آنذاك إبنا لجورج دو بولون سان جورج المزارع الثري وأمه المرأة الأفريقية السنغالية والمستعبدة وتدعى نانون. في سن السابعة نقله أبوه إلى فرنسا، وفي سن الثالثة عشرة تلقى دروسًا في الموسيقى. وهو معروف أيضًا باسم “موزارت نوار” أو “موزارت الأسود” أول رجل أسود يقود أهم فرق الأوركسترا في فرنسا.

    لم يكن شوفالييه دي سان جورج محصنا من العنصرية، عند ترشيحه مديرا لأوبرا باريس في عام 1776، رفض هذا الترشيح رغم موهبته واستحقاقه، بعد احتجاج من قبل مغنيات الأوبرا في ذلك الوقت اللواتي قدمن التماسًا إلى الملكة يعلنّ فيه أن “شرفهم وضميرهم الرقيق لا يسمحان لهن أبدًا بالخضوع لأوامر المولاتو”، (أي الخلاسي). يبدو أن الخوف من رد فعل عنصري هو الذي منع ماري أنطوانيت (لوسي بوينتون) من تعيين شوفالييه مديرا لأوبرا باريس، وذهبت الوظيفة بدلا من ذلك إلى غلوك (هنري لويد هيوز)، ولكن تمكن دي سان جورج من تحقيق النجاحات في فرنسا ما قبل الثورة ما جعل قصته رائعة وملهمة.
    المخرج يعمل على سرد قصة حياة الموسيقي من خلال “الفلاش باك” فيعود إلى طفولته ثم يرجع إلى حاضره

    كان مفضلا في البلاط واحتفلت به الطبقة الأرستقراطية الفرنسية لبراعته الموسيقية، ومع ذلك فإن نجاحه أكسبه أعداء وحّدوا قواهم لمنعه من أن يصبح مديرا للأوبرا. على الرغم من هذه الاعتراضات والعقبات التي صادفته، فقد اجتهد وأصبح أحد أكبر النجوم في فرنسا في القرن الثامن عشر في الفترة التي قضاها في الأوبرا قبل الثورة الفرنسية.

    فيلم “شوفالييه” من إخراج ستيفن ويليامز وكتابة ستيفاني روبنسون، فيلم سيرة ذاتية مستوحى من حياة ومهنة جوزيف بولوني، لا تقدم قصة المايسترو سان دي جورج شوفالييه على اعتباره علامة مهمة من تاريخ العالم الأفريقي فحسب، بل تكاد تكون مصدر إلهام للفنانين الطموحين من ذوي البشرة السمراء. ويحكي الفيلم التاريخ الحقيقي الخفي للطفل الأسود في أواخر القرن الثامن عشر والذي سيكبر ويصبح البطل المبارز وعازف الكمان والملحن المشهور “جوزيف بولوني” الذي منح لقب فارس (شوفالييه دي سانت جورج).

    في سن الخامسة عشرة هزم أفضل مبارز في فرنسا الذي سخر منه بالافتراءات العنصرية، وتم تكريمه بلقب فارس (شوفالييه) من الملكة ماري أنطوانيت (لوسي بوينتون). في حين أنه يشار إليه بشكل مهين باسم “موزارت الأسود” من قبل أولئك الذين يستكثرون عليه تألقه وتميزه عن إقرانه من البيض.
    رحلة إلى الشهرة


    فيلم "شوفالييه" يكشف التمييز العنصري في عالم موشح بالجمال والإنسانية ألا وهو عالم الموسيقى الكلاسيكية

    يهدف الفيلم إلى التعريف بعبقرية موسيقية مخفية عن التاريخ. تم حظر عمل بولوني وحفظه من كتب التاريخ، ولم يتم التعريف به إلا في العقود الأخيرة واعتبر مثالا بارزا على تبييض التاريخ. ويستكشف ليس فقط الرجل وقدراته ولكن حياته الشخصية والمواقف تجاه العرق في ذلك الوقت، والمناخ السياسي الذي أدى إلى الثورة الفرنسية.

    يأخذ المخرج ويليامز المشاهد داخل دور الأوبرا والصالات الملكية. افتتاح الفيلم في مشهد مثير للإعجاب، حين يعزف الموسيقي فولفغانغ أماديوس موزارت (الذي يلعب شخصيته جوزيف بروين) أمام حشد من الأرستقراطيين العاشقين للموسيقى الكلاسيكية أجمل المعزوفات، قبل أن يخرج شوفالييه من بين الجمهور لتحدي موزارت في مبارزة على الكمان (القصة من خيال الكاتب). لأن حقيقة الأمر شوفالييه وبعد أن منحته الملكة ماري أنطوانيت هذا اللقب الفخري لم يعزف أبدا مع موزارت، ناهيك عن أن موزارت كان أصغر من جوزيف بأكثر من 10 سنوات.

    بالرغم من ذلك، وجد علماء الموسيقى أوجه تشابه مذهلة في مقطع موزارت مع مقطع مهم آخر في عمل موسيقي باريسي (شوفالييه دي سان جورج) تم تأليفه عام 1777. وكان الاختلاف هو أن عمل الأخير كان أعلى بنصف نغمة فقط. وبخلاف ذلك إنه التأثير المباشر الذي أخذه موزارت من هذا الموسيقي الباريسي.



    يعمل المخرج على سرد قصة حياة الموسيقي من خلال “الفلاش باك”، ويعود إلى طفولته حين أرسله والده الأبيض إلى مدرسة خاصة في باريس حيث أمكنه التفوق في المبارزة والكمان، وقبل أن يترك الطفل هناك، ينظر جورج إلى وجه ولده ويخبره “قبل كل شيء، يجب أن تكون ممتازا، لا أحد يستطيع أن يهزم فرنسيا ممتازا”.

    على الرغم من التحيز العنصري الصارخ في ذلك الوقت، التحق دي سان جورج بمدرسة خاصة في باريس وبرع في العزف على الكمان وفي التأليف الموسيقي. مع ذلك عانى لسنوات من التنمر في المدرسة. في وقت لاحق نرى دي سان جورج شخصا بالغا يشق طريقه إلى المجتمع الفرنسي ويكافح دائما من أجل الاندماج والقبول المجتمعي، ويواجه العنصرية والتعصب في كل مكان يذهب إليه، رغم ذلك، يحظى باهتمام ومودة ملكة فرنسا التي تمنحه لقب “الفارس” بعد عام واحد، يجلس شوفالييه إلى جانب ماري أنطوانيت وهي تهمس في أذنه بانتقادها للأوبرا الصاخبة التي يشاهدونها.

    بعد أن أصبح الرجل يتمتع ببعض الشهرة إلى درجة تجعل مغنية الأوبرا الراسخة ماري مادلين غيمارد (ميني درايفر) تبدي رغبتها في العمل معه، لكنها ليست المفضلة عنده. كانت عيون دي سان جورج ترنو إلى هدف أعظم وأسمى وهو منصب المدير لأوبرا باريس. عندما تحاول ماري أنطوانيت ثنيه عن مطاردته لهذا الحلم بعد أن أصبح فارسا يرد عليها “هناك عدد لا يحصى من الرجال الذين يحملون ألقابا في فرنسا، ولكن هناك رئيسا واحدا فقط لأوبرا باريس”.

    كان يعلم أن إدارة هذه المؤسسة ذات المستوى العالمي ستعزز مكانته، ليس فقط في قمة مجتمع النخبة الأبيض الذي نشأ على الطمع، ولكن أيضا في تاريخ الموسيقى العالمي ويرى في نفسه الرجل المناسب لهذا المنصب. تحذره ماري أنطوانيت من أن لجنة التحكيم تفضل الملحن الألماني كريستوف غلوك، على الرغم من حقيقة كونه ليس فرنسيا. لكن المايسترو شوفالييه دي سان يعمل على إثبات أنه الرجل الأفضل للمنصب، ويعتقد أن موهبته التي لا مثيل لها ستكون كافية. يتحدى بولوني غلوك للمنافسة على الوظيفة. تحدد ماري أنطوانيت المعايير: تأليف أوبرا وتقدم أمام لجنة التحكيم. وسيتم منح الفائز المنصب وسيتم عرض أوبراه لأول مرة في القصر الملكي. ومع ذلك، تفضل اللجنة المسؤولة الملحن الألماني كريستوف غلوك (هنري لويد هيوز) واستبعاد شوفالييه.
    الأم والمرأة والخذلان



    مهما فعل لم يصبح منهم


    توفي والده في غوادلوب ولم يترك له شيئا من ممتلكاته بعد أن أوصى بكاملها إلى ابنته فقط، ولكنه حرر والدته من العبودية وأرسلها إلى باريس للعيش معه بعد عقود من الزمن. تصل والدة جوزيف نانو (رونكي أديكوليوجو) إلى باريس، ولكن الفجوة الكبيرة بينها وبين الابن تصيبها بالصدمة. لأنها سوداء ومخلصة لعاداتها وثقافتها الأفريقية، في حين اعتاد سان جورج على المجتمع “الأبيض”. (أعظم شرّ) كما تسميه والدته وتضيف “ليس بما فعلوه بأجسادنا. بل ما فعلوه بأذهاننا”.

    تحاول والدته توجيهه بلطف بعيدا كي لا يحصد الخيبة والخذلان من مجتمع قائم على التمييز العنصري، وحسب قول والدته العظيمة “حتى في اللحظة التي تدرك فيها مدى تميزك، بالنسبة إلى هؤلاء الناس البيض، لا تزال مؤخرتك السوداء سوداء”. لكنه يرفض تلك الحقيقة ويسعى وراء التميز وهو كل ما يعرفه.

    تحاول الأم أن تجعل المهاجرين والعمال الأفارقة الذين يحلمون بالحرية مصدر إلهامه، محاولة حمله على دمج بعض الألحان السنغالية في أوبراه والاستفادة من تراثه الأفريقي. تساعده نانون على رؤية أخطاء حياته الفاخرة السطحية بعد أن يشتري لها ملابس باهظة الثمن حسب الطلب، تقول “كل الأموال التي دفعتها مقابل تلك الفساتين كان يمكن أن تطعم مدينة بأكملها”. مزيج روبنسون من الحقيقة والخيال مع تلميحات لقضايا العرق/ الهوية اليوم مدروس. ويرفض الابن، يقول لها “هناك معايير يجب احترامها”.

    أصبح جورج شوفالييه محبوبا للعديد من النساء في صالونات المجتمع الباريسي، لكن امرأتين فقط تلعبان دورا أساسيا في تشكيل حياته. الأولى والدته السنغالية نانون (رونكي أديكولويجو) بعد وصولها فجأة إلى فرنسا والعيش معه في شقته الباريسية الفاخرة. الثانية ماري جوزفين (سمارة ويفينغ) التي عاش قصة حب غير مشروعة معها وهي المتزوجة (سمارة ويفينغ) من الماركيز العنصري ذي العقلية العسكرية (مارتون كسوكاس) وتؤدي علاقتهما إلى الحمل.

    بالنتيجة يتم أخذ الطفل على الفور وقتله بعد ولادته مباشرة. تبدو الرومانسية غريبة بعض الشيء، على الرغم من أنها تظهر ضعف جوزيف الذي يجلب له لحظات من الفرح بالإضافة إلى الخسارة المأساوية في حياته. كنت أكثر انبهارا بعلاقته المتوترة في البداية مع والدته، وهو أمر واقعي بالنظر إلى التناقض في مكانهما في العالم.

    شوفالييه بصفته شخصا مبدعا وفنانا شق طريقه في المجتمع الفرنسي وكافح دائما من أجل الاندماج والقبول بلا جدوى

    بعد أن تم لمّ الشمل مع والدته التي حذرته بكونه مجرد سائح في عالم البيض بعد أن فوجئت بهواجسه المادية التي تظهر ضعفه. تظهر في البداية علاقته متوترة مع والدته. هناك لحظة معبرة للغاية في الفيلم حين تعزف الأم نانون ترنيمة لابنها الذي اعتادت أن تغنيها له عندما كان طفلا وتقترح عليه إيجاد طريقة لاستخدامها في موسيقاه. في المقابل، الوحيد الذي كان يتواصل دي سان جورج ويتفاعل معه عندما كان طفلا هو والده (الذي يختفي تماما بعد ذلك كشخصية من الفيلم). في حين أن علاقة الموسيقي شوفالييه بوالدته تلعب دورا غريبا في وقت متأخر من أحداث القصة.

    هناك جوانب بارزة أخرى من حياة شوفالييه تشعر بأنها منسية بشكل غريب طوال الوقت. في النهاية يفقد شوفالييه كل شيء بعد سلسلة من التجاوزات العنصرية الوقحة. بعد أن خذلته الملكة ماري أنطوانيت، وتخلت عنه بعد أن كانت علاقته بها وثيقة وحرمته من منصب أوبرا باريس، لا يسع شوفالييه دي سان جورج إلا أن يتأسف، ويرد على الملكة “ذات لحظة كنت رجلا فرنسيا، لكنني الآن مجرد زنجي”.

    في أشد لحظات انكساره فإن والدته تقف بجانبه تؤازره وتدعمه للوقوف على قدميه تأخذه إلى أركان باريس الأفريقية ويستعيد جذوره في ثقافته ومجتمعه. يجلس هذا العبقري الموسيقي أمام دائرة من الطبول ويتعلم من عازفي الطبول ويعيد ترتيب إيقاع نبضات قلبه إلى لحنهم حين يبدأ عملية إعادة تأهيل روحه المهشمة. وبدون شعر مستعار يسير في الشارع، يؤدي موسيقاه الجديدة ويتبرع بعائدات حفلاته إلى صندوق إطعام الفقراء.

    استمر بولوني في المساعدة في تنظيم وتمويل الثورة الفرنسية التي من شأنها أن تكلف ماري أنطوانيت رأسها. في وقت الثورة الفرنسية عام 1789 أصبح سان جورج فارسا مقاتلا في رتبة قائد فيلق مع مجموعة المتطوعين السود دفاعا عن الثورة. ومع ذلك، سجنت السلطات الثورية سان جورج لمدة 11 شهرا. ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتباطه الموسيقي بماري أنطوانيت قبل وبعد أن تصبح ملكة فرنسا حتى توفي بشكل غامض في عام 1799.

    قام سان جورج بتأليف العديد من الأعمال، بما في ذلك العديد من الكوميديا الأوبرا. كما كتب 14 كونشيرتو كمان وسيمفونيتين، إلى جانب قطع موسيقية، بما في ذلك السوناتا والرباعية الوترية. من الواضح أنها شخصية رائعة عاشت حياة رائعة ومفعمة بالأحداث وتستحق أن توثق حياته ويخلد في شريط سينمائي.
    موقف من الثورة



    يحاول الأصدقاء إشراك جورج بولوني في السياسة رغم أنه لا يميل إلى الدخول في هذا العالم. لكنه يقف في صف الثوار حين تلسعه نيران التعصب والعنصرية. نتابع شوفالييه بصفته شخصا مبدعا وفنانا يشق طريقه في المجتمع الفرنسي ويكافح دائما من أجل الاندماج والقبول، لكنه حتما يواجه العنصرية والتعصب في كل مكان يذهب إليه. لذلك يحاول أن يستخدم مكانته في المجتمع لمحاربة الظلم في عصره وإحداث فرق في مسألة حقوق الإنسان. إنها خاتمة مبهرة بشكل مناسب تجسد النضال ضد التمييز العنصري والتفاف الجماهير حوله.

    عرض ويليامز وكاتب السيناريو ستيفاني روبنسون أحداث الفيلم كنقطة انعطاف في الثورة الفرنسية. يستغرق شوفالييه بعض الوقت للتصالح مع كونه عالقا بين ثقافتين، ولكن عندما يحتدم الصدام مع التمييز العنصري لا يجد طريقا إلا الوقوف والهتاف له، ولكن المحزن حقا أنه بعد الثورة الفرنسية تم محو وحجب جميع أعماله من السجل التاريخي للموسيقيين الكلاسيكيين بعد وصول نابليون إلى السلطة.

    قصة الملحن الموهوب الذي تجاهلته الأجيال القادمة بسبب لون بشرته لها صدى واضح في عصر إنهاء الاستعمار. يبدو أن الوقت مناسب بالتأكيد لإعادة اكتشاف شوفالييه – وهو لقب فخري يكشف عن مدى ارتقاء وصعود نجمه في ظل قانون نوير العنصري الصريح في فرنسا وهو قانون سيء السمعة (مجموعة من القواعد لكيفية معاملة فرنسا للعبيد السود في مستعمراتها).

    لا يغوص الكاتب ستيفاني روبنسون كثيرا في طفولة الصبي الصغير والصدمات النفسية. سرعان ما نشاهده وهو شاب مبارز وفي مرحلة البلوغ في جوزيف حيث تحدى موزارت ونجح في إذلاله علنا. “شوفالييه” هو عمل سينمائي رائع مع الدراما والرومانسية والمؤامرات والخيانة وإعادة الاكتشاف الشخصي.

    يقدم هاريسون جونيور أداء مبهرا في شخصية شوفالييه. وقد نجح المخرج ستيفن ويليامز وكاتب السيناريو ستيفاني روبنسون في تسليط الضوء على عبقرية موسيقية تم تجاهلها وعدم تذكره كقوة مهيمنة في الموسيقى الكلاسيكية بسبب العنصرية التي كانت سائدة. وهذا على الأرجح السبب في أن الفريق الإبداعي اختار التركيز على المكائد وراء الكواليس لإنتاج لم ير ضوء النهار أبدا.

    في الواقع، خسر سان جورج حفلة أوبرا باريس بسبب عنصرية فناني الأوبرا في تلك الفترة، لقد قدموا بنجاح التماسا ضد العمل مع رجل أسود. وبعد مرسوم أصدره المتغطرس نابليون بونابرت في عام 1802، تم حظر موسيقى وأوبرا جوزيف بولوني من الأداء العام ومنع انتشارها، بل أمر بتدميرها وتم نسيان الكثير من أعمال الملحن. ولكن بجهود علماء الموسيقى أعيد اكتشاف الكثير منها وكانت النتيجة عودة شعبية الملحن في دوائر الموسيقى الكلاسيكية.

    في يوليو 2020 نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للملحن وأستاذ التأليف الموسيقي ماركوس بالتر انتقد فكرة تسمية جوزيف بولوني بـ”موزارت الأسود”. عبقري متعدد الاستخدامات وموسيقي كلاسيكي رائع في حد ذاته، يمكن أن يكون بولوني أفضل من اختزاله مقارنة بـ”معيار أبيض تعسفي”.

    في الختام “شوفالييه” فيلم يكشف التمييز العنصري في عالم موشح بالجمال والإنسانية ألا وهو عالم الموسيقى الكلاسيكية. الموضوع الأكثر خيبة وحزن في الفيلم، أن الموهبة وحدها غير كافية في الانتصار والتفوق على العنصرية آنذاك وحتى في زمننا الحالي، ولا تزال العنصرية عاملا لا يمكن نكرانها أو الهروب منها. باعتقادي أن المخرج ويليامز أنصف الموسيقي شوفالييه بشكل عام وقادنا إلى الكشف عن إبداعه الفني وأعاد الاعتبار والتقدير له.



    علاء حسن
    كاتب عراقي
يعمل...
X