أسواق حلب الشهباء .....من الألف إلى الياء:
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
تعود أصول أسواق حلب إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد أي إلى عهد “ياريم ليم” ملك “حلب”..
فقد أقيمت المحال التجارية على طرفي الشارع المستقيم الذي يمتد بين “باب إنطاكية” ومعبد القلعة، حيث كان الحجاج يأتون إلى “حلب” بغية زيارة الإله الحلبي الكبير “حدد”.
.
ويسند بناء هذه الأسواق الموجودة اليوم إلى “نور الدين زنكي” ثم توسعت في العهد الأيوبي ثم في العهدين المملوكي والعثماني.
.
بلغت مساحة أسواق حلب قرابة 16 هكتاراً، وتشغل هذه الأسواق اليوم آلاف المحلات، ومن “باب إنطاكية” إلى “سوق الزرب” توزعت 37 سوقاً وعدد كبير من الخانات والقيساريات.. تتلاصق هذه الأسواق الواسعة والكبيرة بعضها إلى جانب بعض على مجمل طولها وتتخصص كل منها لمهنة محددة.
.
وتعتبر هذه الاسواق أهم شواهد الألف الأول قبل الميلاد التي لا تزال ماثلة للعيان، وتظهر كرقعة شطرنج بتوزعها وتفرعاتها، وهذا التخطيط المعروف في الفترة السلوقية في القرن الرابع قبل الميلاد وهذا ما نرى شبيهاً له في دمشق وأفاميا وتدمر وفي جرش بالأردن، وهي أسواق ومدن بناها “سلوقس نيكاتور” 312 -280 قبل الميلاد وهو أحد قواد “الإسكندر المقدوني”.
.
▪︎-الأسواق الحالية في مدينة حلب القديمة(بعد سلوقس نيكاتور) :
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• ••••••••••••••••••••
أمتدت الاسواق وتطورت (كما يذكر الباحث سوفاجيه) حول الشارع المستقيم وبين الشوارع الموازية له على عرض ٣٥٠ متر لتأخذ شكل (شواية) مقبضها في باب انطاكيه وخطوطها الأربعة او الخمسة المتوازية قرب الجامع الاموي مع أسواق أخرى متعامدة عليها تمتد نهايتها أمام سفوح القلعة الغربية
وبعد أن أحرق "نقفور فوقاس" حلب وأسواقها في القرن العاشر أيام "سيف الدولة الحمداني" عادت الى الازدهار والتوسع في الفترتين الزنكية والأيوبية
.
ولدينا وصف لها ذكره "إبن جبير" في رحلته عام (١١٨٤ م) حيث كانت السقوف خشبية وكانت الأسواق ممتدة إلى الجنوب والشرق من الجامع الأموي
وقد قام "نور الدين" بتوسيعها مع ترميم الجامع الأموي الذي تهدم مع الأسواق حوله أثر فتنة العام (١١٦٩ م).
.
والواقع أنه لم يبقى أي أثر لأسواق الفترتين الزنكية والأيوبية إثر خراب حلب على يد "هولاكو" عام (١٢٦٠ م) رغم أن أوائل الاتفاقيات التجارية كانت مع بداية القرن الثالث عشر بين الأيوييين ودول إيطاليا المستقلة آنئذ مثل - باري - وبيزا - وجنوه - والبندقية
.
▪︎الاسواق في الفترة المملوكية:
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
عادت الاسواق إلى الأزدهار مع فترة السلم الأولى التي عرفتها البلاد لدى تسلم المماليك السلطة في مصر وسوريا وحتى مجيء "تيمورلنك" وتدميره حلب (١٤٠٠ م)
.
أعيد ترميم قاعة العرش في قاعة حلب والأسوار وأبواب المدينة الهامة أيام السلطان "مؤيد شيخ" عام (١٤١٧ م) كما تبين الكتابات العديدة عليها ..
وازدهرت الأسواق ثانية في الفترة المملوكية الثانية التي أمتدت حتى بداية الاحتلال العثماني للبلاد العربية إثر معركة "مرج دابق" شمال حلب عام (١٥١٦ م)
وتعود خانات "ازدمر"(الصابون) وخان "خايربك" و خان "أبرك" (القصابية) وخان "اوج خان" وكذلك الأسواق المحيطة بها إلى تلك الفترة
.
وأخيراً وفي الفترة العثمانية التي امتدت اربعة قرون كان لأوقاف المباني الدينية العثمانية أكبر الأثر في تطوير الاسواق جنوبي الشارع المستقيم Via Recta الواصل بين باب أنطاكية والقلعة حيث توسعت وأنتشرت الاسواق التابعة للخسروية والعادلية والبهرمية و الاحمدية(الجلبي)
وكذلك في مناطق أخرى كالجدَيْدة وسواها حيث وقف "إبشير باشا" و وقف "حاج موسى الأميري" و"المدرسة العثمانية"
ومما يجدر ذكره ان الشاعر العظيم شكسبير (١٥٦٤-١٦١٦) قد ذكر حلب في مسرحيتيه "ماكبث" و"عطيل"
وكدليل على اهمية حلب التجارية وخاصة قبل فتح قناة السويس قول احدهم (إن ما يباع في اسواق القاهرة خلال شهر كامل كان يباع في اسواق حلب في يوم واحد)
ويذكر طبيب الجالية البريطانية في حلب الدكتور "راسل" في كتابه (تاريخ حلب الطبيعي) ان عدد خانات حلب بلغ (٦٨ خاناً) في منتصف القرن الثامن عشر
.
وكانت القافلة التجارية ويتراوح عدد جمالها بين (٢٠٠٠-٤٠٠٠ )جمل تصل حلب قادمة من أوربا او من الشرق او الجنوب تتوزع على خاناتها العديدة..وقد يلتقي في حلب (١٠٠٠٠جمل) في الوقت نفسه
.
ومما يؤكد أنتشار التجار الحلبيين في كل مكان القول المعروف "أعرج حلب وصل إلى الهند"
.
وتعتبر اسواق حلب أطول اسواق مسقوفة في العالم
إذ يبلغ مجموع أطوالها (١٢ كم) بحسب رأي المهندس "غوتون" واضع مخططها التنظيمي عام (١٩٥٤م) والذي قال بوجوب الاستفادة من المئتي مسجد والأثني عشر كيلو متراً من الأسواق التي لدينا سياحياً مع ضرورة المحافظة على المعالم الأثرية والشاهدة على عظمة بلادنا ..
.
وتبدو سطوح الأسواق من أي مكان مرتفع مثل مئذنة الجامع الأموي أو من الطرف الغربي للقلعة جميلة بقباب تقاطع شوارعها ونوافذ التهوية العديدة التي تخترق سقوفها مؤمنة الإنارة والتهوية لهذه الاسواق
.
وكانت عادة إطلاق الكلاب المتوحشة على السطوح في اثناء الليل متبعة قبل خمسين عاماً لتمنع السارقين من محولة النزول إلى الأسواق من السطوح بغية سرقتها
.
أما ارضيات الاسواق فقد رصفت بالاحجار البازلتية المحدبة والمنتهية في طرفي الشارع بمجرى مستو يسمح بمرور مياه الأمطار إلى مجاري التصريف الممتدة تحت أحجار الشارع
.
وتعد أسواق “حلب” فريدة من نوعها ووحيدة في اتساعها وسقوفها ومناخها وتوزيع النور فيها وأخيراً في تقاليد البيع والشراء...
وهي عبارة عن أسواق مستورة بألواح خشبية عتيقة وأقمشة، وبعقود حجرية سميكة هي أشبه بالأروقة تحمي من وهج حر الصيف ومن برد الشتاء بأمطاره وثلوجه...
أما التنوير فيتحقق بمقادير معقولة من خلال كوات مفتوحة في السقف تنير الممرات بواسطة حزم من أشعة الشمس التي تندفع وكأنها أنوار المصابيح الكشافة.
.
تحمل الأسواق المتعددة تسميات عدة، تشكل في مجملها ما يشبه المتاهة التي يتوه فيها المتجول للمرة الأولى وحتى الثانية وهي تحمل أسماء تدل على ما يختص به السوق في الغالب مثل “سوق الفرائين” و”سوق السراجين” و”سوق الزرب” و”سوق العطارين” و”سوق العبي” و”سوق الخيش”، وسوق السقطية /54 محل/ وسوق الجمرك /116 محل/ وسوق المحمص /72 محل/..
.
ويقال أن الأعمى يستطيع أن يميز موقعه من رائحة البضاعة التي يستنشقها وهو يمر بين الأسواق المختلفة
.
الا ان الكثير من تلك الأسواق باتت غائبة الآن فيما عدا بعض المحال القليلة والتي تعمل بشكل يكاد يكون خاصاً في بعض الاحيان كصناعة العبايات وبعض الحبال.
.
السمة المعمارية وتعاقب الحضارات
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
الغالب في السمة المعمارية اليوم هو (السمة الإسلامية) من حيث تلاصق المحال والأقواس والفسحات والفناءات والانفتاحات الداخلية المنفتحة عبر فناءات ملتحمة مباشرة بسماء عالية وواسعة ومتفردة، وتلك سمة معمارية إسلامية...
وقد أخذت هذه الأسواق بعض الأشياء والعناصر المعمارية التي سبق وجودها في العمارة البيزنطية والرومانية وأدخلتها في رؤية تخطيطية وتشكيل معماري مختلف.
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆
منقول عن:
☆ الاستاذ عبد الله حجار
☆صحيفة روناهي
+