صحافة الدرون.. الحكاية من الأجواء
كتب بواسطة:
أحمد حذيفة
لعلك شاهدت كل أو بعض أفلام السلسلة الوثائقية الساحرة HOME التي أنتجتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، فإن كنت قد شاهدتها، فلا شك أن تلك اللقطات الخلابة التي حبستها الكاميرا من الطائرة المروحية أخذت بلبك، وظللت تُحدث نفسك عن كم أن صحافيي BBC محظوظون لوجودهم بمؤسسة تغطي تكاليف باهظة لأخذ مشاهد آسرة من السماء، كتلك التي صبغت تلك السلسلة ومنحتها شهرتها.
عادة ما يُكلف استئجار طائرة هليكوبتر لأغراض تجارية أو صحفية ما يصل إلى 1800$ بالساعة، وسيحتاج الأمر بالطبع لشجاعة مسك الكاميرا من تلك المسافة الشاهقة، وخبرة ممتدة لصيد لقطات رائعة في اللحظة المناسبة.
حسنًا، الأخبار السارة الآن أنك بمبلغ 1800 دولار تستطيع شراء طائرة مسيرة عن بعد مزودة بكاميرا تصور لقطات وفيديو بجودة 4k، وثق بي، هذا كاف لمنافسة لقطات بي بي سي تقريبًا، كما يمكنك أن تحتفظ بشجاعتك لمواقف أكثر أهمية، فأنت وحدك تتحكم بالكاميرا بأصابعك بينما تقف على رصيف آمن.
صحفيًا، تمثل الدرونز ثورة في المجال، تحديدًا لكونها باتت وسيلة متاحة بيد الصحافيين الأفراد ولم تعد حكرًا على المؤسسات الصحفية الضخمة، ساعد في ذلك توافرها بأسعار مقبولة، وتمتع الكاميرات التي تُزود بها بجودة تصوير عالية
حتى وقت قريب، كانت الطائرات دون طيار حكرًا على المجال العسكري، وبلغت ذروتها في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي جعل إستراتيجيته في مواجهة من يعتبرهم إرهابيين، بالقصف عبر الطائرات دون طيار، ما عرف لاحقًا بالـ"الحرب القذرة"، بسبب تسبب تلك الهجمات بقتل مدنيين أكثر من المسلحين، ولأنها لم تكن في أغلبها حرب معلنة.
أما اليوم، فإن مجالات استخدام الدرونز باتت تشمل عددًا كبيرًا من القطاعات المدنية، مع تزويدها بمستشعرات وكاميرات عالية الجودة، بما في ذلك الإغاثة في حالات الكوارث ودراسة جودة الهواء والطقس والزراعة والسينما والترفيه وفي مجال العقارات والتفتيش الصناعي وغيرها.
صحفيًا، تمثل الدرونز ثورة في المجال، تحديدًا لكونها باتت وسيلة متاحة بيد الصحافيين الأفراد ولم تعد حكرًا على المؤسسات الصحفية الضخمة، ساعد في ذلك توافرها بأسعار مقبولة وتمتع الكاميرات التي تُزود بها بجودة تصوير عالية وسهولة استخدامها والتحكم بها، فضلًا عن وجود خيارات كبيرة ومتنوعة من تلك الطائرات، وانهماك المشرعين على وضع لوائح ناظمة في مختلف دول العالم.
ففي الولايات المتحدة، حمل العام المنصرم 2018، أخبارًا مبهجة للصحافيين الذي كانوا ينتظرون 90 يومًا حتى الحصول على رخصة تسيير طائرة درون، لكن مع إقرار الجزء 107 من القواعد الرئيسية للطيران، بات الأمر يتم بشكل آني ومن خلال تطبيق على الهاتف الذكي.
لماذا تعتبر صحافة الدورن نموذجًا فعالًا؟
لا تستخدم طائرات الدرون لتصوير لقطات مسجلة فقط، بل يُعتمد عليها في مختلف فنون قطاع الإعلام، بما في ذلك مهمة جمع الأخبار والبيانات، والمشاركة بالتغطيات الحية للفعاليات الجارية سواء رياضية أم جماهيرية أم ترفيهية أم غيرها، فضلًا عن دورها المأمول في مجال الصحافة الاستقصائية.
الصورة من أعلى تكشف تفاصيل لم يكن ممكنًا الوصول إليها من قبل إلا من طرف مؤسسات تملك ميزانيات ضخمة وصحفيين متمرسين للطيران والتصوير عبر طائرات الهليكوبتر، لكن الدرون المزودة بكاميرا، تتمتع بكل المزايا التي تعطيها قيم مضافة، بانخفاض سعرها وصغر حجمها وجودة تصويرها وإمكانية قيادتها من صحفي واحد أو اثنين وسهولة الحصول على ترخيص، كما أن استخدام هذا الشيء الصغير لرسم خرائط للبيانات أو التقاط الصور من زوايا واسعة هو فكرة جذابة للغاية.
كل ذلك، يساعد في منح القصة الصحفية رؤية جديدة كليًا ونكهة مختلفة لرواية الحكاية، لا سيما في حالة الصحافة الاستقصائية، كما أن صغر حجم الطائرة وخفوت صوتها يساعدان على عدم لفت الانتباه والوصول إلى أماكن نادرًا ما يمكن الوصول إليها بغير الدرون، في حالة إعداد مادة صحفية استقصائية ذات طبيعة حساسة، فضلًا عن قدرتها على الوصول للمناطق الخطرة في أثناء الكوارث والحروب والمناطق النائية.
وبالطبع الدرون أداة مساعدة، ولا يمكن في الغالب إعداد مادة صحفية كاملة بالاعتماد على الصور المأخوذة بواسطة درون، لكن ما تأتي به عدسات الطائرة المسيرة سيمثل قيمة مضافة بلا شك.
قبل الإقلاع
قد تبدو الطائرات دون طيار وكأنها لعب أطفال، لكن إذا تم استخدامها دون تدريب وضمانات مناسبة، يمكن أن تتحول بسهولة إلى تهديد للسلامة الجوية، فالتصادم مع طائرة دون طيار قد يسقط طائرة مأهولة، ما يضع الصحافي أمام مسؤولية خطيرة، تلزمه بأن لا يمسك بمقبض جهاز التحكم بالطائرة قبل أن يكون على معرفة كبيرة بكيف تسير الأمور في الأجواء.
فأن تكون على معرفة بالطيران، بما يشمل معرفة المجال الجوي ومتطلبات تشغيل المجال الجوي واستخدام مخططات الطيران، أول ما يجب عليك الاضطلاع به، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، وهي أكثر الدول تقدمًا بالمجال من الناحية القانونية، يجب على الطيار البعيد أن يجتاز اختبارًا كتابيًا من 40 سؤالًا، ويحصل على علامة لا تقل عن 70% للنجاح.
بالإضافة لذلك، يجب عليك تسجيل طائرتك المسيرة رسميًا (للأوزان الكبيرة، ابحث عن الوزن المطلوب تسجيله في بلدك)، والحصول على تصريح مراقبة حركة المرور الجوية ورخصة تصوير.
قواعد التحليق
في الولايات المتحدة، تتضمن القواعد التي تضمنها الجزء 107، من قواعد الطيران الرئيسية، جملة من البنود، منها:
- لا تحلق في مجال جوي خاضع للسيطرة مثل المطارات أو في محيطها أو مسارات الطيران، دون تصريح مراقبة حركة المرور الجوي (هناك أبعاد محددة لهذا تقاس بالأميال، ابحث عنها في بلدك).
- هناك أماكن قد يحظر القانون في بلدك التصوير فيها لأسباب أمنية أو عسكرية، اكتشفها وتجنبها.
في المستقبل القريب، ستكون خدمات الدرون واحدة من العلامات الفارقة التي تشكل هوية العمل الصحفي، وستكون أمرًا مألوفًا وشائعًا
- لا تحلق فوق الناس.
- الطيران خلال النهار فقط، وإلا فيمكنك الحصول على تصريح بالطيران ليلًا.
- ابق على ارتفاع أقل من 400 قدم من الأرض، أعلى من ذلك له استثناءات محددة أو عليك أخذ تصريح جديد لذلك العلو.
- طر داخل مدى نظرك، هذا يعني أنه يمكنك رؤية الطائرة دون طيار طوال وقت تحليقها بعينك المجردة.
- التزم بالقواعد المعتادة لاحترام الخصوصية وأخلاقيات الصحافة المصورة.
وخذ بالحسبان دائمًا، المسؤول أمام السلطات عن إساءة الاستخدام أو أي انتهاك محتمل، هو "الطيار" الذي يقود الطائرة، لا المحرر ولا المؤسسة التي تعمل لها.
في المستقبل القريب، ستكون خدمات الدرون واحدة من العلامات الفارقة التي تشكل هوية العمل الصحفي، وستكون أمرًا مألوفًا وشائعًا، وفيما لا يزال مفهوم صحافة الدرون في مراحله المبكرة، إلا أن المجال يشهد قفزات تبشر بنمو كبير، لا سيما أن العديد من المؤسسات الإخبارية الكبرى تضع نصب إستراتيجياتها تطوير قطاعات الفيديو عبر الإنترنت والسرد القصصي المرئي، وهو ما قد يجعل من لقطات الدرونز مادة دسمة جاذبة لتلك الشبكات، كما أن عددًا من كبريات وسائل الإعلام، مثل سي إن إن، أسسوا بالفعل وحدات متخصصة بصحافة الدرون.
لا يتوقف صحافيو الدرون عن الدهشة من إمكانات هذه التقنية، وفي كل عام، تصبح الطائرات دون طيار أصغر حجمًا، وتصبح كاميراتها أكثر تقدمًا، وهناك برامج في عدد من الجامعات المرموقة متخصصة في تعليم صحافة الطائرات المسيرة، وافتتحت عدة مؤسسات إعلامية وحدات درون في غرفة أخبارها، وفي الولايات المتحدة حظي أكثر من 100 ألف شخص برخصة قيادة طائرة درون، ماذا عنك؟
*أحمد حذيفة
صحافي سوري، محرر أول في نون بوست.