فيلم سائق التاكسي
Taxi Driver
رحمن خضير عباس
يتناول فيلم سائق التاكسي للمخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي قاع الحياة الأمريكية في ستينات القرن الماضي. حيث مدينة نيويورك ؛ أكبر المدن الأمريكية وأكثرها إفرازاً للتناقضات . تلك المدينة التي تضمّ أكثر الأمريكيين فقرا ،حيث الأحياء التي تنتشر فيها الفاقة والجريمة والسرقة والعنف والدعارة . ولكنّها من ناحية أخرى عاصمة الشركات الكبرى التي تسيطر على اقتصاد العالم ، وبؤرة البورصات المالية التي تتحكم بالمال . حي مانهاتن بجبروته وجماله ومعماريته التي تؤكد أن هؤلاء الذين يعيشون فيه، يتسلقون السحاب في العمارات الزجاجية الفارهة. بينما تقابله أحياء الصفيح حيث السود واللاتينيون والطبقات المهاجرة والمهمشة ،التي تعيش وتموت وفق منطق صراع البقاء.
في هذه المدينة العملاقة ، نجد الشاب ترافيس والذي يجسده الممثل روبرت دي نيرو، يبحث عن سقف يحميه بعد أن عاد مثقلا بذكريات حرب ڤيتنام ،والتي تركت آثارها على نفسيته وميله إلى العزلة وغرابة سلوكه ، كانت روحه مشبّعة بآثار الحرب ، وجسده إيضا من خلال آثار جرح عميق ظهر على كتفه . يبدأ خطواته الحائرة في فضاء نيويورك، للبحث عن أي عمل ، وفعلا يجد ذلك العمل في شركة لسيارات الأجرة. والتي يلجأ إليها من لا يمتلك مواهب أو مؤهلات ، وهذا يتضح من خلال مقابلته مع مكتب التشغيل في شركة الأجرة ، حينما أجاب عن تحصيله الدراسي والمعرفي ودوافعه لإختيار هذه المهنة ،وقد تمّ قبوله بسهولة ، وهكذا يُصبح سائق تاكسي في هذه المدينة التي تضجّ بالحياة.
المخرج سكورسيزي يستعرض لنا مشاهد مضببة من حياة المدينة في الليل والنهار ، حيث الإيقاع السريع للحركة ، والخوف من المجهول ، والتحفز لمفاجئات غير محسوبة ، من خلال علاقات إنسانية متحجرة . ولزبائن يختفون خلف ملامحهم المتجهمة ،وخلف أقنعة من الخوف المتبادل .
كانت بداية عمل ترافيس كسائق تاكسي ،تتزامن مع الانتخابات الأمريكية ،التي يتخذ فيها أحد المرشحين بناية فارهة لتكون المكتب الرئيس لدعايته الانتخابية. وقد جذبه جمال امرأة شقراء جميلة تعمل في ذلك المكتب. وكان ينفق وقتا طويلا في التمتع بمراقبتها عبر زجاج النافذة التي تطلّ على الشارع. مما جعلها تشعر بمراقبته التي ازعجتها. وفي أحد الأيام ذهب إليها مباشرة في مكتب الدعاية الانتخابية. وأعلن عن إعجابه بها وعرض عليها اللقاء في مقهى ، فقبلت الدعوة مما شجّعه إلى دعوتها مرة أخرى إلى السينما. حينما علمت بأنّ الفيلم إباحي خرجت غاضبة وقطعت معه كل وسائل التواصل.
اشترى ترافيس مجموعة من الأسلحة ، وذهب إلى الساحة العامة التي يقيم فيها المرشح للرئاسة الأمريكية حملته الانتخابية ، وكان يهمّ باغتيال المرشح لولا وجود الشرطة السرية التي شكّت به وبتصرفاته ،فطاردته ،ولكنه استطاع الفرار من قبضتهم.
في أحد الليالي رأى فتاة من بائعات الهوى. فحاول اللقاء به من خلال الشبكة الموبوءة لعصابات البغاء. ولكنّه بدلا من اشباع شهوته ، حاول أن يعيدها إلى رشدها بترك البغاء والعودة إلى أهلها. مما أغضبها واعتبرته يتدخل في شؤون لا تعنيه.
فخرج يائسا ومحبطا ،وحاول أن يتقن استعمال السلاح ، وفعلا دخل إلى الماخور في ليلة أخرى فقتل أفراد العصابة بينما كانت الصبية آيريس ترتجف خوفا. لقد سقط جريحا بعد أن قتل السماسرة والزناة في تلك العمارة المظلمة ، وحينما أتته الشرطة كان يغرق في بركة دمه ،لانه كان جريحا.
ولكنّ الدور الذي مُنح إليه كمنقذ ، لا ينسجم مع طبيعة شخصيته المعقدة والعنيفة . ورغم أن هذه الإشكالية التي طرحها الفيلم ( النهي عن منكر) غير مقنعة في سياق الحدث ، وفي سياق شخصية مختلة. ولكنّ للمخرج أسبابه في طرح دوافع العنف وجعلها مبررة !
لقد أحرز الفيلم عدة جوائز أوسكار في عام صدوره ، أي عام ١٩٧٦ ، وقد حاول المخرج العبقري سكورسيزي أنْ يجعل من العنف مواجهة لشراسة الواقع وفداحة أخطائه، كما قدّم صورة جلية وصادقة لطبيعة الحياة الأمريكية، والتي جعلها تتوزع بشكل أفقي، وكأنّ كل مشهد لا علاقة له بالآخر :
مشاهد الدعارة التي تشوّه العلاقات الإنسانية ،وتجعل من الجسد سلعة رخيصة، من خلال المومس الصغيرة آيريس ،والتي تقوم بدورها الممثلة المتمكنة جودي فوستر في بداية مشوارها الفني. هذه الدعارة التي تنتهي بالعنف والقتل والتدمير.
مشهد الطبقات الاجتماعية التي تعيش على حافة المجتمع ،وتقتات بالقليل مالزنوج واللاتينيين وغيرهم من الأمريكيين الذين يمارسون العنف بسبب عدم المساواة ، والشحاذين والمشردين الذين يتسكعون في الطرق ، وينامون فيها ، إضافة إلى العمال الذين يشتغلون في مختلف الخدمات التي لا تدر عليهم سوى تلبية بعض حاجاتهم المعيشية.
وأخيرا مشهد الانتخابات التي ترفع الشعارات الوهمية، والتي لا تنتمي لروح المدينة، أو لهواجس الجندي ترافيس المُحبط من أهوال حرب ڤيتنام ، ولكنه حينما عاد وجد نفسه محشورا في زاويا ضيّقة، بينما المجتمع لا يسمع سوى أصوات المايكرفونات الكاذبة ، التي تمثلها الحملة الانتخابية، التي تعبر بشكل أو بآخر عن حدة الانكسار في مجتمع التخمة والمال والمتعة الطارئة ، وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع القائم على هيمنة المال:
من خلال لقطة الزبون المخمور الذي يجلس في المقعد الخلفي لسيارة التاكسي، ويتألم لمشاهدة زوجته التي تمارس الجنس مع عشيقها عبر النافذة.
الوحدانية والعزلة للفرد في داخل مجتمع لا يأبه به.
هذه بعض الدلالات التي طفحت على سطح هذا الفيلم ،والذي لم يستطع أن يتخلص من عقدة العنف التي ترافق أغلب الأفلام الأمريكية.
Taxi Driver
رحمن خضير عباس
يتناول فيلم سائق التاكسي للمخرج الأمريكي الشهير مارتن سكورسيزي قاع الحياة الأمريكية في ستينات القرن الماضي. حيث مدينة نيويورك ؛ أكبر المدن الأمريكية وأكثرها إفرازاً للتناقضات . تلك المدينة التي تضمّ أكثر الأمريكيين فقرا ،حيث الأحياء التي تنتشر فيها الفاقة والجريمة والسرقة والعنف والدعارة . ولكنّها من ناحية أخرى عاصمة الشركات الكبرى التي تسيطر على اقتصاد العالم ، وبؤرة البورصات المالية التي تتحكم بالمال . حي مانهاتن بجبروته وجماله ومعماريته التي تؤكد أن هؤلاء الذين يعيشون فيه، يتسلقون السحاب في العمارات الزجاجية الفارهة. بينما تقابله أحياء الصفيح حيث السود واللاتينيون والطبقات المهاجرة والمهمشة ،التي تعيش وتموت وفق منطق صراع البقاء.
في هذه المدينة العملاقة ، نجد الشاب ترافيس والذي يجسده الممثل روبرت دي نيرو، يبحث عن سقف يحميه بعد أن عاد مثقلا بذكريات حرب ڤيتنام ،والتي تركت آثارها على نفسيته وميله إلى العزلة وغرابة سلوكه ، كانت روحه مشبّعة بآثار الحرب ، وجسده إيضا من خلال آثار جرح عميق ظهر على كتفه . يبدأ خطواته الحائرة في فضاء نيويورك، للبحث عن أي عمل ، وفعلا يجد ذلك العمل في شركة لسيارات الأجرة. والتي يلجأ إليها من لا يمتلك مواهب أو مؤهلات ، وهذا يتضح من خلال مقابلته مع مكتب التشغيل في شركة الأجرة ، حينما أجاب عن تحصيله الدراسي والمعرفي ودوافعه لإختيار هذه المهنة ،وقد تمّ قبوله بسهولة ، وهكذا يُصبح سائق تاكسي في هذه المدينة التي تضجّ بالحياة.
المخرج سكورسيزي يستعرض لنا مشاهد مضببة من حياة المدينة في الليل والنهار ، حيث الإيقاع السريع للحركة ، والخوف من المجهول ، والتحفز لمفاجئات غير محسوبة ، من خلال علاقات إنسانية متحجرة . ولزبائن يختفون خلف ملامحهم المتجهمة ،وخلف أقنعة من الخوف المتبادل .
كانت بداية عمل ترافيس كسائق تاكسي ،تتزامن مع الانتخابات الأمريكية ،التي يتخذ فيها أحد المرشحين بناية فارهة لتكون المكتب الرئيس لدعايته الانتخابية. وقد جذبه جمال امرأة شقراء جميلة تعمل في ذلك المكتب. وكان ينفق وقتا طويلا في التمتع بمراقبتها عبر زجاج النافذة التي تطلّ على الشارع. مما جعلها تشعر بمراقبته التي ازعجتها. وفي أحد الأيام ذهب إليها مباشرة في مكتب الدعاية الانتخابية. وأعلن عن إعجابه بها وعرض عليها اللقاء في مقهى ، فقبلت الدعوة مما شجّعه إلى دعوتها مرة أخرى إلى السينما. حينما علمت بأنّ الفيلم إباحي خرجت غاضبة وقطعت معه كل وسائل التواصل.
اشترى ترافيس مجموعة من الأسلحة ، وذهب إلى الساحة العامة التي يقيم فيها المرشح للرئاسة الأمريكية حملته الانتخابية ، وكان يهمّ باغتيال المرشح لولا وجود الشرطة السرية التي شكّت به وبتصرفاته ،فطاردته ،ولكنه استطاع الفرار من قبضتهم.
في أحد الليالي رأى فتاة من بائعات الهوى. فحاول اللقاء به من خلال الشبكة الموبوءة لعصابات البغاء. ولكنّه بدلا من اشباع شهوته ، حاول أن يعيدها إلى رشدها بترك البغاء والعودة إلى أهلها. مما أغضبها واعتبرته يتدخل في شؤون لا تعنيه.
فخرج يائسا ومحبطا ،وحاول أن يتقن استعمال السلاح ، وفعلا دخل إلى الماخور في ليلة أخرى فقتل أفراد العصابة بينما كانت الصبية آيريس ترتجف خوفا. لقد سقط جريحا بعد أن قتل السماسرة والزناة في تلك العمارة المظلمة ، وحينما أتته الشرطة كان يغرق في بركة دمه ،لانه كان جريحا.
ولكنّ الدور الذي مُنح إليه كمنقذ ، لا ينسجم مع طبيعة شخصيته المعقدة والعنيفة . ورغم أن هذه الإشكالية التي طرحها الفيلم ( النهي عن منكر) غير مقنعة في سياق الحدث ، وفي سياق شخصية مختلة. ولكنّ للمخرج أسبابه في طرح دوافع العنف وجعلها مبررة !
لقد أحرز الفيلم عدة جوائز أوسكار في عام صدوره ، أي عام ١٩٧٦ ، وقد حاول المخرج العبقري سكورسيزي أنْ يجعل من العنف مواجهة لشراسة الواقع وفداحة أخطائه، كما قدّم صورة جلية وصادقة لطبيعة الحياة الأمريكية، والتي جعلها تتوزع بشكل أفقي، وكأنّ كل مشهد لا علاقة له بالآخر :
مشاهد الدعارة التي تشوّه العلاقات الإنسانية ،وتجعل من الجسد سلعة رخيصة، من خلال المومس الصغيرة آيريس ،والتي تقوم بدورها الممثلة المتمكنة جودي فوستر في بداية مشوارها الفني. هذه الدعارة التي تنتهي بالعنف والقتل والتدمير.
مشهد الطبقات الاجتماعية التي تعيش على حافة المجتمع ،وتقتات بالقليل مالزنوج واللاتينيين وغيرهم من الأمريكيين الذين يمارسون العنف بسبب عدم المساواة ، والشحاذين والمشردين الذين يتسكعون في الطرق ، وينامون فيها ، إضافة إلى العمال الذين يشتغلون في مختلف الخدمات التي لا تدر عليهم سوى تلبية بعض حاجاتهم المعيشية.
وأخيرا مشهد الانتخابات التي ترفع الشعارات الوهمية، والتي لا تنتمي لروح المدينة، أو لهواجس الجندي ترافيس المُحبط من أهوال حرب ڤيتنام ، ولكنه حينما عاد وجد نفسه محشورا في زاويا ضيّقة، بينما المجتمع لا يسمع سوى أصوات المايكرفونات الكاذبة ، التي تمثلها الحملة الانتخابية، التي تعبر بشكل أو بآخر عن حدة الانكسار في مجتمع التخمة والمال والمتعة الطارئة ، وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع القائم على هيمنة المال:
من خلال لقطة الزبون المخمور الذي يجلس في المقعد الخلفي لسيارة التاكسي، ويتألم لمشاهدة زوجته التي تمارس الجنس مع عشيقها عبر النافذة.
الوحدانية والعزلة للفرد في داخل مجتمع لا يأبه به.
هذه بعض الدلالات التي طفحت على سطح هذا الفيلم ،والذي لم يستطع أن يتخلص من عقدة العنف التي ترافق أغلب الأفلام الأمريكية.