باشيرو جمعة فاي.. عنوان لتمرد الشباب السنغاليين والأفارقة على الغرب
الرئيس المنتخب يسعى إلى إحداث تحولات مهمة في بلاده للتقليص من تأثير فرنسا على مختلف مناحي الحياة وتخفيض منسوب الاعتماد على اللغة الفرنسية.
الأحد 2024/03/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
رئيس شاب يرغب في فك ارتباط السنغال بفرنسا
في الثاني من أبريل 2024 يعلن رسميا عن تولي باشيرو جمعة فاي رئيسا لجمهورية السنغال، بعد تمكنه من الفوز بفارق مريح على منافسيه حيث أحرز 54.28 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من السباق الرئاسي الذي انتظم في الرابع والعشرين من مارس الجاري، قبل يوم واحد من احتفاله بعيد ميلاده الرابع والأربعين.
أطلق على باشيرو (وينطق باللهجة المحلية باسيرو) عدد من الألقاب من بينها “مرشح تغيير النظام” و”مرشح الوحدة الأفريقية اليسارية”، ويتهمه أعداؤه بالشعبوي، بينما كل المؤشرات تدل على أنه يعرف ماذا يريد، ووصوله إلى سدة الحكم يمكن اعتباره جزءا من سلسلة التحولات المهمة التي تعرفها منطقة غرب أفريقيا، والتي تصب في إطار العمل على استعادة السيادة الوطنية وتحرير إرادة الشعوب من نتائج التبعية العمياء للمستعمرين القدامى.
أكد باشيرو بوضوح أنه يرغب في إصلاح العلاقات بين بلاده وفرنسا، وأوضح أنه ينوي تنويع الشراكات العسكرية والأمنية لبلاده، في إشارة إلى احتمال التقارب مع موسكو. لكن ذلك لا يمنع من أن “السنغال ستبقى الحليف الآمن والموثوق لجميع الشركاء الأجانب المحترمين لمبدأ المساواة بين الدول”.
◙ باشيرو كالكثير من أبناء جيله الذين لم يدرسوا في فرنسا، وليسوا من النخب المرتبطة بها سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا
يذكّر موقفه بموقف الزعيم عثمان سونكو الذي قال في حملته 2019 إنه لا يتبنى موقفا عدائيا ضد فرنسا لكنه يطالب بعلاقات تحترم الخصوصية الأفريقية.
يهدف باشبرو كذلك إلى تنفيذ برنامجه الذي ينص بشكل خاص على الخروج من فرنك الاتحاد المالي الأفريقي. وسيعتبر ذلك تحولا مهما في «منطقة الفرنك» التي تضم مستعمرات فرنسية سابقة، وهي منطقة الاتحاد النقدي لغرب أفريقيا التي تضم 8 دول أعضاء وهي بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا – بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو.
وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الأفريقية لغرب أفريقيا، ومنطقة الاتحاد النقدي لوسط أفريقيا التي تضم 6 دول أعضاء وهي الكاميرون والكونغو وغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد. وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الأفريقية لوسط أفريقيا، فيما يستخدم اتحاد جزر القمر الفرنك القمري.
ويعتبر باشيرو أن الفرنك من بقايا الاستعمار، ويقول إن “أفريقيا تتكون من 54 دولة، هناك 14 دولة فقط ليس لديها عملتها الخاصة، والأربعون دولة الأخرى لديها عملتها الخاصة. لماذا يتعين علينا أن نتخلى عن أداة التمويل المهمة هذه عندما نطمح إلى التنمية؟ نحن فقراء جدا، ومدينون جدا، ومتخلفون جدا عن العالم”.
ويتابع “هذه هي الرافعة التي يجب أن تكون قادرا على تفعيلها للتحرك بسرعة أكبر نحو التطور الداخلي. يقولون لك: لا، لا، لا، كارثة، لا تتحدث عنها. وهذه السيادة، كغيرها من السيادات، لا يمكن التنازل عنها. بل على العكس من ذلك، سنؤكد ذلك أكثر لأن الدولة ذات السيادة يجب أن تكون ذات سيادة كاملة، وليس نصف سيادة”.
◙ هل تحدث حماسة الجديد قطيعة مع خبرة القديم
يتميز باشيرو كالكثير من أبناء جيله بأنهم لم يدرسوا في فرنسا كالأجيال السابقة من السياسيين، وليس من النخب المرتبطة بباريس سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا، وهو قادم إلى السلطة من خارج مؤسساتها التي يمكن أن تكون لها قراءات إيجابية للعلاقات مع المستعمر القديم، ولم يتقلد منصبا مهما في أيّ جهاز حكومي.
وخلال مقابلة أجراها مع «فرانس إنفو» في اليوم السابق للانتخابات، أصر باشيرو على أن الأمر لا يتعلق بالانفصال عن فرنسا بل بإعادة النظر في العلاقات بين البلدين. وقال “إن التمزق يتعلق بأنفسنا، بممارسات الحكم لدينا، لعلاقاتنا مع الشركاء، أيّا كانوا. فرنسا لم تغادر السنغال، بل هي في السنغال. الشراكة بين فرنسا والسنغال، حتى اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، هي شراكة صحيحة ولكن يجب إعادة النظر فيها”.
وأوضح “يجب أن يكون الأمر أكثر فائدة بالنسبة إلينا”. وهو يرى أن الشراكة مع فرنسا يجب أن تكون عادلة قدر الإمكان. وهو ما يعني، كما يقول، أن “السنغال ستعيد النظر في اتفاقيات تجارية معينة، مثل اتفاقيات الصيد مع فرنسا أو اتفاقيات الدفاع، بهدف حماية مصالح السنغاليين”.
يتزامن مجيء باسيرو إلى الحكم مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية في منطقة غرب أفريقيا على الوجود الفرنسي، في أوائل مارس الجاري، وذكرت صحيفة “لو تيموان” السنغالية أن فرنسا ستقلص وجودها العسكري، الذي يقدر بنحو 500 جندي في السنغال، بشكل كبير في نهاية عام 2024 الجاري، ونقلت عن مصدر في وزارة الدفاع السنغالية قوله إن البحرية الفرنسية ستغادر البلاد بحلول نهاية يونيو على أبعد تقدير، على أن يتم الإبقاء فقط على 260 عنصرا، معظمهم من المدربين والخبراء العسكريين.
وقبل ذلك، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر في ديسمبر الماضي خفض قوات بلاده العسكرية في الغابون والسنغال وساحل العاج بشكل كبير، مشيرة إلى أن عملية خفض عدد العسكريين قد بدأت بالفعل في معظم القواعد الفرنسية في هذه البلدان، ولكن من المتوقع أن تتسارع هذا العام.
يبدو باشيرو معبّرا عن روح التمرد لدى الشباب السنغاليين والأفارقة ضد المستعمرين السابقين، فهو يسعى إلى إحداث تحولات مهمة في بلاده للتقليص من تأثير فرنسا على مختلف مناحي الحياة، يرغب في التخفيض من منسوب الاعتماد على اللغة الفرنسية والاتجاه أكثر نحو الإنجليزية، وإلى ايجاد عملة وطنية سنغالية غير مرتبطة بباريس، وإلى تحرير الموارد الوطنية، وإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة المتعلقة باستخراج الثروات واستغلالها بما في ذلك اتفاقيات الاستغلال المشترك للغاز مع موريتانيا.
◙ باشيرو أكد بوضوح أنه يرغب في إصلاح العلاقات بين بلاده وفرنسا، وأوضح أنه ينوي تنويع الشراكات العسكرية والأمنية لبلاده
يحظى باشيرو بدعم كبير من المنظمات والجمعيات الإسلامية التي ترى فيه رمزا للشباب المسلمين الطموحين في البلد والمنطقة، وتدعمه في رفعه شعاره الذي ما انفك يرفعه بخصوص تطهير “الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين عن السلطة واستعادة سيادة السنغال”.
فالرئيس السنغالي الجديد لا يتجاوز من العمر 44 عاما، وهو أصغر رئيس دولة منتخب في القارة الأفريقية، حيث أنه من مواليد 25 مارس 1980في ندياجانياو بمنطقة تييس بالقرب من العاصمة دكار، في عائلة مسلمة متواضعة الإمكانيات.
حصل على شهادة البكالوريا في عام 2000، وعلى درجة الماجستير في القانون من جامعة الشيخ أنتا ديوب، ثم نجح في اجتياز الامتحانين التنافسيين، والتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة والقضاء في عام 2004، وتخرج فيها بعد ثلاث سنوات ليعمل كمفتش ضرائب في قسم الضرائب والعقارات، حيث أصبح صديقا لعثمان سونكو، وهو زميل خريج من نفس المدرسة.
توطدت العلاقة بينهما أكثر في اتحاد الضرائب والعقارات، الذي أنشأه سونكو رئيس «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة» المعروف اختصارا باسم « باستيف»، والذي كان أصغر مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2019 في السنغال عندما تحدّى الرئيس الحالي ماكي سال، وتم اتهامه في فبراير 2021 بالاغتصاب، وهو ما ندد به ووصفه بأنه «محاولة لتصفية سياسية» أثارها الرئيس سال. تم القبض عليه واحتجازه في الشهر التالي، مما تسبب في اشتباكات عنيفة بين أنصاره والشرطة. أُطلق سراحه بعد ذلك من خلال مراجعة قضائية.
◙ الرئيس الجديد مع الرئيس القديم.. انتقال سلس للسلطة
في أكتوبر 2021، ترشح بشيرو فاي عن ائتلاف تحرير الشعب وجزء من الحزب الديمقراطي السنغالي لتمثيل مدينة مسقط رأسه في الانتخابات البلدية لعام 2022، عمل على توحيد مختلف أطياف المعارضة، لم يفز كمترشح، ولكن تحالف تحرير الشعب الذي كان وراء تشكيله فاز بـ56 مقعدا.
وفي أبريل 2023، ألقي القبض عليه ووضع في حجز الشرطة بتهمة “نشر أخبار كاذبة والإساءة للمحكمة وتشويه السمعة”. واتهم بأنه انتقد القضاة الذين قرروا الحكم على عثمان سونكو في مرحلة الاستئناف. في نوفمبر 2023، كانت المعارضة شبه متأكدة من أن السلطات السياسية والقضائية لن تسمح لزعيمها سونكو من الترشح للسباق الرئاسي. وقررت ترشيح بشيرو بدلا منه، على الرغم من أنه كان بدوره خلف القضبان، ففي 20 يناير 2024 نشر المجلس الدستوري السنغالي القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، غاب عنها سونكو وحضر بشيرو الذي لم يكن قد حوكم بعد.
◙ أعداؤه يتهمونه بالشعبوي بسبب مواقفه ووصوله إلى الحكم جزء من سلسلة التحولات المهمة التي تعرفها منطقة غرب أفريقيا
أعلن سونكو دعمه لبشيرو، وبعد أيام قليلة رفض القضاء السنغالي طلبا بالإفراج كان فاي قد تقدم به بعد يومين من نشر القائمة النهائية للمرشحين من قبل المجلس الدستوري والمصادقة على ترشحه.
وقال تحالف المعارضة إن “النظام مستمر في رغبته في سلب حقوق أيّ معارض”، وأضاف “لأول مرة في تاريخنا، يمنع مرشح متهم ولم يُحاكم حتى، وبالتالي يحافظ على حقوقه السياسية، من القيام بحملاته الانتخابية”، فيما تدافع الحكومة باستمرار عن نفسها ضد أيّ تدخل في الشؤون القضائية.
مساء 14 مارس 2024 قامت السلطات السنغالية بإطلاق سراح سونكو وبشيرو وسط ابتهاج كبير لأنصارهما في العاصمة داكار، وبعد ثلاث سنوات من الصراع مع نظام سال، في اليوم الموالي، جمع فاي المئات من المؤيدين في أول ظهور علني له كمنافس رئاسي.
في اليوم ذاته حظي بتأييد من الرئيس السابق عبدالله واد وحزبه الديمقراطي، مما عزز فرص فوزه في الانتخابات. وجاءت هذه الخطوة بعد استبعاد مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي كريم واد من خوض السباق الانتخابي لأنه كان مزدوج الجنسية وقت تقديم ترشيحه. وانسحب الشيخ تيديان ديي، وهو مرشح آخر في الانتخابات الرئاسية، لصالح بشيرو.
كان باشيرو أصغر المترشحين، وبفوزه الكاسح، سيكون أصغر رئيس وصل إلى سدة حكم البلاد، كما يعدّ أول رئيس سنغالي يدخل القصر الرئاسي بزوجتين، هما ماري خون فاي وعبسة فاي. الأولى من أقاربه، وهي مسيحية ترتدي الحجاب وله منها أربعة أطفال: فتاة وثلاثة أولاد أطلق على أحدهم اسم عثمان تكريما لعلاقة الصداقة التي تربطه بعثمان سونكو. وزوجته الثانية عبسة وهي مسلمة ولم يتسن لها الإنجاب منه.
◙ الخطوات الأولى إلى القصر الرئاسي
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الحبيب الأسود
كاتب تونسي
الرئيس المنتخب يسعى إلى إحداث تحولات مهمة في بلاده للتقليص من تأثير فرنسا على مختلف مناحي الحياة وتخفيض منسوب الاعتماد على اللغة الفرنسية.
الأحد 2024/03/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
رئيس شاب يرغب في فك ارتباط السنغال بفرنسا
في الثاني من أبريل 2024 يعلن رسميا عن تولي باشيرو جمعة فاي رئيسا لجمهورية السنغال، بعد تمكنه من الفوز بفارق مريح على منافسيه حيث أحرز 54.28 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من السباق الرئاسي الذي انتظم في الرابع والعشرين من مارس الجاري، قبل يوم واحد من احتفاله بعيد ميلاده الرابع والأربعين.
أطلق على باشيرو (وينطق باللهجة المحلية باسيرو) عدد من الألقاب من بينها “مرشح تغيير النظام” و”مرشح الوحدة الأفريقية اليسارية”، ويتهمه أعداؤه بالشعبوي، بينما كل المؤشرات تدل على أنه يعرف ماذا يريد، ووصوله إلى سدة الحكم يمكن اعتباره جزءا من سلسلة التحولات المهمة التي تعرفها منطقة غرب أفريقيا، والتي تصب في إطار العمل على استعادة السيادة الوطنية وتحرير إرادة الشعوب من نتائج التبعية العمياء للمستعمرين القدامى.
أكد باشيرو بوضوح أنه يرغب في إصلاح العلاقات بين بلاده وفرنسا، وأوضح أنه ينوي تنويع الشراكات العسكرية والأمنية لبلاده، في إشارة إلى احتمال التقارب مع موسكو. لكن ذلك لا يمنع من أن “السنغال ستبقى الحليف الآمن والموثوق لجميع الشركاء الأجانب المحترمين لمبدأ المساواة بين الدول”.
◙ باشيرو كالكثير من أبناء جيله الذين لم يدرسوا في فرنسا، وليسوا من النخب المرتبطة بها سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا
يذكّر موقفه بموقف الزعيم عثمان سونكو الذي قال في حملته 2019 إنه لا يتبنى موقفا عدائيا ضد فرنسا لكنه يطالب بعلاقات تحترم الخصوصية الأفريقية.
يهدف باشبرو كذلك إلى تنفيذ برنامجه الذي ينص بشكل خاص على الخروج من فرنك الاتحاد المالي الأفريقي. وسيعتبر ذلك تحولا مهما في «منطقة الفرنك» التي تضم مستعمرات فرنسية سابقة، وهي منطقة الاتحاد النقدي لغرب أفريقيا التي تضم 8 دول أعضاء وهي بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وغينيا – بيساو ومالي والنيجر والسنغال وتوغو.
وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الأفريقية لغرب أفريقيا، ومنطقة الاتحاد النقدي لوسط أفريقيا التي تضم 6 دول أعضاء وهي الكاميرون والكونغو وغابون وغينيا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد. وتستخدم تلك البلدان فرنك الجماعة المالية الأفريقية لوسط أفريقيا، فيما يستخدم اتحاد جزر القمر الفرنك القمري.
ويعتبر باشيرو أن الفرنك من بقايا الاستعمار، ويقول إن “أفريقيا تتكون من 54 دولة، هناك 14 دولة فقط ليس لديها عملتها الخاصة، والأربعون دولة الأخرى لديها عملتها الخاصة. لماذا يتعين علينا أن نتخلى عن أداة التمويل المهمة هذه عندما نطمح إلى التنمية؟ نحن فقراء جدا، ومدينون جدا، ومتخلفون جدا عن العالم”.
ويتابع “هذه هي الرافعة التي يجب أن تكون قادرا على تفعيلها للتحرك بسرعة أكبر نحو التطور الداخلي. يقولون لك: لا، لا، لا، كارثة، لا تتحدث عنها. وهذه السيادة، كغيرها من السيادات، لا يمكن التنازل عنها. بل على العكس من ذلك، سنؤكد ذلك أكثر لأن الدولة ذات السيادة يجب أن تكون ذات سيادة كاملة، وليس نصف سيادة”.
◙ هل تحدث حماسة الجديد قطيعة مع خبرة القديم
يتميز باشيرو كالكثير من أبناء جيله بأنهم لم يدرسوا في فرنسا كالأجيال السابقة من السياسيين، وليس من النخب المرتبطة بباريس سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا، وهو قادم إلى السلطة من خارج مؤسساتها التي يمكن أن تكون لها قراءات إيجابية للعلاقات مع المستعمر القديم، ولم يتقلد منصبا مهما في أيّ جهاز حكومي.
وخلال مقابلة أجراها مع «فرانس إنفو» في اليوم السابق للانتخابات، أصر باشيرو على أن الأمر لا يتعلق بالانفصال عن فرنسا بل بإعادة النظر في العلاقات بين البلدين. وقال “إن التمزق يتعلق بأنفسنا، بممارسات الحكم لدينا، لعلاقاتنا مع الشركاء، أيّا كانوا. فرنسا لم تغادر السنغال، بل هي في السنغال. الشراكة بين فرنسا والسنغال، حتى اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، هي شراكة صحيحة ولكن يجب إعادة النظر فيها”.
وأوضح “يجب أن يكون الأمر أكثر فائدة بالنسبة إلينا”. وهو يرى أن الشراكة مع فرنسا يجب أن تكون عادلة قدر الإمكان. وهو ما يعني، كما يقول، أن “السنغال ستعيد النظر في اتفاقيات تجارية معينة، مثل اتفاقيات الصيد مع فرنسا أو اتفاقيات الدفاع، بهدف حماية مصالح السنغاليين”.
يتزامن مجيء باسيرو إلى الحكم مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية في منطقة غرب أفريقيا على الوجود الفرنسي، في أوائل مارس الجاري، وذكرت صحيفة “لو تيموان” السنغالية أن فرنسا ستقلص وجودها العسكري، الذي يقدر بنحو 500 جندي في السنغال، بشكل كبير في نهاية عام 2024 الجاري، ونقلت عن مصدر في وزارة الدفاع السنغالية قوله إن البحرية الفرنسية ستغادر البلاد بحلول نهاية يونيو على أبعد تقدير، على أن يتم الإبقاء فقط على 260 عنصرا، معظمهم من المدربين والخبراء العسكريين.
وقبل ذلك، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر في ديسمبر الماضي خفض قوات بلاده العسكرية في الغابون والسنغال وساحل العاج بشكل كبير، مشيرة إلى أن عملية خفض عدد العسكريين قد بدأت بالفعل في معظم القواعد الفرنسية في هذه البلدان، ولكن من المتوقع أن تتسارع هذا العام.
يبدو باشيرو معبّرا عن روح التمرد لدى الشباب السنغاليين والأفارقة ضد المستعمرين السابقين، فهو يسعى إلى إحداث تحولات مهمة في بلاده للتقليص من تأثير فرنسا على مختلف مناحي الحياة، يرغب في التخفيض من منسوب الاعتماد على اللغة الفرنسية والاتجاه أكثر نحو الإنجليزية، وإلى ايجاد عملة وطنية سنغالية غير مرتبطة بباريس، وإلى تحرير الموارد الوطنية، وإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة المتعلقة باستخراج الثروات واستغلالها بما في ذلك اتفاقيات الاستغلال المشترك للغاز مع موريتانيا.
◙ باشيرو أكد بوضوح أنه يرغب في إصلاح العلاقات بين بلاده وفرنسا، وأوضح أنه ينوي تنويع الشراكات العسكرية والأمنية لبلاده
يحظى باشيرو بدعم كبير من المنظمات والجمعيات الإسلامية التي ترى فيه رمزا للشباب المسلمين الطموحين في البلد والمنطقة، وتدعمه في رفعه شعاره الذي ما انفك يرفعه بخصوص تطهير “الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين عن السلطة واستعادة سيادة السنغال”.
فالرئيس السنغالي الجديد لا يتجاوز من العمر 44 عاما، وهو أصغر رئيس دولة منتخب في القارة الأفريقية، حيث أنه من مواليد 25 مارس 1980في ندياجانياو بمنطقة تييس بالقرب من العاصمة دكار، في عائلة مسلمة متواضعة الإمكانيات.
حصل على شهادة البكالوريا في عام 2000، وعلى درجة الماجستير في القانون من جامعة الشيخ أنتا ديوب، ثم نجح في اجتياز الامتحانين التنافسيين، والتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة والقضاء في عام 2004، وتخرج فيها بعد ثلاث سنوات ليعمل كمفتش ضرائب في قسم الضرائب والعقارات، حيث أصبح صديقا لعثمان سونكو، وهو زميل خريج من نفس المدرسة.
توطدت العلاقة بينهما أكثر في اتحاد الضرائب والعقارات، الذي أنشأه سونكو رئيس «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة» المعروف اختصارا باسم « باستيف»، والذي كان أصغر مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2019 في السنغال عندما تحدّى الرئيس الحالي ماكي سال، وتم اتهامه في فبراير 2021 بالاغتصاب، وهو ما ندد به ووصفه بأنه «محاولة لتصفية سياسية» أثارها الرئيس سال. تم القبض عليه واحتجازه في الشهر التالي، مما تسبب في اشتباكات عنيفة بين أنصاره والشرطة. أُطلق سراحه بعد ذلك من خلال مراجعة قضائية.
◙ الرئيس الجديد مع الرئيس القديم.. انتقال سلس للسلطة
في أكتوبر 2021، ترشح بشيرو فاي عن ائتلاف تحرير الشعب وجزء من الحزب الديمقراطي السنغالي لتمثيل مدينة مسقط رأسه في الانتخابات البلدية لعام 2022، عمل على توحيد مختلف أطياف المعارضة، لم يفز كمترشح، ولكن تحالف تحرير الشعب الذي كان وراء تشكيله فاز بـ56 مقعدا.
وفي أبريل 2023، ألقي القبض عليه ووضع في حجز الشرطة بتهمة “نشر أخبار كاذبة والإساءة للمحكمة وتشويه السمعة”. واتهم بأنه انتقد القضاة الذين قرروا الحكم على عثمان سونكو في مرحلة الاستئناف. في نوفمبر 2023، كانت المعارضة شبه متأكدة من أن السلطات السياسية والقضائية لن تسمح لزعيمها سونكو من الترشح للسباق الرئاسي. وقررت ترشيح بشيرو بدلا منه، على الرغم من أنه كان بدوره خلف القضبان، ففي 20 يناير 2024 نشر المجلس الدستوري السنغالي القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، غاب عنها سونكو وحضر بشيرو الذي لم يكن قد حوكم بعد.
◙ أعداؤه يتهمونه بالشعبوي بسبب مواقفه ووصوله إلى الحكم جزء من سلسلة التحولات المهمة التي تعرفها منطقة غرب أفريقيا
أعلن سونكو دعمه لبشيرو، وبعد أيام قليلة رفض القضاء السنغالي طلبا بالإفراج كان فاي قد تقدم به بعد يومين من نشر القائمة النهائية للمرشحين من قبل المجلس الدستوري والمصادقة على ترشحه.
وقال تحالف المعارضة إن “النظام مستمر في رغبته في سلب حقوق أيّ معارض”، وأضاف “لأول مرة في تاريخنا، يمنع مرشح متهم ولم يُحاكم حتى، وبالتالي يحافظ على حقوقه السياسية، من القيام بحملاته الانتخابية”، فيما تدافع الحكومة باستمرار عن نفسها ضد أيّ تدخل في الشؤون القضائية.
مساء 14 مارس 2024 قامت السلطات السنغالية بإطلاق سراح سونكو وبشيرو وسط ابتهاج كبير لأنصارهما في العاصمة داكار، وبعد ثلاث سنوات من الصراع مع نظام سال، في اليوم الموالي، جمع فاي المئات من المؤيدين في أول ظهور علني له كمنافس رئاسي.
في اليوم ذاته حظي بتأييد من الرئيس السابق عبدالله واد وحزبه الديمقراطي، مما عزز فرص فوزه في الانتخابات. وجاءت هذه الخطوة بعد استبعاد مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي كريم واد من خوض السباق الانتخابي لأنه كان مزدوج الجنسية وقت تقديم ترشيحه. وانسحب الشيخ تيديان ديي، وهو مرشح آخر في الانتخابات الرئاسية، لصالح بشيرو.
كان باشيرو أصغر المترشحين، وبفوزه الكاسح، سيكون أصغر رئيس وصل إلى سدة حكم البلاد، كما يعدّ أول رئيس سنغالي يدخل القصر الرئاسي بزوجتين، هما ماري خون فاي وعبسة فاي. الأولى من أقاربه، وهي مسيحية ترتدي الحجاب وله منها أربعة أطفال: فتاة وثلاثة أولاد أطلق على أحدهم اسم عثمان تكريما لعلاقة الصداقة التي تربطه بعثمان سونكو. وزوجته الثانية عبسة وهي مسلمة ولم يتسن لها الإنجاب منه.
◙ الخطوات الأولى إلى القصر الرئاسي
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الحبيب الأسود
كاتب تونسي