عمار بن جامع.. دبلوماسي مخضرم يخوض حرب الجزائر الناعمة في مجلس الأمن
موهبة شخصية ورصيد متراكم لتثبيت دبلوماسية الجرأة.
دبلوماسي مخضرم خطف الأضواء داخل أروقة مجلس الأمن الدولي
منذ تخرجه في المدرسة الوطنية للإدارة، فرع الدبلوماسية، في منتصف سبعينات القرن الماضي، تدرج الدبلوماسي عمار بن جامع، في مختلف المناصب الداخلية والخارجية، واشتغل مع كل القيادات السياسية منذ الرئيس الراحل هواري بومدين، إلى غاية الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، فتراكم لديه رصيد من الخبرة والتجربة أهّله لأن يكون ممثل بلاده في مجلس الأمن بمناسبة شغلها لمنصب عضو غير دائم.
ويواصل الدبلوماسي الجزائري المخضرم عمار بن جامع، خطف الأضواء داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، ممثلا لبلاده كعضو غير دائم، خاصة من خلال المبادرات التي تبنتها الجزائر، كما هو الشأن بالنسبة إلى الوضع في قطاع غزة والعدوان الذي تشنه إسرائيل منذ أكثر من خمسة أشهر، وذلك وسط تفاهمات حول قدرة الرجل على التوفيق بين رصيده الشخصي، وبين خارطة الطريق التي رسمها القرار الدبلوماسي للبلاد.
◙ حقبة بن جامع في مجلس الأمن ستكون حافلة بالعمل والنشاط الدؤوبين، فبلاده تريد استثمار الفرصة لإعلاء صوتها وموقفها تجاه مختلف القضايا والملفات
وبين خبرة تراكمت لدى الرجل على مر العقود الماضية، وتعدد المدارس التي استلهم منها مسيرته المهنية، وبين خارطة الطريق التي وضعها المقرر الدبلوماسي، والذي عبرت عنه مؤخرا برقية مثيرة لوكالة الأنباء وضعت ما كان يوصف بـ”الارتباك” و”الاستفزاز” و”التردد”، هي “خيارات لإعادة القاطرة إلى السكة مهما كانت التبعات لأن للمواقف ثمنا”، ستكون حقبة الرجل في أروقة مجلس الأمن مهمة لتسويق المواقف وإقناع الشركاء بمقاربات بلاده لمختلف الملفات.
وعلى عكس بعض الأسماء والوجوه الدبلوماسية التي اختارت التقاعد أو الابتعاد عن الأضواء، فإن عمار بن جامع ( 72 عاما ) قرر مواصلة المسار المهني، والاضطلاع بتحديات تنوي الجزائر خوضها، رغم ما يلفها من تبعات، بحسب الرسائل التي وجهتها برقية وكالة الأنباء.
في التقليد الذي استحدثته السلطة الجزائرية في أداء أعضاء الجهاز الرسمي، صار الرئيس تبون، يستحوذ على حصرية المهام والصلاحيات للتأكيد المبطن على أنه رئيس بكامل الصلاحيات ولا تنازعه إياها أيّ جهة حسب ما يتردد في بعض الأوساط، ولذلك باتت بيانات المهام تبدأ بعبارة “بتكليف من رئيس الجمهورية “، حتى بالنسبة إلى رئيس الوزراء ووزراء الحقائب السيادية، وهو ما يفيد بأن دور بن جامع، في مجلس الأمن ستكون ترجمة لتوجيهات ومواقف الرجل الأول في الدولة.
ارتباط بالرئاسة
◙ خبرته كسفير سابق في فرنسا تساعده في جلسات مجلس الأمن
استحواذ الرئيس تبون على القرار وإدارة مختلف الملفات، على عكس ما كان يحدث في الماضي، هما ما عبرت عنهما برقية وكالة الأنباء بالقول “الجزائر العائدة إلى الواجهة هي جزائر تزعج. هذا التأكيد صحيح هو الآخر فالاثنان ملازمان لبعضهما البعض. وفي وهم القوة الذي تباهى بها النظام القديم على مدار عقدين من الزمن، فإن الواقع المؤلم لموازين القوى الدولية لم يكن في صالح ظهور جزائر مسموعة وذات حضور ووطنية لدرجة أن الجزائر فقدت نفوذها وأصبحت مجرد نمر من ورق”.
ويبدو أن وقوع الاختيار على عمار بن جامع، ليس وليد الرغبة في الاستفادة من خبرة متراكمة، بل ليكون قطعة طيعة في أيدي صناع “الجزائر الجديدة”، ولذلك يتردد لدى العارفين أنه “عند اختيار موظفيهم، يعطى المدراء الأولوية إما للثقة أو الكفاءة، وأن الرفقة التي جمعت الرجل مع أحمد عطاف، منذ سنوات الدراسة إلى العمل، هي التي شكلت هذا النسيج البشري في المؤسسة الدبلوماسية”.
وعبرت خارطة الطريق التي أوردتها برقية الوكالة بالقول “منذ ظهور الجزائر الجديدة، التي تبنت أسلوب القطيعة المعتمد من قبل رئيس جمهورية ثابت على المبادئ وشجاع في مواقفه وبراغماتي في أعماله، كسرت الدبلوماسية الجزائرية أغلال الجمود. فمن رد الفعل، أصبحت استباقية دون الاكتراث لما يقولون لأنه من خلال محاولة إرضاء القوى الغربية والشرقية، لم تحصل الجزائر على استثمارات أجنبية مباشرة ولا على التزامات ولا على الاعتراف ولا على تحالفات إستراتيجية ولا حتى على الاحترام الذي تستحقه كأمة”.
وأكدت مقاربتها التي تكون مهمة الفريق الدبلوماسي العامل، بما فيها مهمة عمار بن جامع، في مجلس الأمن، لما “أطلقت بعض الانتقادات التي وصفتها بالسطحية والمتوترة والمباشرة، فإن الدبلوماسية الرئاسية لم تفهم في جوهرها ولا حتى في رؤيتها على المدى الطويل. وفي وقت تأكيد القوة حيث أصبح استعراض العضلات ضرورة وليس موقفا فحسب، فإن الدفاع عن بقاء دولة وسيادتها وهامش مناورتها ليس بالمهمة السهلة”.
◙ الاختيار على بن جامع، ليس وليد الرغبة في الاستفادة من خبرة متراكمة، بل ليكون قطعة طيعة في أيدي صناع «الجزائر الجديدة»
وخلصت إلى القول بأن “الرئيس تبون لم يبحث أبدا عن البريستيج الدولي بل لديه هدف واحد أو بالأحرى مؤشر وحيد قد بدأ يظهر الآن للعيان ألا وهو استقلالية الجزائر الإستراتيجية، إذ لا يتوقف السعي وراء تحقيق الاستقلالية الإستراتيجية في مجال الطاقة والغذاء والماء وفي المجال العسكري والصناعي والبنى التحتية”.
شددت الوكالة على أن “الحركية الدبلوماسية للرئيس تبون لم يشجعها سوى هذه الإرادة القوية في صون الشعب الجزائري والدولة الجزائرية، حتى تضمن الجزائر اكتمال أركان الاستقلال وتكتفي بذاتها، بعيدا عن كل ضغوطات الابتزاز والخضوع والتبعية، حتى وإن اقتضى الأمر خوض الصعاب، فذاك هو ثمن فرض الهيبة والاحترام”.
من بين أشهر العبارات التي نقلت على لسان بن جامع في مختلف وسائل الإعلام الدولية، “لن نكلّ ولن نملّ في العودة في كل مرة لمجلس الأمن من إقناعه بمطلب وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”، لمّا أشهرت الولايات المتحدة ورقة “الفيتو”، في وجه المشروع الجزائري لتبني المطلب المذكور، وهو ما وصفه أحد التقارير الإعلامية بـ”الموهبة”، التي تجيد ممارسة الحرب الناعمة.
وبين موهبة شخصية وخبرة متراكمة، تعوّل الجزائر على الرجل ليكون صوتها في صالات مجلس الأمن، وهي تستند إلى رصيد جمع بين المناصب الداخلية والمهام الدبلوماسية، فقد عمل في العديد من العواصم التي تصنع القرار الدولي، على غرار موسكو، لندن، بروكسل، طوكيو، باريس، فضلا عن تمثيله لبلاده في منظمات وتكتلات دولية، كالأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي، الناتو واليونسكو.
بن جامع، دبلوماسي مخضرم بدأ مساره الخارجي منذ ثمانينات القرن الماضي، كسكرتير أول للسفارة الجزائرية في موسكو من 1980 إلى 1984، ثم نائبا للممثل الرسمي لدى الأمم المتحدة، وسفيرا في إثيوبيا وممثلا لدى منظمة الوحدة الأفريقية، وسفيرا في لندن، ثم طوكيو، وبعدها بروكسل وباريس، أين كان إصداره لتأشيرات لأشخاص غير مرغوب فيهم سببا لإبعاده قبل أن يعود إلى مسيرته.
لبن جامع أسلوب خطاب مميز ومفردات معينة، فقد ذكر في إحدى مداخلاته في مجلس الأمن، “فلسطين رافعة خافضة، ترفع من يرافع لها وتخفض من يخذلها”، وهي جملة اختصرت تداعيات الوضع في قطاع غزة على صناعة القرار الدولي رسميا وشعبيا، وكيف صارت العواصم الداعمة لتل أبيب تجهر بالخشية من العزلة.
بالنسبة إلى أيّ دبلوماسي، ستلعب العوامل الشخصية وجودة التكوين وفريق العمل، في إفراز المنتوج والأداء، ولذلك كان حاضرا في أسوأ الظروف التي مرّت بها الجزائر في تسعينات القرن الماضي، حين استدعي لشغل منصب أمين عام لوزارة الخارجية في منتصف العشرية الدموية (1990 – 2000)، ومواجهة أعضاء اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في الجزائر العام 1998، برئاسة الرئيس البرتغالي السابق ماريو سواريس ورئيس الوزراء الأردني السابق عبدالكريم الكباريتي، فضلا عن الأزمة المندلعة آنذاك مع المغرب بعد قرار غلق الحدود، حيث كان مطلوبا من الجهاز الدبلوماسي صياغة مواقف والقيام بجهد كبير لتوضيح الصورة وحقيقة الأوضاع بالنسبة إلى المنتظم الدولي.
عضوية مجلس الأمن
◙ عناق مع السفير الفلسطيني رياض منصور
في أبريل الماضي عيّن بن جامع مبعوثا لبلاده في مجلس الأمن، تحسبا لبداية عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وكشفها عن خارطة طريقها خلال عهدتها المؤقتة، القائمة على المرافعة لصالح ما أسمته بـ”القضايا والمواقف العربية والأفريقية، وبخاصة قضية الحق الفلسطيني الذي ظل دائما أحد أولويات الدبلوماسية الجزائرية”.
حقبة بن جامع في مجلس الأمن ستكون حافلة بالعمل والنشاط الدؤوبين، فبلاده تريد استثمار الفرصة لإعلاء صوتها وموقفها تجاه مختلف القضايا والملفات، بداية من “العمل على تفعيل طلب زيادة عدد مقاعد الدول الأفريقية غير الدائمة، ضمن هذه الهيئة، وذلك برفعه من ثلاثة إلى خمسة، وفق ما جاء في اجتماعات سابقة للاتحاد الأفريقي، وتعزيز التسويات السلمية للأزمات وتوطيد الشراكات، ودعم دور المنظمات الإقليمية، وترقية مكانة المرأة والشباب في عمليات السلام، وتعزيز فعالية النضال الدولي ضد الإرهاب.
◙ حقبة بن جامع في أروقة مجلس الأمن ستكون مهمة لتسويق المواقف وإقناع الشركاء بمقاربات الجزائر لمختلف الملفات
ويدفع بن جامع إلى “إدخال إصلاحات على مجلس الأمن من أجل إقامة نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا، خاصة وأن السياق الدولي يتسم بالأزمات المتعددة والتغيرات الجيوسياسية، فضلا عن التهديدات متعددة الأبعاد والأوجه، ومرورا بـ”اللسان الناطق بالانتماء العربي والأفريقي، والعمل على تشكيل كتلة متجانسة تشجع على التوازن، وتجاوز الخلافات، والنأي بهذه الهيئة الأممية المركزية عن التجاذب والاستقطاب”.
وكان الرئيس الجزائري، قد ذكر في هذا الشأن، بأن بلاده “ستجدد التزامها بالسلام، من خلال إعطاء الأولوية للحوار والحل السلمي للأزمات، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بهدف مواصلة نهجها نحو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ودعم التعاون الدولي وتعزيز دور الأمم المتحدة”.
ستكون كل هذه الملفات على كاهل الدبلوماسي المخضرم، خاصة في ما يتعلق بالمواقف التي توصف بـ”الجريئة” و”المتوترة”، بينما يراه صاحب القرار الدبلوماسي “خيارا وقناعة نتبناها بسلبياتها وإيجابياتها”، وهو ما تجلى في رفض بلاده إدانة عمل حركة أنصارالله الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب.
وعبر بن جامع عن ذلك بقوله “نرفض أن نرتبط بنص يتجاهل 23 ألفا من الأرواح التي فقدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة في غزة، وأن هناك رابطة بديهية بين ما يقوم به الحوثيون والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وطالب مجلس الأمن الدولي برفض مخططات التهجير القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، مشددا على أن “يكون موقفنا واضحا برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وعلى الجميع أن يدرك أنه لا مكان للفلسطينيين إلا على أرضهم.. لا أحد داخل هذه القاعة يمكن أن يبقى صامتا أمام هذه المشاريع لأن الصمت هنا يعد تواطؤا”.
◙ هل ينجح بن جامع في ما فشلت فيه الدبلوماسية الجزائرية سابقا
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري
موهبة شخصية ورصيد متراكم لتثبيت دبلوماسية الجرأة.
دبلوماسي مخضرم خطف الأضواء داخل أروقة مجلس الأمن الدولي
منذ تخرجه في المدرسة الوطنية للإدارة، فرع الدبلوماسية، في منتصف سبعينات القرن الماضي، تدرج الدبلوماسي عمار بن جامع، في مختلف المناصب الداخلية والخارجية، واشتغل مع كل القيادات السياسية منذ الرئيس الراحل هواري بومدين، إلى غاية الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، فتراكم لديه رصيد من الخبرة والتجربة أهّله لأن يكون ممثل بلاده في مجلس الأمن بمناسبة شغلها لمنصب عضو غير دائم.
ويواصل الدبلوماسي الجزائري المخضرم عمار بن جامع، خطف الأضواء داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، ممثلا لبلاده كعضو غير دائم، خاصة من خلال المبادرات التي تبنتها الجزائر، كما هو الشأن بالنسبة إلى الوضع في قطاع غزة والعدوان الذي تشنه إسرائيل منذ أكثر من خمسة أشهر، وذلك وسط تفاهمات حول قدرة الرجل على التوفيق بين رصيده الشخصي، وبين خارطة الطريق التي رسمها القرار الدبلوماسي للبلاد.
◙ حقبة بن جامع في مجلس الأمن ستكون حافلة بالعمل والنشاط الدؤوبين، فبلاده تريد استثمار الفرصة لإعلاء صوتها وموقفها تجاه مختلف القضايا والملفات
وبين خبرة تراكمت لدى الرجل على مر العقود الماضية، وتعدد المدارس التي استلهم منها مسيرته المهنية، وبين خارطة الطريق التي وضعها المقرر الدبلوماسي، والذي عبرت عنه مؤخرا برقية مثيرة لوكالة الأنباء وضعت ما كان يوصف بـ”الارتباك” و”الاستفزاز” و”التردد”، هي “خيارات لإعادة القاطرة إلى السكة مهما كانت التبعات لأن للمواقف ثمنا”، ستكون حقبة الرجل في أروقة مجلس الأمن مهمة لتسويق المواقف وإقناع الشركاء بمقاربات بلاده لمختلف الملفات.
وعلى عكس بعض الأسماء والوجوه الدبلوماسية التي اختارت التقاعد أو الابتعاد عن الأضواء، فإن عمار بن جامع ( 72 عاما ) قرر مواصلة المسار المهني، والاضطلاع بتحديات تنوي الجزائر خوضها، رغم ما يلفها من تبعات، بحسب الرسائل التي وجهتها برقية وكالة الأنباء.
في التقليد الذي استحدثته السلطة الجزائرية في أداء أعضاء الجهاز الرسمي، صار الرئيس تبون، يستحوذ على حصرية المهام والصلاحيات للتأكيد المبطن على أنه رئيس بكامل الصلاحيات ولا تنازعه إياها أيّ جهة حسب ما يتردد في بعض الأوساط، ولذلك باتت بيانات المهام تبدأ بعبارة “بتكليف من رئيس الجمهورية “، حتى بالنسبة إلى رئيس الوزراء ووزراء الحقائب السيادية، وهو ما يفيد بأن دور بن جامع، في مجلس الأمن ستكون ترجمة لتوجيهات ومواقف الرجل الأول في الدولة.
ارتباط بالرئاسة
◙ خبرته كسفير سابق في فرنسا تساعده في جلسات مجلس الأمن
استحواذ الرئيس تبون على القرار وإدارة مختلف الملفات، على عكس ما كان يحدث في الماضي، هما ما عبرت عنهما برقية وكالة الأنباء بالقول “الجزائر العائدة إلى الواجهة هي جزائر تزعج. هذا التأكيد صحيح هو الآخر فالاثنان ملازمان لبعضهما البعض. وفي وهم القوة الذي تباهى بها النظام القديم على مدار عقدين من الزمن، فإن الواقع المؤلم لموازين القوى الدولية لم يكن في صالح ظهور جزائر مسموعة وذات حضور ووطنية لدرجة أن الجزائر فقدت نفوذها وأصبحت مجرد نمر من ورق”.
ويبدو أن وقوع الاختيار على عمار بن جامع، ليس وليد الرغبة في الاستفادة من خبرة متراكمة، بل ليكون قطعة طيعة في أيدي صناع “الجزائر الجديدة”، ولذلك يتردد لدى العارفين أنه “عند اختيار موظفيهم، يعطى المدراء الأولوية إما للثقة أو الكفاءة، وأن الرفقة التي جمعت الرجل مع أحمد عطاف، منذ سنوات الدراسة إلى العمل، هي التي شكلت هذا النسيج البشري في المؤسسة الدبلوماسية”.
وعبرت خارطة الطريق التي أوردتها برقية الوكالة بالقول “منذ ظهور الجزائر الجديدة، التي تبنت أسلوب القطيعة المعتمد من قبل رئيس جمهورية ثابت على المبادئ وشجاع في مواقفه وبراغماتي في أعماله، كسرت الدبلوماسية الجزائرية أغلال الجمود. فمن رد الفعل، أصبحت استباقية دون الاكتراث لما يقولون لأنه من خلال محاولة إرضاء القوى الغربية والشرقية، لم تحصل الجزائر على استثمارات أجنبية مباشرة ولا على التزامات ولا على الاعتراف ولا على تحالفات إستراتيجية ولا حتى على الاحترام الذي تستحقه كأمة”.
وأكدت مقاربتها التي تكون مهمة الفريق الدبلوماسي العامل، بما فيها مهمة عمار بن جامع، في مجلس الأمن، لما “أطلقت بعض الانتقادات التي وصفتها بالسطحية والمتوترة والمباشرة، فإن الدبلوماسية الرئاسية لم تفهم في جوهرها ولا حتى في رؤيتها على المدى الطويل. وفي وقت تأكيد القوة حيث أصبح استعراض العضلات ضرورة وليس موقفا فحسب، فإن الدفاع عن بقاء دولة وسيادتها وهامش مناورتها ليس بالمهمة السهلة”.
◙ الاختيار على بن جامع، ليس وليد الرغبة في الاستفادة من خبرة متراكمة، بل ليكون قطعة طيعة في أيدي صناع «الجزائر الجديدة»
وخلصت إلى القول بأن “الرئيس تبون لم يبحث أبدا عن البريستيج الدولي بل لديه هدف واحد أو بالأحرى مؤشر وحيد قد بدأ يظهر الآن للعيان ألا وهو استقلالية الجزائر الإستراتيجية، إذ لا يتوقف السعي وراء تحقيق الاستقلالية الإستراتيجية في مجال الطاقة والغذاء والماء وفي المجال العسكري والصناعي والبنى التحتية”.
شددت الوكالة على أن “الحركية الدبلوماسية للرئيس تبون لم يشجعها سوى هذه الإرادة القوية في صون الشعب الجزائري والدولة الجزائرية، حتى تضمن الجزائر اكتمال أركان الاستقلال وتكتفي بذاتها، بعيدا عن كل ضغوطات الابتزاز والخضوع والتبعية، حتى وإن اقتضى الأمر خوض الصعاب، فذاك هو ثمن فرض الهيبة والاحترام”.
من بين أشهر العبارات التي نقلت على لسان بن جامع في مختلف وسائل الإعلام الدولية، “لن نكلّ ولن نملّ في العودة في كل مرة لمجلس الأمن من إقناعه بمطلب وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”، لمّا أشهرت الولايات المتحدة ورقة “الفيتو”، في وجه المشروع الجزائري لتبني المطلب المذكور، وهو ما وصفه أحد التقارير الإعلامية بـ”الموهبة”، التي تجيد ممارسة الحرب الناعمة.
وبين موهبة شخصية وخبرة متراكمة، تعوّل الجزائر على الرجل ليكون صوتها في صالات مجلس الأمن، وهي تستند إلى رصيد جمع بين المناصب الداخلية والمهام الدبلوماسية، فقد عمل في العديد من العواصم التي تصنع القرار الدولي، على غرار موسكو، لندن، بروكسل، طوكيو، باريس، فضلا عن تمثيله لبلاده في منظمات وتكتلات دولية، كالأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي، الناتو واليونسكو.
بن جامع، دبلوماسي مخضرم بدأ مساره الخارجي منذ ثمانينات القرن الماضي، كسكرتير أول للسفارة الجزائرية في موسكو من 1980 إلى 1984، ثم نائبا للممثل الرسمي لدى الأمم المتحدة، وسفيرا في إثيوبيا وممثلا لدى منظمة الوحدة الأفريقية، وسفيرا في لندن، ثم طوكيو، وبعدها بروكسل وباريس، أين كان إصداره لتأشيرات لأشخاص غير مرغوب فيهم سببا لإبعاده قبل أن يعود إلى مسيرته.
لبن جامع أسلوب خطاب مميز ومفردات معينة، فقد ذكر في إحدى مداخلاته في مجلس الأمن، “فلسطين رافعة خافضة، ترفع من يرافع لها وتخفض من يخذلها”، وهي جملة اختصرت تداعيات الوضع في قطاع غزة على صناعة القرار الدولي رسميا وشعبيا، وكيف صارت العواصم الداعمة لتل أبيب تجهر بالخشية من العزلة.
بالنسبة إلى أيّ دبلوماسي، ستلعب العوامل الشخصية وجودة التكوين وفريق العمل، في إفراز المنتوج والأداء، ولذلك كان حاضرا في أسوأ الظروف التي مرّت بها الجزائر في تسعينات القرن الماضي، حين استدعي لشغل منصب أمين عام لوزارة الخارجية في منتصف العشرية الدموية (1990 – 2000)، ومواجهة أعضاء اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في الجزائر العام 1998، برئاسة الرئيس البرتغالي السابق ماريو سواريس ورئيس الوزراء الأردني السابق عبدالكريم الكباريتي، فضلا عن الأزمة المندلعة آنذاك مع المغرب بعد قرار غلق الحدود، حيث كان مطلوبا من الجهاز الدبلوماسي صياغة مواقف والقيام بجهد كبير لتوضيح الصورة وحقيقة الأوضاع بالنسبة إلى المنتظم الدولي.
عضوية مجلس الأمن
◙ عناق مع السفير الفلسطيني رياض منصور
في أبريل الماضي عيّن بن جامع مبعوثا لبلاده في مجلس الأمن، تحسبا لبداية عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وكشفها عن خارطة طريقها خلال عهدتها المؤقتة، القائمة على المرافعة لصالح ما أسمته بـ”القضايا والمواقف العربية والأفريقية، وبخاصة قضية الحق الفلسطيني الذي ظل دائما أحد أولويات الدبلوماسية الجزائرية”.
حقبة بن جامع في مجلس الأمن ستكون حافلة بالعمل والنشاط الدؤوبين، فبلاده تريد استثمار الفرصة لإعلاء صوتها وموقفها تجاه مختلف القضايا والملفات، بداية من “العمل على تفعيل طلب زيادة عدد مقاعد الدول الأفريقية غير الدائمة، ضمن هذه الهيئة، وذلك برفعه من ثلاثة إلى خمسة، وفق ما جاء في اجتماعات سابقة للاتحاد الأفريقي، وتعزيز التسويات السلمية للأزمات وتوطيد الشراكات، ودعم دور المنظمات الإقليمية، وترقية مكانة المرأة والشباب في عمليات السلام، وتعزيز فعالية النضال الدولي ضد الإرهاب.
◙ حقبة بن جامع في أروقة مجلس الأمن ستكون مهمة لتسويق المواقف وإقناع الشركاء بمقاربات الجزائر لمختلف الملفات
ويدفع بن جامع إلى “إدخال إصلاحات على مجلس الأمن من أجل إقامة نظام دولي أكثر تمثيلا وعدلا وتوازنا، خاصة وأن السياق الدولي يتسم بالأزمات المتعددة والتغيرات الجيوسياسية، فضلا عن التهديدات متعددة الأبعاد والأوجه، ومرورا بـ”اللسان الناطق بالانتماء العربي والأفريقي، والعمل على تشكيل كتلة متجانسة تشجع على التوازن، وتجاوز الخلافات، والنأي بهذه الهيئة الأممية المركزية عن التجاذب والاستقطاب”.
وكان الرئيس الجزائري، قد ذكر في هذا الشأن، بأن بلاده “ستجدد التزامها بالسلام، من خلال إعطاء الأولوية للحوار والحل السلمي للأزمات، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بهدف مواصلة نهجها نحو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ودعم التعاون الدولي وتعزيز دور الأمم المتحدة”.
ستكون كل هذه الملفات على كاهل الدبلوماسي المخضرم، خاصة في ما يتعلق بالمواقف التي توصف بـ”الجريئة” و”المتوترة”، بينما يراه صاحب القرار الدبلوماسي “خيارا وقناعة نتبناها بسلبياتها وإيجابياتها”، وهو ما تجلى في رفض بلاده إدانة عمل حركة أنصارالله الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب.
وعبر بن جامع عن ذلك بقوله “نرفض أن نرتبط بنص يتجاهل 23 ألفا من الأرواح التي فقدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة في غزة، وأن هناك رابطة بديهية بين ما يقوم به الحوثيون والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وطالب مجلس الأمن الدولي برفض مخططات التهجير القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، مشددا على أن “يكون موقفنا واضحا برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وعلى الجميع أن يدرك أنه لا مكان للفلسطينيين إلا على أرضهم.. لا أحد داخل هذه القاعة يمكن أن يبقى صامتا أمام هذه المشاريع لأن الصمت هنا يعد تواطؤا”.
◙ هل ينجح بن جامع في ما فشلت فيه الدبلوماسية الجزائرية سابقا
انشرWhatsAppTwitterFacebook
صابر بليدي
صحافي جزائري