زبيدة عسول تكرس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زبيدة عسول تكرس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية

    زبيدة عسول تكرس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية


    المحامية عسول تتعاطى مع النضال من زاوية المحاماة وتكرّس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية مملة ومكرسة ومستهلكة.


    المحامية التي تضع حجرة في حذاء السباق الرئاسي

    تشاء الأقدار أن يكون يوم ترشح المحامية والمناضلة زبيدة عسول للانتخابات الرئاسية مصادفا لليوم الذي قاطعت فيه المترشحة السابقة لويزة حنون رئاسيات 2019. وخلقت حنون جوا مشحونا ومضطربا في سماء الجزائر آنذاك ما أفضى إلى سقوط أحلام زمرة حكمت الجزائر لمدة عشرين سنة.

    بين زمن حنون التي انسحبت بالكثير من الأضرار، وزمن عسول التي برقت بأقل الأثمان، جرت وقائع وأحداث، تفككت أمور واستقرت أخرى، نجاحات وإخفاقات، قلاقل وسكون، غلق وفتح، حرية منقوصة وأخرى مقيدة وثالثة تبحث عن الانفلات من القيد، عزلة ولخبطة وعدم وضوح وتضييق. مؤامرات تتصاعد من أفواه رجال الحكم تعيقهم، ومجرد أوهام مسيطرة في عقولهم مثلما يقول أنبه الملاحظين، تقهقر وتقدم في كل المجالات.

    جزائر أخرى لم يعد أحد يعرفها كما يقول الغاضبون، وجزائر جديدة كما يقول المتفائلون، مبشرة بالمنجزات والنعم والخيرات، تزدهر في الإعلام والأعين والآذان والخطب والأحاديث والواقع والأسواق والأرياف والمؤشرات الاقتصادية والتفاصيل والوزارات والهيئات والمؤسسات وفي سفارات الجزائر بالعالم.

    كل هذا يجري بغثّه وسمينه أمام الكل، حتى لدى أولئك الذي لا يلقون لها بالا أو يئسوا أو ضاقت بهم الأرض بما رحبت، إلا من رضي وارتضى لنفسه مخارج أخرى قد تغني عن التحسر والقلق والركون للسكون، وهو بالضبط ما دفع المحامية عسول أن تعلن ترشحها يوم جمعة بكل ما يحمله هذا اليوم من دلالات رمزية ليس أقلها في ذاكرتها من “جمعة الحراك” العزيز على قلب كل واحد، فما بالك بعسول التي ما زالت حالمة بجزائر كان يمكن أن تتغيّر وتترقّى.
    سيرة مشتبكة



    من القضاء إلى السلطة إلى المحاماة.. الهدف البحث عن الأضواء


    الصدف أو تكتيكات مجهولة جعلت من زوج القاضية السابقة والمحامية اليوم ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، المدافعة عن المظلومين والمحقورين الذين كانوا يخرجون في حراك رافض، منددين بتغـول المستفيدين من النظام الجزائري، جعلت من زوجها ورفيق دربها محاميا خاصا لإحدى الأذرع السرية والغامضة لفترة حكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الإخوة كونيناف خلان وأصحاب سعيد بوتفيلقة المسجون اليوم.

    ومع نفيها القاطع أن تكون طرفا في الدفاع إلى جانب زوجها إلا أن الأمر طرح العديد من الأسئلة عن مدى تداخل المواقف وتناقضها، والتي تعلن عنها في كل سانحة وعنوانها: محاربة فلول العصابة وبقاياها، بينما يمسك زوجها بأحد أخطر الملفات وأعقدها تخص ملفات الإخوة كونيناف.

    في تاريخ سابق وفي زمن مخيف عاشت الجزائر فيه محنة الدم والقتل المروّع، ارتجفت زبيدة عسول وهي تتقدم بخطوات مترددة نحو الجنرال الراحل خالد نزار عـرّاب العشرية السوداء وزير دفاع مرحلة سال الدم فيها إلى الركب.

    ◙ عسول فضلت الاستقالة بعدما استحال حلم رؤية الجنرال الغديري «المرشح المعجزة» يدخل قصر المرادية محمولا على الأكتاف

    صافحته وقالت له بصوت مرتجف أيضا “لقد أنقذتمونا من الهاوية والدمار والفتنة”، كان ذلك بمناسبة لقاء جمع فيه الجنرال خالد أقطاب التيار الديمقراطي العلماني، الذين باركوا ما انتهجه العسكر وما قرّروه دون صوت معارض أو مخالف أو متحفظ، حين أوقفوا المسار الانتخابي المريب الذي فازت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقد كال الجنرال خالد نزار لعسول في مذكراته المديح تارة وذمها في مواطن أخرى.

    ستظهر حالات النزوع والجذب نحو القبعة العسكرية بعد سنوات قضتها زبيدة عسول، أول امرأة في تاريخ القضاء الجزائري تعيّن في منصب مدير مركزي بوزارة العدل سنة 1987، لتحال على التقاعد في سن مبكرة 42 سنة، بعد ورود اسمها في “فضيحة تعاونية البرلمانيين”.

    قاضية حكمت في أخطر القضايا الإرهابية في تلك الفترة، لم يكن لهذا الأخير سوى اسم واحد هو القتل والتقتيل، لم يكن الأمر سهلا أو ميسّرا في ذلك الوقت حيث سيطر الخوف على ثنايا الشوارع وفي كل مكان، ووضع كل شخص مهما كانت مرتبته أو وظيفته على قوائم القتل من طرف الجماعات الإسلامية المتطرفة.

    كانت القوائم شاملة تضم كل طبقات المجتمع من أبسط مواطن ينهض لجلب قوت يومه وهو لا يعرف هل سيعود إلى البيت أم لا، إلى ذلك الجندي المكشوف ظهره وهو يحرس الأرجاء، إلى الصحافي اليقظ لكل همسة تمر أمامه، إلى المحامي وهو يحمل رزم القضايا بين يديه يلج قاعات المحاكم وهو يترقب اللحظات بين مطرقة القاضي وسندان الإرهابيين، إلى المواطنين العزّل وقد توزّعوا في تخوم الفضاء المفتوح على كل شيء واضعين ما تبقى من حياتهم رهن قنبلة أو سيف أو ساطور أو رصاصة.

    في هذا الجو لم تكن عسول بمعزل عن الخطر والنار حشدت العشرات من الإرهابيين في دهاليز السجون المظلمة وحكمت بما رأته الأنسب لهؤلاء الذين أرعبوا الخلق وأصيبوا بالجنون، لهؤلاء الذين تدرّبوا على قطف الرؤوس وبقر البطون. لم يكن أمامها بشر عاديون لذا تغلفت شخصيتها بالحياد الصلب البارد المتجرد كي تستوعب ما تسمعه وما يتم التلفظ به في قاعات المحاكم.
    البحث عن الضوء



    هل أن المرشحة عسول محامية على الطريقة الأسمى للعدالة أم مناضلة على الطريقة السياسية بكل ما تحمله من مهلكة ومفسدة


    خرجت من قاعات المحاكم وفي رصيدها خزان من المعلومات والوقائع والأحداث، تجرّ أغلال تجربة كبيرة ومتشعّبة تركتها تعي حجم ما ضرب البلاد وما سيخلفه من تداعيات على المستقبل القريب. وضعت خبرتها من جديد في ثوب المحاماة، اختارت نمطا من بشر آخرين، رافعت واصطفت خلف رموز الحراك الذين يقبعون في السجون، من القائد التاريخي الراحل لخضر بورقعة إلى المناضل كريم طابو، إلى رشيد نكاز الضاج بالمواقف الساخرة والمضحكة والخرجات السياسية التي لم تعهدها الأدبيات السياسية.

    هؤلاء هم وكلاؤها ليس بصفتهم سجناء فقط، بل كما يقال عنهم زعماء خرجوا من رحم سلطة أخرى ليست بالضرورة السلطة المعروفة والتي أسقطها الشارع في حراك جاء من عمق الألم والمعاناة العميقة للمواطن الجزائري، والتي لا يعرفها ولا يحسّ بها “حراكيون” بالكاد لا يعرفون هؤلاء إلا من خلال التلفزيون، ويكيلون لهم التهم كيفما اتفاق.

    فـكريم طابو حسبهم كان صنيعا خفيّا للفريق توفيق قائد جهاز المخابرات سابقا.. والراحل بورقعة شخصية تاريخية مختلف حولها.. ونكاز سقط من السماء وتحركه قوى خارجية غامضة.. وعسول مناضلة سياسية استحبت النضال فجأة ومزجته بالمحاماة ولم تفصل بينهما، بل عمدت مع مجموعة من المناضلين لتأسيس فرقة ناجية اسمها “مواطنة” بإيعاز رموز الدولة العميقة.

    في البداية روّجوا للعديد من الأخبار عن صراعات في قمة هرم السلطة، ثم وجّهوا أنظارهم صوب الشارع المحتقن وحاولوا أن يستحوذوا على براءة “الحراك” وعفويته وصدقيته، وعندما نزلوا إلى الشارع في حراك إحدى الجمعات طردوا ونالوا نصيبهم من التصفير وصيحات الاستهجان، وكان النصيب الأكبر من وليمة الطرد الكبيرة لعسول حيث ردد المتظاهرون عبارة مفادها أنها “من أبناء الجنرال خالد نزار”.

    هذا التذكير بعلاقتها بالجنرال خالد نزار الذي رفعه المتظاهرون في وجه عسول لم يكن فقط عن وعي بمدى التباس مواقفها بتيار عسكري عرف في الجزائر بـ”الاستئصاليين”، وكذا تصريحاتها التي قيل إنها من أسباب توجّس الحراك منها، والتي دعت فيها لدراسة تغيير العلم الوطني، وإلحاحها المستمر بضرورة تعيين مجلس تأسيسي يدير مرحلة انتقالية لتسير شؤون الدولة.

    وكان من بين ما حز في قلب “الشعب المؤمن” دعوتها وانتقادها للمادة الدستورية التي تقول بأن الإسلام دين الدولة ورغبتها في إعادة النظر فيها.

    حادثة الطرد المشينة لم تكن فقط بسبب ما تقدم بل لمواقف مثيرة للتساؤلات صدرت عنها مثل دفاعها المستميت عن مدوّن دعا إلى “إبادة العرب في الجزائر”، ويتهم بأنه “يتخابر مع جهات صهيونية”.
    في مرمى التجاذبات



    مع الحراك ومع السلطة.. معادلة صعبة


    ليس ما تقدم فقط ما يجعل عسول في مرمى التجاذبات، فقد رأت في الجنرال المتقاعد والمحبوس أيضا علي الغديري “المرشح المعجزة” لتولي منصب الرئيس، وهو مرشح لم يكن بعيدا عن أعين الدولة العميقة وأياديها، فانضمت إليه مع فريق أعضاؤه هم أنفسهم الذين يشكلون فسيفساء القول والفعل في معارضة ما زالت هي نفسها منذ الأزل بنفس النظارات والأقمصة والأقنعة والمقولات والنظريات والتوقعات والحسابات.

    حسبتها عسول كما هو دأب من كان معها في الحملة بشكل دقيق.. مرشح عسكري مدعوم من طرف أذرع مالية وأمنية وهيكلية لا غبار على نجاحه وفوزه على الجناح الرئاسي المدجج هو أيضا مند عشرين سنة بما لا يخطر على بال من أسلحة وإمكانيات وموارد ورجال.. كانت تلك لعبة القط والفأر بين الجنرال توفيق والراحل بوتفليقة وشقيقه سعيد والراحل قايد صالح.


    خرجت من قاعات المحاكم وفي رصيدها خزان من المعلومات والوقائع والأحداث، تجرّ أغلال تجربة كبيرة ومتشعّبة تركتها


    لاعبون مكشوفون على الملأ عسول، الغديري، مقران، آيت العربي، ربراب.. سلال، زعلان، ميهوبي، غول، وعمارة بن يونس.. ولاعبون آخرون في الخفاء يلقون بالكرة في ميدان واسع للصراع والضرب تحت الحزام.

    لم تقدر عسول على الصمود والتصدي، فاللعبة أكبر وأخطر ومعقدة ومتشعبة وستقطع فيها الرقاب، ففضلت الاستقالة بعدما استحال حلم رؤية الجنرال الغديري يدخل قصر المرادية محمولا على أكتاف مريديه.

    لم يعرف سبب واضح لاستقالتها سوى ما قالت إنه انسحاب على خلفية مشورتها الذهبية الدقيقة للمترشح الغديري للقطع مع السباق لأنه طويل وعريض، وسوف “ننهزم في نصف الطريق”، ولكنه لم يأخذ بالنصيحة من خبيرة ومتمرسة ومتمترسة في التكتيك والمناورات السياسية، فأغلقت الباب وراءها واستقبلت رياحا مقبلة ستشهدها الساحة في الجزائر من خلال التظاهرات التي اشتدت وتعاظمت، وتصاعدت معها الاعتقالات، وسجن من يعتبرون محركي الشارع.

    لم توجه آلتها الدفاعية نحو البسطاء منهم غير المعروفين، بل لهثت وراء الأشهر منهم جاذبي الضوء والسطوع والاهتمام والشهرة.

    في كل تصريح لها عقب الزيارات التي كانت تقوم بها لهؤلاء، تلبس تدخلاتها بالقليل من مفاهيم قانونية ومواده المحضة، تسبغ عليها لونا سياسيا مطبوخا بنكهة خاصة ومعدة سلفا لبث روح الهول والخوف، فلقد أقعدت الدنيا وخاطبت بلغة محذرة داقة ناقوس الخطر حينما أخبرت بالوضع الصحي الحرج لبعض موكّليها، ثم بعد ذلك خففت من النبرة وقالت إنهم بخير وعلى خير.

    لا تتنصل من هذا التوهان كونها لاعبة ماهرة، تحاول أن تلف وتلتف لتقطف الهدف قبل النتيجة، والنتيجة مزيدا من رصيد سياسي وهو الأهم في عرفها وبعدها ليأتي الرصيد القانوني.

    ◙ بين زمن حنون التي انسحبت بالكثير من الأضرار، وزمن عسول التي برقت بأقل الأثمان، جرت وقائع وأحداث، تفككت أمور واستقرت أخرى، نجاحات وإخفاقات، قلاقل وسكون، غلق وفتح

    كانت عسول مثلها مثل الكثيرات من الشخصيات النسوية في تاريخ الجزائر المعاصر ممن ظهرن وتقلّدن مناصب ونافحن في فترات معينة عن السلطة والنظام ورجالاته حينما كانت الثمار حلوة وعسلية، وتؤدي إلى كراسي الدولة (كانت عضوا في المجلس الوطني الانتقالي 1993 – 1997 الذي تم تأسيسه بعد توقيف المسار الانتخابي سنوات التسعينات تحت رئاسة الراحل عبدالقادر بن صالح).

    صمتت منهن من صمتت، وواصل بعضهن السير في ركاب الدولة، وبدّل بعضهن درجات الولاء من الطاعة إلى العصيان، وحكمت أخريات على أنفسهن بالتنقل من جهات قوية إلى جهات أقوى، وضعفت أخريات وضُعن في متاهة السلطة أو المعارضة، تقاذفتهن الرياح، تارة من الشمال إلى الجنوب، ومرات من الشمال إلى الجنوب وهكذا دواليك، وهو حال المحامية زبيدة عسول التي ظهرت فجأة خلال السنوات الماضية وزاد بريقها لمعانا وسط فوضى الغياب الحقيقي لفرص أخرى تبرز من خلالها أسماء جديدة برؤى جديدة وأنفاس متجددة.

    تتعاطى عسول مع النضال من زاوية المحاماة وتكرّس مفهومها للعدالة من أجل مصالح سياسية مملة ومكرسة ومستهلكة، وقعت تارة في عرين الحرس القديم للعسكر، وتارة في يد الدولة العميقة التي كانت تحرك سواكن الموالاة والمعارضة، والتبس جواب السؤال المؤرق عن حقيقة أدوارها: فهل هي محامية على الطريقة الأسمى للعدالة أم مناضلة على الطريقة السياسية بكل ما تحمله من مهلكة ومفسدة؟ أم أن طريق أحلامها سطع ضوؤه من جديد بعد أن أعلنت خوضها الرئاسيات المقبلة؟ قد تكون مفاجئة ليس فقط لمن يقف وراء عسول أكانوا من بقايا الدولة العميقة أم من الجهة الماسكة فعليا بالحكم.


    المحامية والمناضلة زبيدة عسول تنافس عبدالمجيد تبون في الترشح للانتخابات الرئاسية




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    أبو بكر زمال
    كاتب جزائري
يعمل...
X