بلماضي مدرب "الخضر" أغرته البداية فأساء اختيار النهاية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بلماضي مدرب "الخضر" أغرته البداية فأساء اختيار النهاية

    بلماضي مدرب "الخضر" أغرته البداية فأساء اختيار النهاية


    الأداء المخيب والخروج المبكر لأشبال بلماضي من المنافسة الأفريقية فجّر حالة غير مسبوقة من الغضب والاستياء لدى قطاع كبير من الجزائريين.


    من وزير للسعادة إلى سفير للتعاسة

    تحولت وضعية الناخب الجزائري جمال بلماضي إلى قضية رأي عام في الشارع الجزائري، ولم يعد الجدل يقتصر على عشاق كرة القدم، في أعقاب الإقصاء المفاجئ للمنتخب الجزائري من الدور الأول لكأس أفريقيا للأمم الجارية في كوت ديفوار، بل حمل سجالا حادا في مختلف الدوائر بين أنصار الرجل الذين يتمسكون ببقائه، وبين غاضبين داعين إلى رحيله.

    وضعية الرجل الذي صنع أفراح الجزائريين العام 2019، بجلبه الكأس الأفريقية الثانية من الأراضي المصرية، تحولت إلى الاهتمام الأول للجزائريين، بمن فيهم رجال الإعلام والمثقفون والسياسيون، خاصة بعد التصعيد بين بلماضي ومسؤولي الاتحاد حول مصيره على رأس منتخب “الخضر”.

    خرج السجال عن إطاره الكروي، ولم يعد ينحصر في الشارع الرياضي وبين الناشطين في المجال الرياضي، بعد ما اكتسب امتدادات سياسية وتحول إلى صراع لوبيات، فأنصار الرجل حمّلوا مسؤولية الشحن والغضب إلى فلول السلطة السابقة وجيوب الدولة العميقة، التي لم تتوان في انتقاد أدائه منذ مدة طويلة، أما معارضوه فيرون أن أنصار بلماضي هم فئة تعودت على تقديس الأشخاص وتمجيدهم ولا يهمها الفشل ولا استهداف صورة الجزائر.


    تجربة بلماضي على رأس المنتخب لم تكن سيرة مدرب فقط، بل مرحلة تداخلت فيها التوازنات الرياضية والاجتماعية والسياسية


    فجّر الأداء المخيب والخروج المبكر لأشبال بلماضي من المنافسة الأفريقية حالة غير مسبوقة من الغضب والاستياء لدى قطاع كبير من الجزائريين، وتصاعدت دعوات التغيير الجذري وتنحية الرجل، وهو ما حمل سياسيين على الدخول على الخط، متسائلين عن سر الاهتمام الكبير بالنكسة الكروية، وتجاهل الإخفاقات التي تعاني منها البلاد في مختلف المجالات.

    وتساءل الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، في منشور له على صفحته الرسمية في فيسبوك، عن “خلفيات الاهتمام الشعبي والإعلامي بالإخفاق الكروي، والهجوم الكبير على قائد العارضة الفنية، بينما يتجاهل هؤلاء كل الإخفاقات الأخرى المسجلة في شتى القطاعات”.

    اعتبر مقري الحملة القوية من أجل تنحية جمال بلماضي، بدعوى الفشل المتراكم في مسيرته على رأس الخضر، حملة غير واعية، فهناك الكثير من المسؤولين الفاشلين وحتى الفاسدين القابعين في مواقعهم، لكن لا أحد يزعجهم سواء في وسائل الإعلام أو الشارع، وهو أمر غير عادل لأن الأولوية في البلاد للقطاعات الحساسة، وليس للعبة باتت سلاح الأنظمة السياسية لتخدير الشعوب.

    لم تكن تجربة جمال بلماضي، على رأس المنتخب الجزائري، سيرة مدرب مع منتخب فقط، بل مرحلة تداخلت فيها كل التوازنات الرياضية والاجتماعية والسياسية.

    وكما كان قدومه أشهرا قليلة قبل انتفاضة الحراك الشعبي، ودعمه لها وتحفيز لاعبيه على التماهي معها لتحقيق لقب القاهرة 2019، فإن خروجه كان مثيرا للجدل ومرتبطا بتوازنات خفية داخل السلطة، ترجمتها مواقف المناصرين والمناهضين للرجل.

    كل يتهم الآخر بأبعاد ذات دلالات سياسية، فالمناصرون يرون أن بلماضي هو الكادر الوطني الشاب، الذي أعطى الوثبة اللازمة في كرة القدم وفي الشارع الجزائري، لمّا جلب كأس أفريقيا الثانية في تاريخ المنتخب من أراضي مصر العام 2019، وهو ما يشفع له الإخفاقات الأخرى في “كان” الكاميرون وكوت ديفور، ومونديال قطر، وأن أعداء الاستقرار وهواة الفوضى للإضرار بالبلاد هم الذين يشنون ضده الحملة القائمة.

    لكنْ للغاضبين رأي آخر، فقد صبوا جام غضبهم على بلماضي ودعوا إلى تنحيته، لأنه بعد تتويج القاهرة، أفلس فنيا وكرويا ولم يعد المدرب المناسب للمنتخب، فرغم الإمكانيات الضخمة والظروف الملائمة للعمل والمزايا المتوفرة، إلا أن الرجل فشل في ثلاثة استحقاقات متتالية، وذلك يكفي لاستقالته أو إقالته.

    أجمع إعلاميون ومحللون ولاعبون قدماء ومدوّنون على أن خطاب التقديس والتمجيد يتنافى مع مصلحة المنتخب، وربما هو أحد العوامل التي كانت وراء الفشل، بعدما توترت العلاقة بينه وبين وسائل الإعلام، وبينه وبين المنتقدين، خاصة مع ذهنية العناد والتصلب التي جعلته يتغول داخل المنتخب وداخل اتحاد الكرة بعد أخذ ضمانات من جهات عليا في السلطة.
    سجال كروي بأبعاد سياسية



    المنتخب الجزائري كان دون المأمول


    لم تبخل الجزائر على بلماضي بأي شيء مادي أو معنوي، بما في ذلك راتبه المقدر بـ208 آلاف يورو، فضلا عن عقد إشهار مع المتعامل الهاتفي الحكومي “موبيليس”، وهو الراتب الأول في أفريقيا والسابع في العالم، لكن النتائج كانت عكس ذلك، وهو ما فاقم من غضب الشارع الجزائر.

    كتب مدون على منصة إكس “لو اصطفت كؤوس العالم وكؤوس القارة واحدا بعد الآخر بفضل بلماضي، فإني أرفض هذا الراتب، لأن البلاد لا تحتمل هذا التفاوت بين شعب يعيش ظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة، وبين شخص يأخذ كل هذا المبلغ.. الكرة الجزائرية في حاجة إلى أموال والجزائريون في حاجة إلى أموال، وليس عدلا أن يوزع مال الشعب بهذا النحو”.

    احتدم الخلاف بين بلماضي وبين اتحاد الكرة المسير للعبة، في أعقاب الإقصاء المر أمام المنتخب الموريتاني، وتضاربت الروايات حينها حول حقيقة ما يجري بين المدير الفني للمنتخب وبيت الاتحاد، وبدا أن الراتب المغري هو الذي فجر الوضع بين الطرفين.

    ◙ العارفون بشؤون المنتخب الجزائري يقولون إن جهات عليا هي التي أمرت بتمكين بلماضي من راتب خرافي دون تقدير العواقب

    وظهرت مرة أخرى فجوة خطيرة في طريقة تسيير الشأن الكروي في البلاد، ومرشح بأن يفتح الطريق أمام الكشف عن ممارسات فساد وسوء تسيير، بعدما ثبت أن عقد الرجل يمتد إلى غاية العام 2026، وغير مقيد بأهداف معينة، ولذلك كان من الصعب على المسؤولين الحاليين فك الارتباط بليونة وبأخف الأضرار.

    تحدثت المعلومات التي سربها رئيس الاتحاد الحالي وليد صادي، عبر حسابه الشخصي في منصة إكس عن توافق حول فراق بالتراضي بين الطرفين مقابل دفع تعويضات محدودة، لكن بلماضي رفض الأمر واستند إلى محتوى العقد، وأسرّ لمقربيه برغبته في الاستمرار على رأس المنتخب، الأمر الذي صعّد حالة السجال وتبادل الاتهامات بين الأنصار والغاضبين.

    بنود العقد تضمن لبلماضي الحصول على حقوقه إلى غاية نهاية العقد نهاية العام 2026، ولذلك رفض الاتفاق الودي على الرحيل، وترك الجميع في حالة انتظار إلى غاية مغادرته للبلاد منتصف الأسبوع الماضي، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الرجل لا يريد التفريط في سبعة ملايين يورو متبقية في عقده، وهو مبلغ سيثقل كاهل الاتحاد لو سار في الطرق القانونية والتشكي لدى الاتحاد الدولي للعبة.

    كشفت هذه الوضعية عن واحدة من ممارسات الفساد وسوء التسيير اللذين ينخران مؤسسات الدولة، وإلا كيف يتم الاتفاق على هذا الراتب ويُبرم عقد دون أهداف ولمدة طويلة، مع أن المسألة تتعلق بالمسؤول الأول في الهيئة الكروية للبلاد، إلا أن عارفين بشؤون المنتخب يقولون إن جهات عليا هي التي أمرت مسؤول الاتحاد بذلك، دون تقدير العواقب.

    ◙ الجزائر لم تبخل على بلماضي بأي شيء مادي أو معنوي، بما في ذلك راتبه المقدر بـ208 آلاف يورو، فضلا عن عقد إشهار مع المتعامل الهاتفي الحكومي "موبيليس"

    شد بلماضي الرحال منتصف الأسبوع إلى بيته العائلي في قطر، دون أن يسوّي وضعيته مع مسؤولي الاتحاد، ودون أن يوجه رسالة إلى الشارع الكروي أو إلى المنتخب، الأمر الذي يوحي بأن الرجل عازم على الذهاب بعيدا في أزمته، بما في ذلك مقاضاة اتحاد بلاده أمام “الفيفا”، وهو أمر غير مسبوق، حيث لم يجرؤ أيّ ناخب وطني على ذلك، رغم خروج البعض منهم من باب ضيق.

    اتحاد الكرة، وفي خطوة لتهدئة النفوس وعدم ترك المجال أمام المزيد من الفراغ والجدل، أصدر بيانا حمّل فيه المسؤولية للمدرب بلماضي، وبرّأ نفسه ممّا جرى بعد مباراة الإقصاء أمام موريتانيا، في انتظار توضيح من الطرف الآخر لإطلاع الرأي العام على تفاصيل القضية.

    وقال البيان “سجل الاتحاد الجزائري لكرة القدم بأسف وخيبة أمل المسار المخزي للمنتخب الوطني، الذي لم يرق إلى مستوى تطلعات الشعب الجزائري، خلال كأس الأمم الأفريقية كوت ديفوار 2023 “.

    وأضاف “بالنظر إلى الوسائل والظروف المادية التي توفرها الدولة والاتحاد الجزائري لكرة القدم، كان من المشروع أن نتوقع، في المقابل، مردودا في مستوى التطلعات، لكن وللمرة الثانية على التوالي؛ (كان 2021 وكان 2023)، لم يتأهل المنتخب الوطني إلى الدور الثاني واحتل المركز الرابع والأخير في المجموعة، وهذا ما يعتبر فشلا مؤكدا ومؤلما يصعب قبوله، إضافة إلى الفشل في التأهل لكأس العالم 2022”.
    سبعة ملايين يورو تغير الرجال



    الغاضبون دعوا إلى تنحية بلماضي معتبرين أنه أفلس فنيا ولم يعد المدرب المناسب للمنتخب


    قال بيان الاتحاد “إدراكا لثقل مسؤولياته وواجبه في الحفاظ على مصالح المنتخبات الوطنية وكرة القدم الجزائرية، تدخل، الاتحاد عبر رئيسه وليد صادي باستدعاء المدرب الوطني بلماضي في بواكي بكوت ديفوار، بعد يوم من الإقصاء المرير في الدور الأول، لتقييم ملابسات هذا الفشل، حيث تم الاتفاق على فسخ العقد وديا.. المناقشات التي بدأت في بواكي الإيفوارية، أدت في اليوم التالي بعد عودة الوفد إلى الجزائر العاصمة، إلى صياغة اتفاق الإنهاء الودي بين المدرب وطاقمه”.

    وفي سياق عرضه لتفاصيل القضية، ذكر الاتحاد في بيانه، بأن الأطراف المعنية (المدرب وطاقمه) استجابت لدعوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، بهدف المصادقة على الاتفاق المبرم بكوت ديفوار، وكان جميع أعضاء الجهاز الفني المساعد قد وقعوا على اتفاق فسخ العقد الودي، باستثناء بلماضي الذي انسحب بشكل مفاجئ، مطالبا بالمزيد من الوقت للتفكير، معتبرا أن الاتفاق المتفق عليه في جانبه المالي لا يلبي توقعاته.

    وتابع “بعد مرور أربعة أيام، لم يتلق الاتحاد الجزائري لكرة القدم أيّ شيء من الشخص المعني، الذي غادر التراب الوطني إلى الخارج، تاركا الهيئة دون رد! وإن المدرب الذي وافق في البداية على هذا الخيار، غيّر رأيه وانقلب فجأة”، في إشارة إلى تراجعه عمّا تم الاتفاق عليه في بواكي بالانفصال الودي بين الطرفين.

    واعتبر الاتحاد صمت بلماضي ومغادرته التراب الوطني بمثابة رفض فسخ العقد بطريقة ودية، وهو مضطر إلى طي الصفحة بشكل نهائي ويخطط الآن لتحدّ جديد مع مدرب جديد وطاقم فني جديد سيتم تعيينه قريبا.


    خطاب التقديس والتمجيد لبلماضي كان وراء الفشل




    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    صابر بليدي
    صحافي جزائري
يعمل...
X