عدنان يحيى فنان يخدش فكرة الطغاة ليصنع الضوء
رسام ونحات يلاحق بشاعة القتل ليعيد للإنسان الفلسطيني حقه في الحياة.
الأحد 2024/03/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أعمال تمثل منفذا للتفكير البصري
لماذا الفن اليوم؟ أو ما هي وظيفته؟ قد نتفق على أن الفن ليس للزينة ولا للديكور في المنازل الفخمة أو القصور، لم يعد مجرد تكرار جمالي للعالم ولا رصدا لوجوه النبلاء التي يتباهون بها، الفن المعاصر أبعد من ذلك إنه الفكرة التي تقاوم والتي تنتصر بالضرورة للإنسان وقضاياه وللوجود وتشعباته. يمكننا أن نرى وظائف الفن المعاصر كامنة في تجارب الفنانين ذوي الأصول الفلسطينية، الذين استغلوا الفنون، مثل الفن التشكيلي، لنصرة قضية شعبهم المحتل، كلّ بطريقته، ومن هؤلاء الفنان عدنان يحيى.
لأن الفنان التشكيلي الفلسطيني لم يعش يوما بمعزل عن واقعه استطاع أن يعبّر فنيا وبصريا بكل ما أوتي من أحاسيس ذهنية عن تفاصيله، لذلك ظهرت تجارب تشكيلية عكست واقعا كاملا بهدوئه وصخبه بشتاته وترحاله واختلافاته وصداماته بفرحه وهلعه، أرّخت تجاربه فكرة الوطن الرمز والمفهوم، فحوّلت حضوره التوثيقي أو الإخباري إلى حضور جمالي له فكرة إنسانية الأبعاد ومفهوم له عناصر الاكتمال الفني.
فكانت التجارب الفنية متعددة ومؤثرة في الساحة التشكيلية العربية والعالمية، ومتأثرة بالمدارس الفنية مازجة إياها ضمن منجز فني واحد وظفها لخدمة قضية التعبير عن إنسان تواق لوطن حر دون قيد التاريخ والجغرافيا، وهو ما أراده طيلة مسيرة جادة من البحث والتعبير التشكيلي الفلسطيني الأصل والأردني المولد عدنان يحيى، رسّام المآسي ومجسّد الآلام، الذي ولد من رحم المعاناة ورحل بصمت تاركا فنّه شاهدا على مسيرته ومواقفه ومعايشاته.
تجربة متنوعة
فنان أعطى الأفكار ما يناسبها من انفعالات داخل المنجز الفني حرّكها بحواسه وقاسها بأفكاره ومواقفه ورؤيته للفن
معتمدا على جانب القتامة والنور الأبيض والأسود فسّر عدنان يحيى نظرته لواقعه الذي عايشه بأحداث تلقاها بانفعالاته وعبّر عنها بفنه في الحفر والتشكيل والنحت، حاكى ذاته في كياناته الفنية وتفاصيله التي اجتهد في تفكيكها من ثقوب ذاكرته إلى وعاء اللوحة المعتمة بنور شارد وشريد لم يخلّصه للحظة من فكرة الانتماء والتجذّر المبني على فراغات الألم الطاغي على حسيّاته الناطقة حركة ملامح وألوانا باردة وباهتة، تكاد تقفز من كوادرها إلى رؤى المتلقي المتفاعل مع جمودها بحماسة الحركة التي تغرقه في التفصيل والدقّة تعبيريا وسرياليا.
لقد أعطى الأفكار ما يناسبها من انفعالات داخل المنجز الفني، حرّكها بحواسه وقاسها بأفكاره ومواقفه ورؤيته للفن، حيث أنشأ فكرة فنية جديدة وليدة المجازر والاغتيالات، أسّست مسيرة لونية قاتمة وتشرّدات فكريّة حوّلت أعماله إلى ملاحم حسيّة باختلاف تناولاتها، حتى تكون وسط هذه الحقيقة الداكنة شعاع نور جمالي يعبُر بمخزون الذاكرة والألوان إلى الفكرة البصرية المحسوسة، ليوصل المعاني والمضامين التي اختزنها إلى شعبه وإلى كل إنسان حر، انحرفت أعماله إيجابيا بالتجربة لتكون منفذا للتفكير البصري ونبشا في تلك العتمة.
ولعل التوثيق لتجربة عدنان يحيى يثير البعد المميز في كونها تجربة متنوعة سواء من خلال الفكر التعبيري أو المنهج التشكيلي عبر بها من المنحوتة والخزفيات إلى اللوحة والحروفيات، لامست رؤى التحديث وارتقت بمسار الحرف من الخط كهندسة موروث إلى حضور تعبيري ورمزي.
الرمز التعبيري والسريالي
تكريس الكرامة الإنسانية ونبذ الظلم
اعتمد يحيى في لوحاته رموزا معنوية انعكست في الترقب والانتظار وتجلّت في الخطوط واللون المتسع فوق السطوح وفي الشخوص الممتلئة بحزن يفيض حكايات موجعة، كان يساعدها على أن تستقوي بالأمل الساكن في دواخلها خلف الوجوه الباكية التي تسترد الذاكرة وتقاوم.
كما جسّد الحرية في اتجاهات واقعية تعبيرية رافضة لجميع أشكال الظلم بتنويع الخطوط والظلال والأضواء المتداخلة في مدارات الألوان الداكنة بين الأزرق والأخضر والرمادي على مساحة واسعة بحجم المجازر المرتكبة بدم بارد، موزعة بتداخل لوني قائم على أسلوب سريالي يتكاثف ويتداخل في منافذ مفتوحة على دموية القتل في فكرة الموت التي استذكرها في الأمكنة وفي بشاعة شكل المغتصب من خلال ملامح الوجوه والعيون والأطراف المبتورة لتصله المشاهد البشعة بمختلف أرجاء المنطقة وهو يستحضر أحداثا لا تختلف من حيث الوجع أو المشهد في العراق و لبنان وسوريا.
وعن صورة المرأة كرمزية في منجزه الفني أوردها مع جملة الشخوص الفردية الصاعدة لم يصنّفها ولم يميّزها بل تعامل معها بوعيه الإنساني ومشاركتها في المعاناة، إما من خلال تفصيلها في رمزية مخيمات البؤس أو من رحم المجزرة مهمومة شامخة في ملامحها و تقاسيمها الجزئية ذات التراكيب الحسية التي تضفي جمالية غريبة وغير متوقعة مع ذلك الحزن أو في حركتها الانفعالية وهي تتعامل مع فكرة الأمومة والاحتواء المتجلية في هندسة الحركة عينها وتشكل الملامح ليعطي الإنسان هدفه في مساحة اللوحة وتعبيره الرمزي الدال على الثبات والرسوخ والأرض والأحقيّة.
فاللوحة في أبعادها الحسيّة ورغم أنها مبنية على قسوة الانفعال إلا أنها انعكاس خفيّ وضمني للمحبة المقصودة نحو الإنسان وشهادة على الحدث والواقع فهي اقتراب من الحقيقة والحرية.
من الكتلة تخرج الفكرة
مواجهة المجازر بالفن
"إن كل ما في هذه الأعمال الفنية، محاولة خدش فكرة الطغاة السائدة.. حتى أصنع ضوءاً".
شكّل هذا الضوء الذي طالما تحدّث عنه عدنان يحيى فكرة حياة وحرية عادلة نبشها من ذاته وعمق إحساسه سردها تشكيليا بانفعال ونحتها فكرة من كتلة حمل ذلك السمو الجمالي، الذي قام على جدلية تعبيرية رمزية بين الكتلة والفراغ، فكرة مبنية على جملة التناقضات التي هدّدت دوما الإنسانية وشغلتها بين العبودية والانعتاق والحرية الموت والحياة والبقاء والاستمرار في الدفاع عن الكيان الإنساني الحر.
اعتمد عدنان يحيى في إنجاز منحوتاته على طريقة جديدة لا تقوم على الهدم في تشكيل المنحوتة بل البناء مع اعتماد المادة النحتية وترتيبها قطعة قطعة لخدمة المقصد والفكرة والانتماء لها فعلا وتكوينا، بلا انفعال تهديميا ولا تخريب لأنه ترتيبها وواقعها سيوظّف توازن انتمائها لواقعها لن تحتاج إلى يد النحات كي تخرّبها وتهدّما بل ستحتاج لتأمل واقعي قابل لتشويهها وفي نفس الوقت صياغة منشئها التكويني في رمزية بقائها.
حرف يضيء
تركيع البشاعة مقاومة جمالية
في تجربة الخط لم يقدم عدنان يحيى الحرف كمكمّل معنى في جملة فحسب بل ككيان بصري جمالي هندسه ليصبح رمزا تعبيريا قائم الذات يعبر عن فلسفة روحانية ساطعة ببريق أملها الحسيّ والانتماء الفاعل فيها فهو لا ينجز لوحة خطية بل لوحة تشكيلية بمقومات حروفية تعتمد الحرف ككيان برّاق العواطف يخدم المشهد جماليا أكثر منه معنويا في فكرة القراءة.
يركز الفنان على الحركة والضوء واللون وبالتالي تفاعل الظل مع تفصيله المبني على عدة طبقات جعلت الحرف حيّ الحضور داخل اللوحة، مما بعث فيها موسيقى متراقصة بصوفية وجدانية وروحانية مستمدة من تأثر الفنان بتجربة التشكيلي الهولندي رامبرانت في اعتماد الألوان الترابية والتحكم في درجة الضوء والضلال داخل اللوحة.
في تجربة عدنان يحيى تكتمل الفكرة التي يحملها المتلقي بين الوجود والفناء تلك التي عمل فيها على تركيع البشاعة لمقوّماته الجمالية ليضمن تفصيل الحضور الفلسطيني رغم كل شيء في كل شيء، وكأنه يحاول حياكة التاريخ المعاصر من رحم معايشاته وهو ما جعل تجربته وتفاصيلها القائمة في المنجز الفني ثابتة راسخة على مفهوم الكرامة الإنسانية ونبذ الظلم.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية
رسام ونحات يلاحق بشاعة القتل ليعيد للإنسان الفلسطيني حقه في الحياة.
الأحد 2024/03/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
أعمال تمثل منفذا للتفكير البصري
لماذا الفن اليوم؟ أو ما هي وظيفته؟ قد نتفق على أن الفن ليس للزينة ولا للديكور في المنازل الفخمة أو القصور، لم يعد مجرد تكرار جمالي للعالم ولا رصدا لوجوه النبلاء التي يتباهون بها، الفن المعاصر أبعد من ذلك إنه الفكرة التي تقاوم والتي تنتصر بالضرورة للإنسان وقضاياه وللوجود وتشعباته. يمكننا أن نرى وظائف الفن المعاصر كامنة في تجارب الفنانين ذوي الأصول الفلسطينية، الذين استغلوا الفنون، مثل الفن التشكيلي، لنصرة قضية شعبهم المحتل، كلّ بطريقته، ومن هؤلاء الفنان عدنان يحيى.
لأن الفنان التشكيلي الفلسطيني لم يعش يوما بمعزل عن واقعه استطاع أن يعبّر فنيا وبصريا بكل ما أوتي من أحاسيس ذهنية عن تفاصيله، لذلك ظهرت تجارب تشكيلية عكست واقعا كاملا بهدوئه وصخبه بشتاته وترحاله واختلافاته وصداماته بفرحه وهلعه، أرّخت تجاربه فكرة الوطن الرمز والمفهوم، فحوّلت حضوره التوثيقي أو الإخباري إلى حضور جمالي له فكرة إنسانية الأبعاد ومفهوم له عناصر الاكتمال الفني.
فكانت التجارب الفنية متعددة ومؤثرة في الساحة التشكيلية العربية والعالمية، ومتأثرة بالمدارس الفنية مازجة إياها ضمن منجز فني واحد وظفها لخدمة قضية التعبير عن إنسان تواق لوطن حر دون قيد التاريخ والجغرافيا، وهو ما أراده طيلة مسيرة جادة من البحث والتعبير التشكيلي الفلسطيني الأصل والأردني المولد عدنان يحيى، رسّام المآسي ومجسّد الآلام، الذي ولد من رحم المعاناة ورحل بصمت تاركا فنّه شاهدا على مسيرته ومواقفه ومعايشاته.
تجربة متنوعة
فنان أعطى الأفكار ما يناسبها من انفعالات داخل المنجز الفني حرّكها بحواسه وقاسها بأفكاره ومواقفه ورؤيته للفن
معتمدا على جانب القتامة والنور الأبيض والأسود فسّر عدنان يحيى نظرته لواقعه الذي عايشه بأحداث تلقاها بانفعالاته وعبّر عنها بفنه في الحفر والتشكيل والنحت، حاكى ذاته في كياناته الفنية وتفاصيله التي اجتهد في تفكيكها من ثقوب ذاكرته إلى وعاء اللوحة المعتمة بنور شارد وشريد لم يخلّصه للحظة من فكرة الانتماء والتجذّر المبني على فراغات الألم الطاغي على حسيّاته الناطقة حركة ملامح وألوانا باردة وباهتة، تكاد تقفز من كوادرها إلى رؤى المتلقي المتفاعل مع جمودها بحماسة الحركة التي تغرقه في التفصيل والدقّة تعبيريا وسرياليا.
لقد أعطى الأفكار ما يناسبها من انفعالات داخل المنجز الفني، حرّكها بحواسه وقاسها بأفكاره ومواقفه ورؤيته للفن، حيث أنشأ فكرة فنية جديدة وليدة المجازر والاغتيالات، أسّست مسيرة لونية قاتمة وتشرّدات فكريّة حوّلت أعماله إلى ملاحم حسيّة باختلاف تناولاتها، حتى تكون وسط هذه الحقيقة الداكنة شعاع نور جمالي يعبُر بمخزون الذاكرة والألوان إلى الفكرة البصرية المحسوسة، ليوصل المعاني والمضامين التي اختزنها إلى شعبه وإلى كل إنسان حر، انحرفت أعماله إيجابيا بالتجربة لتكون منفذا للتفكير البصري ونبشا في تلك العتمة.
ولعل التوثيق لتجربة عدنان يحيى يثير البعد المميز في كونها تجربة متنوعة سواء من خلال الفكر التعبيري أو المنهج التشكيلي عبر بها من المنحوتة والخزفيات إلى اللوحة والحروفيات، لامست رؤى التحديث وارتقت بمسار الحرف من الخط كهندسة موروث إلى حضور تعبيري ورمزي.
الرمز التعبيري والسريالي
تكريس الكرامة الإنسانية ونبذ الظلم
اعتمد يحيى في لوحاته رموزا معنوية انعكست في الترقب والانتظار وتجلّت في الخطوط واللون المتسع فوق السطوح وفي الشخوص الممتلئة بحزن يفيض حكايات موجعة، كان يساعدها على أن تستقوي بالأمل الساكن في دواخلها خلف الوجوه الباكية التي تسترد الذاكرة وتقاوم.
كما جسّد الحرية في اتجاهات واقعية تعبيرية رافضة لجميع أشكال الظلم بتنويع الخطوط والظلال والأضواء المتداخلة في مدارات الألوان الداكنة بين الأزرق والأخضر والرمادي على مساحة واسعة بحجم المجازر المرتكبة بدم بارد، موزعة بتداخل لوني قائم على أسلوب سريالي يتكاثف ويتداخل في منافذ مفتوحة على دموية القتل في فكرة الموت التي استذكرها في الأمكنة وفي بشاعة شكل المغتصب من خلال ملامح الوجوه والعيون والأطراف المبتورة لتصله المشاهد البشعة بمختلف أرجاء المنطقة وهو يستحضر أحداثا لا تختلف من حيث الوجع أو المشهد في العراق و لبنان وسوريا.
وعن صورة المرأة كرمزية في منجزه الفني أوردها مع جملة الشخوص الفردية الصاعدة لم يصنّفها ولم يميّزها بل تعامل معها بوعيه الإنساني ومشاركتها في المعاناة، إما من خلال تفصيلها في رمزية مخيمات البؤس أو من رحم المجزرة مهمومة شامخة في ملامحها و تقاسيمها الجزئية ذات التراكيب الحسية التي تضفي جمالية غريبة وغير متوقعة مع ذلك الحزن أو في حركتها الانفعالية وهي تتعامل مع فكرة الأمومة والاحتواء المتجلية في هندسة الحركة عينها وتشكل الملامح ليعطي الإنسان هدفه في مساحة اللوحة وتعبيره الرمزي الدال على الثبات والرسوخ والأرض والأحقيّة.
فاللوحة في أبعادها الحسيّة ورغم أنها مبنية على قسوة الانفعال إلا أنها انعكاس خفيّ وضمني للمحبة المقصودة نحو الإنسان وشهادة على الحدث والواقع فهي اقتراب من الحقيقة والحرية.
من الكتلة تخرج الفكرة
مواجهة المجازر بالفن
"إن كل ما في هذه الأعمال الفنية، محاولة خدش فكرة الطغاة السائدة.. حتى أصنع ضوءاً".
شكّل هذا الضوء الذي طالما تحدّث عنه عدنان يحيى فكرة حياة وحرية عادلة نبشها من ذاته وعمق إحساسه سردها تشكيليا بانفعال ونحتها فكرة من كتلة حمل ذلك السمو الجمالي، الذي قام على جدلية تعبيرية رمزية بين الكتلة والفراغ، فكرة مبنية على جملة التناقضات التي هدّدت دوما الإنسانية وشغلتها بين العبودية والانعتاق والحرية الموت والحياة والبقاء والاستمرار في الدفاع عن الكيان الإنساني الحر.
اعتمد عدنان يحيى في إنجاز منحوتاته على طريقة جديدة لا تقوم على الهدم في تشكيل المنحوتة بل البناء مع اعتماد المادة النحتية وترتيبها قطعة قطعة لخدمة المقصد والفكرة والانتماء لها فعلا وتكوينا، بلا انفعال تهديميا ولا تخريب لأنه ترتيبها وواقعها سيوظّف توازن انتمائها لواقعها لن تحتاج إلى يد النحات كي تخرّبها وتهدّما بل ستحتاج لتأمل واقعي قابل لتشويهها وفي نفس الوقت صياغة منشئها التكويني في رمزية بقائها.
حرف يضيء
تركيع البشاعة مقاومة جمالية
في تجربة الخط لم يقدم عدنان يحيى الحرف كمكمّل معنى في جملة فحسب بل ككيان بصري جمالي هندسه ليصبح رمزا تعبيريا قائم الذات يعبر عن فلسفة روحانية ساطعة ببريق أملها الحسيّ والانتماء الفاعل فيها فهو لا ينجز لوحة خطية بل لوحة تشكيلية بمقومات حروفية تعتمد الحرف ككيان برّاق العواطف يخدم المشهد جماليا أكثر منه معنويا في فكرة القراءة.
يركز الفنان على الحركة والضوء واللون وبالتالي تفاعل الظل مع تفصيله المبني على عدة طبقات جعلت الحرف حيّ الحضور داخل اللوحة، مما بعث فيها موسيقى متراقصة بصوفية وجدانية وروحانية مستمدة من تأثر الفنان بتجربة التشكيلي الهولندي رامبرانت في اعتماد الألوان الترابية والتحكم في درجة الضوء والضلال داخل اللوحة.
في تجربة عدنان يحيى تكتمل الفكرة التي يحملها المتلقي بين الوجود والفناء تلك التي عمل فيها على تركيع البشاعة لمقوّماته الجمالية ليضمن تفصيل الحضور الفلسطيني رغم كل شيء في كل شيء، وكأنه يحاول حياكة التاريخ المعاصر من رحم معايشاته وهو ما جعل تجربته وتفاصيلها القائمة في المنجز الفني ثابتة راسخة على مفهوم الكرامة الإنسانية ونبذ الظلم.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
بشرى بن فاطمة
كاتبة باحثة تونسية اختصاص فنون بصرية