الزلابية والمخارق تحليان سهرات التونسيين في رمضان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الزلابية والمخارق تحليان سهرات التونسيين في رمضان

    الزلابية والمخارق تحليان سهرات التونسيين في رمضان


    التنافس بين العائلات عزز من مكانة ولاية باجة كعاصمة للمخارق التقليدية ذات الطعم الخاص والمميز بدون منازع.
    الاثنين 2024/04/01
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    المخارق حلويات تونسية خالصة

    الزلابية لا تقتصر على تونس فهي من الحلويات التي انتشرت أيضا في دول المشرق العربي، بينما المخارق منتوج تونسي خالص وتصنف كمنتوج ثقافي ينتمي إلى التراث اللامادي.

    تونس - يدلف الصناع في محل المرساوي، المعجنات المخلوطة من السميد والسمن في شكل دائري مخروق، وسط الزيت الموقد ومن ثم يرفعونها بعد أن تنضج ليغمسوها ثانية في خليط من الشهد.

    ويستمر هذا العمل الدائري على مدار عدة ساعات في اليوم لتلبية الطلب المتزايد على الحلويات الشهيرة، المخارق وبدرجة أقل الزلابية، وهما من بين أكثر الأكلات شهرة في تونس حيث يزداد عليهما الإقبال خلال شهر رمضان.

    ويزاول الرجل الستيني عبدالرزاق المرساوي، المهنة منذ ستينات القرن الماضي في المحل الذي تأسس وسط سوق باجة منذ آواخر القرن التاسع عشر. وتنتشر على جدران محله صور لوجهاء تونس من مختلف الحقب ممن اقتنوا الحلويات منه.

    ويقول المرساوي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) “نحن نعمل منذ 120 عاما في صناعة المخارق جيلا بعد جيل، ونحن من مؤسسي هذه المهنة في باجة. عندما تزور المدينة فلا بد أن تقتني المخارق”.

    وتصنف المخارق كمنتوج ثقافي ينتمي إلى التراث اللامادي. ويقول المؤرخ زهير بن يوسف المتخصص في تاريخ الحضارة في مدينة باجة لـ”د.ب.أ”، “لا أبالغ إذا قلت إنها تنتمي إلى التراث العالمي”.

    لكن مع المخارق انتشرت أيضا حلويات الزلابية بشكلها الحلزوني الدائري. وفي الغالب يتم تصنيع الاثنين معا. ولا يخلو كل فطائري في الجهة من المخارق والزلابية.

    ويقول المؤرخ بن يوسف إن الأصل في حرفة الفطائري كما ذكرت في كتب التراث هي صناعة الزلابية. ويعتقد على نطاق واسع أن لها جذورا في المشرق العربي تعود إلى القرن التاسع للميلاد في فترة حكم العباسيين.



    ويرجح آخرون أن الزلابية وفدت على تونس مع الفتوحات الإسلامية. لكن روايات أخرى تقول إنها وفدت بعد فترة من الأندلس مع الموريسكيين الفارين من حرب الاسترداد ومن ثم انتشرت بين السكان المحليين.

    لكن الزلابية لا تقتصر على تونس، فهي من الحلويات التي انتشرت أيضا في دول المشرق العربي وفي دول الجوار بشمال أفريقيا. ويقول المؤرخ “تشير الكتب إلى شهرة هذه الحلويات التي وصلت إلى الشرق الأدنى حتى الهند”.

    ويتابع “إذا عدنا إلى كتب التاريخ وكتب الطبخ عند ابن سيار وابن رزين التجيبي خاصة، سنجدها تتحدث عن الزلابية وتركيبتها ولكنها لا تتحدث عن المخارق. النوع الثاني من الحلويات قد تكون له جذور عربية لكنه صناعة محلية”.

    وحديثا انتشرت المخارق في القرن التاسع عشر بتونس ولكن ليس واضحا متى ظهرت هذه الحلويات وبداية تصنيعها في الأسواق قبل ذلك التاريخ. ويتداول السكان المحليون في باجة روايات متضاربة في ذلك. ولا يستبعد المؤرخ أن يكون بعضها مختلقا.

    ويقول بن يوسف “صحيح أن بعض العائلات في باجة احترفت المهنة في العصر الحديث وأن أصولها تعود إلى تركيا لكن لا يعني ذلك أن المخارق حلويات تركية، بدليل أنه لا يوجد مخارق في تركيا اليوم. كما أن هذه الصناعة بقيت حكرا على حرفيين تونسيين سواء كانوا من أصول تركية أو أندلسية أو عربية”.

    وتنفي هذه المعلومات أسطورة الجندي التركي التائه الذي كان سببا في انتشار المخارق بتونس وباجة. ويقول المخرح “هذه الرواية لا أصول لها البتة في كتب التاريخ”. ويدافع السكان المحليون عن المخارق كصناعة تنتمي إليهم حصريا.

    وذاع صيت عدة عائلات في ولاية باجة تخصصت في حرفة تصنيع المخارق منذ عدة عقود، من بينها عائلة “بالشريفة” وهي من أولى العائلات التي تعاطت ولا تزال نشاط المخارق. ولحقت بعدها عائلات أخرى معروفة تقليديا في صنع المخارق في باجة، مثل عائلة الحداد والأحرش والمرساوي.

    وفي عام 2000 صنع الحرفي بوتفاحة الأحرش أكبر قطعة مخارق بلغ وزنها 21 كيلوغراما. ويشير المؤرخ إلى أن هذا التنافس بين العائلات عزز من مكانة ولاية باجة كعاصمة للمخارق التقليدية ذات الطعم الخاص والمميز بدون منازع.



    ويستدرك قائلا “صحيح أنها معروفة في البلاد التونسية واشتهرت بها مدينة باجة لكن نجد حلويات شبيهة بها في الجزائر تسمى المخيرقات أو زلابية القصر”. ويقول عبدالرزاق المرساوي أحد أكثر صناع المخارق شهرة في تونس اليوم لـ”د.ب.أ”، “ترتبط المخارق بصفتها من المعجنات بالتقاليد الغذائية المحلية في باجة المنتجة للحبوب”.

    ويعزز هذه النظرية أن مكونات المخارق ترتبط كلها بمنتوجات غذائية محلية وهي السميد المشتق من الحبوب والعسل والسمن.

    وباجة التي تبعد عن العاصمة 110 كيلومترات بشمال غرب تونس، تعد أهم منطقة زراعية في البلاد وتعرف قديما بتسمية “مطمور روما” لأنها تزود عاصمة الإمبراطورية الرومانية بمحاصيل الحبوب.

    وتقوم التركيبة الأساسية للمخارق على مادة سميد القمح والدقيق والزيت ولكن تتباين الجودة وفق الحرفيين، في طريقة الصنع ومدة تخمير العجين وفي الاعتماد على السمن العربي، بحيث يجب أن لا يقل عمر السمن عن السنة حتى يعطي نكهة مميزة للمخارق والزلابية.

    ويذكر المؤرخون أن المخارق كانت تصنع، لاسيما في ليلة النصف من شهر رمضان وليلة القدر، بطريقة خاصة ليتم شحنها إلى قصور البايات الذين حكموا تونس في القرن التاسع عشر، وحاشيتهم في أوعية القلال المصنوعة من الفخار الطبيعي حتى تحافظ على نكهتها.

    ويغلب على المخارق الشكل المستدير لكن الحرفيين المنتشرين بأغلب المناطق التونسية صاروا يطوعونها حسب أذواق المستهلك مع الاعتماد على آلات العجن والخلط بعد أن كانت هذه العملية تتم بصفة مطلقة بالأيدي.
يعمل...
X