فيلم "مخلوقات بائسة" قصيدة رائعة ومكثفة عن الحياة
بيلا امرأة تعيش بعقل طفل تقدم درسا إنسانيا مؤثرا للتحرر.
الأحد 2024/03/31
رحلة نحو الوعي والنضج
في آخر أفلامه “مخلوقات بائسة” طوع المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس ببراعة فائقة رواية الكاتب الأسكتلندي الراحل ألسدير غراي ليوجه رسالة قوية متوسلا بسخريته اللاذعة، رسالة تسعى إلى ترسيخ التحرر من الماضي وكل ما يكبل الإنسان، خالقا إنسانا جديدا أكثر صدقا وحقيقة وقدرة على المواجهة.
فيلم “مخلوقات بائسة”، الذي يمثل العودة التي طال انتظارها للمخرج اليوناني الحائز على جائزة الأوسكار يورغوس لانثيموس، هو واحد من المفاجآت السارة لحفل جوائز الأوسكار لهذا العام. استحق الفوز بأربع من الجوائز، منها حصول الممثلة أيما ستون على أفضل ممثلة عن أداء دورها في الفيلم، والتي سبق وأن فازت بها النجمة ذات المظهر البريء الأبدي عن دورها في فيلم داميان شازيل “لا لا لاند” في عام 2016. كما توج الفيلم بجائزة أفضل تصميم أزياء، وجائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأخيرا جائزة أفضل تصميم إنتاج.
الفيلم يستند إلى رواية الكاتب الإسكتلندي الراحل ألسدير غراي عام 1992، قام بإعداد السيناريو توني ماكنمارا، وقد أعطى المخرج لانثيموس لكاتب السيناريو ثلاثة أفلام كمرجع لنبرة الفيلم وإيقاعه وهي “والسفينة تذهب” (1983)، “بيل باي داي” (1967) و”يونغ فرانكشتاين” (1974).
الحياة بعقل طفل
بطلة الفيلم بيلا طفلة في جسد امرأة بالغة، وكل يوم يمر يسمح لها بالتعلم والتطور وإثراء مفرداتها ومكانتها
نجح المخرج اليوناني بشكل كبير مع سيناريو ماكنمارا في خلق حكاية مصدرها رواية الكاتب غراي التي تحمل دلالات سياسية ليصنع ما يبدو أنه أكثر أفلامه تفاؤلا حتى الآن. لم يكن بإمكانه اختيار فيلم أفضل لتخليصه من رموزه السياسية لصعوبات متعلقة بالجسد وتحولاته في روح المخلوقات البائسة، والتي يتم التغلب عليها ببراعة مع التعاطف والكثير من الفكاهة.
البداية من لندن حين يستعيد الدكتور جودوين باكستر (ويليام دافو) جثة امرأة أرستقراطية ألقت بنفسها في نهر التايمز وهي حامل في شهورها الأخيرة، يقوم الدكتور بعملية ولادة لطفلها ويزرع دماغه في رأس الأم المنتحرة. هذه المرأة الجديدة المسماة (بيلا باكستر)، ترث دماغا طفوليا في جسم امرأة بالغة. وتربى بيلا من قبل الطبيب ومساعده وتحقق تقدما سريعا.
فيلم “مخلوقات بائسة” في الأساس إعادة تصور لرواية ماري شيلي “فرانكشتاين”، الجثة التي تم إحياؤها هي جثة امرأة ماتت منتحرة، جسدها هو وعاء مثالي لفضول العالم المجنون الدكتور جودوين باكستر. ولدهشته أصبحت هذه الفتاة الجذابة التي أطلق عليها اسم بيلا باكستر أكثر من مجرد تجربة بالنسبة إليه. تصبح مخلوقه الجميل الذي يرعاه ويراقبه، إنها رابطة صاغها العلم ولكنها تزدهر في شكل عبادة متبادلة صادقة. ومع ذلك، فإن بيلا تنمو بسرعة. على الرغم من أن لديها جسد شخص بالغ، إلا أن سلوكها وتصرفها كالأطفال، لأن عقلها مثل عقل طفل. على هذا النحو، فهي تمتلك الإمكانات غير العادية وفي نفس الوقت، متعطشة للمعرفة والخبرة.
تبدأ القصة بالأبيض والأسود الذي يتبع المشية العرجاء لبيلا باكستر ربيبة رجل طب غامض، الطبيب جودوين باكستر، ويقوم بأداء دوره بإتقان الممثل ويليام دافو، الذي يبدو بمكياجه المخيف وكأنه خارج مباشرة من صفحات كتاب ماري شيلي، وجهه مشوه وسنكتشف أن والده المسبب لهذا التشويه، هذا الطبيب أعاد إلى الحياة امرأة شابة لا يعرف هويتها.
خلاصة القول، بيلا طفلة في جسد امرأة بالغة، وكل يوم يمر يسمح لها بالتعلم والتطور وإثراء مفرداتها ومكانتها ومشيتها، وكذلك فهمها للعالم. تتعلم الشابة بيلا (إيما ستون) عن الحياة، والحرية الاجتماعية التي تواجهها دون ضوابط، وقبل كل شيء تكتشف معنى المتعة الجنسية. كل هذه المعرفة تتم مع التدريج الذي لا يمكن نسيانه. وتعيش تحت حماية العالم، بينما نراها حريصة على التعلم وحريصة على اكتشاف العالم الذي لا تعرف عنه شيئا.
بيلا لديها جسد امرأة ناضجة ولكن سلوكها سلوك طفل، إنها مخلوق بائس أو فقير وليست امرأة حقيقية، ابتكار عبقري مجنون يدعى الدكتور جودوين باكستر. في البداية، بالكاد تستطيع المشي أو ربط أكثر من كلمة أو كلمتين معا، مثل الأطفال، تنمو وتكبر وتتعلم المشي بشكل طبيعي والتحدث، إضافة إلى ذلك، كفتاة بالغة تبدأ في اكتشاف أشياء عن نفسها. أشياء مثل المتعة التي يمكن للمرء أن يخلقها عن طريق لمس أجزاء حساسة من جسمها.
شوهدت في وقت مبكر تعزف على البيانو بقدميها، وتبصق الطعام وتضحك بعنف وهي تتبول على الأرض. ثم يأتي ماكس ماكاندلز (رامي يوسف)، أحد طلاب الدكتور جودوين الذي كلفه الدكتور بدراسة سلوكيات بيلا وتدوين روتينها اليومي. لا يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تتطور مشاعر الدكتور تجاه “المرأة البائسة بيلا”، ويشجعهما الدكتور جودوين على الزواج. ويتم استقدام محام يدعى دنكان ويدربيرن (مارك روفالو) لإتمام عقد الزواج.
المحامي دنكان إنه مثال للمتمرد الذي لا يهتم بـ”المجتمع المهذب” وقيوده، وهذا يثير اهتمام بيلا وفضولها المتزايد لمعرفة ما وراء حدود قصر الدكتور جودوين. لذلك، يغري المحامي ويدربيرن الشابة بيلا التي يراها “كائنا بائسا وجائعا للتجربة والحرية واللمس”، للهروب معه إلى لشبونة. تنتهز الفرصة وتهرب مع المحامي، تذهب معه في رحلة ملحمية من لندن إلى لشبونة والإسكندرية وباريس. تلتقي ببعض الأصدقاء الجدد، مجموعة من رفقاء السفر البارعين، مثل جيرود كارمايكل والممثلة القديرة هانا شيغولا، وبالتالي تساعد بيلا في ابتكار قواعدها الخاصة وتكون حرة في العثور على هويتها ودورها وتأثيرها الخاص ودون تحيز أو تأثير.
تحافظ بيلا على عقل منفتح، وفي نفس الوقت، تعمل على تثقيف نفسها، وقراءة الفلسفة، والسياسة (الاشتراكية على وجه الخصوص). إنها ببساطة تحاول فهم العالم لجعله أفضل من خلال النضال من أجل المساواة دون أن تنسى أبدًا الفظائع التي شهدتها (المشهد الرهيب لجموع الفقراء في الإسكندرية) حين يشير هاري أستلي الساخر (جيرود كارمايكل) إلى حي فقير يمكن رؤيته من فندقهم.
عالم يعيد ابتكار فراكنشتاين مختلف
كما يصفها السيناريو “إنها تنظر في رعب إلى فوضى مترامية الأطراف من الفقراء واليائسين والكلاب والماعز الفقيرة، القذارة والذباب والطين”. تريد بيلا مساعدة هؤلاء الفقراء البؤساء بطريقة ما، لكن هاري يعيقها. تعطي مكاسب دنكان من الأموال في المقامرة للفقراء في محاولة لمساعدتهم مما يثير غضبه. والنتيجة يصبح دنكان مفلسا، ويطرد الزوجان من السفينة، وعليهما شق طريقهما إلى باريس.
الاستعارة السياسية للرواية
كان ألسدير جيمس غراي كاتبا وفنانا إسكتلنديا. ينظر إلى روايته الأولى “لانارك” (1981) على أنها معلم من معالم الخيال الإسكتلندي، نشر العديد من الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والشعر والترجمات، وكتب عن السياسة وتاريخ الأدب الإنجليزي والإسكتلندي. تجمع أعماله بين الواقعية والخيال العلمي مع استخدام الطباعة والرسوم التوضيحية الخاصة، وفاز بالعديد من الجوائز، درس في مدرسة غلاسكو للفنون من عام 1952 إلى عام 1957.
بالإضافة إلى الرسوم التوضيحية لكتبه، رسم صورا وجداريات وعرضت أعماله الفنية على نطاق واسع وهي في العديد من الصالات المهمة. أسلوب كتابته هو ما بعد الحداثة وتمت مقارنته بأسلوب فرانز كافكا وجورج أورويل وخورخي لويس بورخيس. ألهمت كتبه العديد من الكتاب الإسكتلنديين الأصغر سنا، بما في ذلك إيرفين ويلش، آلان وارنر، كينيدي وجانيس غالاوي وكريس كيلسو وإيان بانكس.
كان كاتبا مقيما في جامعة غلاسكو من عام 1977 إلى عام 1979، وأستاذ الكتابة الإبداعية في جامعتي غلاسكو وستراثكلايد من عام 2001 إلى عام 2003. كان غراي يتصف بالتشدد لقوميته (الإسكتلندية) كونه قوميا ومدنيا وجمهوريا، كتب لدعم الاشتراكية والاستقلال الإسكتلندي. قام بتعميم الرسم البياني “اعمل كما لو كنت تعيش في الأيام الأولى لأمة أفضل” (مأخوذة من قصيدة للشاعر الكندي دينيس لي) التي تم نقشها في جدار كانونجيت لمبنى البرلمان الإسكتلندي في إدنبرة عندما افتتح في عام 2004. عاش طوال حياته تقريبا في غلاسكو، عند وفاته أشارت إليه صحيفة الغارديان على أنه “الشخصية التي تمثل الأب الروحي للنهضة في الأدب والفن الإسكتلندي”.
رحلة بيلا في الرواية أو الفيلم هي رحلة الحرية واكتشاف الذات والسيطرة مما يجعلها واحدة من أكثر الأبطال إثارة
رواية غراي الهزلية لعام 1992 “كائنات بائسة” وأحيانا تترجم “كائنات فقيرة” هي عمل عبقري غريب، وهو كتاب داخل كتاب، عمل أدبي يسخر من انشغالات بريطانيا الفيكتورية المتضاربة على ما يبدو مع اللياقة والبشاعة، كل ذلك مع استفزاز ذوق القارئ الحديث المدرب على صحف الفضائح، في اقتباس نقدي ومخلص في وقت واحد مع البناء السريع للرواية، القراءة والإعداد الأصلي للكتاب تمثيل لإسكتلندا الفيكتورية وهي إشارة أو ترميز حيوي لفهم تعقيدات مراحل حياة بيلا باكستر كشخصية بشكل كامل.
الروائي الإسكتلندي القومي المتشدد والمتحمس للتاريخ الإسكتلندي في روايته “كائنات بائسة” تمثل فيها الشابة (بيلا باكستر) استعارة للأمة الإسكتلندية وتماثل إسكتلندا إلى حد كبير، بيلا كبيرة وصغيرة في نفس الوقت، جردت من تاريخها وأجبرت بعنف على التواصل بلغة غير مألوفة كامرأة، يتم تهميشها واستغلالها من قبل نظرائها الإنجليز. لذلك تصبح رحلة بيلا باكستر إلى التنوير تعليقا على مستقبل إسكتلندا.
على الرغم من أن إسكتلندا الحديثة في مهدها كأمة، مثل بيلا، فهي قادرة على الاستقلال والاعتماد على قدراتها وسريعة التعلم والتطور مثل باقي البشر (البلدان). وهكذا في جوهرها، رواية الكاتب غراي هي رواية حول ما يعنيه في الأساس أن تكون إسكتلنديا وكيف يتم بناء الأمم في ما يتعلق بأدبها. يوازي تصنيع الدكتور باكستر للبشرية فكرة الهوية الوطنية الإسكتلندية على أنها اخترعت وتخيلت. فكرة عدم الأصالة هذه واضحة تماما في تكيف لانثيموس للرواية، وربما تكون البيئة والأزياء المبالغ فيها داخل الفيلم إشارة إلى تأملات غراي في طفولة إسكتلندا كأمة.
ومع ذلك، فإن المواقع الأخرى المتخيلة من قبل المخرج تهدف إلى أن تكون انعكاسا خارجيا لنفسية بيلا باكستر بدلا من أن تكون قصيدة لإسكتلندا. تم استبدال إعداد الرواية في الطرف الغربي من غلاسكو بأرض العجائب الخيالية التي تم تأطيرها من خيال لانثيموس. في الواقع، إسكتلندا ليست موجودة على الإطلاق. تم تهجير مقر إقامة غودوين باكستر من بارك سيرك وزرعه في وسط لندن المتخيلة. إلا أن هذا الاختيار الفني دمر بعض الأهمية الثقافية والإشارات لفكرة نص الكاتب غراي واستعاراته.
التحليل التفسيري "للكائنات البائسة"
يتناول فيلم لانثيموس جزئيا بعض الشخصيات والتصرفات الغريبة لأعماله السابقة، حيث تجد الشخصيات ذات النبرة الساذجة والخيالية نفسها تتفاعل مع بعضها البعض من خلال بناء حلقات تتميز بحركات تبدو غريبة، ولكنها تنقل مصفوفة برمزية عميقة تناقش مواضيع مختلفة، في ما يتعلق قبل كل شيء بدور الإنسان داخل الهياكل الاجتماعية والثقافية، ويبدو أنها تغمز إلى المجتمعات الغربية.
لطالما قام المخرج اليوناني ضمن منهجه وأسلوبه السينمائي، باستحضار الأحداث المستهلكة بشكل مثير للفضول داخل الأماكن المغلقة، أو على أي حال خالية من أي مظهر من مظاهر التأثير الحقيقي القادم من العالم الخارجي. يتم تصوير أبطالها دائما على أنهم ساذجون في البداية، إن لم يكونوا حتى كائنات مجنونة ويخضعون للإملاءات الصارمة للمحيط البشري الصغير الذي يعيشون فيه.
يبدو أن كل هذه الخصائص تشير على وجه الخصوص أيضا إلى المرحلة الأخيرة من التحولات الثلاثة لفكرة الفيلسوف نيتشه، التي يجسدها الجمل والأسد والطفل على التوالي. كما يذكرها نيتشه في تشبيهه عن رحلة الوعي هي أول خطبة يفتتح بها (نيتشه) كتابه “هكذا تكلم زرادشت”، يقول فيها كيف ينبغي للروح أن تصير جَملًا في المرة الأولى، ثم يصبح أسدًا، وفي النهاية يتحول الأسد إلى طفل.
وفقا للفيلسوف، فإن تجسد الأخير سيسمح للإنسان بتمثيل ولادة شخصية جديدة تحددها قيم جديدة، تماما كما أتيحت الفرصة لبيلا للتجربة في رحلتها حول العالم، دون أي وعي بالمعايير الأصلية لحياتها السابقة، والتي أدت إلى التعبير عن جوهر المرء بطريقة أصيلة وخالية من القيود التي يتم تعلمها عادة من نوع التعليم الذي يتم نقله خلال فترة الطفولة، ووضع إرادة المرء قبل كل شيء آخر.
المخرج نجح بشكل كبير مع سيناريو ماكنمارا في خلق حكاية مصدرها رواية الكاتب غراي التي تحمل دلالات سياسية
رحلة بيلا، سواء في الرواية أو في الفيلم هي رحلة الحرية واكتشاف الذات والسيطرة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأبطال إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة. يمكننا أن نتوقع النمط الكلاسيكي للانثيموس، ومع حديث بطلة الفيلم إيما ستون التي حازت على جائزة الأوسكار في تجسيدها شخصية بيلا باكستر في أن “هذا الدور هو المفضل في حياتها المهنية، والأكثر تطلبا”.
تتضمن النهاية بعض المفاجآت الجميلة التي تفك الأسرار والألغاز السابقة للفيلم إلى أشكال أكثر غرابة. يتم استدعاء بيلا من باريس بسبب أخبار عن مرض الدكتور باكستر العضال. يحيي الدكتور فكرة زواجها من الطبيب ماكس ويأخذان مشروع الزواج هذه المرة بجدية، بعد أن ترك باكستر على فراش الموت وحيدا في البيت، وعند بداية المراسيم في الكنيسة وعند الوصول إلى الجزء الذي يسأل فيه الكاهن عما إذا كان هناك أي عائق لتلك الزيجة، يقاطعه العائق نفسه وهو جزء من الماضي، زوجها الشخص الذي قادها في المرة السابقة إلى الانتحار هربا من إساءته المتكررة لها.
سأقول فقط إن القسوة المفرطة لهذه الشخصية تجعل كل شخص آخر في الفيلم يبدو وكأنه ملاك. لقد تغيرت وتعلمت بيلا الكثير بما يكفي لمواجهة هذا المتوحش، وهي الآن مؤمنة وشغوفة بالتقدم البشري وتطوير شخصيتها. بعد أن كانت ساذجة للغاية بالنسبة للمحامي (ويدربيرن) الفوضوي، وهي التي تدفعه إلى الجنون، خاصة عندما تعطي كل أمواله للفقراء عند مرورهم في الإسكندرية، حين سلمتها إلى اثنين من ضباط السفينة حتى يتمكنوا من إعطائها للمحتاجين.
تركز قصة بيلا أكثر على طريقة معرفة الذات. تغادر بيلا منزل مكتشفها الدكتور باكستر وتذهب في مغامرة. هنا تتغير رؤيتها للعالم (وكذلك التصوير السينمائي للفيلم) من الأسود والأبيض إلى ألوان أكثر حيوية وجمالا. ولكن مع سفر الإبداع واكتشاف الذات، تتكشف رحلتها نحو الوعي والنضج الفكري والعاطفي والأيديولوجي. هناك الكثير من المغامرات والتقلبات والمنعطفات قبل العودة إلى لندن. تكتشف بيلا الجانب المظلم من الكون والبشر خلال رحلة البحث عن الذات بعد السفر حول العالم، وستختبر العديد من المغامرات المثيرة (أو المخيفة)… مثل تناول المعجنات في لشبونة، أو ركوب قارب، أو التحدث إلى الغرباء، أو قراءة الكتب.
هذا الفيلم قصيدة رائعة ومكثفة عن الحياة، من الخيارات التي تتخذها بيلا وإلى أي مدى يمكن أن تأخذنا معها إلى الأشخاص الذين تلتقي بهم الذين ينقلون لنا تجاربهم. في هذا الفيلم يمكن أن تكون عملية المكياج واحدة من أكثر العمليات المجهدة للممثلين، حيث يمكن للأطراف الاصطناعية المعقدة والشعر المستعار والمزيد من إطالة الفترة التي يستعدون فيها للتصوير أن تكون مميزة. ولكن الجهد الذي يثير الإعجاب كان في طريقة مكياج الممثل ويليام دافو، الذي كانت لشخصيته علامات مميزة على وجهه تمت إعادة إنشائها بفضل موهبة فريق الماكياج، والذي تطلب جلوس الممثل ويليام دافو مدة ست ساعات تحت يدي فريق المكياج، وكان الفوز بجائزة الأوسكار باستحقاق وجدارة.
علي المسعود
كاتب عراقي
بيلا امرأة تعيش بعقل طفل تقدم درسا إنسانيا مؤثرا للتحرر.
الأحد 2024/03/31
رحلة نحو الوعي والنضج
في آخر أفلامه “مخلوقات بائسة” طوع المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس ببراعة فائقة رواية الكاتب الأسكتلندي الراحل ألسدير غراي ليوجه رسالة قوية متوسلا بسخريته اللاذعة، رسالة تسعى إلى ترسيخ التحرر من الماضي وكل ما يكبل الإنسان، خالقا إنسانا جديدا أكثر صدقا وحقيقة وقدرة على المواجهة.
فيلم “مخلوقات بائسة”، الذي يمثل العودة التي طال انتظارها للمخرج اليوناني الحائز على جائزة الأوسكار يورغوس لانثيموس، هو واحد من المفاجآت السارة لحفل جوائز الأوسكار لهذا العام. استحق الفوز بأربع من الجوائز، منها حصول الممثلة أيما ستون على أفضل ممثلة عن أداء دورها في الفيلم، والتي سبق وأن فازت بها النجمة ذات المظهر البريء الأبدي عن دورها في فيلم داميان شازيل “لا لا لاند” في عام 2016. كما توج الفيلم بجائزة أفضل تصميم أزياء، وجائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر، وأخيرا جائزة أفضل تصميم إنتاج.
الفيلم يستند إلى رواية الكاتب الإسكتلندي الراحل ألسدير غراي عام 1992، قام بإعداد السيناريو توني ماكنمارا، وقد أعطى المخرج لانثيموس لكاتب السيناريو ثلاثة أفلام كمرجع لنبرة الفيلم وإيقاعه وهي “والسفينة تذهب” (1983)، “بيل باي داي” (1967) و”يونغ فرانكشتاين” (1974).
الحياة بعقل طفل
بطلة الفيلم بيلا طفلة في جسد امرأة بالغة، وكل يوم يمر يسمح لها بالتعلم والتطور وإثراء مفرداتها ومكانتها
نجح المخرج اليوناني بشكل كبير مع سيناريو ماكنمارا في خلق حكاية مصدرها رواية الكاتب غراي التي تحمل دلالات سياسية ليصنع ما يبدو أنه أكثر أفلامه تفاؤلا حتى الآن. لم يكن بإمكانه اختيار فيلم أفضل لتخليصه من رموزه السياسية لصعوبات متعلقة بالجسد وتحولاته في روح المخلوقات البائسة، والتي يتم التغلب عليها ببراعة مع التعاطف والكثير من الفكاهة.
البداية من لندن حين يستعيد الدكتور جودوين باكستر (ويليام دافو) جثة امرأة أرستقراطية ألقت بنفسها في نهر التايمز وهي حامل في شهورها الأخيرة، يقوم الدكتور بعملية ولادة لطفلها ويزرع دماغه في رأس الأم المنتحرة. هذه المرأة الجديدة المسماة (بيلا باكستر)، ترث دماغا طفوليا في جسم امرأة بالغة. وتربى بيلا من قبل الطبيب ومساعده وتحقق تقدما سريعا.
فيلم “مخلوقات بائسة” في الأساس إعادة تصور لرواية ماري شيلي “فرانكشتاين”، الجثة التي تم إحياؤها هي جثة امرأة ماتت منتحرة، جسدها هو وعاء مثالي لفضول العالم المجنون الدكتور جودوين باكستر. ولدهشته أصبحت هذه الفتاة الجذابة التي أطلق عليها اسم بيلا باكستر أكثر من مجرد تجربة بالنسبة إليه. تصبح مخلوقه الجميل الذي يرعاه ويراقبه، إنها رابطة صاغها العلم ولكنها تزدهر في شكل عبادة متبادلة صادقة. ومع ذلك، فإن بيلا تنمو بسرعة. على الرغم من أن لديها جسد شخص بالغ، إلا أن سلوكها وتصرفها كالأطفال، لأن عقلها مثل عقل طفل. على هذا النحو، فهي تمتلك الإمكانات غير العادية وفي نفس الوقت، متعطشة للمعرفة والخبرة.
تبدأ القصة بالأبيض والأسود الذي يتبع المشية العرجاء لبيلا باكستر ربيبة رجل طب غامض، الطبيب جودوين باكستر، ويقوم بأداء دوره بإتقان الممثل ويليام دافو، الذي يبدو بمكياجه المخيف وكأنه خارج مباشرة من صفحات كتاب ماري شيلي، وجهه مشوه وسنكتشف أن والده المسبب لهذا التشويه، هذا الطبيب أعاد إلى الحياة امرأة شابة لا يعرف هويتها.
خلاصة القول، بيلا طفلة في جسد امرأة بالغة، وكل يوم يمر يسمح لها بالتعلم والتطور وإثراء مفرداتها ومكانتها ومشيتها، وكذلك فهمها للعالم. تتعلم الشابة بيلا (إيما ستون) عن الحياة، والحرية الاجتماعية التي تواجهها دون ضوابط، وقبل كل شيء تكتشف معنى المتعة الجنسية. كل هذه المعرفة تتم مع التدريج الذي لا يمكن نسيانه. وتعيش تحت حماية العالم، بينما نراها حريصة على التعلم وحريصة على اكتشاف العالم الذي لا تعرف عنه شيئا.
بيلا لديها جسد امرأة ناضجة ولكن سلوكها سلوك طفل، إنها مخلوق بائس أو فقير وليست امرأة حقيقية، ابتكار عبقري مجنون يدعى الدكتور جودوين باكستر. في البداية، بالكاد تستطيع المشي أو ربط أكثر من كلمة أو كلمتين معا، مثل الأطفال، تنمو وتكبر وتتعلم المشي بشكل طبيعي والتحدث، إضافة إلى ذلك، كفتاة بالغة تبدأ في اكتشاف أشياء عن نفسها. أشياء مثل المتعة التي يمكن للمرء أن يخلقها عن طريق لمس أجزاء حساسة من جسمها.
شوهدت في وقت مبكر تعزف على البيانو بقدميها، وتبصق الطعام وتضحك بعنف وهي تتبول على الأرض. ثم يأتي ماكس ماكاندلز (رامي يوسف)، أحد طلاب الدكتور جودوين الذي كلفه الدكتور بدراسة سلوكيات بيلا وتدوين روتينها اليومي. لا يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تتطور مشاعر الدكتور تجاه “المرأة البائسة بيلا”، ويشجعهما الدكتور جودوين على الزواج. ويتم استقدام محام يدعى دنكان ويدربيرن (مارك روفالو) لإتمام عقد الزواج.
المحامي دنكان إنه مثال للمتمرد الذي لا يهتم بـ”المجتمع المهذب” وقيوده، وهذا يثير اهتمام بيلا وفضولها المتزايد لمعرفة ما وراء حدود قصر الدكتور جودوين. لذلك، يغري المحامي ويدربيرن الشابة بيلا التي يراها “كائنا بائسا وجائعا للتجربة والحرية واللمس”، للهروب معه إلى لشبونة. تنتهز الفرصة وتهرب مع المحامي، تذهب معه في رحلة ملحمية من لندن إلى لشبونة والإسكندرية وباريس. تلتقي ببعض الأصدقاء الجدد، مجموعة من رفقاء السفر البارعين، مثل جيرود كارمايكل والممثلة القديرة هانا شيغولا، وبالتالي تساعد بيلا في ابتكار قواعدها الخاصة وتكون حرة في العثور على هويتها ودورها وتأثيرها الخاص ودون تحيز أو تأثير.
تحافظ بيلا على عقل منفتح، وفي نفس الوقت، تعمل على تثقيف نفسها، وقراءة الفلسفة، والسياسة (الاشتراكية على وجه الخصوص). إنها ببساطة تحاول فهم العالم لجعله أفضل من خلال النضال من أجل المساواة دون أن تنسى أبدًا الفظائع التي شهدتها (المشهد الرهيب لجموع الفقراء في الإسكندرية) حين يشير هاري أستلي الساخر (جيرود كارمايكل) إلى حي فقير يمكن رؤيته من فندقهم.
عالم يعيد ابتكار فراكنشتاين مختلف
كما يصفها السيناريو “إنها تنظر في رعب إلى فوضى مترامية الأطراف من الفقراء واليائسين والكلاب والماعز الفقيرة، القذارة والذباب والطين”. تريد بيلا مساعدة هؤلاء الفقراء البؤساء بطريقة ما، لكن هاري يعيقها. تعطي مكاسب دنكان من الأموال في المقامرة للفقراء في محاولة لمساعدتهم مما يثير غضبه. والنتيجة يصبح دنكان مفلسا، ويطرد الزوجان من السفينة، وعليهما شق طريقهما إلى باريس.
الاستعارة السياسية للرواية
كان ألسدير جيمس غراي كاتبا وفنانا إسكتلنديا. ينظر إلى روايته الأولى “لانارك” (1981) على أنها معلم من معالم الخيال الإسكتلندي، نشر العديد من الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والشعر والترجمات، وكتب عن السياسة وتاريخ الأدب الإنجليزي والإسكتلندي. تجمع أعماله بين الواقعية والخيال العلمي مع استخدام الطباعة والرسوم التوضيحية الخاصة، وفاز بالعديد من الجوائز، درس في مدرسة غلاسكو للفنون من عام 1952 إلى عام 1957.
بالإضافة إلى الرسوم التوضيحية لكتبه، رسم صورا وجداريات وعرضت أعماله الفنية على نطاق واسع وهي في العديد من الصالات المهمة. أسلوب كتابته هو ما بعد الحداثة وتمت مقارنته بأسلوب فرانز كافكا وجورج أورويل وخورخي لويس بورخيس. ألهمت كتبه العديد من الكتاب الإسكتلنديين الأصغر سنا، بما في ذلك إيرفين ويلش، آلان وارنر، كينيدي وجانيس غالاوي وكريس كيلسو وإيان بانكس.
كان كاتبا مقيما في جامعة غلاسكو من عام 1977 إلى عام 1979، وأستاذ الكتابة الإبداعية في جامعتي غلاسكو وستراثكلايد من عام 2001 إلى عام 2003. كان غراي يتصف بالتشدد لقوميته (الإسكتلندية) كونه قوميا ومدنيا وجمهوريا، كتب لدعم الاشتراكية والاستقلال الإسكتلندي. قام بتعميم الرسم البياني “اعمل كما لو كنت تعيش في الأيام الأولى لأمة أفضل” (مأخوذة من قصيدة للشاعر الكندي دينيس لي) التي تم نقشها في جدار كانونجيت لمبنى البرلمان الإسكتلندي في إدنبرة عندما افتتح في عام 2004. عاش طوال حياته تقريبا في غلاسكو، عند وفاته أشارت إليه صحيفة الغارديان على أنه “الشخصية التي تمثل الأب الروحي للنهضة في الأدب والفن الإسكتلندي”.
رحلة بيلا في الرواية أو الفيلم هي رحلة الحرية واكتشاف الذات والسيطرة مما يجعلها واحدة من أكثر الأبطال إثارة
رواية غراي الهزلية لعام 1992 “كائنات بائسة” وأحيانا تترجم “كائنات فقيرة” هي عمل عبقري غريب، وهو كتاب داخل كتاب، عمل أدبي يسخر من انشغالات بريطانيا الفيكتورية المتضاربة على ما يبدو مع اللياقة والبشاعة، كل ذلك مع استفزاز ذوق القارئ الحديث المدرب على صحف الفضائح، في اقتباس نقدي ومخلص في وقت واحد مع البناء السريع للرواية، القراءة والإعداد الأصلي للكتاب تمثيل لإسكتلندا الفيكتورية وهي إشارة أو ترميز حيوي لفهم تعقيدات مراحل حياة بيلا باكستر كشخصية بشكل كامل.
الروائي الإسكتلندي القومي المتشدد والمتحمس للتاريخ الإسكتلندي في روايته “كائنات بائسة” تمثل فيها الشابة (بيلا باكستر) استعارة للأمة الإسكتلندية وتماثل إسكتلندا إلى حد كبير، بيلا كبيرة وصغيرة في نفس الوقت، جردت من تاريخها وأجبرت بعنف على التواصل بلغة غير مألوفة كامرأة، يتم تهميشها واستغلالها من قبل نظرائها الإنجليز. لذلك تصبح رحلة بيلا باكستر إلى التنوير تعليقا على مستقبل إسكتلندا.
على الرغم من أن إسكتلندا الحديثة في مهدها كأمة، مثل بيلا، فهي قادرة على الاستقلال والاعتماد على قدراتها وسريعة التعلم والتطور مثل باقي البشر (البلدان). وهكذا في جوهرها، رواية الكاتب غراي هي رواية حول ما يعنيه في الأساس أن تكون إسكتلنديا وكيف يتم بناء الأمم في ما يتعلق بأدبها. يوازي تصنيع الدكتور باكستر للبشرية فكرة الهوية الوطنية الإسكتلندية على أنها اخترعت وتخيلت. فكرة عدم الأصالة هذه واضحة تماما في تكيف لانثيموس للرواية، وربما تكون البيئة والأزياء المبالغ فيها داخل الفيلم إشارة إلى تأملات غراي في طفولة إسكتلندا كأمة.
ومع ذلك، فإن المواقع الأخرى المتخيلة من قبل المخرج تهدف إلى أن تكون انعكاسا خارجيا لنفسية بيلا باكستر بدلا من أن تكون قصيدة لإسكتلندا. تم استبدال إعداد الرواية في الطرف الغربي من غلاسكو بأرض العجائب الخيالية التي تم تأطيرها من خيال لانثيموس. في الواقع، إسكتلندا ليست موجودة على الإطلاق. تم تهجير مقر إقامة غودوين باكستر من بارك سيرك وزرعه في وسط لندن المتخيلة. إلا أن هذا الاختيار الفني دمر بعض الأهمية الثقافية والإشارات لفكرة نص الكاتب غراي واستعاراته.
التحليل التفسيري "للكائنات البائسة"
يتناول فيلم لانثيموس جزئيا بعض الشخصيات والتصرفات الغريبة لأعماله السابقة، حيث تجد الشخصيات ذات النبرة الساذجة والخيالية نفسها تتفاعل مع بعضها البعض من خلال بناء حلقات تتميز بحركات تبدو غريبة، ولكنها تنقل مصفوفة برمزية عميقة تناقش مواضيع مختلفة، في ما يتعلق قبل كل شيء بدور الإنسان داخل الهياكل الاجتماعية والثقافية، ويبدو أنها تغمز إلى المجتمعات الغربية.
لطالما قام المخرج اليوناني ضمن منهجه وأسلوبه السينمائي، باستحضار الأحداث المستهلكة بشكل مثير للفضول داخل الأماكن المغلقة، أو على أي حال خالية من أي مظهر من مظاهر التأثير الحقيقي القادم من العالم الخارجي. يتم تصوير أبطالها دائما على أنهم ساذجون في البداية، إن لم يكونوا حتى كائنات مجنونة ويخضعون للإملاءات الصارمة للمحيط البشري الصغير الذي يعيشون فيه.
يبدو أن كل هذه الخصائص تشير على وجه الخصوص أيضا إلى المرحلة الأخيرة من التحولات الثلاثة لفكرة الفيلسوف نيتشه، التي يجسدها الجمل والأسد والطفل على التوالي. كما يذكرها نيتشه في تشبيهه عن رحلة الوعي هي أول خطبة يفتتح بها (نيتشه) كتابه “هكذا تكلم زرادشت”، يقول فيها كيف ينبغي للروح أن تصير جَملًا في المرة الأولى، ثم يصبح أسدًا، وفي النهاية يتحول الأسد إلى طفل.
وفقا للفيلسوف، فإن تجسد الأخير سيسمح للإنسان بتمثيل ولادة شخصية جديدة تحددها قيم جديدة، تماما كما أتيحت الفرصة لبيلا للتجربة في رحلتها حول العالم، دون أي وعي بالمعايير الأصلية لحياتها السابقة، والتي أدت إلى التعبير عن جوهر المرء بطريقة أصيلة وخالية من القيود التي يتم تعلمها عادة من نوع التعليم الذي يتم نقله خلال فترة الطفولة، ووضع إرادة المرء قبل كل شيء آخر.
المخرج نجح بشكل كبير مع سيناريو ماكنمارا في خلق حكاية مصدرها رواية الكاتب غراي التي تحمل دلالات سياسية
رحلة بيلا، سواء في الرواية أو في الفيلم هي رحلة الحرية واكتشاف الذات والسيطرة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأبطال إثارة للاهتمام في السنوات الأخيرة. يمكننا أن نتوقع النمط الكلاسيكي للانثيموس، ومع حديث بطلة الفيلم إيما ستون التي حازت على جائزة الأوسكار في تجسيدها شخصية بيلا باكستر في أن “هذا الدور هو المفضل في حياتها المهنية، والأكثر تطلبا”.
تتضمن النهاية بعض المفاجآت الجميلة التي تفك الأسرار والألغاز السابقة للفيلم إلى أشكال أكثر غرابة. يتم استدعاء بيلا من باريس بسبب أخبار عن مرض الدكتور باكستر العضال. يحيي الدكتور فكرة زواجها من الطبيب ماكس ويأخذان مشروع الزواج هذه المرة بجدية، بعد أن ترك باكستر على فراش الموت وحيدا في البيت، وعند بداية المراسيم في الكنيسة وعند الوصول إلى الجزء الذي يسأل فيه الكاهن عما إذا كان هناك أي عائق لتلك الزيجة، يقاطعه العائق نفسه وهو جزء من الماضي، زوجها الشخص الذي قادها في المرة السابقة إلى الانتحار هربا من إساءته المتكررة لها.
سأقول فقط إن القسوة المفرطة لهذه الشخصية تجعل كل شخص آخر في الفيلم يبدو وكأنه ملاك. لقد تغيرت وتعلمت بيلا الكثير بما يكفي لمواجهة هذا المتوحش، وهي الآن مؤمنة وشغوفة بالتقدم البشري وتطوير شخصيتها. بعد أن كانت ساذجة للغاية بالنسبة للمحامي (ويدربيرن) الفوضوي، وهي التي تدفعه إلى الجنون، خاصة عندما تعطي كل أمواله للفقراء عند مرورهم في الإسكندرية، حين سلمتها إلى اثنين من ضباط السفينة حتى يتمكنوا من إعطائها للمحتاجين.
تركز قصة بيلا أكثر على طريقة معرفة الذات. تغادر بيلا منزل مكتشفها الدكتور باكستر وتذهب في مغامرة. هنا تتغير رؤيتها للعالم (وكذلك التصوير السينمائي للفيلم) من الأسود والأبيض إلى ألوان أكثر حيوية وجمالا. ولكن مع سفر الإبداع واكتشاف الذات، تتكشف رحلتها نحو الوعي والنضج الفكري والعاطفي والأيديولوجي. هناك الكثير من المغامرات والتقلبات والمنعطفات قبل العودة إلى لندن. تكتشف بيلا الجانب المظلم من الكون والبشر خلال رحلة البحث عن الذات بعد السفر حول العالم، وستختبر العديد من المغامرات المثيرة (أو المخيفة)… مثل تناول المعجنات في لشبونة، أو ركوب قارب، أو التحدث إلى الغرباء، أو قراءة الكتب.
هذا الفيلم قصيدة رائعة ومكثفة عن الحياة، من الخيارات التي تتخذها بيلا وإلى أي مدى يمكن أن تأخذنا معها إلى الأشخاص الذين تلتقي بهم الذين ينقلون لنا تجاربهم. في هذا الفيلم يمكن أن تكون عملية المكياج واحدة من أكثر العمليات المجهدة للممثلين، حيث يمكن للأطراف الاصطناعية المعقدة والشعر المستعار والمزيد من إطالة الفترة التي يستعدون فيها للتصوير أن تكون مميزة. ولكن الجهد الذي يثير الإعجاب كان في طريقة مكياج الممثل ويليام دافو، الذي كانت لشخصيته علامات مميزة على وجهه تمت إعادة إنشائها بفضل موهبة فريق الماكياج، والذي تطلب جلوس الممثل ويليام دافو مدة ست ساعات تحت يدي فريق المكياج، وكان الفوز بجائزة الأوسكار باستحقاق وجدارة.
علي المسعود
كاتب عراقي