ذاكرة السينما | «127 ساعة».. الحياة في مواجهة الموت
«سينماتوغراف» ـ أسـامة عسـل
يندرج فيلم «127 ساعة ـ Hours127»، تحت مسمى (أفلام المكان الواحد) وهي نوعية من الأعمال تحتاج بالتأكيد إلي أسلوب قوة وإثارة في (السيناريو والإخراج والتمثيل) حتى لا تخسر جمهورها بعد بداية أحداثها بقليل، وهذا الفيلم رشح عام 2010 للأوسكار في فئات أفضل فيلم وممثل ومونتاج وتصوير، ونال أيضاً ترشيحات أخرى للمنافسة على جوائز (البافتا) ـ الأكاديمية البريطانية للفيلم ـ كأفضل إخراج وتمثيل، ويعتبر درساً مهماً في هذا المجال بتوقيع المخرج البريطاني داني بويل والممثل الأميركي جيمس فرانكو.
يعتمد فيلم «127 ساعة» التركيز على البعد الإنساني للقصة وبطلها، وهو واحد من تلك الأعمال التي لن تراها وتنساها بسرعة، ويتجاوز في طرحه فكرة وجود رجل وحيد في مأزق، إلي كيف يتصرف الإنسان عندما يواجه الطبيعة بأتعس مواقفها الصعبة والمحيرة، وهي رؤية خاصة تلهم الجميع حب الحياة وعشقها واشتياق الأهل والأقارب والأصدقاء وتجسد معناه قهر العطش والجوع واسترجاع الأفكار والذكريات لتقييم الإنسان لنفسه والبدء من جديد، وهو ما يميز الفيلم ويجعله أحد أعمال الفن الرفيع في زمن السرعة والبحث عن المكسب السريع.
ورغم أن فيلم «127 ساعة» لا تزيد مدته على الشاشة أكثر من 90 دقيقة فقط، إلا أن براعة إيقاعه وتصوير لقطاته تحبس الأنفاس وتجعل المشاهد في حالة من الترقب الشديد لكيفية خروج بطله من المأزق الذي وقع فيه، واستوحى المخرج بويل وكاتب السيناريو سايمون بيوفوي فكرته من ذاكرة متسلق الجبال أرون رالستون عن قصة حقيقية حدثت في عام 2003 في وادٍ يُعرَف باسم «بلو جون» بالقرب من مدينة مواب شرق ولاية أوتاه الأميركية، حيث كان أرون رالستون يتسلق الجبال داخل وادٍ ضيق عندما سقطت صخرة من بين الصخور لتصطدم بيده اليمنى وتعلق تحت أنقاض الصخرة الضخمة، ما جعله يعيش وضعا صعبا لمدة خمسة أيام أو «127 ساعة» التي أختارها الفيلم عنواناً له، فيعيش أحداثاً درامية مؤلمة عندما يشاهد كيف يتناقص أمل الإنقاذ مع مرور الوقت، وكيف يسير شريط حياته أمامه وهو يواجه الموت ببطء.
ويقدم الفيلم هذه المشاهد كأجزاء من واقع غير معقول كمحاولة للدخول إلي عقل شخصية البطل الذي يقوم بتسجيل أفكاره ولحظاته بكاميرا الفيديو على أمل أن يتسنى لشخص العثور عليه بعد موته وتسليم الشريط إلى والديه لمعرفة ما حدث له، وهذه الأشرطة موجودة فعلاً، رغم أنها لم تعرض علناً بعد نشر وسائل الإعلام للحكاية المأساة، لكن رالستون سمح للمخرج وكاتب السيناريو والممثل أن يشاهدوها كمساعدة في تحضيرهم للفيلم.
وتعمل الدقائق الخمس عشرة الأولى المبهجة والملونة بلقطات طبيعية خلابة للصحراء والجبال والأودية المائية تصاحبها الموسيقى الحماسية كتعريف لشخصية الفيلم الرئيسية المتباهية المعتزة بنفسها الراغبة في اكتشاف ما حولها من خلال استعراض لمكان وزمان القصة، حيث يلتقي أرون رالستون فتاتين متجولتين تائهتين يساعدهما في العثور على وجهتيهما قبل مضيه برحلته إلي مصيره الذي ينتظره طوال حياته كما أكد في تسجيلاته بالفيديو.
ويُبقي فيلم «127 ساعة» المشاهد مع بطله طوال مدة العرض بعد وقوع الحادث المؤسف، ولا ينتقل بأي لقطة إلى أصدقاء له أو أقارب يتساءلون عن مكانه، هناك فقط القليل من استرجاع الأحداث والتي تحوي مدلولات نفسيه عندما ينال منه الجفاف والتعب وحينها تبدأ الأحلام والهلوسات بمراودته، ويقدم جيمس فرانكو فيها أفضل دور خلال مسيرته الفنية، وهو المتواجد تقريباً في كل مشهد من مشاهد العمل (معظمها لقطات قريبة)، يترجم من خلالها مكنونات هذه الشخصية وسبب لجوءها إلي بتر اليد كي ينجو بروحه من الهلاك، في تجسيد لإرادة الإنسان من أجل البقاء على قيد الحياة.
والأسلوب الذي نفذ به المخرج داني بويل فيلمه ولقطات بتر اليد كان عنيفًا وقاسياً على المشاهدين، وقد كان مدركاً تماماً للأجواء التي يتوجب صنعها فقام باختيار تصوير أغلب المشاهد من خلال كاميرا فيديو رقمية، لكي تعطي إحساساً عالياً بواقعية الأحداث عندما يواجه شخص الموت ولا يجد من ينقذه، فنرى أرون يكسر عظمة ساعده ثم يستخدم موس ثقيل من سلسلة مهترئه لينشر الأنسجة الرقيقة الباقية، إنه مشهد دموي ومريب إلا أن واقعيته تزيد من صعوبة مشاهدته، ويعكس حكاية مذهلة عن الإرادة والصمود تستحق هذا المجهود وملهمة ومحيرة للمشاهد (إن كان بمقدوره التصرف كما فعل أرون)، فقد كانت فعلته مزيجاً من الشجاعة واليأس وامتحاناً للذات، فهذا الشاب وجد نفسه فجأة منفصلاً عن العالم الخارجي، وعندما تنفصل عن الحياة وتجد نفسك وحيداً، لا وجود لأية حياة من حولك، فإنك بالتأكيد ستتساءل هل كان لحياتي معنى قبل الآن؟، تتذكر كل القرارات التي اتخذتها والتي جعلت منك هذا الرجل الذي هو أنت الآن، ثم تتساءل أيضاً هل أنا قادر على التغيير، ولن تجد سوى إجابة واحده يجب أولاً أن تعيش لتكون قادراً على أن تتغير، وهذا بالفعل ما قرره أرون رالستون.
فيلم «127 ساعة» قدم نفسه كواحد من أفضل الإنتاجيات لعام 2010 ولم يتوقف الأمر عند النص الممتع المعتني كثيراً بالتفاصيل ولا حتى الاخراج المتميز من البريطاني داني بويل أو الأداء المذهل الذي قدمه الممثل جيمس فرانكو، بل تميز أيضاً بموسيقى تصويرية وضعها اي. آر. رحمان ومونتاج ضخم نفذه جون هاريس صاحب اللمسات الرائعة والتصوير الدقيق للمتألق أنطوني دود مانتيل، والجميع هم نفس طاقم عمل «المليونير المتشرد» رغم الاختلاف الكامن بين فكرة العملين في الإبداع ووجهة النظر، إلا أنه فيلم يستحق المشاهدة لأنه صناعته ممتازة من اسماء شديدة التميز حصدت من قبل أهم جوائز الفن السابع.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك
«سينماتوغراف» ـ أسـامة عسـل
يندرج فيلم «127 ساعة ـ Hours127»، تحت مسمى (أفلام المكان الواحد) وهي نوعية من الأعمال تحتاج بالتأكيد إلي أسلوب قوة وإثارة في (السيناريو والإخراج والتمثيل) حتى لا تخسر جمهورها بعد بداية أحداثها بقليل، وهذا الفيلم رشح عام 2010 للأوسكار في فئات أفضل فيلم وممثل ومونتاج وتصوير، ونال أيضاً ترشيحات أخرى للمنافسة على جوائز (البافتا) ـ الأكاديمية البريطانية للفيلم ـ كأفضل إخراج وتمثيل، ويعتبر درساً مهماً في هذا المجال بتوقيع المخرج البريطاني داني بويل والممثل الأميركي جيمس فرانكو.
يعتمد فيلم «127 ساعة» التركيز على البعد الإنساني للقصة وبطلها، وهو واحد من تلك الأعمال التي لن تراها وتنساها بسرعة، ويتجاوز في طرحه فكرة وجود رجل وحيد في مأزق، إلي كيف يتصرف الإنسان عندما يواجه الطبيعة بأتعس مواقفها الصعبة والمحيرة، وهي رؤية خاصة تلهم الجميع حب الحياة وعشقها واشتياق الأهل والأقارب والأصدقاء وتجسد معناه قهر العطش والجوع واسترجاع الأفكار والذكريات لتقييم الإنسان لنفسه والبدء من جديد، وهو ما يميز الفيلم ويجعله أحد أعمال الفن الرفيع في زمن السرعة والبحث عن المكسب السريع.
ورغم أن فيلم «127 ساعة» لا تزيد مدته على الشاشة أكثر من 90 دقيقة فقط، إلا أن براعة إيقاعه وتصوير لقطاته تحبس الأنفاس وتجعل المشاهد في حالة من الترقب الشديد لكيفية خروج بطله من المأزق الذي وقع فيه، واستوحى المخرج بويل وكاتب السيناريو سايمون بيوفوي فكرته من ذاكرة متسلق الجبال أرون رالستون عن قصة حقيقية حدثت في عام 2003 في وادٍ يُعرَف باسم «بلو جون» بالقرب من مدينة مواب شرق ولاية أوتاه الأميركية، حيث كان أرون رالستون يتسلق الجبال داخل وادٍ ضيق عندما سقطت صخرة من بين الصخور لتصطدم بيده اليمنى وتعلق تحت أنقاض الصخرة الضخمة، ما جعله يعيش وضعا صعبا لمدة خمسة أيام أو «127 ساعة» التي أختارها الفيلم عنواناً له، فيعيش أحداثاً درامية مؤلمة عندما يشاهد كيف يتناقص أمل الإنقاذ مع مرور الوقت، وكيف يسير شريط حياته أمامه وهو يواجه الموت ببطء.
ويقدم الفيلم هذه المشاهد كأجزاء من واقع غير معقول كمحاولة للدخول إلي عقل شخصية البطل الذي يقوم بتسجيل أفكاره ولحظاته بكاميرا الفيديو على أمل أن يتسنى لشخص العثور عليه بعد موته وتسليم الشريط إلى والديه لمعرفة ما حدث له، وهذه الأشرطة موجودة فعلاً، رغم أنها لم تعرض علناً بعد نشر وسائل الإعلام للحكاية المأساة، لكن رالستون سمح للمخرج وكاتب السيناريو والممثل أن يشاهدوها كمساعدة في تحضيرهم للفيلم.
وتعمل الدقائق الخمس عشرة الأولى المبهجة والملونة بلقطات طبيعية خلابة للصحراء والجبال والأودية المائية تصاحبها الموسيقى الحماسية كتعريف لشخصية الفيلم الرئيسية المتباهية المعتزة بنفسها الراغبة في اكتشاف ما حولها من خلال استعراض لمكان وزمان القصة، حيث يلتقي أرون رالستون فتاتين متجولتين تائهتين يساعدهما في العثور على وجهتيهما قبل مضيه برحلته إلي مصيره الذي ينتظره طوال حياته كما أكد في تسجيلاته بالفيديو.
ويُبقي فيلم «127 ساعة» المشاهد مع بطله طوال مدة العرض بعد وقوع الحادث المؤسف، ولا ينتقل بأي لقطة إلى أصدقاء له أو أقارب يتساءلون عن مكانه، هناك فقط القليل من استرجاع الأحداث والتي تحوي مدلولات نفسيه عندما ينال منه الجفاف والتعب وحينها تبدأ الأحلام والهلوسات بمراودته، ويقدم جيمس فرانكو فيها أفضل دور خلال مسيرته الفنية، وهو المتواجد تقريباً في كل مشهد من مشاهد العمل (معظمها لقطات قريبة)، يترجم من خلالها مكنونات هذه الشخصية وسبب لجوءها إلي بتر اليد كي ينجو بروحه من الهلاك، في تجسيد لإرادة الإنسان من أجل البقاء على قيد الحياة.
والأسلوب الذي نفذ به المخرج داني بويل فيلمه ولقطات بتر اليد كان عنيفًا وقاسياً على المشاهدين، وقد كان مدركاً تماماً للأجواء التي يتوجب صنعها فقام باختيار تصوير أغلب المشاهد من خلال كاميرا فيديو رقمية، لكي تعطي إحساساً عالياً بواقعية الأحداث عندما يواجه شخص الموت ولا يجد من ينقذه، فنرى أرون يكسر عظمة ساعده ثم يستخدم موس ثقيل من سلسلة مهترئه لينشر الأنسجة الرقيقة الباقية، إنه مشهد دموي ومريب إلا أن واقعيته تزيد من صعوبة مشاهدته، ويعكس حكاية مذهلة عن الإرادة والصمود تستحق هذا المجهود وملهمة ومحيرة للمشاهد (إن كان بمقدوره التصرف كما فعل أرون)، فقد كانت فعلته مزيجاً من الشجاعة واليأس وامتحاناً للذات، فهذا الشاب وجد نفسه فجأة منفصلاً عن العالم الخارجي، وعندما تنفصل عن الحياة وتجد نفسك وحيداً، لا وجود لأية حياة من حولك، فإنك بالتأكيد ستتساءل هل كان لحياتي معنى قبل الآن؟، تتذكر كل القرارات التي اتخذتها والتي جعلت منك هذا الرجل الذي هو أنت الآن، ثم تتساءل أيضاً هل أنا قادر على التغيير، ولن تجد سوى إجابة واحده يجب أولاً أن تعيش لتكون قادراً على أن تتغير، وهذا بالفعل ما قرره أرون رالستون.
فيلم «127 ساعة» قدم نفسه كواحد من أفضل الإنتاجيات لعام 2010 ولم يتوقف الأمر عند النص الممتع المعتني كثيراً بالتفاصيل ولا حتى الاخراج المتميز من البريطاني داني بويل أو الأداء المذهل الذي قدمه الممثل جيمس فرانكو، بل تميز أيضاً بموسيقى تصويرية وضعها اي. آر. رحمان ومونتاج ضخم نفذه جون هاريس صاحب اللمسات الرائعة والتصوير الدقيق للمتألق أنطوني دود مانتيل، والجميع هم نفس طاقم عمل «المليونير المتشرد» رغم الاختلاف الكامن بين فكرة العملين في الإبداع ووجهة النظر، إلا أنه فيلم يستحق المشاهدة لأنه صناعته ممتازة من اسماء شديدة التميز حصدت من قبل أهم جوائز الفن السابع.
http://cinematographwebsite.com/
#فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك