نعرض هذا الفيلم ، لتناسبه مع عودة القراصنة الصوماليين الى نشاطهم القرصني في البحر الأحمر ، و الذي شغل العالم عام 2009 ، و هو العام الذي تدور فيه أحداث الفيلم ، و هي حقيقية .
لقد عاد هذا النشاط مجدداً ، استغلالاً لفعاليات ( الحوثيين ) في البحر الأحمر و هم يعيقون حركة الملاحة الدولية بذريعة الإحتجاج على ما يجري في غزة .
فهذا الفيلم يقدم صورة درامية عن القراصنة الصوماليين الذين عادوا الى الواجهة من جديد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
كابتن فيليبس Captain Phillips
يُصنّف هذا الفيلم كفيلم سيرة ذاتية ، و حركة ( أكشن ) ، و مغامرات ، و إثارة وتشويق ، ولكن تحت أي تصنيفٍ كان فهو فيلمٌ قائم على قصة حقيقية ، وقعت في الفترة التي نشط فيها قراصنةٌ صوماليون في اختطاف السفن التجارية عام 2009 . و أخرجه المخرج الإنجليزي " بول غرينغراس " ، الذي أسند دور البطولة فيه الى الممثل الأمريكي " توم هانكس " و الصومالي " برخد عابدي " ، و نال الفيلم ستة ترشيحات لجوائز أوسكار 2014 ، و هو يتناول القصة الواقعية لعملية القرصنة التي تعرضت لها سفينة الشحن الأمريكية " مايرسك ألاباما " من قبل قراصنة صوماليين في خليج عدن ، و التي كانت متجهة من ميناء ( صلالة ) في عُمان الى ميناء ( مومباسا ) في كينيا ، و قد تم تحريرها على يد قوات العمليات الخاصة للبحرية الأمريكية . و يمثل " توم هانكس " دور الشخصية الحقيقية ( ريتشارد فيليبس ) الذي كان قائد السفينة ، و الذي ألف ــ فيما بعد ــ كتاباً مشتركاً مع " ستيفن تالتي " ، تحت عنوان طويل هو ( واجبُ كابتن : قراصنة صوماليون ، و قوات العمليات الخاصة للبحرية الأمريكية ، أيامٌ خطرة في عرض البحر ) ، و هذا الكتاب هو الذي اعتمده الكاتب " بيل راي " ليكتب سيناريو الفيلم الذي انطوى على عناصر الإثارة و الحركة و الشد و التشويق .
تتعرض السفينة لمحاولتي قرصنة : في المرة الأولى بزورقين صغيرين ، ولكن المحاولة تفشل بعد أن يوهم " فيليبس " القراصنة بأن قوة أمريكية قادمة في غضون دقائق للقضاء عليهم . في اليوم التالي يأتي زورق واحد فيه أربعة قراصنة بقيادة عبد الوالي موسى ( الذي لعب دوره " برخد عابدي " و هو مولود في الصومال و مقيم في الولايات المتحدة ) و قد قدّم أداءً باهراً نافس فيه " توم هانكس " نفسه ، فترشح عن دوره هذا لجائزة أوسكار كأفضل ممثل في دورٍ مساعد ، و هو الممثل الجديد الذي لا يمتلك أية خبرة أو تجربة في التمثيل ، لا في المسرح و لا في السينما .
هؤلاء القراصنةُ الأربعة يقتحمون السفينة رغم تحصين طاقمها لها ، و رغم زيادة سرعتها و تجنب وصول الزورق الصغير اليها . و أثناء عملية الإقتحام يحصل التحايل بين طاقم السفينة و القراصنة و محاولة اختبار أحد الطرفين لذكاء و طريقة تفكير الطرف الآخر لغرض ايجاد ثغرة للإيقاع به .
عملية القرصنة هذه تنتهي بتحرر السفينة ، ولكنها تقود أيضاً الى اختطاف كابتن " فيليبس " في زورق انقاذ ، تابع للسفينة ، يستولي عليه القراصنة بعد أن لمحوا وصول قطعات من البحرية الأمريكية جاءت لتحرير السفينة ، و تنتهي العملية ــ بعد وصول مروحيات و قطعات سفن و رجال الضفادع البشرية ــ تنتهي باستدراج قائد القراصنة الى البارجة الأمريكية بخَدْعِهِ في عملية معقدة وسط الأمواج في بحر مظلم مترامي الأطراف و في مناخ سينمائي درامي من الشد و التشويق المثيرَين .
يبدأ الفيلم بداية فاترة في الطريق الى المطار و توديع " فيليبس " من قبل زوجته ، و من ثم وصوله الى ميناء ( صلالة ) في عُمان لإستلام مهامه في قيادة السفينة المتوجهة بشحنتها الى ميناء ( مومباسا ) الكيني . ولكن الشد يبدأ في عرض البحر لينتهي الفيلم نهاية مؤثرة برع فيها الممثل " توم هانكس " الحائز على جائزة ( الأوسكار) مرتين ، ولكنه استُبعد من الترشيح لأوسكار عام 2014 و لم يتم ترشيحه لجائزة أفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم الذي قدمه الينا المخرج البارع " بول غرينغراس " الحائز على إحدى و ثلاثين جائزة مختلفة ، و هو مخرج عُرف بالتقاطه أحداثاً واقعية مثيرة ليقدمها سينمائياً .
من خلال أحداث الفيلم ، يبرز ــ ضمناً ــ سؤال إنساني مهم ، و هو : لماذا يخاطر هؤلاء الشبان الهزيلين السذج بحيواتهم ، فيعترضون سُـفناً عملاقةً في عرض البحر الشاسع بزوارق صغيرة و بنادق بائسة ؟ . يأتي الجواب على لسان المخرج نفسه ، حين يقدم لنا صورة جلية عن البؤس الذي يعيشه هؤلاء الشبان و عوائلهم في قرى بائسة قاحلة من كل شيء ، بعد أن تلاشت حيلتهم مع البحر في الصيد ، و أيضاً دخول الصومال في حرب أهلية عبثية و فوضى ، راكمتها أسبابُ و عواملُ الجوع و القهر و الموت . من هنا تم استغلال هؤلاء المُعدَمين من قبل زعماء متنفذين ، ليتحولوا من صيادين بائسين الى قراصنة مخيفين ، يخطفون السفن التجارية العملاقة ، من مختلف الجنسيات ، في عرض البحر ، مقابل فدية بملايين الدولارات تذهب الى زعمائهم الذين يرفلون بالرفاهية و القوة و الجاه ، و الذين لهم امتدادات في افريقيا و آسيا ، و ربما في أماكن أخرى ، في حين لا يحصل هؤلاء القراصنة الصغار إلا على النزر اليسير جداً ، و لذلك فإن قائد هذه المجموعة الصغيرة يوضح للكابتن " فيليبس " بأنهم ليسوا ارهابيين ( من تنظيم القاعدة ) ، بل يمارسون مهنتهم كـ ( بزنس ) ، و أنهم سوف لن يعرضوا طاقم السفينة للأذى .
ما يؤخذ على الفيلم أنه بالغ في عرض الدور الذي اضطلعت به وحدة القوات الخاصة للبحرية الأمريكية ، و بدا كما لو أنه قدم استعراضات لحربٍ شاركت فيها طائرات و قطع بحرية و جنود أشداء في مواجهة أربعة شبان هزيلين و سذج ، حتى أن بعض النقاد وجد في ذلك دعاية للقوات الأمريكية ، ولكني أرى أن ذلك كان من حق المخرج في تقديمه معالجته السينمائية لعملية تحرير المختطف من يد القراصنة لأنها عملية مثيرة و تشويقية في الواقع أساساً . ولكن إذ كان الفيلم يعتمد الحركة و الشد و أسلوب التشويق ، فإن ذلك لم يسمح لـ " توم هانكس " كفاية ً لأن يُظهر براعته التعبيرية في التمثيل و التي اشتهر بها و نال عنها جوائز عديدة ، منها جائزتا أوسكار كأفضل ممثل للعامين 1994 و 1995 ، مثلما فاز بأربع جوائز ( غولدن غلوب ) . و في هذا الفيلم ( كابتن فيليبس ) كانت المدة الزمنية التي استرخى فيها " توم هانكس " و قدم براعته التعبيرية في التمثيل ، هي فترة ما بعد تحريره من أيادي الخاطفين و إدخاله الوحدة الطبية في البارجة الأمريكية ، حيث يقدم تعبيراً انسانياً مؤثراً وعميقاً و هو يفكر بما حدث و يجيب على أسئلة الممرضة المشرفة على علاجه و يستجيب لتعليماتها ، أما فترة عملية القرصنة و الخطف فقد كانت تعتمد على الحركة في الغالب مع قليل من التمثيل التعبيري ، و لعل هذا هو السبب الذي استُبعد على أساسه " توم هانكس " من الترشيح لجائزة أفضل ممثل ، غير أن الممثلين الصوماليين الجدد الذين مثلوا دور القراصنة فقد كانوا بارعين في انفعالاتهم و تصرفاتهم و ارتباكاتهم و تهورهم ، و قد مزجوا باتقان بين الحركة و التمثيل تحت إدارة مخرج محنك مثل " بول غرينغراس " .. لأن دورهم كان هكذا .
بلغت تكاليف هذا الفيلم 55 مليون دولار ، ولكنه حصد 34 مليوناً في الأسبوع الأول فقط لعرضه ، و حظي بثناء واسع من قبل النقاد . و يُذكر أن جميع الممثلين الأربعة الذين مثلوا دور القراصنة هم صوماليو الأصل ، و قد تم اختيارهم من بين 700 مشارك في مسابقة الإختيار التي جرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، و لم يسبق لأحد منهم أن مثّل من قبل .