نبي A Prophet
على العكس مما حصل في دورة عام 2009 لمهرجان ( سيزار ) السينمائي الفرنسي ، فإن جوائز عام 2010 جاءت متطابقة مع جميع التوقعات . ففي الدورة السابقة كانت توقعات النقاد و المعنيين و المتابعـــين للمهرجان قد ذهبت الى أن فيلم ( ميسرين ) سيفوز بعَـشر من الجوائز ، لِـما كان ينطوي عليه من عناصر تؤهله لذلك ، غير أن الذي حصل هو أن سبعاً من تلك الجوائز ذهبت الى فيلم ( سيرافين ) الذي يتناول سيرة رسامة فطرية فرنسية مغمورة ، و لذلك فقد وُصِفت تلك الدورة بـ ( دورة المفاجآت ) .
في العام 2010 ، اتجهت توقعات الجميع الى فيلم ( نبي ) المثير للجدل ، و قد فاز فعلاً بتسع جوائز : أفضل فيلم ، أفضل مخرج : " جاك أوديارد " ، أفضل ممثل : " طاهر رحيم " ، أفضل ممثل ثانوي : " نيل أويستروب " ، أفضل موهبة لدور ثانوي ، أفضل مونتاج ، أفضل ديكور ، أفضل سيناريو ، أفضل تصوير .
و كان هذا الفيلم قد فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي للعام 2009 ، و بجائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن السينمائي ، و ترشح في العام 2010 لجائز أفضل فيلم أجنبي للأوسكار ، و فاز المخرج عن فيلمه هذا بجائزة ( لوي دولوك ) للعام 2009 باعتباره أفضل فيلم فرنسي للعام . و شوهد من قبل أكثر من مليوني متفرج و عومل كحدث سينمائي فرنسي .
تدور معظم أحداث الفيلم في سجن فرنسي ، و محور قصته شابٌ في التاسعة عشرة من عمره ، إسمه مالك ، عربي مسلم في الأصل ، لا يعرف القراءة و الكتابة ( و قد أدى دوره الممثل البارع الفرنسي جزائري الأصل " طاهر رحيم " ، الذي استحق الجائزة عن جدارة بما لا جدال حوله .. فقد كان ممثلاً مذهل الأداء لدوره . و قد بدا هذا الشاب ــ في الفيلم ــ كما لو كان مقطوعاً من شجرة ، و قد جاء الى السجن محكوماً بست سنوات . و منذ الأيام الأولى بات يتعرض للمضايقات و الإستغلال من قبل مجموعة شرسة من المسجونين الكورسيكيين ( كورسيكا تعمل على الإنفصال عن فرنسا منذ زمن طويل ) ، و هذه المجموعة تنظر الى العرب و المسلمين بعين الإحتقار . و تدفع الشاب المسالم ــ عنوةً ــ الى ذبح سجين عربي ، مستغلةً تحرش ذلك العربي به ــ جنسياً ــ كذريعة لدفعه الى ذبحه بالموسى ، في مشهد سينمائي بالغ الإتقان ــ فنياً ــ حقاً . و هذه المجموعة كانت تنوي ــ أصلاً ــ التخلص من ذلك العربي ، و الذي يبدو أنه كان يضع يده على بعض أسرارها و تعاملاتها خارج السجن ، فاستغلت السجين الجديد " مالك " الذي لا أهل له و لا أصحاب .
و تلك ، كانت الخطوة الأولى التي دفعت بـ " مالك " لأن يتحول الى الجريمة الحقيقية . و هكذا ــ و بمرور الوقت ــ يتحول هذا المسالم من شخص خانع و خائف من الآخرين الى قاتل محترف قاسي القلب ، و ربما كانت هذه هي الفلسفة التي يقوم عليها الفيلم ، أي أنه من الممكن أن يتحول السجن من دائرة إصلاح الى صانع مجرمين حقيقيين .
ولكن الفيلم يثير ، بعد نهايته ، تساؤلاً مشروعاً ، و هو : ضد مَن يتوجه هذا الفيلم ؟ ضد العرب و المسلمين ؟ أم ضد الكورسيكيين المجرمين القساة ؟ أم ضد السلطات الفرنسية التي أظهرها الفيلم متغافلة عما يجري في سجونها ، خصوصاً و أن تواطؤ سلطات السجن مع العصابات كان واضحاً ؟ .
بطبيعة الحال فإن القائمين على هذا الفيلم يرفضون ــ بصورة قاطعة ــ تساؤلاً كهذا ، ولكنه تساؤل قائم حتى لو أنهم رفضوه . فالفيلم يقدم العرب و المسلمين على أنهم متعصبون ، و هم ــ من وجهة نظر الكورسيكيين ( كلاب ) ، ( حقراء ) ، ( قذرون ) ، ( يحلون مشاكلهم بالنباح كالكلاب ) و ( مهمومون بأعضائهم الجنسية ) ... ــ و في المقابل ، فإن الفيلمَ يقدم السجناءَ المنحدرين من كورسيكا الإنفصالية على أنهم مجاميع من العصابات الإجرامية تدير جرائم بشعة داخل السجن و صفقات و عمليات خطف خارجَهُ ، فيما يقدم الفيلم السلطات الفرنسية ــ خارج السجن ــ على أنها غافلة عما يجري داخل سجونها ، و يقدمها ــ داخله ــ على أنها متواطئة ، بل مشاركة في تسهيل مهمات عصابات الكورسيكيين ، و بهذا المعنى فإن هذه السلطات تقف ــ ضمناً ــ موقفاً سلبياً من العرب و المسلمين ما دامت تقف الى جانب محتقريهم . و بالتالي فإن السلطات الفرنسية فاسدة داخل و خارج السجون .
و عنصر الإدانة هذا ، موجود في الفيلم بصورة واضحة مادام يستعرض الأحداث هكذا .
غير أن الجديد على السينما الفرنسية هو تقديمها للنموذج العربي المسلم بهذه الصورة . و يبدو أن الفيلم قد استفاد من أحداث الشغب التي حصلت عام 2008 ، إثر مقتل شاب عربي على يد الشرطة الفرنسية . و كان الرئيس الفرنسي ( نيكولاس ساركوزي ) وزيراً للداخلية حينها ، و هو الذي أدار الأزمة بمهارة ربما كانت أحد أسباب فوزه بكرسي الرئاسة . و من غير المستبعد أن يكون الإحتفاء الفرنسي بهذا الفيلم رداً على أحداث الشغب عشية احتفالات فرنسا بعيدها الوطني في 14 تموز / يوليو 2009 ، و التي أحرق فيها شبان مهاجرون 317 سيارة ــ خلالها ــ و جرحوا 13 فرداً من عناصر الشرطة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
على العكس مما حصل في دورة عام 2009 لمهرجان ( سيزار ) السينمائي الفرنسي ، فإن جوائز عام 2010 جاءت متطابقة مع جميع التوقعات . ففي الدورة السابقة كانت توقعات النقاد و المعنيين و المتابعـــين للمهرجان قد ذهبت الى أن فيلم ( ميسرين ) سيفوز بعَـشر من الجوائز ، لِـما كان ينطوي عليه من عناصر تؤهله لذلك ، غير أن الذي حصل هو أن سبعاً من تلك الجوائز ذهبت الى فيلم ( سيرافين ) الذي يتناول سيرة رسامة فطرية فرنسية مغمورة ، و لذلك فقد وُصِفت تلك الدورة بـ ( دورة المفاجآت ) .
في العام 2010 ، اتجهت توقعات الجميع الى فيلم ( نبي ) المثير للجدل ، و قد فاز فعلاً بتسع جوائز : أفضل فيلم ، أفضل مخرج : " جاك أوديارد " ، أفضل ممثل : " طاهر رحيم " ، أفضل ممثل ثانوي : " نيل أويستروب " ، أفضل موهبة لدور ثانوي ، أفضل مونتاج ، أفضل ديكور ، أفضل سيناريو ، أفضل تصوير .
و كان هذا الفيلم قد فاز بالجائزة الكبرى في مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي للعام 2009 ، و بجائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن السينمائي ، و ترشح في العام 2010 لجائز أفضل فيلم أجنبي للأوسكار ، و فاز المخرج عن فيلمه هذا بجائزة ( لوي دولوك ) للعام 2009 باعتباره أفضل فيلم فرنسي للعام . و شوهد من قبل أكثر من مليوني متفرج و عومل كحدث سينمائي فرنسي .
تدور معظم أحداث الفيلم في سجن فرنسي ، و محور قصته شابٌ في التاسعة عشرة من عمره ، إسمه مالك ، عربي مسلم في الأصل ، لا يعرف القراءة و الكتابة ( و قد أدى دوره الممثل البارع الفرنسي جزائري الأصل " طاهر رحيم " ، الذي استحق الجائزة عن جدارة بما لا جدال حوله .. فقد كان ممثلاً مذهل الأداء لدوره . و قد بدا هذا الشاب ــ في الفيلم ــ كما لو كان مقطوعاً من شجرة ، و قد جاء الى السجن محكوماً بست سنوات . و منذ الأيام الأولى بات يتعرض للمضايقات و الإستغلال من قبل مجموعة شرسة من المسجونين الكورسيكيين ( كورسيكا تعمل على الإنفصال عن فرنسا منذ زمن طويل ) ، و هذه المجموعة تنظر الى العرب و المسلمين بعين الإحتقار . و تدفع الشاب المسالم ــ عنوةً ــ الى ذبح سجين عربي ، مستغلةً تحرش ذلك العربي به ــ جنسياً ــ كذريعة لدفعه الى ذبحه بالموسى ، في مشهد سينمائي بالغ الإتقان ــ فنياً ــ حقاً . و هذه المجموعة كانت تنوي ــ أصلاً ــ التخلص من ذلك العربي ، و الذي يبدو أنه كان يضع يده على بعض أسرارها و تعاملاتها خارج السجن ، فاستغلت السجين الجديد " مالك " الذي لا أهل له و لا أصحاب .
و تلك ، كانت الخطوة الأولى التي دفعت بـ " مالك " لأن يتحول الى الجريمة الحقيقية . و هكذا ــ و بمرور الوقت ــ يتحول هذا المسالم من شخص خانع و خائف من الآخرين الى قاتل محترف قاسي القلب ، و ربما كانت هذه هي الفلسفة التي يقوم عليها الفيلم ، أي أنه من الممكن أن يتحول السجن من دائرة إصلاح الى صانع مجرمين حقيقيين .
ولكن الفيلم يثير ، بعد نهايته ، تساؤلاً مشروعاً ، و هو : ضد مَن يتوجه هذا الفيلم ؟ ضد العرب و المسلمين ؟ أم ضد الكورسيكيين المجرمين القساة ؟ أم ضد السلطات الفرنسية التي أظهرها الفيلم متغافلة عما يجري في سجونها ، خصوصاً و أن تواطؤ سلطات السجن مع العصابات كان واضحاً ؟ .
بطبيعة الحال فإن القائمين على هذا الفيلم يرفضون ــ بصورة قاطعة ــ تساؤلاً كهذا ، ولكنه تساؤل قائم حتى لو أنهم رفضوه . فالفيلم يقدم العرب و المسلمين على أنهم متعصبون ، و هم ــ من وجهة نظر الكورسيكيين ( كلاب ) ، ( حقراء ) ، ( قذرون ) ، ( يحلون مشاكلهم بالنباح كالكلاب ) و ( مهمومون بأعضائهم الجنسية ) ... ــ و في المقابل ، فإن الفيلمَ يقدم السجناءَ المنحدرين من كورسيكا الإنفصالية على أنهم مجاميع من العصابات الإجرامية تدير جرائم بشعة داخل السجن و صفقات و عمليات خطف خارجَهُ ، فيما يقدم الفيلم السلطات الفرنسية ــ خارج السجن ــ على أنها غافلة عما يجري داخل سجونها ، و يقدمها ــ داخله ــ على أنها متواطئة ، بل مشاركة في تسهيل مهمات عصابات الكورسيكيين ، و بهذا المعنى فإن هذه السلطات تقف ــ ضمناً ــ موقفاً سلبياً من العرب و المسلمين ما دامت تقف الى جانب محتقريهم . و بالتالي فإن السلطات الفرنسية فاسدة داخل و خارج السجون .
و عنصر الإدانة هذا ، موجود في الفيلم بصورة واضحة مادام يستعرض الأحداث هكذا .
غير أن الجديد على السينما الفرنسية هو تقديمها للنموذج العربي المسلم بهذه الصورة . و يبدو أن الفيلم قد استفاد من أحداث الشغب التي حصلت عام 2008 ، إثر مقتل شاب عربي على يد الشرطة الفرنسية . و كان الرئيس الفرنسي ( نيكولاس ساركوزي ) وزيراً للداخلية حينها ، و هو الذي أدار الأزمة بمهارة ربما كانت أحد أسباب فوزه بكرسي الرئاسة . و من غير المستبعد أن يكون الإحتفاء الفرنسي بهذا الفيلم رداً على أحداث الشغب عشية احتفالات فرنسا بعيدها الوطني في 14 تموز / يوليو 2009 ، و التي أحرق فيها شبان مهاجرون 317 سيارة ــ خلالها ــ و جرحوا 13 فرداً من عناصر الشرطة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ