خربة "دبب" في منطقة "الصفا" البركانية
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تقع خربة "دبب" الأثرية في منطقة "الصفا" البركانية، على بعد نحو ٧٥كم جنوب شرقي دمشق، قرب خربة الأمباشي التي تبعد عنها نحو ٧كم باتجاه الشمال، وتبلغ مساحتها ١,٦ هكتار.
.
لم يلق الموقع الاهتمام الذي لاقته "خربة الأمباشي" من قبل الباحثين الذين زاروا المنطقة (وقد كتبنا عنها سابقا) ؛
فقد زار الباحث (سيريل غراهام C.C.Graham) المنطقة سنة ١٨٥٧م، تلاه (هيربت F. Herbette) سنة ١٩١٤م، ثم (لويس دوبرتريه L.Dubertret) سنة ١٩٢٨م، و(أندريه بارو A.Parrot) سنة ١٩٣٣م، ولكن اهتمام هؤلاء جميعهم انصبَّ على خربة الأمباشي ودراسة أكوام العظام المنصهرة بالحجارة البركانية فيها وفك لغزها.
.
وفي سنة ١٩٩١م بدأت العمل في الموقع بعثة سورية فرنسية مشتركة برئاسة (فرانك بريمر F.Braemer)، استمرت حتى سنة ١٩٩٥م، أجرت خلالها خمسة مواسم، أنجزت فيها دراسة علمية متكاملة ل"خربة دبب" شملت مختلف الجوانب الأثرية، بما فيها: البيئة والعمارة والمدافن والفخار، وغير ذلك.
.
وقد أظهرت دراسة الفخار أن الموقع سُكِن لفترة قصيرة نسبياً، بدأت خلال عصر البرونز المبكر الثاني، وانتهت نهاية عصر البرونز المبكر الثالث.
.
تتميز المنطقة بطبيعتها البازلتية المشابهة للحوض المتشكل من تدفق السيول البركانية المنبعثة من "تلال الصفا"، والتي كونت بدورها فجوات طبيعية استخدمت – بعد تهيئتها –أكواخاً سكنية،
.
بلغ عدد المباني الموثقة بين ٣٨٠-٤٠٠ وحدة سكنية موزعة على حيَّين سكنيَّين:
▪︎الأول ضمن الطرف العلوي من الحوض،
▪︎والثاني ضمن المنحدر.
.
وتتنوع النماذج السكنية من حيث أسلوب بنائها وأشكالها، ويعد الحي السفلي خير مثال على النماذج المعمارية الموجودة في "خربة دبب"، والتي يمكن تصنيفها على النحو الآتي:
☆- أبنية مكونة من حجرة واحدة دائرية الشكل (المنزل رقم ٩ ورقم ٣٨)، أو دائرية بزاوية وحيدة (المنزل رقم ٨ ورقم ١٧).
☆- أبنية مكونة من حجرة معزولة ذات شكل مربع (المنزل رقم ١٦)، أو مستطيل (المنزل رقم ١٤)، أو شبه منحرف (المنزل رقم ٧)، بأبعاد تراوح بين ٤×٣م لتصل أحياناً إلى ٧×٤م، وأحياناً كانت الحجرة ذات زوايا منحنية (المنزل رقم ٥ ورقم ٢٨).
☆- أبنية مكونة من حجرة مسقوفة تتقدمها باحة مسّورة مساحتها مماثلة لمساحة الحجرة، وهي ذات شكل مستطيل (المنزل رقم ٦ ورقم ١٨)، أو دائري (المنزل رقم ١١ ورقم ٣٠).
.
شُيِّدت البيوت وفق تقنية معمارية متشابهة، وباستخدام الحجارة البازلتية المتوفرة في المكان، حيث بنيت الجدران بالحجارة العادية غير المنتظمة، تخللتها الحجارة الصغيرة (الصرّ) للربط وملء الفراغات؛ فيما استخدمت الحجارة ذات الأشكال المنتظمة نسبياً لبناء الأسقف وبعض الجدران.
وقد وصل ارتفاع بعض الجدران إلى ٣م، وتميزت مداخل الحجرات بخلوها من أي دلائل على إغلاقها، فيما كانت حجرات أخرى خالية من أي بقايا تدل على وجود سقف لها؛ ممّا يشير إلى أن سكان المنطقة استخدموا في تسقيف الحُجر مواد خفيفة سريعة التلف كالأخشاب والتراب وربما أغطية بيوت الشعر.
.
توزعت المباني السكنية في "خربة دبب" حول بناءين استثنائيّين هما: (المدفن) و(البئر) اللذان تميزا بالأسلوب المعماري، وموقعهما ضمن التنظيم السكني للموقع.. إضافة إلى طريقين يسهّلان الوصول إليهما. .
.
والمدفن فريد من نوعه إذا ما تمّت مقارنته بالمدافن المعروفة في المواقع المجاورة، ومنها مدافن موقعي "خربة الأمباشي" و"الهبّارية"، حيث تميز بأبعاده البالغة ٤×٢‚١م، يحيط به كتل حجرية شكّلت حرماً يفصله عن جواره، كما تميز بحجارة جدرانه الضخمة وسقفه ذي البلاطات الكبيرة.
.
على الرغم من الكثافة السكانية فإن الموقع لم يكن مسوراً، ولم يضم مدافن مرتبطة بالأبنية، يضاف إلى ذلك عدم وجود أي أدلة على ممارسة النشاط الزراعي، أو وجود لأنظمة مائية أو خزانات كبيرة يمكن أن تساعد ساكنيها على تربية الحيوانات المعروفة حينها كالخراف أو الماعز
.
وعلى الرغم من ذلك فقد تميزت "خربة دبب" من جارتها "خربة الأمباشي" بالتنظيم السكني المتدرج والمتركّز حول المدفن المذكور آنفاً، الأمر الذي دفع الباحثين الذين قاموا بدراسة الموقع إلى الاعتقاد أن التأسيس الأول للمستوطنة يرجع إلى سبب اجتماعي وجداني مرتبط بسلف أو بطل مشترك، وعبادة تقديس الأسلاف، يمثل المدفن فيه النقطة المركزية التي انطلق منها التوسع السكني في الموقع.
====================================
أشرف أبو ترابة - الموسوعة العربية