”متعدَّدة البعولة“، حينما يتزوج شخصان أو أكثر من امرأة واحدة تعيش معهم كلهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  •  ”متعدَّدة البعولة“، حينما يتزوج شخصان أو أكثر من امرأة واحدة تعيش معهم كلهم


    ”متعدَّدة البعولة“، حينما يتزوج شخصان أو أكثر من امرأة واحدة تعيش معهم كلهم


    من سفيان عشي7.8 ألفتفاعل

    في أيامنا هذه، يمكن اعتبار معظم الزيجات التي تحدث في منطقة التبت زيجات ”عادية“ تتلخص في زوج وزوجة مع نمط العائلة ”النووي“ المشهور —العائلة النووية هي العائلة التي تتكون من نواة أساسية واحدة وهي الزوج والزوجة وأبناؤهما فقط، ولا تتضمن على أشقاء الزوج أو أوليائه أو أشقاء الزوجة أو أوليائها—، غير أن ”متعدَّدة البعولة“ في العائلات التبتية كانت أمراً شائعاً جدا ومألوفاً في الأزمنة القديمة. ليس في الماضي البعيد وحتى في أيامنا هذه؛ ما زالت توجد هناك بعض العائلات متعددة البعولة في بعض المناطق الريفية من التبت.
    لنشرح ماهية ”متعدَّدة البعولة“:


    إنها شكل من أشكال الزواج متعدد الأطراف، لكنها تتمثل في زوجة واحدة تتزوج عدة أزواج في آن واحد.

    في منطقة التبت؛ يكون معظم هؤلاء الأزواج المشتركون في زوجة واحدة غالباً أشقاءً، لهذا يشار إليه غالباً باسم ”متعددة الأزواج الأخوية“، وقد أبرز البروفيسور الكاتب (ميلفين غولدستين) فكرة «متعددة الأزواج الأخوية» هذه في مقال له في مجلة «التاريخ الطبيعي» بعنوان: «عندما يتشارك الأشقاء زوجة»، إليك الفقرات التالية منه التي توحي لنا بما كان يعتقده حول الموضوع: ”مازال التبتيون، والـ(شيرباس)، والـ(لاداكيس) والـ(موستانغيز)، وبعض االشعوب الأخرى التي تقطن منطقة جبال الهيمالايا في أجزائها النائية تمارس الزيجات متعددة الأزواج، لكنه يبقى أمرا نادرا جدا في أيامنا هذه على الرغم من ذلك، وورد في تاريخ شعب الـ(موستانغيز) قصص كثيرة عن إحدى ملكاتهم التي تزوجت بثلاثة ملوك في آن واحد“.
    امرأة في شمال الهند مع أزواجها الخمسة. صورة: Cover Asia Press
    لطالما كان الصينيون غير متسامحين مع هذا النوع من الزيجات، وفي معظم مناطق الصين والتبت اليوم لم يعد الناس يمارسونها. في (لاداك) في الهند، تم إنهاء عهد الزيجة متعددة الأزواج بشكل نهائي ورسمي في سنة 1941 مع قانون: «منع الزيجات متعددة البعولة البوذية»، وقد صرح أحد المواطنين من (لاديك) لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك» على إثر ذلك: ”كان الزواج متعدد الأزواج مفيدا لـ(لاديك)، لأننا شعب يعيش في بلد فقير وهو ما سمح لتعداد سكاننا بأن يبقى منخفضاً“، وبعد تفعيل القانون وتطبيقه، زاد النمو الديمغرافي في (لاديك) بنسبة 16 بالمائة.


    العائلات التي تمارس الزيجات متعددة الأزواج في التبت:


    كتب (ميلفين غولدستين) ما يلي في وصفه لتجربته في المنطقة مع أبنائها: ”تواقا للوصول إلى المنزل، قام (دورخي) باقتياد ثيران الـ(ياك) التبتية خاصته بقوة خلال الممر الجبلي الذي يقع على ارتفاع خمسة آلاف متر، ولم يتوقف إلا مرة واحدة فقط من أجل أن يستريح قليلاً. سيقوم هو وأخواه الأكبر منه سنا وهما (بيما) و(سونام) بالزواج من امرأة من القرية المتاخمة في غضون بضعة أسابيع، ويجب عليه أن يساعد في عملية التحضير لحفل الزفاف. إن الإخوة (دورخي) و(بيما) و(سونام) تبتيون يعيشون في (ليري)، وهي منطقة تبلغ مساحتها 5000 كلم مربع في الشمال الغربي للنيبال، عبر حدود التبت“.

    يستطرد الكاتب في سرد قصته: ”عندما سألت (دورخي) لماذا قرر أن يشترك مع شقيقيه الكبيرين في زوجة واحدة بدلا من أن يتزوج زوجته الخاصة به، فكر لوهلة ثم أجاب بأن هذا الحل الأمثل لمنع تقسيم مزرعة عائلته وحيواناتها، ومنه تسهيل عملية تحقيق نمط معيشة أفضل لجميعهم، ثم عندما سألت لاحقا عروس (دورخي) وأشقاءه عما إذا كان صعبا عليها الاضطرار إلى التعامل مع أكثر من زوج واحد، وبدل ذلك التعامل مع ثلاثة أزواج في آن واحد، ضحكت ثم أجابت بأن الأمر أفضل لتجنب الشقاق داخل العائلة وتقسيم الأرض التي تملكها، وأضافت أنها ستكون أفضل حالا من الناحية الاقتصادية عندما يكون لديها ثلاثة أزواج يعملون لأجلها وأطفالها“.
    الزيجات متعددة الأزواج في التبت.
    تمثل عائلة (دورخي) واحداً من الأخطار المحتملة التي تحيط بالزواج متعدد الأزواج، يقول الكاتب الآنف: ”يبلغ (دورخي) من العمر 15 سنة، ويبلغ أخواه الأكبر منه سناً 22 سنة و25 سنة، وتبلغ زوجتهم 23 سنة، أي أنها أكبر بثمانية سنوات من (دورخي). تجد العرائس مثلها أصغر أزواجها غير ناضج ومراهق ولا تعامله بنفس المودة التي تعامل بها الأزواج الآخرين؛ والعكس صحيح، فقد تجد صغر سنه جذابا وتشعر بانجذاب خاص نحوه، وبغض النظر عن كلتا الحالتين، فعندما يكبر (دورخي)، فقد يعتبر زوجته ”كبيرة في السن وقديمة“ ومنه قد يفضل الارتباط بزوجة في نفس سنه“.



    إن آلية متعددة الأزواج الأخوية بسيطة: يتشارك أخوان أو ثلاثة أو أربعة في زوجة واحدة، التي تغادر منزل والديها وتأتي للعيش معهم جميعهم. تقليدياً يتم الإعداد والتدبير لهذا الزواج من قبل الأهالي، مع كون الأبناء –خاصة الإناث– لا يملكون الحق في التعبير عن آرائهم أو القبول أو الرفض من عدمه، غير أن هذا الأمر يشهد نوعا من التغيير في أيامنا هذه، لكن يبقى من غير المألوف أن يتزوج الأبناء دون موافقة آبائهم.

    تختلف تدابير ومراسيم الزفاف وفقا للحالة المادية للعائلة والمنطقة التي تنحدر منها، وتختلف من ناحية جلوس جميع الأخوة معا كأزواج يوم الزفاف أم جلوس كبيرهم فقط لتأدية المراسيم. قد يشارك الأخوة الأقل من 15 سنة في مراسيم الزفاف على أن ينضموا للزواج عندما يبلغون سنا أكبر.

    يعتبر الإبن البكر الفرد المهيمن فيما يتعلق بالسلطة، وهي ما يتلخص في إدارة شؤون المنزل، لكن جميع الإخوة يتشاركون العمل ويتعاونون كما يعتبرون شركاء جنسيين يعاشر جميعهم نفس الزوجة، لا يعتبر الذكور والإناث التبتيون بشكل خاص الجانب الجنسي من مشاركة زوجة واحدة بين عدة إخوة أمرا غير اعتيادي، أو خارجاً عن المألوف، أو وصمة عار أو ما شابه، كما أن القواعد تملي على الزوجة بأن تعامل جميعهم على قدم المساواة.

    تتم معاملة النسل الناتج عن هذه الزيجات بنفس الطريقة، فلا توجد في هذه العائلات أدنى محاولة لربط الأبناء بآبائهم البيولوجيين إن عُرفوا، كما لا يظهر أي من الأزواج الإخوة أي تفضيل تجاه ابنه الخاص حتى لو علم أنه هو الوالد البيولوجي له، وهو الأمر الذي قد يتمكن من معرفته على سبيل المثال في حالة ما كان إخوته الآخرون غائبين في الوقت الذي حملت فيه زوجته.

    أما الأبناء من جهتهم، فيعتبرون جميع الأزواج الإخوة آباء لهم ويعاملونهم بقدم المساواة حتى لو كان كل واحد فيهم يعلم من هو أبوه الحقيقي البيولوجي من بينهم. في بعض المناطق؛ يستخدم الأبناء مصلطح ”أبي“ للإشارة إلى الشقيق الأكبر ومصطلح ”أخ أبي“ للإشارة إلى الأزواج الإخوة الآخرين، بينما في مناطق أخرى ينادونهم جميعهم بأبي، وفي حالة ما توفي أحد الإخوة الأزواج أو رحل عن المنزل الرئيسي، فإن جميع الأطفال؛ حتى أبناءه إن عُرفوا يبقون في المنزل مع بقية الأزواج الإخوة.



    كان عدد الرهبان في التبت في سنة 1950 حوالي 110 آلاف، وكانت نسبة 35٪ من هؤلاء في سن تخولهم من الزواج، ومن المعروف عنهم أنه يحرم عليهم الزواج، وهو ما يخلق نوعا من النقص في الذكور المتاحين للتكاثر في هذا المجتمع الصغير، والحال عينه في الكثير من المناطق ذات التعداد السكاني الضئيل، حيث من النادر جدا العثور على فتاة للزواج.
    البروفيسور (غولدستين) في حوار له مع الـ(ديلاي لاما) في الهند.
    أحياناً، ومن أجل الحفاظ على تماسك الأسرة والمنزل، وتجنب تقسيم الأملاك، يتم إرسال الإبن الأصغر إلى الدير من أجل أن يصبح راهباً، وهو ما يقابله منح لقب فارس بدون ملكية وأراضٍ في إنجلترا، وعندما يبلغ الولد الصغير سن الرشد، يشارك أخاه الأكبر زوجته إن تخلى عن الرهبنة.

    في البادئ، عندما تم تحرير التبت، بقيت العديد من الأنظمة السياسية فيها مثلما كانت عليه ولم يدخل عليها أي تغيير، ثم بدءا من 1959 و1960، غيرت بعض التعديلات السياسية قوانين ملكية الأراضي وأنظمة جمع الضرائب. يعتقد البروفيسور (ميلفين غولدستين) أن هذا كان له تأثير مباشر على نظام الزواج التقليدي في التبت.

    مع التغير الذي طرأ على طبقات المجتمع كنتيجة على تغير أنظمة ملكية الأراضي والضرائب، أصبحت الطبقات الدنيا في المجتمع هي الأولى التي تتجنب الزواج متعدد الأزواج الذي اتسمت به طبقات المجتمع الأكبر سناً.



    دون ذلك، وكجزء من تدابيرها في محاولة التحكم في السكان، منعت الحكومة الصينية في وقت لاحق الزيجات المتعددة الأزواج والزوجات معاً تحت قانون الأسرة الجديد، وحتى مع كونه غير قانوني حالياً، فبعد زوال العمل بالقرى الزراعية الاشتراكية وتحويل الأراضي الزراعية إلى نظام الإيجار على المدى الطويل للعائلات الفردية، مازالت الزيجات متعددة الأزواج قيد الممارسة في المناطق الريفية في التبت مثلما نوهنا إليه سابقاً.
    مشاكل الزيجات متعددة الأزواج في التبت:


    كتب البروفيسور (ميلفين غولدستين): ”على الرغم من أن سكان التبت يجدون بعض الامتيازات الاقتصادية في الزيجات متعددة الأزواج الأخوية، فإنهم لا ينظرون إلى مشاركة زوجة واحدة بينهم على أنها غاية في حد ذاتها. بل العكس، حيث يفصّلون عددا من المشاكل التي تتضمنها هذه الممارسة، على سبيل المثال، بسبب كون السلطة المنزلية كلها في يد الشقيق الأكبر، فإن إخوته الصغار لا يسعهم إلا الانصياع لطاعته مع أمل ضئيل في تحسن وضعيتهم ضمن العائلة، وعندما يكون هؤلاء الإخوة الأصغر سنا عدائيين وميالين للانفصال، يسود نوع من التوتر وتحدث المصاعب والمشاكل على الرغم من وجود نمط واحد من التوريث“.

    ويضيف البروفيسور: ”بالإضافة إلى ذلك، قد يتصعد التوتر والصراع داخل العائلات ذات الزواج متعدد الأزواج بسبب التفضيلات الجنسية. عادة لا تشارك العروس فراشها إلا مع الأخ الأكبر سنا، كما أنها معه يجب أن يسهرا على أن بقية الأزواج الإخوة لديهم حظوظ متكافئة في الممارسة الجنسية، وبما أن الأحوال الاقتصادية في التبت تتطلب من الذكور السفر كثيراً على مسافات بعيدة ولفترات طويلة، فإن الغياب المؤقت لواحد أو بضعة أزواج إخوة يسهّل من هذا الجانب، لكن توجد هناك أيضاً بعض الممارسات التناوبية: تنادي المثالية الثقافية بدون شك بأن على الزوجة أن تظهر نفس المقدار من المحبة والخدمات الجنسية لكل واحد من الإخوة الأزواج (والعكس صحيح)، لكن الانحراف عن هذه المثالية غالب الحدوث، خاصة عندما يكون هناك فرق معتبر في السن بين الأزواج الإخوة، وعلى الرغم من أن الرجال والنساء لا يجدون فكرة مشاركة زوجة أو زوج مقيتة فإن حب أو كره الأفراد قد يسبب خلافات ضمن العائلة“.
    لماذا تمارس الزيجات متعددة الأزواج في التبت:


    كتب البروفيسور (ميلفين غولدستين): ”إن انتشار ممارسة زواج متعدد الأزواج الأخوي ليس نتيجة قانون ما يفرض على الإخوة مشاركة نفس الزوجة، فهناك نوع من حرية الاختيار. في الواقع؛ لطالما كان الطلاق تقليديا وبسيطا نسبيا في المجتمع التبتي، فإذا وجد أحد الأخوة الأزواج في زواج متعدد الأزواج نفسه غير راضٍ عن الوضع ورغب في الانفصال، كان كل ما يتعين عليه فعله ببساطة هو مغادرة المنزل الرئيسي العائلي وتأسيس منزل خاص به وحده، وكان كل الأبناء يبقون في المنزل الرئيس مع الإخوة الأزواج المتبقين، حتى لو كان الأخ المغادر هو الوالد البيولوجي الحقيقي لواحد أو عدة منهم“.



    يتلخص شرح التبتيين أنفسهم لاختيارهم الزواج متعدد الأزواج في أسباب مادية بحتة، وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو غريباً علينا فإن الزواج متعدد الأزواج يشبه في كثير من جوانبه الطريقة التي كانت ”البكورة“ تعمل وفقا لها في إنجلترا في القرن التاسع عشر. كانت هذه البكورة تملي بأن الإبن البكر هو من سيرث كل ما تملكه العائلة من أراضي وعقارات وملكيات، بينما يتعين على إخوته الأصغر سنا أن يهجروا المنزل وأن يبحثوا عن سبل رزق أخرى يعيلون بها أنفسهم، كأن ينخرطوا في صفوف الجيش على سبيل المثال أو أن يتحولوا إلى رهبان.

    ساهمت طريقة البكورة في الحفاظ على ملكية العائلة من التقسيم على مر الأجيال من خلال السماح لشخص واحد فقط في ورثها في كل جيل، وتحقق الزيجات متعددة البعولة الأخوية أيضا هذا المسعى لكنها تفعله من خلال الإبقاء على الإخوة مجتمعين ومرتبطين تجمع بينهم زوجة واحدة فقط، حتى تكون مجموعة واحدة من الورثة في كل جيل.
    الزيجات متعددة الأزواج في الهند.
    يقول البروفيسور (غولدستين): ”بينما يعتقد التبتيون أنه من خلال هذه الطريقة فإن الزواج متعدد الأزواج الأخوي يخفض خطر تقسيم العائلة، فإن الزيجات العادية —التي يتزوج فيها كل فرد بزوجته الخاصة— بين الإخوة لا تقوم على الضرورة بتقسيم ملكية العائلة المتوارثة، حيث بإمكان الإخوة دائما الاستمرار في العيش معاً، كما أن أراضي العائلة يستمر العمل عليها وتطويرها بشكل مشترك بينهم.

    عندما سألت التبتيين حول هذا الأمر، كان جوابهم على العموم بأن هذه العائلات المشتركة التي تتعدد فيها الزوجات بين الأشقاء غير مستقرة لأن كل زوجة منهن تختص بعناية أطفالها من صلبها وفقط، ولا تهتم إلا بنجاحهم وعيشهم الرغيد وتجعلهم أولوية فوق أبناء أشقاء زوجها.

    على سبيل المثال، إذا كانت زوجة أصغر الإخوة سناً قد رزقت بثلاثة أولاد ذكور وكانت زوجة الإبن البكر لم تلد سوى طفلة أنثى واحدة، فإن الأولى سوف تبدأ بالمطالبة بالمزيد من الموارد من أجل أبنائها لأنهم باعتبارهم ذكوراً فهم يمثلون مستقبل العائلة، ومنه فإن أبناء الزوجات الأخريات يعتبرون مجموعة من الورثة المتنافسين في كل جيل، وهذا يجعل عائلات من هذا النمط غير مستقرة من ناحية الميراث، كما يرى التبتيون أن هذا الصراع سينتشر من الزوجات ليطال أزواجهن، ويعتبرون أن له احتمالاً كبيراً في التسبب في تقسيم العائلة وتشتيت شملها، ومنه يتجنبونه“.
    المصادر:

يعمل...
X