10 مرات وجدت فيها البشرية حلولاً مفتاحية.. ثم فقدتها بعد ذلك لزمن طويل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 10 مرات وجدت فيها البشرية حلولاً مفتاحية.. ثم فقدتها بعد ذلك لزمن طويل



    10 مرات وجدت فيها البشرية حلولاً مفتاحية.. ثم فقدتها بعد ذلك لزمن طويل


    من سفيان عشي9.9 ألفتفاعل

    على الرغم من أن بعض البرامج الوثائقية تميل إلى إرجاع الفضل لبعض المخلوقات الفضائية، التي ظهرت في زمن ما من الماضي، في التقدم الذي عرفته الحضارات البشرية قديماً، إلا أن الحقيقة أبسط من ذلك، فنحن لسنا بحاجة إلى أي سبب آخر لتفسير ذلك التقدم الحضاري عدا عن كون الذكاء البشري واحدة من أقدم الصفات التي اتسم بها جنسنا، فقد تدبرنا شؤوننا بأنفسنا، وابتعدنا من مجرد خشية الموت جوعاً أو بسبب العنف والصراع من أجل البقاء، إلى نشود العيش الرغيد وتوفير وسائل الراحة بشتى أنواعها.

    لقد كبحت العصور المظلمة تقدم العالم الغربي وتطوره على مدى قرون، غير أن العلم والمعرفة اليونانية والرومانية التي فقدها العالم الغربي أثناء تلك الحقبة وجدت لاحقا طريقها إليه عبر العالم العربي والإسلامي، حيث ساهمت في إشراق عصر ذهبي، وكان الإنسان في عصر اليونان القديمة وروما وما قبلهما من حضارات قد عرف الإجابة عن بعض أكثر الأسئلة الشائكة التي واجهها، ثم فقدت البشرية تلك الأجوبة، والسبب الأكبر يعود إلى العصور المظلمة، حيث قضت سيطرة الكنائس على كل بصيص أمل في إشراق العلم منذ ذلك الحين إلى بداية عهد النهضة.

    تطور البشر وتقدمت الحياة، فأفسح الـ(باكليت) المجال أمام البلاستيك، وأصبحت أضواء الـ(نيون) اليوم تتلاشى تدريجيا أمام تقدم أضواء الـLED، وذلك كافٍ لجعل المرء يتساءل كيف سيُنظر إلى الحضارة بعيون علماء الآثار المستقبليين، عندما صارت الكثير من البيانات والتكنولوجيا تعتمد على مواد هشة وعلى تخزين مضطرب.

    لكن إن دلت هذه القائمة، التي سنزودكم بها في مقالنا هذا، على شيء فإنها إنما تدل على أنه من المستحيل طمر فكرة لامعة، فتلك أيضاً قصة جنسنا البشري المتفرّد:
    10. اكتشاف الطاقة البخارية:

    مشاهدة دمية (آيلوبيل) وهي تعمل كان مسليا ومحيرا في آن واحد.
    في مسرحية (توم ستوبارد) بعنوان: «(روسنكراتز) و(غيلدنسترن) ميّتان»؛ يظهر الغبي (روسنكراتز) وهو يحرز مرارا وتكرارا اكتشافات علمية وتكنولوجية بارزة عن طريق الصدفة، وذلك غالبا بواسطة الدمى، غير أن هذه المشاهد المسلية تثير سؤالا شائكا في كل عقل متدبر: هل يجب عليك أن تكون على دراية بمبدأ عمل الشيء لتدعي اكتشافه أم لا؟ أو: هل يجب علينا أن نمنح مخترع دمية تعمل بالطاقة البخارية فضل اكتشاف الطاقة البخارية؟

    مهما كان جوابك عزيزي القارئ، فإنه لا يختلف إثنان على أن (أيلوبيل)، وهي دمية اخترعها المخترع (هيرون) من الإسكندرية في القرن الأول ميلادي، قد كانت بالفعل توربيناً بخارياً —التوربين هو جهاز يحول الطاقة الحرارية المنبعثة عن البخار إلى طاقة حركية—. على حد علمنا، كان جهاز (هيرون) هذا عبارة عن كرة يتم تغذيتها بالمياه وتوضع على محور فوق مصدر حرارة، وكانت تدور بفضل البخار الذي يخرج من أنبوبين ملتويين يبرزان من وسطها، وأن هذا الجهاز لم يتجاوز كونه مصدر تسلية آنذاك.

    غير أن الفكرة التي بدأ المخترعون يعيدون تفحصها في القرن السابع عشر، والتي كانت لتشعل فتيل الثورة الصناعية خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كانت موجودة هناك بغض النظر عما إذا كان أي شخص ممن عايشوا (هيرون) قد كلف نفسه عناء اكتشاف سبب ومبدأ عمل تلك الدمية أم لا.

    بشكل مثير للاهتمام، لقد كان (هيرون) نفسه يهوى جمع العلوم القديمة، وبينما فُقد بعض أعماله، فقد كان بعض أعماله الأخرى نتاج دراسته للمعارف البابلية، والمصرية، والإغريقية، والرومانية، ونتاج تقدم الرياضيات والهندسة في عصره.


    09. اختراع النار الإغريقية:

    في هذه المخطوطة القديمة، تحارب البحرية البيزنطية الغزاة بواسطة النار الإغريقية –حوالي 900 ميلادي–.
    في العالم القديم، كان الوصف الحقيقي لاستخدام النار كسلاح أقرب لما يشبه النابالم اليوم –غير أنها لم تكن قابلة للإخماد– هو ما كان يطلق عليه اسم النار الإغريقية، أو النار اليونانية، وهي مادة أسطورية لدرجة أن سلسلة «لعبة العروش» استخدمت نسخة خيالية عنها لإبراز تأثيرها الملحمي في تغيير مجرى المعارك، وذلك في مشهد معركة «المياه السوداء».

    في الحقيقة، ظهر مصطلح النار اليونانية على مر عدة حقبات من التاريخ لوصف عدة مواد قديمة ومن العصور الوسطى التي كانت تضم عدة عناصر مختلفة. استخدمت النسخ القديمة عن هذه النار الزفت، والنفط، والسولفور، بينما وجد المحاربون الصليبيون لاحقا أنفسهم في مواجهة نار يونانية مصنوعة باستخدام نترات البوتاسيوم والتربنتين.

    غير أن ما سجله التاريخ عن استعمال النار الإغريقية الحقيقية يكمن في بعض الأحداث التي وقعت في القسنطينية خلال القرن السابع ميلادي، فهناك في السنة 673 بالتحديد، قيل أن النار اليونانية الحقيقية —ذات قاعدة بترولية وذاتية الإشتعال ولا يطفئها الماء— قد استخدمت لدرجة الخراب من طرف جيوش الإمبراطور البيزنطي (قسطنطين الرابع) ضد أسطول عربي خرج لمهاجمته، وتقول بعض المصادر أن السفن اليونانية كانت تطلق تلك النار على شكل قنابل يدوية بعد تخزينها داخل جرار، أو بواسطة مواسير ربما كانت تعمل بواسطة المضخات الرومانية.

    يقول البعض بأن النار اليونانية الحقيقية قد اخترعت من طرف (كالينيكوس) من مدينة (هيليوبوليس)، وهو لاجئ يهودي فر من سوريا آنذاك، ويقولون أن سر اختراعه ووصفته دفنت مع في قبره، وأن النسخة القسطنطينية عن هذه النار ما هي إلا نسخة مقلدة ضعيفة عنها، وتلك مشكلة أخرى يتسبب فيها أخذك لأسرار الدولة معك إلى قبرك.

    على الرغم من أن الباحثين يعتقدون بأنهم يعرفون المكونات الأساسية للنار اليونانية، فإن طريقة مزج هذه المكونات مع بعضها البعض تبقى مجهولة ومصدر غموض كبير، وهو تذكير كيميائي على أن مجرد معرفة المقادير لا يعني أنك ستكون قادرا على تحضير الوصفة.08. التدفئة غير المباشرة، أو التدفئة المركزية:

    حمام روماني قديم كامل مجهز بـ(هيبوكاوستوم).صورة: Peter Thompson/Heritage Images/Getty Images
    لم يكن (هيرون) الوحيد الذي كان يستمتع بإجراء التجارب على بخار الماء، بما أنه كان يونانيا يعيش في مصر، فقد كان يمثل جزءاً من الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الأول ميلادي، والرومان كان يعرفون حق المعرفة كيفية استغلال البخار. على سبيل المثال، لقد كانوا يستخدمون البخار في حماماتهم العامة، التي كانت مرفقا اشتهر به الرومان كثيرا لدرجة أصبح مركزا يتمحور حوله المجتمع الروماني ورمزاً لروما نفسها.



    لم يكن يستخدم في هذه الحمامات أنابيب نقل المياه، وقد كان الكثير منها يتضمن مركبات ومنتجعات تضمنت هي الأخرى مناطق لممارسة الرياضة في الخارج، ومرافق تقديم الطعام، وخدماً، وغرف تبديل الملابس، وغرفا باردة، وغرفا دافئة، وبالطبع الـ(كالداريوم) البخاري.

    لقد كان إنشاء هذه الغرفة –الكالداريوم– المشابهة للسونا الحديثة أمراً ممكنا فقط من خلال تكنولوجيا مبتكرة وإبداعية يطلق عليها اسم الـ(هيبوكاوستوم)، والتي كانت واحدة من أول الأمثلة عن التدفئة غير المباشرة.

    خلال معظم التاريخ البشري وما قبل التاريخ، لقد كان جنسنا يعتمد كلياً على التدفئة المباشرة التي كان مصدرها النار، والمواقد، ولاحقا الأفران، أم اليوم، فنستخدم في معظم منازلنا التدفئة غير المباشرة أو التدفئة المركزية، التي تنتقل فيها الحرارة من مصدر مركزي عبر المنزل سواء عن طريق الهواء، أو البخار، أو الماء.

    تضمّن الـ(هيبوكاوستوم) الروماني نسخة ذات طاقة خامة، التي كانت تنقل البخار المسخن عن طريق النار عبر قنوات وممرات تحت الأرضيات وداخل الجدران، وقد كانت تعمل على أكمل وجه.

    بعد انهيار الحضارة الرومانية، عادت القارة الأوروبية بشكل أساسي لمواقدها ونيرانها من أجل التدفئة، ولم تكن التدفئة المركزية لتعاود الظهور في العالم الغربي إلا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وذلك بفضل التقدم الحاصل في المجال التكنولوجي والثورة الصناعية، غير أنه لم يتطور بالسرعة اللازمة وعانى بطءاً شديداً بداعي مشاكل على مستوى التهوية، وأخطار اندلاع الحرائق، والانفجارات، والجدالات الحادة بين المهندسين والمهندسين المعماريين، وكذا الحاجة لإقناع ملاك المنازل بالتحول من طرائق تدفئة يعرفونها ويثقون فيها إلى هذه الطريقة الجديدة.

    من خلال حماماتهم وبعض التقدم الحاصل في مجال السمكرة خاصتهم، تمكن الرومان من نشر النظافة عبر كامل تراب إمبراطوريتهم، هذا على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من نشرها بنفس الفعالية التي كانوا يأملونها، مثلما سنراه في الفقرة التالية.
    07. السمكرة:

    مرحاض روماني عام.صورة: Prisma/UIG/Getty Images
    إن الانضمام إلى الإمبراطورية الرومانية –حتى بحد السيف– كان في أغلب الأحيان يعني الاستفادة من الكثير من المزايا التي جلبتها هذه الحضارة معها، فكان الرومان بدون شك مهندسين ثوريين، وهم غالبا ما استغلوا عبقريتهم في فن نقل، وتخزين، واستخدام الماء. عبر قناطر مائية، أو ممرات وقنوات وصهاريج تحت الأرض، قام هؤلاء بنقل المياه عبر مساحات واسعة ومسافات طويلة من أجل سقي الحقول، وملء النوافير، وكذا تنظيف مراحيضهم.

    عندما لم يكن الفرد الروماني يقضي حاجته في المنزل، كان يقوم بذلك في الخارج في مراحيض عمومية على مرأى من مواطنيه الرومان الآخرين الموجودين هناك لنفس الغاية. ضمن تلك المراحيض، أو الحفر المرحاضية، كانت تمتد صفوف تحتية من المقاعد الرخامية، وتحتها قنوات من المياه الجارية التي كانت تجرف بعيدا الفضلات إلى داخل المجارير، غير أنه بسبب افتقاد الرومان لكل من ورق المرحاض وجهلهم بعلم المجهريات والبكتيريا، فلم يكن يتم التخلص من جميع الفضلات بنجاح.

    في الواقع، تحمل الحفر المرحاضية والمراحيض العمومية الرومانية علامات على عدة أمراض وأوبئة وعدوى طفيلية، التي كانت طرائقهم في النظافة تهدف إلى القضاء عليها.

    بعد الفراغ من قضاء الحاجة في مرحاض عمومي، كان الرومان يتناقلون عصا خشبية في نهايتها إسفنجة من أجل تنظيف مؤخراتهم، وهو ما يمكن اعتباره أقل الخيارات نظافة، أضف إلى ذلك أنهم لم يكونوا يغيرون مياه تنظيف مراحيضهم بالشكل اللازم، كما كانت فضلاتهم تستخدم كأسمدة في تربة الحقول والمزارع، وهو ما كان يعيد إليهم كل تلك الطفيليات والأمراض التي يطرحونها في مراحيضهم، من خلال المنتجات الزراعية.



    لم يخترع الرومان السمكرة، والتي لم تندثر بانهيار الحضارة الرومانية، غير أن السمكرة وصلت من خلالهم إلى قمة غير مسبوقة من التطور، والتي بعد سقوط روما كانت القارة الأوروبية لتقضي ألفية كاملة من الزمن قبل أن تتمكن من تطويرها.
    06. الفولاذ الدمشقي الخارق:

    فقد سر صناعة هذه الأسلحة الفريدة من نوعها إلى الأبد.
    إن هذه من القصص القديمة والمشهورة: تخيل أن تكون جالسا مع حداد، وعالم بالمعادن، وباحث في مجال الأسلحة، فتنفذ منكم المواضيع التي تتجادلون حولها، فيقوم أحدكم بالتطرق لموضوع الأسلحة المعدنية الأسطورية التي كان يتم الاتجار بها في دمشق في العصور الوسطى، والتي اشتهرت بقوتها التي لم يكن لها مثيل، وحدتها، ونمطها المتموّج.

    فيتطرق أحد الجالسين لفكرة كون هذا الفولاذ الدمشقي ليس سرا مفقودا أو تقنية سرية لإعداد المعادن التي فقدت قديماً، بل مجرد طريقة في إذابة مختلف المعادن وتلحيمها من أجل خلق هذا النمط المتموج، بينما يدافع الآخر عن كون هذه الشفرات الحادة والقوية فريدة من نوعها بحق وتحمل سراً فُقد إلى الأبد. من عساه يكون محقا في هذا الطرح يا ترى؟

    على الرغم من كون باستطاعتنا صناعة سيوف وشفرات تنافس أسلحة دمشق الفولاذية، فإن مرونة وقوة وحدة هذه الأخيرة كانت بدون شك سابقة لأوانها، كما لم يسبق لأحد أن صنع أسلحة بنفس خصائص الأصلية منها على الرغم من انتشار وصفتها، وهذا على الرغم من البدء بصناعتها باستخدام الفولاذ المكربن الذين كان أسياد صناعة الأسلحة الدمشقيون يستخدمونه في ذلك.

    كانت طريقة صناعة سيوف دمشق الفولاذية الخارقة سرا دفيناً ومحفوظا، وقد فقد هذا السر عندما اندثرت تجارة السيوف في أواخر القرن الثامن عشر. تفيد إحدى النظريات محاولة تفسير الأمر بأن فن صناعة الفولاذ الدمشقي مات عندما ذهب مصدر الحديد الذي كانت تستخدمه، وذلك في جنوب الهند.

    كما شاع أن السوائل الأسطورية التي استخدمها الحدادون الدمشقيون من أجل إخماد الفولاذ المتقد تنوعت من البول إلى أجساد العبيد، بينما تميل نظريات زمننا الحاضر إلى تقنيات التسخين الدوري أو العمل على صقل المعدن تحت درجة حرارة منخفضة نسبياً.

    في جميع الحالات، لقد كانت السيوف الدمشقية سرا فريدا من نوعه، تماما مثل كمنجات (ستراديفاريوس) التي سنتناولها في الفقرة اللاحقة.05. كمنجات (ستراديفاريوس):

    نظرة عن كثب لإحدى كمنجات (ستراديفاري) الأسطورية التي يبلغ عمرها 300 سنة.صورة: Chris Hondros/Newsmakers
    هل يغير اكتشافنا لأحد أكثر الأسرار في عالم الفن نظرتنا إليه؟ أو: إذا كان باستطاعتنا صناعة كمنجات تشبه كمنجات (ستراديفاري) شكلاً، وتصدح بمثل صوتها الفريد، وتنبعث منها مثل رائحتها الفريدة، هل كنا لنتوقف عن تبجيل الأصلية منها؟



    إن هذا لمحل شك كبير. في الواقع، إن فهم الطريقة التي كان وفقا لها (أنتونيو ستراديفاري) يصنع أفضل الكمنجات في أوائل القرن الثامن عشر سيزيد من احترامنا له ولها.

    إن مساهمات (ستراديفاري) تتعدى استخدام نوع غير مألوف من الخشب، أو دهنه بورنيش خاص، في صناعة أدواته الموسيقية الفريدة من نوعها، ليصل حتى إحداث تطويرات جوهرية في الكمنجة نفسها، حيث ساهم في تطوير شكل وحجم الكمنجة المثالي، من خلال تصميم جسر جديد لمدّ الهيكل وجعله أكثر سطحية.

    صحيح أن أسرار ورشة (ستراديفاري) في (كريمونا) بإيطاليا —التي كانت تصنع كذلك التشيلو، والغيتارة، والكمان الأوسط— فُقدت لأكثر من 250 سنة، وأنه مازال على الباحثين العصرين اكتشاف أسرار الورنيش الذي كان به يدهن الأدوات الموسيقية التي يصنعها، غير أن الخبراء لم يعودوا بعد الآن يعتبرون أن المواد الكيميائية التي أعد منها طلاء الورنيش —الهدف من هذا الطلاء حماية الخشب من تأثير الحشرات— المساهمَ الوحيد في تفسير صوت الكمنجة الفريد من نوعه والمثير للشجون، حيث تقترح بعض التحاليل الحديثة أن الأمر عائد إلى استخدام نسبة دقيقة جدا من غلاظة المواد على الصفائح العلوية والخلفية، وكذا ترتيب الثغرات الصغيرة في القطعة الخشبية، ناهيك عن بعض المواد الكيميائية التي لم يكتشف سرها بعد.
    04. علاج من العصور الوسطى للمكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيليسين:

    المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيليسين.
    قيل أن هناك خيطاً رفيعاً بين الأدوية الشعبية الفلكلورية والطب الحقيقي، غير أن ذلك الخيط الرفيع في الواقع فارق كبير وخط غريض جدا، والذي يتم تحديد ماهيته بسؤال بسيط واحد: ماذا يمكن للعلم إثباته علمياً؟ لسوء الحظ، قد يستغرق الأمر قرونا حتى ننال ذلك الجواب وذلك الإثبات العلمي، بل قد يتعدى الأمر ألفية كاملة من السنوات قبل أن نتجاوز مجرد الطب الشعبي للانتقال إلى الطب الحقيقي.

    كان أبقراط ينصح كل من يعاني من الألم والتورمات في القرن الخامس قبل الميلاد بمضغ لحاء الصفصاف، ولم يكن حتى وقت حديث جدا حتى اكتشفنا بأن الأمر لم يكن يجدي نفعا وحسب، بل اكتشفنا كذلك السبب الذي جعله مفيدا: حيث كان ذلك اللحاء الأبيض يتضمن عنصر الـ(ساليسين)، وهو عنصر كيميائي قريب إلى الأسبيرين له خصائص مسكنة.

    بالمضي قدما إلى سنة 2015، عندما بدأت وصفة إنجليزية قديمة لتحضير مرهم للعيون تتصدر عناوين الأخبار عن كونها سلاحا قويا ضد المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيليسين –التي كانت لوقت طويل تمثل شوكة في حلق المشافي والعيادات حول العالم، اكتشف أنه تم وصف تلك الخلطة منذ 1000 سنة في Bald’s Leechbook، وهي مجموعة أنجلو-ساكسونية عن بعض العلاجات القديمة التي تتواجد حاليا في «المكتبة البريطانية».

    بشكل مثير للاهتمام، عندما أعاد الباحثون صناعة ذلك الدواء مثلما جاء في الوصفة، لم يقم فحسب بالتأثير على المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيليسين، بل قضى عليها تماماً.

    يعتقد بعض الباحثين أن الأطباء القدماء الذين ساهموا في هذا الكتاب العريق استخدموا مقاربة علمية مبنية على التجربة والخطأ واحتفظوا بملاحظات دقيقة عن الخلطات التي كانت تجدي نفعا وغيرها ممن كانت تفشل. لسوء الحظ، كان على دواء المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيليسين أن يقضي ألفا من الزمن بين طيات النسيان قبل أن يعيد اكتشاف قيمته مجدداً.


    03- حسابات معقدة تعتمد على آليات متطورة:

    آلية (آنتيكيثرا).صورة: Louisa Gouliamaki/AFP/Getty Images
    في الواقع، فُقدت هذه التكنولوجيا التي تشاهدونها في الصورة أعلاه مرتين: أولا عندما غرقت السفينة التي كانت تنقلها قبل ألفي سنة، وثانيا عندما هجرها المؤرخون، الذين أحبطتهم الأشعة السينية التي أثبتت كونها عويصة للقراءة آنذاك، لأكثر من قرن من الزمن بعد أن استخرجت مجددا من أعماق البحار إلى اليابسة في حوالي سنة 1900 إلى 1901.

    لقد كانت شيئا يستحق الانتظار، وبمجرد أن أدرك الباحثون ماهية هذا الغرض الذي كان بحجم حاسوب محمول —آلة مبنية على عُدة مصممة من أجل تتبع حركة الأجرام السماوية والقمر والشمس بدقة— تغير منظورنا ومفهومنا لتكنولوجيا المعدات الإغريقية تماماً، وذلك للدقة الرياضية الكبيرة التي كان عليها هذا الغرض.

    على سبيل المثال: يتطابق أحد أسنان الترس الـ235 مع عدد الأشهر في 19 سنة شمسية (أقصر زمن تستوي فيه الدورات القمرية والشمسية). لربما حصل مخترع الآلية على هذه الفكرة من حضارات شعوب بلاد ما بين النهرين القديمة، الذين استخدموا دورة الـ235 شهراً وقاموا بإعداد جداول بارعة تعقبت حركة الأجرام السماوية بدقة متناهية.

    صممت بعض الآليات ضمن هذه الآلية من أجل تعقب حركة القمر، والتي كانت تأخذ بعين الاعتبار حتى التعريجات التي يسببها مدار القمر الإهليجي.

    منذ فك شيفرة هذه الآلية التي أطلق عليها اسم «آلية آنتيكيثرا»، راح البعض يفكرون فيما كان بالإمكان اعتبار هذا الـ(بلانيتاريوم) —نموذج النظام الشمسي— حاسوباً، ذلك أنه كان يؤدي حسابات توضح زمن حدوث الكسوف بالساعة، وذلك قبل عقود من وقوعه.

    كانت الدورات القمرية مهمة جدا للإغريق القدماء، الذين اعتمدوا عليها من أجل حساب الدورات الزراعية، وزمن المناسبات الدينية، وبرمجة دفع الأجور، وكذا التخطيط المسبق للمشاريع، وكان على القارة الأوروبية أن تنتظر حتى سنة 1642 قبل أن يُخترع ”حاسوب“ ميكانيكي فعال ومتطور على شاكلة «آلية آنتيكيثرا»، وهو الـ(باسكالين) الذي قام باختراعه الرياضياتي والمخترع والفيلسوف الفرنسي (بلاز باسكال).

    قد تكون بعض الآليات قريبة الشبه بـ«آلية آنتيكيثرا» ظهرت هنا وهناك في العالم في العصور الوسطى، غير أن الساعات الفلكية الحقيقية لم تكن لتظهر إلا بحلول القرن الرابع عشر في أوروبا.
    02. حساب التكامل والتفاضل:

    استغرق الأمر من أرخميدس تفكيرا عميقا حتى يؤسس لحساب التكامل والتفاضل.صورة: DEA/Getty Images
    بالحديث عملياً، يمكنك أن تنجز الكثير باستخدام الهندسة، والرياضيات الأساسية، وبعض القواعد الأساسية فقط. في نهاية المطاف، ستملي عليك الحاجة لحساب مسائل أكثر تعقيداً —مثل حساب نسب التغير إلخ— أن تطور حسابات رياضية تمكنك من التعامل معها، وهنا جاء دور التكامل والتفاضل.



    اليوم، نرجع الفضل في تطوير التكامل والتفاضل لكل من (إسحق نيوتن) و(غوتفريد ويلهلم ليبنيز)، اللذان طوره كل منهما بشكل مستقل ومنفصل عن الآخر بحلول القرن الثامن عشر، غير أن الحقيقة هي أن العقول البشرية كانت تغازل وتداعب هذه الفكرة قبل أكثر من ألف سنة.

    لنبدأ باختصار بالإغريق القدامى: عندما كان هؤلاء يعيشون عصرهم الذهبي في مجال الرياضيات، أخرجوا للعالم الرياضياتي (يودوكسوس) 408-355 قبل الميلاد، الذي كانت «طريقة الاستنفاد» التي طورها دفعة قوية بالنسبة للرياضيات نحو التقدم، وكذا (أرخميدس) 287-212 قبل الميلاد، الذي جاء بطرائق عملية في الحساب كانت مشابهة جدا للتفاضل والتكامل.

    كانت طريقة الاستنفاد ليتمخض بها لاحقا عقل الرياضياتي الصيني في القرن الخامس ميلادي (ليو هوي) أيضا، وبشكل مماثل أتى المفكرون الرياضياتيون الهنود بابتكارات مشابهة في العصور الوسطى. إن هذه الابتكارات الرياضياتية السابقة لطريقة التكامل والتفاضل، مثل العديد من التطورات التي وصل إليها العالم القديم والتي فُقدت بسقوط روما، تلمح إلى معرفة غزيرة فقدتها البشرية بمجرد أن خيمت العصور المظلمة على أوروبا.
    01. اكتشاف العالم الجديد:

    خريطة العالم الجديد.
    لم تفقد المجموعات الأولى التي اكتشفت العالم الجديد هذا الأخير، بل بقيت هناك من أجل لحوم الماموث اللذيذة، هذه الكائنات العملاقة التي ظلوا يطاردونها عبر «جسر يابسة بيرينجيا».

    اعتمادا على أي بحث تقرأه وتصدقه، قد يصيبك الذهول من عدد الزوار الذي يقال أنهم عرفوا العالم الجديد قبل (كريستوف كولومبوس)، حيث يعرف كل واحد منا تقريبا قصة المستكشفين النورديين –الفايكينغ– الذين أبحروا وصولا إلى (غرينلاند) و(آيسلاندا) بحلول نهاية القرن الحادي عشر، ومما يدعم افتراض أن هؤلاء البحارة والمستكشفين تمكنوا من الوصول إلى العالم الجديد آنذاك هو بقايا مستعمرة (لانس أو ميدوز) في شمال القارة الأمريكية التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر، والتي أسسها الفايكينغ هناك، ناهيك عن قصص العالم الجديد التي تزخر بها الفلكلورات النوردية وكذا فلكلورات الأمريكيين الأصليين.

    غير أن طابور من سبقوا (كولومبوس) في الوصول إلى العالم الجديد لم ينتهِ بالبعثات الاستكشافية النوردية التي انطلقت من (غرينلاند) فقط، هذا على الأقل إن كنت قادرا على تصديق بعض الفرضيات —المحيرة—.

    وفقا لأحد الكتب المشهورة (والذي تم تقويضه من طرف الكثير من الباحثين)، فقد سبق بحارة صينيون (كريستوف كولومبوس) في الوصول إلى العالم الجديد بـ71 سنة، أضف إلى ذلك مزاعم الرئيس التركي طيب رجب إردوغان الذي قال بأن المسلمين تواصلوا مع الحضارات في أمريكا اللاتينية قبل ثلاثة قرون من وصول المستكشفين الإيطاليين إليها.

    ثم لدينا تلك الأصوات التي تنادي بأن البولينيزيين —كانوا يتركزون في نيوزيلندا وجزر هاواي وجزيرة الفصح—ربما وصلوا إلى أمريكا الجنوبية قبل أن تطأها قدم أوروبية، وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة قد رفعت الكثير من علامات الاستفهام، فإن البولينيزيين كانوا بحق بحارة ومستعمرين بارزين من الطراز الأول مقارنة بمعاصريهم آنذاك، مما يجعلنا لا نستبعد أن رحلة نحو الأمريكيتين كانت بعيدة عن منالهم.
    المصدر: موقع How Stuff Works
يعمل...
X