كيف تغير الكتاب المقدس 18 مرة عبر التاريخ
من سيمون العييد
يكثر الحديث في يومنا هذا عن التعديلات التي طرأت على الكتاب المقدس، وقد شهدنا في الفترات السابقة اكتشاف العديد من الأناجيل غير الرسمية، كما رأينا انتشار العديد من نظريات المؤامرة التي تتحدث حول تحريف الكتاب المقدس من قبل العديد من المتهمين مثل الجمعية الأوروبية للأبحاث النووية CERN وغيرها، وبالطبع فقد أثار كل هذا ضجةً كبيرة خاصةً بين أوساط الباحثين الكنسيين وعلماء التاريخ.
لكننا لا ننوي في هذا المقال التحدث عن هذه النظريات ومناقشتها، بل ما سنذكره في هذه المقال هو 18 تغيير مُثبت تاريخياً تعرض له الكتاب المقدس، وبالأخص نسخة الملك (جيمس) التي تُعتبر النسخة الرسمية من الإنجيل باللغة الإنكليزية، وما نذكره هي تغييرات تخص النص ومضمونه وكتابته وقواعده.
وبينما يبدو من المستحيل أن يتعرض كتاب ذا أهمية مثل الكتاب المقدس إلى تعديلاتٍ عند نشره، إلا أنّ هذه التعديلات حدثت بالفعل، فعلى سبيل المثال عندما نُشرت النسخة الأولى من إنجيل الملك (جيمس) في عام 1611 كانت الأبجدية الإنكليزية لا تضم الحرف J، لذا كان يُشار إلى يسوع المسيح باسم Iesus، وقد استمر هذا الأمر حتى عام 1633 حين أُدخل حرف J إلى اللغة الإنكليزية وأصبح يُشار إلى يسوع المسيح في النسخ المنشورة في هذا العام باسم Jesus.
إذاً وبعد إيضاحنا لما ننوي الكلام عنه في هذا المقال، فلنتعرف سوياً على الطرق التي تغير الكتاب المقدس بها 18 مرة:
1. النسخ الأولى من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس كانت مليئة بالتناقضات المطبعية
أدرج جايمس الأول ملك إنجلترا تعليمات محددة للمترجمين فيما يتعلق بمحتوى الكتاب المقدس الذي أراده، بما في ذلك المصادر التي لم يرغب في استخدامها.صورة: Wikimedia
حوالي 200 نسخة مما يُعرف باسم أناجيل ”هو“ العظيمة ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، وتحتوي هذه الأناجيل على عناوين صفحات كلا العهدين، القديم والجديد، ويعود تاريخها إلى عام 1611، لكن البعض منها تمت طباعته عام 1613، وقد كان هناك ما يُقارب 350 خطأ مطبعيًا في هذه النسخة، ولعل أبرزها هو الخطأ الشهير الموجود في سفر راعوث، ثامن أسفار العهد القديم، والذي نالت هذه النسخ من الإنجيل تسميتها بسببه.
فقد ذُكر في سفر راعوث في النسخ التي طُبع فيها العهد القديم في عام 1611 ما يلي أثناء الحديث عن (بوعز) ”فاكتال ستة من الشعير ووضعها عليها ثم دخل هو المدينة“. (باعوث 3:15)
الخطأ الموجود في هذا النص يكمن في استخدام ضمير هو الذي يُوحي أنّ (بوعز) دخل المدينة بينما كان يجب أن يُستخدم الضمير هي إشارةً إلى (راعوث)، وقد تم تصحيح هذا الخطأ في النسخ التي نُشرت عام 1613، وهكذا تم تسمية النسخ التي استخدمت الضمير هو باسم أناجيل هو العظيمة، أما النسخ التي استخدمت الضمير هي سُميت باسم أناجيل هي العظيمة.
لكن بحسب بعض الباحثين العبريين فإنّ هذا ليس خطأً مطبعياً على الإطلاق، حيث يُشيرون إلى أنّ النص الأصلي باللغة العبرية يستخدم الضمير هو وليس هي، لكن المترجمين قاموا بتغيير هذا الضمير من أجل جعل (راعوث) تدخل المدينة، وهو أمرٌ ضروري لتكتمل القصة، وقد قاموا بهذا بشكلٍ مُتعمد عند ترجمة النسخة الإنجيلية التي تُعرف باسم إنجيل الأسقف، وهي نسخة أقدم من نسخة الملك (جيمس).
ومازال الباحثون الإنجيليون يتجادلون حتى يومنا هذا حول هوية من دخل المدينة (راعوث) أم (بوعز) وحول الضمير الذي يجب أن يُستخدم، وقد وُلد هذا الجدل مع ولادة النسخ الأولى والثانية من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل ومع التغييرات التي شهدها النص التي لا نستطيع التأكد تماماً ما إن كانت مُتعمدة أم لا.
2. تم انتقاد النسخة الأولى من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس بشكلٍ كبير بسبب الترجمة العبرية
كان (هيو بروتون)، وهو واحد من الباحثين في العبرانية، أن ترجمة إنجيل الملك جايمس من العبرية كانت غير دقيقة.صورة: Wikimedia
تمت ترجمة نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس من عدة لغات تشمل العبرية، واليونانية، واللاتينية، والآرامية، وقد قام بهذا لجان ضمت قرابة 47 باحثاً، أي كافة رجال الدين الذين تضمهم كنيسة إنكلترا عدا واحدة، وقد تم تقسيم هؤلاء الباحثين إلى 6 لجان، وقد مُنحت كل لجنة جزءاً من الإنجيل لترجمته، حيث كُلفت اللجنة الأولى على سبيل المثال بترجمة القسم الواقع ما بين سفر التكوين وسفر الملوك الثاني.
نجت بعض الأوراق التي كانت هذه اللجان تعمل عليها لإعداد نسخة الإنجيل هذه، ومن بين هذه الأوراق نسخ من إنجيل الأسقف الذي تحدثنا عنه قبل قليل، حيث كانت هذه النسخ مليئة بالعلامات الناجمة عن عمل هذه اللجان الجاد في دراستها.
حيث أنّ نص العهد القديم والذي يُسميه البعض بالإنجيل العبري تمت ترجمته من اللغة العبرية، وقد قام الباحثون بمقارنة هذه الترجمة بترجماتٍ سابقة كجزءٍ من عملهم على إعداد نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، وعلى ما يبدو فإنّ الباحثين استخدموا قرابة 80% من هذه الترجمة من عملٍ سابق للباحث الإنكليزي (ويليام تيندال).
أحد أبرز الباحثين الإنكليز في شؤون اللغة العبرية كان يُدعى (هيو بروتون)، لكن (هيو) لم يكن من رجال الدين الذين قاموا بترجمة العهد القديم مُستعينين بأعمال الباحث (تيندال)، وعندما نُشر أول إصدار من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل انتقد (هيو) طريقة الترجمة التي اتبعها الباحثون حينما رفضوا ترجمة النص كلمة بكلمة، كما انتقد النص الناتج عن عملهم هذا، حيث وصف الترجمة بالفظيعة وقال أنّ هذا النص يجب ألا يُقدم إلى الشعب الإنكليزي.
بحسب (هيو)، فإن نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل لم تكن ترجمةً من اللغات الأصلية بقدر ما كانت اقتباساً من بعض الترجمات السابقة، حيث رأى أنّ الباحثين ركزوا على تغيير السياق عوضاً عن تقديم نسخةٍ صادقة وأمينة من الإنجيل باللغة الإنكليزية.
3. تمت إزالة أسفار الأبوكريفا من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس لاحقاً
الملاك رافائيل وهو يظهر أمام عائلة طوبيا مثلما تم وصفه في سفر طوبيا، واحد من أسفار الأبوكريفا.صورة: Wikimedia
أسفار الأبوكريفا، أو كما تُسمى بالأسفار القانونية الثانية، هي 7 أسفار تقر بها الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية كجزءٍ من الكتاب المقدس وترفضها الكنائس البروتستانتية الإنجيلية، لكن هذه الأسفار كانت موجودة في الإصدارات الأصلية من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، لكنها لم تكن تعتبر جزءاً من العهد القديم أو العهد الجديد.
وعلى الرغم من اعتبار هذه الأسفار كقسمٍ ما بين العهدين في نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، إلا أنّ فهرس المحتويات لعددٍ من إصدارات نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل كان يضع بضعاً من هذه الأسفار كجزءٍ من فهرس العهد القديم.
لكن وخلال الحرب الأهلية الإنكليزية والتي لعبت بها الديانة دوراً كبيراً، أقر اعتراف (ويسمينستر) أنّ الإنجيل بعهديه القديم والجديد هو الكلمة المكتوبة لله، وأنّه مليء بالحقيقة المعصومة عن الخطأ والتي تحتوي كل ما هو مطلوب من أجل الخلاص والإيمان والحياة للإنسان، وبحسب هذا الاعتراف فإن الإنجيل بلغته الأصلية ضم الروح القدس الذي يتحدث من خلال الكتاب المقدس.
نتيجةً لهذا الاعتراف، تم اعتبار أسفار الأبوكريفا هذه، والتي تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية والمذكورة في بعض الحالات في التلمود حتى، غير معصومة عن الخطأ، وتم اعتبارها إرشادات بشرية عوضاً عن إرشاداتٍ من الله، وهذا على الرغم من أنّ الإصدارات الأولى من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل كانت تضمها، كما أنّ إنجيل جنيف، وهو نسخة مترجمة إلى الإنكليزية من الإنجيل تسبق نسخة الملك (جيمس) صدرت عام 1560، كانت تضم هذه الأسفار أيضاً.
لعدة عقود اختفت هذه الأسفار من إصدارات نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل بالكامل، لكن بعض دور النشر قامت مؤخراً بضم هذه الأسفار إلى هذه الأناجيل مُجدداً، وقد تم وضعها بشكلٍ مُشابه للطريقة التي ضمتها بها الإصدارات الأولى من نسخ الملك (جيمس) من الإنجيل.
4. العديد من النسخ المختلفة من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس كانت موجودة بحلول القرن الثامن عشر
قادت الاختلافات في أساليب الطباعة والأخطاء المطبعية إلى ظهور نسخ مختلفة عن إنجيل الملك جايمس قبل سنة 1629.صورة: Wikimedia
الإنجيل الموجود اليوم والذي يُسمى نسخة الملك (جيمس) كان يُسمى في القرن السابع عشر بالنسخة المرخص بها أو النسخة المعتمدة، ومازال الكثيرون يُطلقون عليه هذا الاسم، حيث أنّ هذا الاسم يُشير إلى أنّ الكنيسة سمحت باستبدال نسخة إنجيل الأسقف التي كانت مُعتمدة في ذلك الوقت بهذه النسخة الجديدة، وهو القرار الذي يُنسب إلى مجلس الملكة الخاص، حيث تم إيقاف طباعة نسخة الأسقف من الإنجيل بالكامل وسُمح بطباعة الترجمة الجديدة فقط، أي نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل.
لمدةٍ لا بأس بها من الزمن، كان إنجيل جنيف مُنتشراً بشكلٍ كبير في إنكلترا وفي إسكتلندا خاصةً، حيث كان هذا الإنجيل يُطبع في أمستردام وضم ملاحظاتٍ موجودة في هوامش النص، وخلال النصف الأول من القرن السابع عشر بدأت دُور الطباعة الهولندية بطباعة إنجيلٍ يدمج ما بين إنجيل جنيف ونسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، حيث كانت هذه الأناجيل عبارة عن نسخة الملك (جيمس) بالإضافة إلى الملاحظات الهامشية الموجودة في إنجيل جنيف.
حظي هذا الإنجيل بشعبيةً كبيرةً جداً ما أدى إلى تشكيل لجنة درست إمكانية طباعة إنجيل الملك (جيمس) مع ملاحظاتٍ هامشية تتوافق مع العقيدة البروتستانتية، حيث كان يُنظر إلى الملاحظات الموجودة في إنجيل جنيف على أنّها كاثوليكية للغاية وغير مقبولة، لكن تم التخلي عن هذا المشروع لأن الإنجيل الناتج سيكون ضخماً للغاية.
لكن بسبب التغيرات المجتمعية والدينية التي رافقت ما يُعرف بعصر استرداد الملكية الإنجليزية، وهي فترة بدأت عام 1660 قام بها الملك (تشارلز الثاني) باسترداد الممالك الإنجليزية والإسكتلندية والآيرلندية، اعتبرت كنيسة إنكلترا إنجيل جنيف هرطقةً، وكنتيجة لذلك أصبحت نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل بحلول نهاية القرن السابع عشر الإنجيل الأكثر انتشاراً في إنكلترا.
لكن النزاعات حول حقوق طباعة هذا الإنجيل استمرت طوال القرن السابع عشر ما أدى إلى وجود العديد من الإصدارات التي كانت تضم أخطاءً في النص، أو حذفًا لبعض النصوص، أو أخطاء في علامات الترقيم، أو مشاكل مطبعية.
5. نسخ (كامبريدج) المنقحة من الإنجيل في عامي 1629 و1638
طبعت هذه النسخة من الإنجيل سنة 1613 على يد (روبيرت باركر).صورة: Wikimedia
كانت الإصدارات الأصلية من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس والتي ظهرت في عام 1611 تضم العديد من الأخطاء كما هو واضح في أناجيل هو وهي والعديد غيرها، بعد هذه الأخطاء كان بسبب رغبة الإبقاء على مظهرٍ ثابت للنص ضمن عواميد مما أدى إلى استخدام غير متناسق للغة ومشاكل أخرى، كما أنّ الطباعة المستهترة أدت إلى العديد من الأخطاء، وربما أشهرها الخطأ الذي أدى إلى حذف كلمة Not في أحد الإصدارات التي أصبحت تُعرف بالإنجيل الشرير والفاسد، وذلك لأن حذف هذه الكلمة جعل النص كالتالي: ”يجب أن ترتكب الزنا“.
بحلول عشرينيات القرن السابع عشر، كان هناك أكثر من 1500 خطأ مطبعي بإصدارات نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، لذا جرت محاولتان لتنقيح وتصحيح هذه الأخطاء، الأولى في عام 1629 والثانية في عام 1638، حيث قامت هذه النسخ المنقحة بمحاولة التعامل مع عدم الدقة الموجودة في النسخ المطبوعة والناتجة عن سوء مراقبة الجودة، وذلك بهدف توحيد الهجاء ليتناسب مع قواعد اللغة الإنكليزية في ذلك الوقت.
تم إجراء حوالي 200 تعديل في النص خلال عملية التنقيح هذه، حيث أنّ نسخ (كامبريدج) المنقحة لم تكن ترجمةً جديدة بقدر ما كانت مراجعةً للترجمة الأصلية التي تعود إلى عام 1611، وتم إضافة بعد الملاحظات الهامشية بشكلٍ رئيسي، وقد تم اقتباس العديد من هذه الملاحظات من إنجيل جنيف.
وكذا تم تغيير النص الرئيسي لنسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس من دون أي إشارة وإسناد إلى مصدر البيانات الذي وفرته المخطوطات الأولية، وذلك في محاولة لتقديم العمل لعامة الناس الذين كانوا يجهلون اللغات القديمة كاللاتينية واليونانية.
6. خضعت نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس لتعديلاتٍ إضافية خلال القرن الثامن عشر أيضاً
نسخة إنجيل أكسفورد لسنة 1769 التي طبعت سنة 1772، والتي غيرت الهجاء ووضعت معايير موحدة للغة الإنجليزية.صورة: Wikimedia
تغيرت اللغة الإنكليزية بشكلٍ ملموس خلال القرن الثامن عشر، وخاصةً فيما يتعلق بقواعدها والهجاء، ولهذا السبب قامت دُور الطباعة التي تقوم بطباعة نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل بتغيير النص والهجاء في هذه الأناجيل التي تقوم بنشرها، والدافع خلف هذه التغييرات لم يكن دينياً بل كان يهدف لجعل قراءة هذه الأناجيل أسهل بالنسبة للقراء.
بحلول منتصف القرن الثامن عشر، أصبح هناك عدد كبير جداً من إصدارات نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل وذلك في إنكلترا والعدد المتزايد من المستعمرات البريطانية في أمريكا، وقد كانت هذه الإصدارات تختلف بشكلٍ كبير عن بعضها بمضمون النص، وقد قامت كل من جامعتي (كامبريدج) و(أكسفورد) بأخذ خطواتٍ للتعامل مع هذا التباين بين النسخ.
فقد أصدرت جامعة (كامبريدج) في عام 1760 نسخةً منقحة قائمة على سلسلةٍ من النسخ المنقحة التي قام الباحث الإنكليزي المختص بالشؤون الإنجيلية (فرنسيس باريس) بكتابتها، ففي النسخة المنقحة التي قام (فرانسيس) عام 1743 بكتابتها، وفي جميع النسخ المنقحة للاحقة التي قام بكتابها، قام (فرانسيس) بتغييراتٍ قد تبدو صغيرة لكنها على قدرٍ كبير من الأهمية.
على سبيل المثال، في نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل التي صدرت عام 1611 قام المترجمون بكتابة إحدى الآيات على الشكل التالي: ”والظهور المجيد لله، ولمخلصنا يسوع المسيح“ (رسالة بولس الرسول إلى تيطس 2:13)
لكن (فرانسيس) قام بإزالة الفاصلة ضمن هذه الآية، وبذلك دمج الله ويسوع المسيح جامعاً إياهما بكيانٍ واحد وهو ما يتماشى مع عقيدة الثالوت المذكورة في اعتراف (ويستمنستر)، وقد تم المحافظة على هذا التعديل في النسخة المنقحة التي أصدرتها جامعة (كامبريدج)، وفي النسخة المنقحة التي أصدرتها جامعة (أوكسفورد) في عام 1769.
7. إنّ نسخة جامعة (أوكسفورد) من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس والتي صدرت في عام 1769 هي أساس معظم نسخ الأناجيل الموجودة في يومنا هذا
تضمنت مراجعة (بينجامين برايني) لإصدار أكسفورد عن إنجيل سنة 1769 الأسفار القانونية الثانية لسنة 1647.صورة: Wikimedia
بحلول الوقت الذي قام فيه (بنجامين بلايني) بتعديل العمل الذي أصبح نسخة جامعة (أوكسفورد) من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، كان عمل المترجمين الأصليين لهذه النسخة قد تغير وخضع للعديد من التعديلات من قبل الباحثين ودور الطباعة خلال ما يزيد عن قرنٍ ونصف.
معظم نص نسخة جامعة (أوكسفورد) من نسخة الملك (جيمس) من الكتاب المقدس هو ذات نص نسخة جامعة (كامبريدج) من الإنجيل حرفياً، وذلك يضم التغيير الذي ضمته تلك النسخة فيما يخص علامات الترقيم والذي أدى إلى تغير معنى النص، وقد كان تطبيق اعتراف (ويستمنستر) وعقيدة الكنيسة اللاحقة أكثر وضوحاً ودعماً في هذا الإنجيل.
تضمنت نسخة جامعة (أوكسفورد) من الكتاب المقدس التي عمل عليها (بلايني) الأسفار القانونية الثانية، السابقة الذكر، وذلك بشكلٍ مُشابه للترجمة الأصلية لنسخة الملك (جيمس) من الإنجيل في عام 1611، لكن تمت إزالة العديد من الإشارات إلى الصليب الموجودة في هذه النصوص، ما يُوضح بشكلٍ أكبر أنّ هذه النصوص لم يكن ينظر إليها على أنّها نصوص إنجيلية.
يُوجد أكثر من 24000 تعديل ما بين النص الأصلي لنسخة الملك (جيمس) من الإنجيل الصادر عام 1611 التي عمل عليها 47 باحث ورجل دين، وما بين نسخة (أوكسفورد) التي عمل عليها (بلايني) وصدرت عام 1769، وتتضمن هذه التعديلات تعديلات هجائية وفي علامات الترقيم.
وعلى الرغم من وجود اختلافات هجائية وقواعدية ما بين نسخة جامعة (أكسفورد) ونسخة جامعة (كامبريدج)، إلا أنّ نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل تطورت في النهاية لتصبح كتاباً واحداً هو ذاته الذي تتم طباعته في القرن الواحد والعشرين.
8. أصبحت نسخة جامعة (أوكسفورد) من نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل النسخة المعتمدة في العالم البروتستانتي الإنجليزي
صدر الكتاب المقدس لطبعة سنة 1795 عن إصدار أكسفورد لنسخة الملك جايمس.صورة: Wikimedia
منذ إصدارها عام 1769 وحتى يومنا هذا، أصبحت نسخة جامعة (أوكسفورد) من الإنجيل معتمدةً كالإنجيل البروتستانتي الرئيسي، لكن هذه النسخة أيضاً تغيرت بمرور الزمن، فبشكلٍ تدريجي بدأت نسخ هذا الإنجيل تُطبع من دون الأسفار القانونية الثانية، كما اختفت الإشارات والملاحظات التي تخص هذه الأسفار من الإنجيل، لكن مع ذلك ظهرت أناجيل أخرى خلال هذه القترة، وقد أدت التناقضات التي ظهرت ما بين هذه الأناجيل وما بين النسخ المختلفة من الإنجيل ذاته إلى جدلٍ كبر بين الباحثين.
قامت (أوكسفورد) في عام 1833 بإعادة طباعة نسخة مماثلة لنسخة عام 1611 من إنجيل الملك (جيمس)، حيث نقلت هذه النسخة سطراً بسطر لكن طبعتها بشكلٍ حديث، وقد كانت الاختلافات ما بين هذه النسخة والنسخ اللاحقة واضحة بشدة، كما صدرت نسخة جديدة من إنجيل جامعة (كامبريدج) المُسمى Cambridge Paragraph Bible عام 1873، وقد اعتمدت هذه النسخة على مصادر إنجيل عام 1611 لكن بلغة وتهجئة معاصرة.
فقد قام كل من (بلايني)، محرر إنجيل جامعة (أوكسفورد)، و(فريدريك هنري أمبروس سكريفنر)، محرر إنجيل جامعة (كامبريدج)، بتعديل نصوص إنجيل عام 1611 بكامل الحرية، حيث قاما بتعديل النصوص التي شعرا أنّ المترجمين قد أخطئوا في ترجمتها في عام 1611، لكنهما استخدما وثائق ومستندات ونصوص مختلفة عن التي اعتمد عليها أولئك المترجمون.
فقد استخدم (سكريفنر) نصاً إغريقياً قديماً يُسمى Textus Receptus وقام بمقارنته بنصٍ قديم آخر يُسمى Codex Sinaiticus وهو عبارة عن مخطوطاتٍ إغريقية للعهد الجديد وقرابة نصف العهد القديم، وذلك بهدف التحقق من دقة وصحة الترجمة الأصلية لنسخة الملك (جيمس) من الإنجيل.
وعلى الرغم من أنّ نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل لم تتغير بشكلٍ شبه كامل منذ عام 1769، فإنّ التطورات في علم الآثار واللغات منذ ذلك الحين طرحت العديد من التساؤلات حول مدى صحة هذه النسخة.
9. ظهرت مشاكل تخص فهم اللغات القديمة
ترجمت نصوص The Textus Receptus النص اليوناني الأصلي (العمود اليسار) إلى اللاتينية (العمود اليمين).صورة: Wikimedia
ظهرت في القرن التاسع عشر العديد من المشاكل والتساؤلات حول ترجمة اللغات القديمة التي بُنيت عليها نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل، بعض هذه المشاكل نتج عن تغير فهمنا للغة العبرية القديمة، فقد ازداد وعينا لمشكلة المصطلحات المربكة التي كانت تُستخدم كوصفٍ للأسماء الصحيحة.
وقد تم اكتشاف أيضاً عدم تناسق في ترجمة اللغة اليونانية إلى الإنجليزية، حيث تمت ترجمة ذات الكلمة اليونانية في النص عدة مراتٍ إلى كلماتٍ إنجليزية مختلفة، وقد ظهرت مشكلة مشابهة خلال ترجمة اللغة العبرية إلى الإنجليزية، فعلى سبيل المثال الكلمة العبرية Almah تعني امرأة شابة في سن الإنجاب، لكن هذه الكلمة أصبحت تعني في الإنجليزية امرأة عذراء!
أما المشكلة الثالثة والرئيسية فقد ظهرت بعد اكتشاف وثائق قديمة جديدة تحوي أدلة تُبرز أنّ المصدر الرئيسي الذي تُرجم منه العهد الجديد إلى الإنجليزية وهو نص Textus Receptus يتعارض مع الوثائق الأخرى، فقد نُشر في عام 1881 نُسخة من العهد الجديد كما كان مكتوباً باللغة اليونانية الأصلية وذلك بعد قرابة ثلاثة عقود من العمل على هذا الكتاب، وقد رفض هذا الكتاب بالكامل نص Textus Receptus واعتمد عوضاً عن ذلك على أقدم نسخة معروفة من العهد الجديد وبعض من العهد القديم Codex Vaticanus بالإضافة إلى نص Codex Sinaiticus.
وقد أظهرت هذه النسخة من العهد الجديد وجود العديد من الأسفار والآيات غير المذكورة في نص Codex Vaticanus، لكن تمت إضافتها في النصوص اليونانية اللاحقة.
10. إضافة الكلمات كان جزءاً من كل ترجمة للكتاب المقدس
إصدار سنة 1611 عن نسخة الملكة جايمس الذي تمت مراجعته بطرق تجاوزت مجرد توحيد معايير اللغة والهجاء والنحو.صورة: Wikimedia
تم إعطاء المترجمين الذين قاموا بترجمة النسخة الأولى من إنجيل الملك (جيمس) في عام 1611 تعليمات محددة بخصوص ترجمة الكلمات، فقد سُمح لهم بترجمة الكلمات في حال كان هذا يُساهم بجعل قراءة النص أكثر يُسراً، كما طُلب منهم طباعة الكلمات المُضافة، أي الكلمات غير الموجودة في النص الأصلي التي قاموا بإضافتها من أجل جعل بناء الجملة أكثر منطقيةً، بشكلٍ مختلف كي يتمكن القارئ من تمييزها.
لكن لم يتم تطبيق هذه التعليمات من قبل الشركات التي عملت بشكلٍ مُستقل على ترجمة أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس، وبالكاد تم تطبيقها في ترجمة العهد الجديد، وقد تم تصحيح هذا التناقض في بعض المناطق في الإصدارات اللاحقة.
فقد كان مترجمو نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل من قاموا باستبدال كلمة يهوا من الإنجيل التي كانت تُكتب بحروفٍ كبيرة YHWH بكلمة الرب The Lord بحروفٍ صغيرة، كما استبدلوا كلمتي YHWH Adonai بالرب الإله Lord God، أما كلمة IEHOVAH فقد ظهرت في 4 من كتب العهد القديم، حيث ظهرت مرة في سفر الخروج ومرةً في سفر المزامير، كما ظهرت مرتين في سفر إشعيا.
كما قام المترجمون بإعادة تسمية سفر إسدراس الأول باسم سفر عزرا، كما قاموا بتسمية سفر إسدراس الثاني باسم سفر نحميا، أما سفري إسدراس الثالث والرابع قاموا بتسميتهما باسم إسدراس الأول والثاني بالترتيب
11. لم يقم المترجمون باستخدام نسخ أصلية من النصوص التي اعتمدوا عليها كمصادر، بل استخدموا نسخًا مكتوبة بخط اليد من هذه المصادر
لم يشر مترجمو إنجيل الملك جايمس إلى The Codex Sinaiticus التي تعتبر واحدة من النسخ الأولى باللغة اليونانية للعهد الجديد.صورة: Wikimedia
لم يكن المترجمون الأساسيون لنسخة الملك (جيمس) من الإنجيل يمتلكون سوى بعض النسخ الأصلية من النصوص التي اعتمدوا عليها كأساسٍ لترجمتهم، بل اعتمدوا عوضاً عن ذلك على ترجماتٍ سابقة للإنجيل إلى اللغة الإنجليزية بما فيها بعض النسخ المترجمة التي طُلب منهم تجاهلها، بالإضافة إلى بعض النسخ المطبوعة من الإنجيل التي كانت مُتوفرة حينها باللغة الأصلية، كما اعتمدوا أيضاً على ترجماتٍ للإنجيل وتعليقات مكتوبة باللغات الإسبانية والإيطالية والألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية والعبرية والسريانية والكلدانية، وقد أدى تعدد اللغات إلى تغير محتوى بعض القصص الإنجيلية.
المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه مترجمو نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل هو إنجيل الأسقف سابق الذكر الذي قام رئيس أساقفة (كانتربيري) وهو (ماتيو باركر) بطلب إعداده بالاعتراف بكونه ترجمة علمية لكن غير كافية، كما اعتمد المترجمون على إنجيل جنيف، ومن المعلوم أنّ هذا الإنجيل متأثر بشكلٍ كبير بالمذهب البروتستانتي الكالفيني.
لقد قام مترجمو نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل بكتابة عدة آيات لم تكن موجودة في أيٍّ من الترجمات السابقة للإنجيل إلى اللغة الإنكليزية، كما أنّها لم تكن موجودة في نسخ المصادر التي قاموا بالاعتماد عليها كما اتضح لاحقاً عندما تم اكتشاف هذه المخطوطات القديمة.
في النسخ والترجمات اللاحقة، تم حذف هذه الآيات لأنها مكتوبة على ما يبدو من قبل مترجمي نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل وليس من الكتابين القديمين الأصليين لهذه المخطوطات، لكن أدى هذا إلى نشوء خلافٍ كبير ما بين الباحثين في شؤون الإنجيل وما بين المدافعين عن إنجيل الملك (جيمس).
12. العديد من الآيات الموجودة في إنجيل الملك (جيمس) هي عبارة عن آياتٍ إضافية لا يُمكن ربطها بشكلٍ مباشر بالنصوص القديمة
يحتوي إنجيل متى على عدة آيات لم يتم إدراجها في النصوص اليونانية القديمة، لكنها ظهرت في نسخ لاحقة حوالي القرن الخامس ميلادي.صورة: Wikimedia
في الآية 18:11 في إنجيل متى من إنجيل الملك (جيمس) ذُكر التالي: ”لأن ابن الإنسان قد جاء ليخلص ما قد هلك“. هذه الآية غير موجودة في النسخ القديمة من إنجيل (متى)، ولا تظهر سوى في النسخ التي يعود تاريخ كتابتها إلى القرن الخامس ميلادي، لكن الباحثين يعتقدون أنّ إنجيل متى كُتب في القرن الأول ميلادي، فحقيقة كون هذه الآية قد أُضيفت لاحقاً يبدو أمراً بديهياً وذلك لكون أقدم نسخة من إنجيل متى والتي تعود إلى القرن الرابع ميلادي لا تضم هذه الآية، وتُوجد آية مشابهة جداً لهذه الآية في إنجيل لوقا (19:10).
لا تضم الترجمات اللاحقة للإنجيل في الغالب هذه الآية في إنجيل متى، لكن هذا يُشكل نقطة خلاف لدى أولئك الذين يعتقدون أنّ إنجيل الملك (جيمس) معصوم عن الخطأ، لكن يبقى هذا الأمر دليلاً واضحاً عن كيفية تغير الإنجيل عبر الزمن.
آية أخرى يتم حذفها في الكثير من الترجمات الحديثة للإنجيل التي تعتمد على النصوص والوثائق القديمة لا على النسخ المترجمة السابقة من الإنجيل موجودة في إنجيل مرقس (15:28)، حيث تذكر هذه الآية في إنجيل الملك (جيمس) ما يلي: ”فتم الكتاب القائل: ’وأحصي مع آثمةٍ‘“.
عدى عن كون هذه الآية مشابهة بشكلٍ كبير لآيةٍ موجودة في إنجيل لوقا، فإنها غير موجودة في أي من النصوص الموجودة ما قبل القرن السادس عشر، كما أنّ آية أخرى موجودة في إنجيل لوقا (17:26) محذوفة في العديد من الترجمات الحديدة للإنجيل، بل أنّ مترجمي إنجيل الملك (جيمس) قاموا حتى بالتشكيك بهذه الآية، حيث وضعوا ملاحظة تُشير إلى أنها غير موجودة في معظم النسخ اليونانية من الإنجيل، لكنهم ضموها إلى إنجيلهم في جميع الأحوال.
13. يدعي بعض أتباع المذهب البروتستانتي أنّ نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل لم تخضع لأي تعديل
ظهرت حركة تدعو إلى رفض جميع الكتب المقدسة عدى نسخة الملك جايمس.صورة: Wikimedia
على الرغم من وضوح السجلات التاريخية ومن القدرة على ملاحظة التغييرات في الإنجيل عبر مقارنة الإصدارات المختلفة من إنجيل الملك (جيمس)، مازالت هناك مجموعة من الأشخاص الذين يدعون أنّ إنجيل الملك (جيمس) لم يتغير عبر الزمن.
قام الكاتب (بنجامين ويلكينسون) في عام 1930 بكتابة كتاب بعنوان «كتابنا المقدس المعتمد» Our Authorized Bible Vindicated، حيث يرى (بنجامين) في هذا الكتاب أنّ كافة النسخ الأخرى من الإنجيل فاسدة، وأنّ نسخة الملك (جيمس) من الإنجيل التي أكد أنّها بُنيت اعتماداً على نص Textus Receptus هي الترجمة الوحيدة الصحيحة للنصوص القديمة إلى اللغة الإنكليزية.
هذا العمل شكل الأساس لحركة ”الملك (جيمس) فقط“ التي رفضت كافة الترجمات والإصدارات من الإنجيل عدا إنجيل الملك (جيمس)، كما أكدّ (ويلكينسون) في كتابه الآخر المُسمى «الحقيقة المنتصرة» Truth Triumphant أنّ محرر وجامع نص Textus Receptus هو ليس (إراسموس) كما يُظهر لنا التاريخ، بل (لوسيان) الأنطاكي.
لا يُوجد إلى يومنا هذا أي دليل تاريخي أو أثري يدعم هذه النظرية التي تقول أنّ (لوسيان) هو من جمع نص Textus Receptus الذي يُعد الأساس الذي اعتمد عليه إنجيل الملك (جيمس)، وقد كتب (ويلكنسون) في كتابه هذا ما يلي: ”لا (لوسيان) ولا (إراسموس) كتبا العهد الجديد باليونانية، بل الرسل.“
بحسب (ويلكنسون)، قام (لوسيان) بحماية نص Textus Receptus من النصوص الفاسدة الأخرى الموجودة في وقته حتى أصبح هذا النص لاحقاً أساس إنجيل الملك (جيمس)، وبذلك فإنّ هذا الإنجيل هو النسخة الوحيدة من الإنجيل التي تعكس الكلام الحقيقي للرسل.
14. التغييرات التي شهدها الكتاب المقدس كانت ثابتة عبر التاريخ
ادعت كل ترجمة إنجليزية للكتاب المقدس عبر التاريخ بكونها أكثرها وفاء للمصادر القديمة.صورة: Wikimedia
إنّ مقارنة النصوص القديمة بغض النظر عن اللغة تُقدم دليلاً واضحاً يُمكن التحقق منه بسهولة عن تغير الإنجيل مع مرور الزمن، وذلك بغض النظر عن نسخة الإنجيل، حيث أنّ هذا الكتاب تمت كتابته وتحريره ومناقشته من قبل الإنسان، وقد تم تنقيحه وتغييره طوال فترة وجوده لأسبابٍ سياسية وتاريخية ونحوية.
عندما طلب الملك (جيمس) إعداد نسخة الإنجيل التي حملت اسمه لاحقاً أمر اللجان المسؤولة عن الإعداد، والتي كانت تُسمى شركات، بإعداد نسخة تعكس معتقدات وإيمان الكنيسة الإنجيلية الأسقفية، وقد أكدت هذه التعليمات أنّ نسخة الإنجيل الناتجة ستكون مختلفة بعدة نواحٍ عن الأناجيل السابقة.
ما زال هناك أناسٌ يعتقدون أنّ إنجيل متى قد كُتب من قبل الرسول متى الذي هو أحد الرسل الاثني عشر على الرغم من الدراسات التاريخية والأثرية والكنسية التي تُشير بخلاف ذلك، كما يعتقدون أنّ الرسل الباقين قاموا بكتابة الأناجيل التي تحمل أسماءهم، لكن الأناجيل الأربعة تمت كتابتها على الأرجح بشكلٍ مجهول، حيث ظهرت هذه الأناجيل في نهاية القرن الأول ولم تنل مُسمياتها هذه حتى القرن الثاني ميلادي.
كما يعتقد الباحثون بقوة أنّه لم تتم كتابة أي من هذه الأناجيل من قبل شهود عيان على كهنوت يسوع المسيح، كما تُظهر أوائل النسخ من هذه الأناجيل أنّه تمت إضافة بعض الآيات في النسخ اللاحقة من هذه الأناجيل وهو ما يُوضح أنّ ما نُطلق عليه اليوم اسم الكتاب المقدس تم تنقيحه وتغييره قبل ترجمته من اليونانية حتى.
15. يضم إنجيل مرقس في إنجيل الملك (جيمس) آيات غير موجودة في النسخ القديمة من إنجيل مرقس
العديد من الآيات التي يتضمنها إنجيل مرقص حول الأيام التي تلت ظهور المسيح بعد موته غير موجودة في النسخ القديمة باللغة اليونانية.صورة: Wikimedia
يظهر المسيح بعد قيامته في إنجيل مرقس كما هو مذكور في إنجيل الملك (جيمس) لعدة أشخاص فيما بينهم التلاميذ المقربين منه، لكن في النسخ الأقدم من إنجيل مرقس لا تُذكر قصة اللقاء هذه، أما الأجزاء التي تذكر الصلب في إنجيل مرقس، أي مرقس 16: 9-20، فقد تمت إضافتها لاحقاً في القرن الثاني أو الثالث ميلادي.
يُمكن القول أنّ هذه الآيات في إنجيل مرقس دليل على الطريقة التي تغير بها الإنجيل عبر الزمن، بل أنّ بعض الإصدارات من إنجيل الملك (جيمس) تضم ملاحظات تذكر أنّ هذه الآيات تُثير التساؤلات، كما أنّ بعض المصادر القديمة التي تضم هذه الآيات الإضافية تضم ملاحظات تتساءل حول مدى مصداقية هذه الآيات.
مخطوطة يونانية قديمة أخرى تُسمى Codex W تضم نسخة أطول من إنجيل مرقس، حيث تضم آيات إضافية تمت إزالتها بالنسخ اللاحقة من الإنجيل، حيث أنّ نسخة إنجيل مرقس الموجودة في هذا النص لا تُوجد في أي نسخ أخرى من الإنجيل، إذاً توجد ثلاث نسخ في النصوص القديمة من إنجيل مرقس الذي يُعد كتاباً واحدا فقط من الإنجيل، واثنان من هذه النصوص القديمة عبارة عن مراجعة وتنقيح تم العمل عليهما قبل مدةٍ طويلة جداً من ترجمتهما إلى الإنجليزية.
يُعد إنجيل مرقس الأقدم من بين الأناجيل الأربعة، وقد أثر بشكلٍ كبير على كتابة كلٍ من إنجيل لوقا وإنجيل متى، ويرى بعض الباحثين أنّ الإضافات على إنجيل مرقس قد تمت خلال القرن الثاني ميلادي وذلك بهدف جعل نهايته مُشابهة لنهاية إنجيلي متى ولوقا.
16. طرأت الكثير من التغييرات على الإنجيل قبل حتى أنّ يتم تجميعه
تمت إضافة العديد من الآيات لاحقًا في إنجيل يوحن، والتي لم يكن لها وجود في النسخ اليونانية الأقدم.صورة: Wikimedia
يبدو تغير الإنجيل عبر الزمن واضحاً بشدة عند النظر إلى التغيرات التي شهدتها الوثائق القديمة التي تم اعتمادها كمصادر، فالدراسات على الوثائق اليونانية التي تعود إلى الألفية الأولى تُظهر التغييرات الكثيرة التي تمت على هذه الوثائق عبر العقود، فقد كانت هذه الوثائق تُنسخ يدوياً لذا فإنّ الأخطاء التي تشمل التهدئة وعلامات الترقيم بل حتى حذف النصوص لم يكن من الممكن تفاديها، لكن التغييرات التي تشمل إضافة آيات جديدة لا يُمكن تفسيرها من نفس المبدأ.
فقد تمت إضافة هذه الآيات من قبل كتابٍ مجهولين وقامت للأبد بتغيير محتوى الكتاب المقدس، وتعود بعض هذه الآيات المُضافة إلى سنين طويلة قبل أول نسخة إنجليزية من الإنجيل، ولعل أوضح الأمثلة على هذه الإضافات موجودٌ في إنجيل يوحنا.
لا تذكر النسخ اليونانية من إنجيل يوحنا التي تعود إلى القرون الميلادية الثلاث الأولى قصة مواجهة يسوع المسيح للجماهير التي تنوي رجم امرأة زانية بالحجارة، ففي القصة التي تُعد من أشهر القصص الإنجيلية يُواجه يسوع المسيح الجموع قائلاً أنّ من منهم سيبدأ برمي الحجر الأول، ثم أخبر المرأة لاحقًا بأنها لن يدينها.
لكن هذه القصة غير مذكورة في النسخ الأولى من إنجيل يوحنا بل تظهر بعد ثلاث قرون ميلادية، حيث أُضيفت على الأغلب من قبل أحد الأشخاص الذين يقومون بنسخ هذه النصوص القديمة، أما في النصوص اليونانية اللاحقة تظهر هذه القصة في مواقع مختلفة عن الموقع التي تُوجد فيه الآن، يوحنا 7:53 – 8:11.
17. وصف حادثة الصلب تغير أيضاً
تختلف كلمات اليسوع على الصليب في التراجم الإنجليزية للعهد الجديد عن النسخ القديمة للإنجيل باللغة اليونانية.صورة: Wikimedia
في إنجيل لوقا وبينما كان يسوع المسيح على وشك مفارقة الحياة على الصليب، يتحدث مع المجرمين الإثنين الذين كانا مصلوبان بجانبه، لكن النسخة من هذه القصة التي تظهر الآن في الإنجيل تُخالف النسخ الأقدم من هذه الأناجيل، وتغييرٌ آخر في إنجيل لوقا يظهر عندما قام يسوع المسيح بالطلب من أبيه أن يغفر عن الذين يقومون بصلبه لأنهم لا يعلمون ما يقومون به.
النسخ الأقدم من إنجيل لوقا لا تذكر هذه الحادثة، حيث تمت إضافة هذه القصة إلى النصوص اليونانية في القرن الخامس ميلادي، وكالكثير من الإضافات تم ذلك بهدف توضيح التعاليم المسيحية بشكلٍ أكبر وأوضح.
وكما ذكرنا سابقاً، طُلب من المترجمين الذين قاموا بإعداد إنجيل الملك (جيمس) أن يعكس عملهم عقيدة كنيسة إنكلترا، كما أنّ النسخ الأخرى التي اعتمدوا عليها مثل إنجيل جنيف تم إعدادها لعكس تعاليم معينة كالكالفينية على سبيل المثال، وقد تم استخدام وسيلة الترجمة هذه منذ القدم عند إعداد الإنجيل، حيث كان المترجمون يغيرون ويعدلون ويضيفون ويحذفون آياتٍ من النص بهدف جعل عملهم يعكس الثورة التي شهدتها التعاليم والديانة المسيحية، أي أنّ الإنجيل لم يتم تغييره مؤخراً بل دائماً ما كان عرضة للتغيير.
18. إنّ عواقب تغيير الإنجيل واضحة بالنسبة لبعض الأشخاص
يحذر الكتاب المقدس كل من تسول له نفسه تعديل كلماته، وذلك في عدة كتب مختلفة وآيات مختلفة.صورة: Wikimedia
في نهاية سفر الرؤيا من الإنجيل، أي عند اقتراب نهاية الكتاب المقدس يُذكر تحذير يتماشى مع تحذيراتٍ سابقة مذكورة في العهدين القديم والجديد، حيث تُحذر هذه الآيات من تعديل كلمات الكتاب المقدس، لكن أولئك الذين ينظرون إلى الإنجيل على أنّه الكلمة الحرفية والثابتة لله يتجاهلون حقيقة بسيطة ألا وهي أنّ الإنجيل لم يُكتب باللغة الإنجليزية، كما أنّ شخصياته لم تتكلم الإنجليزية.
حيث تم استخدام العديد من اللغات لتتناقل قصص الإنجيل شفهياً وذلك قبل أن يتم كتابة أي من هذه القصص، وعندما تمت كتابتها كُتبت بعدة لغات قديمة ومن قبل عدة كتاب وفي فتراتٍ مختلفة من التاريخ، وحتى عندما تمت ترجمة الإنجيل إلى الإنجليزية كُتب بإنجليزية (تشاوسر) التي تختلف كثيراً عن اللغة الإنجليزية التي نعرفها اليوم.
فعندما تم العمل على إنجيل الملك (جيمس)، لم تكن الأبجدية الإنكليزية موحدة حتى، والآن بعد 400 سنة من العمل على هذا الإنجيل مازالت اللغة الإنكليزية تتغير باستمرار، كما أنّ فهمنا للغات القديمة التي كُتبت بها هذه النصوص يتطور باستمرار ما أدى إلى فهمٍ أكبر لكلماتٍ مذكورة في الإنجيل.
على سبيل المثال، يُذكر الحصان أحادي القرن وتحديداً كلمة Unicorn تسع مرات في إنجيل الملك (جيمس) فيما يبدو للقارئ أنّ هذا الكائن الأسطوري حقيقي، لكن في الحقيقة ذكر هذا الكائن في الإنجيل تم بسبب ترجمة خاطئة ناجمة عن فهمٍ خاطئ للكلمة العبرية re’em التي تُرجمت إلى اليونانية على الشكل التالي Monokeros والتي تعني أحادي القرن، كما ترجمت لاحقاً إلى اللاتينية Unicornis والتي تعني أيضاً أحادي القرن، ليقوم مترجمو إنجيل الملك (جيمس) بترجمة هذه الكلمة لاحقاً إلى Unicorn وهو ما أثار لغطاً لوجود كائن خرافي مشهور يجمل نفس الاسم معروف في الثقافة الغربية بشكلٍ كبير.
بالتأكيد مازال الجدل حول معظم هذه التفاصيل التي ذُكرت في هذا المقال مستمراً حتى يومنا هذا، وبينما قد يتبين لاحقاً عبر الدراسات المستمرة أنّ بعض ما تم ذكره ليس دقيقاً بالكامل إلا أنّ الحقيقة تبقى أنّ الإنجيل كنصٍ شهد العديد من التغيرات عبر الزمن، وأنّه لم يكن دائماً بالشكل الحالي الذي نعرفه الآن.
المصدر: موقع History Collection