مدينة القمامة“ شرقيّ القاهرة، أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدينة القمامة“ شرقيّ القاهرة، أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم



    ”مدينة القمامة“ شرقيّ القاهرة، أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم


    من سيمون العيد4.8 ألفتفاعل

    يقع في المنطقة الغربية من القاهرة أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم ومن أكثرها فقراً وتعاسةً، إنه حي «منشأة ناصر»، أو كما يُعرف أحياناً بـ”مدينة القمامة“ أو ”حي الزبالين“، وهو حي عشوائي يقارب عدد سكانه 60 ألف نسمة ويُعد من الأحياء الواقعة على مشارف هضبة المقطم.

    نشأ هذا الحي في البدء بسبب هجرة العديد من الأقباط من الصعيد إلى القاهرة، حيث سكنوا في أطراف العاصمة وكانوا يمارسون في البادئ نفس الأعمال التي اعتادوا القيام بها وهي تربية الحيوانات بشكلٍ رئيسي، ثم امتهنوا جمع القمامة وأصبحوا يُلقبون بـ”الزبالين“، وقد تشكل هذا الحي نتيجة تجمع المساكن العشوائية، حيث كانت كل عائلة من الوافدين الجدد تقوم بإنشاء مسكنٍ عشوائي لها، هكذا حتى كبر الحي وأصبح يضم مناطق كبيرة وعدد سكان كبير، وعلى الرغم من أنّه ذو طابعٍ مسيحي قبطي في الأساس، إلا أنّ عدد سكانه المسلمين في ازديادٍ.

    اكتسب هذا الحي اسمه بسبب انتشار القمامة في كل شوارعه والكثير من أسطح مبانيه، ولأن السلطات لم تنشئ –ولمدةٍ طويلة من الزمن– نظاماً فعالاً لجمع القمامة من أحياء القاهرة؛ بدأ أهل هذا الحي بجمع القمامة ثم تصنيفها وإعادة تدويرها كوسيلةٍ لكسب العيش، حيث يقوم الرجال في الغالب بجمع القمامة من جميع أحياء القاهرة، وأغلبهم يتقاضون مبلغاً زهيداً مقابل التقاط القمامة من أمام أبواب المنازل، ثم يقومون بنقل القمامة باستخدام عرباتٍ تجرها حمير أو باستخدام شاحناتٍ صغيرة إلى منازلهم في حي «منشأة نصر»، هناك يقومون بمساعدة النساء والأطفال بتصنيف القمامة (الزجاج والأقمشة وعبوات الصفيح والورق والبلاستيك وغيرها) بهدف إعادة تدويرها.

    على الرغم من اعتمادهم وسائل بسيطة وقديمة لإعادة تدوير القمامة، إلا أنّهم يقومون بذلك بفعالية مبهرة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنّ 90٪ من القمامة المجموعة يتم إعادة تدويرها، وهي نسبة عالية جداً وتفوق بأربعة أضعاف نسبة إعادة تدوير القمامة في معظم الدول المتقدمة، وقد احترف السكان هذه المهنة بشكلٍ كبير حيث أصبحت معظم العائلات متخصصة بنوعٍ معين من القمامة مثلاً، وأصبح البعض يقوم بتوظيف عمالٍ من أهل الحي لمساعدته بشكلٍ يشبه الشركات المنظمة.
    شاحنة جمع القمامة في القاهرة في مدينة الزبالين.صورة: stitchling/Flickr
    بالطبع تعني ظروف هذا العمل أنّ سكان المنطقة يعيشون في ظروفٍ فائقة السوء من الناحية الصحية، فالتقاط القمامة وتصنيفها يحمل العديد من المخاطر، حيث يمكن أن يتعرض الشخص لجرحٍ بغرضٍ حاد موجودٍ داخل القمامة أو ما شابه، كما أن جمع القمامة في شوارع وأسطح مباني الحي سببٌ رئيسي لانتشار العديد من الأوبئة بين قاطنيه.



    يقوم سكان الحي كذلك بتربية العديد من الحيوانات كالماشية والخنازير، حيث يقومون باستخدام المخلفات الغذائية التي يجدونها بين القمامة كطعامٍ للبهائم، كما يستخدمون الخنازير لتنظيف القمامة من المخلفات العضوية، ثم يقومون ببيع لحمها للفنادق والمطاعم السياحية، كما ساهم احتكاك سكان الحي، خاصة الأطفال منهم، بهذه الحيوانات في انتشار الكثير من الأوبئة بينهم.

    في عام 2009 قررت السلطات المصرية القضاء على الخنازير الموجودة في مصر كإجراءٍ احترازي لمنع انتشار إنفلونزا الخنازير H1N1 في البلاد، وهو قرارٌ عارضته كلٍ من منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية حيث اعتبرتاه غير مبرر علمياً، وقد قامت الحكومة بالقضاء على ما يقدر بأكثر من مئة ألف خنزير في منشأة ناصر، وقد شهدت هذه العملية عدة اشتباكات بين الشرطة ومربي الخنازير، حيث تسببت العملية في خسائر مادية كبيرة للسكان، واليوم عاد السكان لتربية الخنازير لكن بأعدادٍ أقل بكثير مما سبق.
    كانت تجارة جمع النفايات والقمامة التي تنتج عن سكان المدينة مربحة بالنسبة مدينة ”الزبالين“.صورة: مدونة scrapsofshirlee
    يعاني سكان الحي من مشاكل رئيسية مهمة، فالمياه الصالحة للشرب ليست متوفرة في جميع المنازل في الحي، مما يدفع العديد من السكان لشراء المياه أو تعبئتها من حنفيات مخصصة ونقلها إلى المنازل، كما أنّ نظام الصرف الصحي في المنطقة رديءٌ للغاية ولا يخدم العديد من المنازل العشوائية مما أدى لانتشار مياه الصرف الصحي في العديد من شوارع الحي.

    بالإضافة لكل الظروف الصحية السيئة التي يعيش فيها السكان، فهم في خطرٍ دائم من انهيار المباني العشوائية التي يقطنونها، فقد تكررت هذه الحادثة وأدت لوقوع العديد من الوفيات، كما أنّ موقع حي منشأة ناصر على حدود جبل المقطم جعل الأهالي يعيشون في خطر الانهيارات الصخرية، أشهر هذه الحوادث هو الانهيار الصخري الذي حدث في شهر سبتمبر من عام 2008، الذي أدى فيه انهيار كتل صخرية ضخمة على العديد من المنازل العشوائية إلى هلاك ما يزيد عن 100 شخص وجرح العشرات، كما سقطت مؤخراً صخرة كبيرة على الحي لكن لم تقع أي إصابة لحسن الحظ، وذلك لأن السلطات المصرية كانت قد نقلت 13 عائلة مسبقاً بسبب ازدياد خطر سقوط هذه الصخرة.



    من الأماكن المميزة في هذا الحي كنيسة القديس سمعان الخراز، وهو تحفة معمارية تقع في قلب جبل المقطم تضم عدة كنائس تم بناؤها عام 1976 بمساعدة أهالي الحي ”الزبالين“، ويُعد هذا الدير أكبر كنيسة في الشرق الأوسط بطاقة استيعاب 20000 شخص، كما تضم 76 نحتاً في الجدران نحتها سائح بولندي يُدعى (ماريو).
    صورة كنيسة القديس سمعان الخراز.صورة: Gianluigi Guercia/Getty Images
    تُعود تسمية الدير نسبةً إلى القديس سمعان الخراز، وفقاً للقصص التاريخية التي يتناقلها أقباط مصر فقد كان للخليفة الفاطمي المعز لدين الله وزيرٌ يهودي كاره للمسيحيين يُدعى يعقوب ابن كلس، وقد حرض الوزير الخليفة ضد المسيحيين حيث قال له أنّه مكتوبٌ في الكتاب المقدس أنّ يسوع المسيح قال ”لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل“، فطلب منه إجبار المسيحيين على إثبات صحة إنجيلهم، فقام الخليفة بإرسال رسالة إلى البطريرك إبرام ابن زرعة السرياني يخبره أنّه يمهله ثلاثة أيام لنقل جبل المقطم من مكانه عبر الصلاة، وإن فشل في ذلك فالعواقب وخيمة، فبدأت الكنائس جميعها في البلاد بالصلاة.

    وبحسب القصة القبطية فقد ظهرت في فجر اليوم الثالث مريم العذراء للبطريرك وقالت له أنّه إن خرج الآن سيرى رجلاً يحمل جرة ماء سيقوم بتحقيق المعجزة، وحين خرج البطريرك رأى إسكافياً يُدعى سمعان الخراز يحمل جرة ماء وأخبره ما قالت له العذراء، وبحسب القصة قام سمعان بالصلاة فتحرك الجبل من مكانه بزلزلةٍ عظيمة.
    من الشخصيات الهامة الأخرى في تاريخ هذا الحي: الراهبة (إيمانويل) –أو الأخت (إيمانويل)– وهي راهبة كاثوليكية بلجيكية المولد فرنسية الجنسية كانت تُلقب أحياناً بالأم تريزا الثانية، فبعد حياةٍ طويلة من الخدمة قضتها الراهبة ما بين تونس وتركيا ومصر، قررت في عام 1971 بعد أن زارت حي القمامة ورأت أوضاع السكان العيش معهم ومشاركتهم ظروفهم الحياتية السيئة والعمل لتحسين أوضاعهم، حيث ساهمت بنشر الوعي الصحي والعلمي، وقامت بتأسيس عدة مشاريع تنموية من بينها مدرسة المحبة التي تتسع لثلاثة آلاف طالب وطالبة. وقد أصبحت الأخت (إيمانويل) من أشهر الشخصيات الفرنسية ووضعها أحد البرامج التلفازية البلجيكية في المرتبة الخامسة في قائمة أعظم البلجيكيين.

    نال حي الزبالين شهرة كبيرة والكثير من الاهتمام العالمي بفضل الفيلم الوثائقي الفرنسي «الأخت إيمانويل: سيدة مميزة» Soeur Emmanuelle: An Exceptional Woman الذي أذيع على التلفاز الفرنسي، كما ازداد الاهتمام بالحي عندما عرض الفيلم الوثائقي «أحلام القمامة» Garbage Dreams الذي نال بعد عرضه عام 2009 جائزة REEL Current Award التي يُقدمها نائب الرئيس الأمريكي السابق (آل جور)، وقد تسببت هذه الشهرة في ازدياد عدد السياح الراغبين في زيارة الحي.

    التغيرات التي شهدها حي الزبالين خلال السنوات القصيرة لتأسيسه مدهشة بحق، فما بدأ كمهنةٍ بسيطة في جمع القمامة تطور ليصبح منشآت تعيد تدوير القمامة باحترافية كاملة، ثم أصبح يعمل بترخيصٍ نظامي من الحكومة المصرية، هذا بالإضافة إلى عددٍ كبير من الورشات الصناعية والأعمال الحرفية الأخرى فيما يمكن اعتباره منطقة صناعية مصغرة.

    وبينما ما زالت العشوائيات الصفة الرئيسية للحي إلا أنّ العديد من سكانه، وخاصةً بعد بناء الكنيسة، بدأوا يشعرون بالاستقرار وشرعوا في بناء منازل متواضعة بظروفٍ أفضل، وبينما ما زال الفقر والأمية يطغيان على الحي إلا أنّ نسبة المتعلمين فيه من أطفال وشباب في ازديادٍ ملحوظ.
    المصدر: موقع Atlas Obscura
    4.8k
    تفاعل
    شاركغردمقالات إعلانية

    قد يعجبك أيضامقالات ذات شعبيةهل أعجبك محتوى الموقع؟

    ادعمنا وكن جزءا من فريق دخلك بتعرف عن طريق الباتريون.
    شكرا لكم!



    ادعمنا
    استخدام أي مادة بدون إذن قد يعرضك للتبليغ والملاحقات.جميع الحقوق محفوظة © موقع دخلك بتعرف
    Back to Top
    Close
    Search for:Search
    دخلك بتعرف

    حول العالم
    دخلك بتعرف ”مدينة القمامة“ شرقيّ القاهرة، أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم
    من سيمون العيد
    4.8 ألفتفاعل

    يقع في المنطقة الغربية من القاهرة أحد أغرب الأحياء السكنية في العالم ومن أكثرها فقراً وتعاسةً، إنه حي «منشأة ناصر»، أو كما يُعرف أحياناً بـ”مدينة القمامة“ أو ”حي الزبالين“، وهو حي عشوائي يقارب عدد سكانه 60 ألف نسمة ويُعد من الأحياء الواقعة على مشارف هضبة المقطم.


    نشأ هذا الحي في البدء بسبب هجرة العديد من الأقباط من الصعيد إلى القاهرة، حيث سكنوا في أطراف العاصمة وكانوا يمارسون في البادئ نفس الأعمال التي اعتادوا القيام بها وهي تربية الحيوانات بشكلٍ رئيسي، ثم امتهنوا جمع القمامة وأصبحوا يُلقبون بـ”الزبالين“، وقد تشكل هذا الحي نتيجة تجمع المساكن العشوائية، حيث كانت كل عائلة من الوافدين الجدد تقوم بإنشاء مسكنٍ عشوائي لها، هكذا حتى كبر الحي وأصبح يضم مناطق كبيرة وعدد سكان كبير، وعلى الرغم من أنّه ذو طابعٍ مسيحي قبطي في الأساس، إلا أنّ عدد سكانه المسلمين في ازديادٍ.


    اكتسب هذا الحي اسمه بسبب انتشار القمامة في كل شوارعه والكثير من أسطح مبانيه، ولأن السلطات لم تنشئ –ولمدةٍ طويلة من الزمن– نظاماً فعالاً لجمع القمامة من أحياء القاهرة؛ بدأ أهل هذا الحي بجمع القمامة ثم تصنيفها وإعادة تدويرها كوسيلةٍ لكسب العيش، حيث يقوم الرجال في الغالب بجمع القمامة من جميع أحياء القاهرة، وأغلبهم يتقاضون مبلغاً زهيداً مقابل التقاط القمامة من أمام أبواب المنازل، ثم يقومون بنقل القمامة باستخدام عرباتٍ تجرها حمير أو باستخدام شاحناتٍ صغيرة إلى منازلهم في حي «منشأة نصر»، هناك يقومون بمساعدة النساء والأطفال بتصنيف القمامة (الزجاج والأقمشة وعبوات الصفيح والورق والبلاستيك وغيرها) بهدف إعادة تدويرها.


    على الرغم من اعتمادهم وسائل بسيطة وقديمة لإعادة تدوير القمامة، إلا أنّهم يقومون بذلك بفعالية مبهرة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنّ 90٪ من القمامة المجموعة يتم إعادة تدويرها، وهي نسبة عالية جداً وتفوق بأربعة أضعاف نسبة إعادة تدوير القمامة في معظم الدول المتقدمة، وقد احترف السكان هذه المهنة بشكلٍ كبير حيث أصبحت معظم العائلات متخصصة بنوعٍ معين من القمامة مثلاً، وأصبح البعض يقوم بتوظيف عمالٍ من أهل الحي لمساعدته بشكلٍ يشبه الشركات المنظمة.

    شاحنة جمع القمامة في القاهرة في مدينة الزبالين
    شاحنة جمع القمامة في القاهرة في مدينة الزبالين.
    صورة: stitchling/Flickr
    بالطبع تعني ظروف هذا العمل أنّ سكان المنطقة يعيشون في ظروفٍ فائقة السوء من الناحية الصحية، فالتقاط القمامة وتصنيفها يحمل العديد من المخاطر، حيث يمكن أن يتعرض الشخص لجرحٍ بغرضٍ حاد موجودٍ داخل القمامة أو ما شابه، كما أن جمع القمامة في شوارع وأسطح مباني الحي سببٌ رئيسي لانتشار العديد من الأوبئة بين قاطنيه.


    يقوم سكان الحي كذلك بتربية العديد من الحيوانات كالماشية والخنازير، حيث يقومون باستخدام المخلفات الغذائية التي يجدونها بين القمامة كطعامٍ للبهائم، كما يستخدمون الخنازير لتنظيف القمامة من المخلفات العضوية، ثم يقومون ببيع لحمها للفنادق والمطاعم السياحية، كما ساهم احتكاك سكان الحي، خاصة الأطفال منهم، بهذه الحيوانات في انتشار الكثير من الأوبئة بينهم.

    في عام 2009 قررت السلطات المصرية القضاء على الخنازير الموجودة في مصر كإجراءٍ احترازي لمنع انتشار إنفلونزا الخنازير H1N1 في البلاد، وهو قرارٌ عارضته كلٍ من منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية حيث اعتبرتاه غير مبرر علمياً، وقد قامت الحكومة بالقضاء على ما يقدر بأكثر من مئة ألف خنزير في منشأة ناصر، وقد شهدت هذه العملية عدة اشتباكات بين الشرطة ومربي الخنازير، حيث تسببت العملية في خسائر مادية كبيرة للسكان، واليوم عاد السكان لتربية الخنازير لكن بأعدادٍ أقل بكثير مما سبق.

    جمع النفايات والقمامة التي تنتج عن سكان المدينة
    كانت تجارة جمع النفايات والقمامة التي تنتج عن سكان المدينة مربحة بالنسبة مدينة ”الزبالين“.
    صورة: مدونة scrapsofshirlee
    يعاني سكان الحي من مشاكل رئيسية مهمة، فالمياه الصالحة للشرب ليست متوفرة في جميع المنازل في الحي، مما يدفع العديد من السكان لشراء المياه أو تعبئتها من حنفيات مخصصة ونقلها إلى المنازل، كما أنّ نظام الصرف الصحي في المنطقة رديءٌ للغاية ولا يخدم العديد من المنازل العشوائية مما أدى لانتشار مياه الصرف الصحي في العديد من شوارع الحي.


    بالإضافة لكل الظروف الصحية السيئة التي يعيش فيها السكان، فهم في خطرٍ دائم من انهيار المباني العشوائية التي يقطنونها، فقد تكررت هذه الحادثة وأدت لوقوع العديد من الوفيات، كما أنّ موقع حي منشأة ناصر على حدود جبل المقطم جعل الأهالي يعيشون في خطر الانهيارات الصخرية، أشهر هذه الحوادث هو الانهيار الصخري الذي حدث في شهر سبتمبر من عام 2008، الذي أدى فيه انهيار كتل صخرية ضخمة على العديد من المنازل العشوائية إلى هلاك ما يزيد عن 100 شخص وجرح العشرات، كما سقطت مؤخراً صخرة كبيرة على الحي لكن لم تقع أي إصابة لحسن الحظ، وذلك لأن السلطات المصرية كانت قد نقلت 13 عائلة مسبقاً بسبب ازدياد خطر سقوط هذه الصخرة.


    من الأماكن المميزة في هذا الحي كنيسة القديس سمعان الخراز، وهو تحفة معمارية تقع في قلب جبل المقطم تضم عدة كنائس تم بناؤها عام 1976 بمساعدة أهالي الحي ”الزبالين“، ويُعد هذا الدير أكبر كنيسة في الشرق الأوسط بطاقة استيعاب 20000 شخص، كما تضم 76 نحتاً في الجدران نحتها سائح بولندي يُدعى (ماريو).

    صورة كنيسة الزبالين.
    صورة كنيسة القديس سمعان الخراز.
    صورة: Gianluigi Guercia/Getty Images
    تُعود تسمية الدير نسبةً إلى القديس سمعان الخراز، وفقاً للقصص التاريخية التي يتناقلها أقباط مصر فقد كان للخليفة الفاطمي المعز لدين الله وزيرٌ يهودي كاره للمسيحيين يُدعى يعقوب ابن كلس، وقد حرض الوزير الخليفة ضد المسيحيين حيث قال له أنّه مكتوبٌ في الكتاب المقدس أنّ يسوع المسيح قال ”لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل“، فطلب منه إجبار المسيحيين على إثبات صحة إنجيلهم، فقام الخليفة بإرسال رسالة إلى البطريرك إبرام ابن زرعة السرياني يخبره أنّه يمهله ثلاثة أيام لنقل جبل المقطم من مكانه عبر الصلاة، وإن فشل في ذلك فالعواقب وخيمة، فبدأت الكنائس جميعها في البلاد بالصلاة.

    وبحسب القصة القبطية فقد ظهرت في فجر اليوم الثالث مريم العذراء للبطريرك وقالت له أنّه إن خرج الآن سيرى رجلاً يحمل جرة ماء سيقوم بتحقيق المعجزة، وحين خرج البطريرك رأى إسكافياً يُدعى سمعان الخراز يحمل جرة ماء وأخبره ما قالت له العذراء، وبحسب القصة قام سمعان بالصلاة فتحرك الجبل من مكانه بزلزلةٍ عظيمة.

    تعرف على أكبر كنيسة في الشرق الأوسط وقصة بنائها
    من الشخصيات الهامة الأخرى في تاريخ هذا الحي: الراهبة (إيمانويل) –أو الأخت (إيمانويل)– وهي راهبة كاثوليكية بلجيكية المولد فرنسية الجنسية كانت تُلقب أحياناً بالأم تريزا الثانية، فبعد حياةٍ طويلة من الخدمة قضتها الراهبة ما بين تونس وتركيا ومصر، قررت في عام 1971 بعد أن زارت حي القمامة ورأت أوضاع السكان العيش معهم ومشاركتهم ظروفهم الحياتية السيئة والعمل لتحسين أوضاعهم، حيث ساهمت بنشر الوعي الصحي والعلمي، وقامت بتأسيس عدة مشاريع تنموية من بينها مدرسة المحبة التي تتسع لثلاثة آلاف طالب وطالبة. وقد أصبحت الأخت (إيمانويل) من أشهر الشخصيات الفرنسية ووضعها أحد البرامج التلفازية البلجيكية في المرتبة الخامسة في قائمة أعظم البلجيكيين.

    نال حي الزبالين شهرة كبيرة والكثير من الاهتمام العالمي بفضل الفيلم الوثائقي الفرنسي «الأخت إيمانويل: سيدة مميزة» Soeur Emmanuelle: An Exceptional Woman الذي أذيع على التلفاز الفرنسي، كما ازداد الاهتمام بالحي عندما عرض الفيلم الوثائقي «أحلام القمامة» Garbage Dreams الذي نال بعد عرضه عام 2009 جائزة REEL Current Award التي يُقدمها نائب الرئيس الأمريكي السابق (آل جور)، وقد تسببت هذه الشهرة في ازدياد عدد السياح الراغبين في زيارة الحي.

    التغيرات التي شهدها حي الزبالين خلال السنوات القصيرة لتأسيسه مدهشة بحق، فما بدأ كمهنةٍ بسيطة في جمع القمامة تطور ليصبح منشآت تعيد تدوير القمامة باحترافية كاملة، ثم أصبح يعمل بترخيصٍ نظامي من الحكومة المصرية، هذا بالإضافة إلى عددٍ كبير من الورشات الصناعية والأعمال الحرفية الأخرى فيما يمكن اعتباره منطقة صناعية مصغرة.

    وبينما ما زالت العشوائيات الصفة الرئيسية للحي إلا أنّ العديد من سكانه، وخاصةً بعد بناء الكنيسة، بدأوا يشعرون بالاستقرار وشرعوا في بناء منازل متواضعة بظروفٍ أفضل، وبينما ما زال الفقر والأمية يطغيان على الحي إلا أنّ نسبة المتعلمين فيه من أطفال وشباب في ازديادٍ ملحوظ.

    المصدر: موقع Atlas Obscura



يعمل...
X