التكنية والمجتمع
يجب أن نذكر دائما أن التكنية التي نعني هي التكنية الحديثة ، تكنية العجلات الهائلة الدوارة ، تكنية المكنات، تكنية الفحم والزيت والكهرباء ، لا تلك التكنية القديمة التي حاول الانسان انشاءها منذ عهد آدم .
تلك التكنية التي نعني بدأت من نحو ۳ قرون ، تزيد أو تنقص ، تبعا للقدر الذي ناله الانسان منها المجتمع الانساني قبل هذه القرون القليلة كان مفرقا في قرى . ومدن صغيرة واسأل ما كان تعداد القاهرة أو بغداد أو دمشق أو لندن أو باريس في تلك الأيام تدرك معنى ما أقول .
جاءت التكنية الحديثة ، رويدا رويدا جعلت كل صغير كبيرا ، والقرية صارت مدينة ، والمدينة صارت عاصمة كبيرة . وبدأنا نسمع بالملايين تتكتل في المساحة القليلة .
والسبب ؟
انظر معي الى المجتمع . ما المجتمع ، أي مجتمع ، في أي عصر ؟ انه يتألف من فئة تزرع ، ومن فئة تصنع ، وفئة تقوم بتوزيع نتاج زراعة أو نتاج صناعة بين الناس، ونسميهم بالتجار .
هذا هو المجتمع أصلا ، وما عداه من الفئات تبع . الموظفون عند التجار والزراع والصناع انما هم تبع . والقائمون بالمواصلات انما هم تبع . ورجال المحاكم والشرطة تبع . والطب والتعليم تبع . كل هذه خدمات استدعاها وجود الزارع والصانع والتاجر ، أولئك المتصلون بالانتاج عند مصادره الأولى .
جاءت التكنية الحديثة فقلبت وسائل الانتاج راسا على عقب . صارت الآلات وما يديرها من قوى هائلة ، تنتج في الساعة ما كان عجز عنه الانسان أن ينتجه في أشهر حتى ولو انه درى كيف ينتج . وكثر الانتاج وزاد و فاض .
ولكن هذا الانتاج العظيم يحتاج الى مال كثير . ومن هنا نشأت الشركات . مال زيد الى مال عمرو الى مال وتألف من الأموال رؤوس أموال كبيرة ، انشأت خالد المصانع العظيمة التي زادت الانتاج كثرة ووفرة .
والمصنع اليدوي الصغير الذي كان يستخدم العشرة والعشرين من العمال ، صار يستخدم الألف والآلاف .
وتكتلت العمال الوفا الوفا حول المصانع ، فنشأت المدن . ومع نشأة المدن زادت احجام كل الخدمات ، من شرطة ، من محاكم ، من طب ، من تعليم ، من مواصلات. وتفنن رجال التكنية فيما يصنعون فتنوعت المنتوجات ، وتعددت اصنافا ، وتعددت درجاتها .
وحاجات لم يكن لانسان هذه الأرض علم بها ، خلقتها المدنية ، بل التكنية ، خلقا ، فصارت من الضروريات القطار والقاطرة . السيارة . الطيارة . السفينة الباخرة وغير الباخرة ، التلفون . التلغراف ذو السلك وغير ذي السلك . الرديو . التلفاز . وحتى الملابس وصنوفها . وحتى صنوف الطعام . انك لتدخل اليوم ما اسموه بالسوق المركزي ، فتجول بعينك في أرففه المائة ، وتنظر الى الطعام في اكياسه وعلبه وعاريا ، فتحار فيما تأخذ وماذا تدع .
كل هذه الاشياء ، وقد ذكرنا منها بعضا قليلا، وتركنا منها الكثير الأكثر ، كلها تحتاج الى مصانع ، والمصانع تحتاج الى صناع ، والنتاج نفسه يحتاج الى تسويق ، والتسويق يحتاج الى رجال .
من أجل كل هذا كان هذا التضخم في الأعمال، وهذا التنوع . واذن فالتكتل بين السكان .
والعاملون ، في الانتاج المباشر أو ملحقاته ، في حاجة الى تعليم ، فالصناعة ترفض الجاهل . وفي حاجة الى تمريض وتصحيح ، فالصناعة ترفض المريض غير الصحيح. والذي جرى في الصناعة جرى مثله في الزراعة ، لا سيما في هذا القرن العشرين .
وخلاصة كل ذلك ارتفاع مستوى المعيشة . ارتفع عند جمهور الناس وعند السواد من الرجال والنساء ولا أذكر أرباب القصور . وحتى القدماء من أرباب القصور لم يعرفوا فضل التكنية ، التي هي من فضل العقل الانساني ، الذي هو من فضل الله ، لم يعرفوا فضلها في عيشهم اليومي القديم ، كما عرفها الرجل من سواد الناس تختاره من هذا العصر الذي نحن فيه ، في أمم ننعتها بالمتقدمة ، ولو أنا نعتناها بالتكنية المتقدمة لكنا أدق قولا .
- التكنية لم تكن كلها خيرا :
التكنية جاءت الناس بنعم لا تنكر . أو الأصح أن نقول أن التكنية جاءت أصحابها بنعم لا تنكر . ثلث العالم نعم بها ، وبقي الثلثان يشقيان بغيبتها ، ويحاولان اللحاق .
ومع هذا فلو أنك نظرت الى كثير من متاعب أهل الأرض الحالية ، لوجدتها ترد الى هذه التكنية .
مثال ذلك مشكلة العمل والعمال .
كان مما تنبه اليه العمال ، وازدادوا له تنبها في منتصف القرن الماضي ، زيادة الانتاج الذي هم أحدثوه ، ونصيبهم من الكسب الكائن مقارنا بالذي يكسبه أصحاب رؤوس الأموال . والناس أخذت مستويات حياتهم ترتفع فما بال مستويات العمال؟ ونشأت الخصومة التي لم تنته الى اليوم .
ومن هذه الخصومة ، أو في ظلها ، نشأت المذاهب الاجتماعية الحديثة . وهي نشأت في منتصف القرن الماضي حيث كان العامل يكاد يعمل من مشرق الشمس الى مغربها ، ولا ينال من الأجر الا القليل . ولم يكن له من أمن الحياة شيء . ولا من رفهها ، بل من المعقول من مستوياتها شيء . وكان طبيعيا أن تنشأ في ظلال هذا الاجحاف البالغ
ما تنشأ من مذاهب .
وناصر الكثير من رجال الاقتصاد مطالب العمال ناصروها بناء على أسس انسانية ، وعلى أخرى اقتصادية قالوا ان هذا الانتاج المتكاثر لا بد له في الأسواق من قوة شراء تستوعبه . وزيادة نصيب العمال من الكسب زيادة في قوة الشراء .
ومن أمثلة ما شقي به الناس من التكنية ، ما كان من الأمم التي نعمت بها من سلوكها مسالكها المعروفة الاستعمارية .
التكنية أعطت أهلها كل وسائل القمع . أعطتها من وسائل الحرب والدمار ما لم يكن يخطر ببال انسان واجتمعت القدرة الكبيرة على الضعف الكثير ، فلم يكن لأكثر الأمم امام الهجوم الاستعماري التكني صمود . وكان من اخلاق الانسان في تلك الأيام أن يفخر بما أكسبه اياه الاستعمار . فدولة تفخر بأنها سيدة البحار ، وتفخر بأن الشمس لا تغيب أبدا عن حيث لها على ظهر الأرض ربوض ، وأخرى تفخر بأن علمها لا بد منشور في كل الأرجاء .
ومن أمثلة ما شقي به الناس من التكنية . ومن العلم الذي يسندها ، وسائل الدمار التي ابتدعها الانسان لأعدائه ، فاذا به يستيقظ على الحقيقة الرهيبة . وقد ابدع الأعداء مثلها ، انها ليست لدمار أعدائه وحدهم وانما هي لدماره ودمارهم جميعا .
ونعني بذلك بالطبع ، القنبلة الذرية ، والحاملات التي تحملها أو تقذف بها الى أي مكان في الأرض .
- العلم والتكنية ، لا يوصفان بالخير أو بالشر :
وتسأل العلماء عن هذا العلم ، وعن هذه التكنية ، ما خطبهما ؟ فيقولون لك ان العلم ، وان التكنية ، كلاهما ليس فيه الخير أصلا ، وليس فيه الشر . انهما كمشرط الجراح ، يستطيع أن يقتل به ، أو أن يجرح ليشفي أو هما كالماء ، تستطيع أن تبل به الظمأ وتستطيع ان تسد به الأنفاس وتفرق .
أما الخير أو الشر ففي الانسان .
ويحدثونك عن الحكمة ، فيقولون انها تخلفت في الانسان ، وتقدم عقله . ولا بد للحكمة أن تسبق حتى يتخلص الانسان من فواجع التكنية وينعم بالمكاسب وحدها .
- وأسموا التكنية بالمادية عجزا وقصر ذيل :
وقوم من أهل الشرق الفوا العيشة التي يسميها اهل الأرض بالدنيا ، أو الوضيعة ، عيشة التقشف ، ولو قد فرض عليهم غصبا . فهم لا يرون في هذه التكنية غير المادية . وقد يكونون في ذلك مثل الثعلب الذي نظر للعنب ، فوجده عاليا لا ينال ، فقال ، انه الحصرم المر، وذهب راغبا عنه ، وقد يكونون فيما يدعون زاهدين مخلصين ، يرون الانسان يخرج عند ولادته من فناء لينتهي عند موته الى فناء ، وأن العيش يقظة النائم التي لا بد أن تنتهي وأنها يقظة العمر ، والعمر قصير ، فما بال الانسان يهتم كل هذا الهم بحياة أول أوصافها القصر .
أمثال هؤلاء يرون في العيش رأي المعري ، او رأي عمر الخيام . وأنا كثيرا ما تمر بي ساعات أرى الحق في هذا أبلج واضحا . ثم لا البث أن أقول : هذا الحق يحتاج الى صمود فوق ما تستطيعه قدرة انسان يعيش فوق هذه الأرض . وارتضاه المعري ، وقدر عليه ، لأنه ، أولا : كان صاحب المحبسين ، وليس الناس كذلك ولأنه ثانيا كان ذلك الرجل الذي قال : هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد .
يجب أن نذكر دائما أن التكنية التي نعني هي التكنية الحديثة ، تكنية العجلات الهائلة الدوارة ، تكنية المكنات، تكنية الفحم والزيت والكهرباء ، لا تلك التكنية القديمة التي حاول الانسان انشاءها منذ عهد آدم .
تلك التكنية التي نعني بدأت من نحو ۳ قرون ، تزيد أو تنقص ، تبعا للقدر الذي ناله الانسان منها المجتمع الانساني قبل هذه القرون القليلة كان مفرقا في قرى . ومدن صغيرة واسأل ما كان تعداد القاهرة أو بغداد أو دمشق أو لندن أو باريس في تلك الأيام تدرك معنى ما أقول .
جاءت التكنية الحديثة ، رويدا رويدا جعلت كل صغير كبيرا ، والقرية صارت مدينة ، والمدينة صارت عاصمة كبيرة . وبدأنا نسمع بالملايين تتكتل في المساحة القليلة .
والسبب ؟
انظر معي الى المجتمع . ما المجتمع ، أي مجتمع ، في أي عصر ؟ انه يتألف من فئة تزرع ، ومن فئة تصنع ، وفئة تقوم بتوزيع نتاج زراعة أو نتاج صناعة بين الناس، ونسميهم بالتجار .
هذا هو المجتمع أصلا ، وما عداه من الفئات تبع . الموظفون عند التجار والزراع والصناع انما هم تبع . والقائمون بالمواصلات انما هم تبع . ورجال المحاكم والشرطة تبع . والطب والتعليم تبع . كل هذه خدمات استدعاها وجود الزارع والصانع والتاجر ، أولئك المتصلون بالانتاج عند مصادره الأولى .
جاءت التكنية الحديثة فقلبت وسائل الانتاج راسا على عقب . صارت الآلات وما يديرها من قوى هائلة ، تنتج في الساعة ما كان عجز عنه الانسان أن ينتجه في أشهر حتى ولو انه درى كيف ينتج . وكثر الانتاج وزاد و فاض .
ولكن هذا الانتاج العظيم يحتاج الى مال كثير . ومن هنا نشأت الشركات . مال زيد الى مال عمرو الى مال وتألف من الأموال رؤوس أموال كبيرة ، انشأت خالد المصانع العظيمة التي زادت الانتاج كثرة ووفرة .
والمصنع اليدوي الصغير الذي كان يستخدم العشرة والعشرين من العمال ، صار يستخدم الألف والآلاف .
وتكتلت العمال الوفا الوفا حول المصانع ، فنشأت المدن . ومع نشأة المدن زادت احجام كل الخدمات ، من شرطة ، من محاكم ، من طب ، من تعليم ، من مواصلات. وتفنن رجال التكنية فيما يصنعون فتنوعت المنتوجات ، وتعددت اصنافا ، وتعددت درجاتها .
وحاجات لم يكن لانسان هذه الأرض علم بها ، خلقتها المدنية ، بل التكنية ، خلقا ، فصارت من الضروريات القطار والقاطرة . السيارة . الطيارة . السفينة الباخرة وغير الباخرة ، التلفون . التلغراف ذو السلك وغير ذي السلك . الرديو . التلفاز . وحتى الملابس وصنوفها . وحتى صنوف الطعام . انك لتدخل اليوم ما اسموه بالسوق المركزي ، فتجول بعينك في أرففه المائة ، وتنظر الى الطعام في اكياسه وعلبه وعاريا ، فتحار فيما تأخذ وماذا تدع .
كل هذه الاشياء ، وقد ذكرنا منها بعضا قليلا، وتركنا منها الكثير الأكثر ، كلها تحتاج الى مصانع ، والمصانع تحتاج الى صناع ، والنتاج نفسه يحتاج الى تسويق ، والتسويق يحتاج الى رجال .
من أجل كل هذا كان هذا التضخم في الأعمال، وهذا التنوع . واذن فالتكتل بين السكان .
والعاملون ، في الانتاج المباشر أو ملحقاته ، في حاجة الى تعليم ، فالصناعة ترفض الجاهل . وفي حاجة الى تمريض وتصحيح ، فالصناعة ترفض المريض غير الصحيح. والذي جرى في الصناعة جرى مثله في الزراعة ، لا سيما في هذا القرن العشرين .
وخلاصة كل ذلك ارتفاع مستوى المعيشة . ارتفع عند جمهور الناس وعند السواد من الرجال والنساء ولا أذكر أرباب القصور . وحتى القدماء من أرباب القصور لم يعرفوا فضل التكنية ، التي هي من فضل العقل الانساني ، الذي هو من فضل الله ، لم يعرفوا فضلها في عيشهم اليومي القديم ، كما عرفها الرجل من سواد الناس تختاره من هذا العصر الذي نحن فيه ، في أمم ننعتها بالمتقدمة ، ولو أنا نعتناها بالتكنية المتقدمة لكنا أدق قولا .
- التكنية لم تكن كلها خيرا :
التكنية جاءت الناس بنعم لا تنكر . أو الأصح أن نقول أن التكنية جاءت أصحابها بنعم لا تنكر . ثلث العالم نعم بها ، وبقي الثلثان يشقيان بغيبتها ، ويحاولان اللحاق .
ومع هذا فلو أنك نظرت الى كثير من متاعب أهل الأرض الحالية ، لوجدتها ترد الى هذه التكنية .
مثال ذلك مشكلة العمل والعمال .
كان مما تنبه اليه العمال ، وازدادوا له تنبها في منتصف القرن الماضي ، زيادة الانتاج الذي هم أحدثوه ، ونصيبهم من الكسب الكائن مقارنا بالذي يكسبه أصحاب رؤوس الأموال . والناس أخذت مستويات حياتهم ترتفع فما بال مستويات العمال؟ ونشأت الخصومة التي لم تنته الى اليوم .
ومن هذه الخصومة ، أو في ظلها ، نشأت المذاهب الاجتماعية الحديثة . وهي نشأت في منتصف القرن الماضي حيث كان العامل يكاد يعمل من مشرق الشمس الى مغربها ، ولا ينال من الأجر الا القليل . ولم يكن له من أمن الحياة شيء . ولا من رفهها ، بل من المعقول من مستوياتها شيء . وكان طبيعيا أن تنشأ في ظلال هذا الاجحاف البالغ
ما تنشأ من مذاهب .
وناصر الكثير من رجال الاقتصاد مطالب العمال ناصروها بناء على أسس انسانية ، وعلى أخرى اقتصادية قالوا ان هذا الانتاج المتكاثر لا بد له في الأسواق من قوة شراء تستوعبه . وزيادة نصيب العمال من الكسب زيادة في قوة الشراء .
ومن أمثلة ما شقي به الناس من التكنية ، ما كان من الأمم التي نعمت بها من سلوكها مسالكها المعروفة الاستعمارية .
التكنية أعطت أهلها كل وسائل القمع . أعطتها من وسائل الحرب والدمار ما لم يكن يخطر ببال انسان واجتمعت القدرة الكبيرة على الضعف الكثير ، فلم يكن لأكثر الأمم امام الهجوم الاستعماري التكني صمود . وكان من اخلاق الانسان في تلك الأيام أن يفخر بما أكسبه اياه الاستعمار . فدولة تفخر بأنها سيدة البحار ، وتفخر بأن الشمس لا تغيب أبدا عن حيث لها على ظهر الأرض ربوض ، وأخرى تفخر بأن علمها لا بد منشور في كل الأرجاء .
ومن أمثلة ما شقي به الناس من التكنية . ومن العلم الذي يسندها ، وسائل الدمار التي ابتدعها الانسان لأعدائه ، فاذا به يستيقظ على الحقيقة الرهيبة . وقد ابدع الأعداء مثلها ، انها ليست لدمار أعدائه وحدهم وانما هي لدماره ودمارهم جميعا .
ونعني بذلك بالطبع ، القنبلة الذرية ، والحاملات التي تحملها أو تقذف بها الى أي مكان في الأرض .
- العلم والتكنية ، لا يوصفان بالخير أو بالشر :
وتسأل العلماء عن هذا العلم ، وعن هذه التكنية ، ما خطبهما ؟ فيقولون لك ان العلم ، وان التكنية ، كلاهما ليس فيه الخير أصلا ، وليس فيه الشر . انهما كمشرط الجراح ، يستطيع أن يقتل به ، أو أن يجرح ليشفي أو هما كالماء ، تستطيع أن تبل به الظمأ وتستطيع ان تسد به الأنفاس وتفرق .
أما الخير أو الشر ففي الانسان .
ويحدثونك عن الحكمة ، فيقولون انها تخلفت في الانسان ، وتقدم عقله . ولا بد للحكمة أن تسبق حتى يتخلص الانسان من فواجع التكنية وينعم بالمكاسب وحدها .
- وأسموا التكنية بالمادية عجزا وقصر ذيل :
وقوم من أهل الشرق الفوا العيشة التي يسميها اهل الأرض بالدنيا ، أو الوضيعة ، عيشة التقشف ، ولو قد فرض عليهم غصبا . فهم لا يرون في هذه التكنية غير المادية . وقد يكونون في ذلك مثل الثعلب الذي نظر للعنب ، فوجده عاليا لا ينال ، فقال ، انه الحصرم المر، وذهب راغبا عنه ، وقد يكونون فيما يدعون زاهدين مخلصين ، يرون الانسان يخرج عند ولادته من فناء لينتهي عند موته الى فناء ، وأن العيش يقظة النائم التي لا بد أن تنتهي وأنها يقظة العمر ، والعمر قصير ، فما بال الانسان يهتم كل هذا الهم بحياة أول أوصافها القصر .
أمثال هؤلاء يرون في العيش رأي المعري ، او رأي عمر الخيام . وأنا كثيرا ما تمر بي ساعات أرى الحق في هذا أبلج واضحا . ثم لا البث أن أقول : هذا الحق يحتاج الى صمود فوق ما تستطيعه قدرة انسان يعيش فوق هذه الأرض . وارتضاه المعري ، وقدر عليه ، لأنه ، أولا : كان صاحب المحبسين ، وليس الناس كذلك ولأنه ثانيا كان ذلك الرجل الذي قال : هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد .
تعليق