تويت
مسلسل "تاج".. عن دمشق التي لم نشاهدها من قبل!
عمل فني يحاكي قصة الملاكم الدمشقي تاج الدين في مكافحة المستعمر الفرنسي خلال أربعينات القرن الماضي.
الخميس 2024/03/28
ملاكم يخوض صراعات على عدة مستويات
دمشق - بعد شراكة دامت ثماني سنوات وأثمرت أعمالاً هامة حصدت جماهيرية كبيرة كمسلسل “الهيبة” بأجزائه الخمسة و”الزند” في العام الماضي يعود الثنائي تيم حسن وسامر برقاوي ليقدم حكاية جديدة هذا العام في مسلسل “تاج”، تأليف عمر أبوسعدة وإنتاج شركة الصباح اللبنانية.
يحكي العمل قصة الملاكم الدمشقي تاج الدين، الحمال الذي يمتهن الخياطة وينتمي إلى منظمة القمصان الحديدية التي واجهت الاستعمار الفرنسي في ثلاثينات القرن الماضي، حيث يترأس تاج الملقب بالمقص مجموعة من الفدائيين مهمتهم اغتيال الضباط الفرنسيين وإزعاج السلطات، وهو المطلوب رقم واحد لدى الفرنسيين ليأتي حدث واحد ويغير كل مجرى حياته ويقلبها رأسا على عقب ويصبح الخائن العميل لدى الفرنسيين بعد أن كان البطل المناضل الذي لا يهاب الموت في سبيل حرية بلده. كل ذلك بسبب تقرير كتبه أكبر عميل للاستخبارات الفرنسية في البلاد الخياط الشهير رياض الجواد والذي يؤدي دوره النجم بسام كوسا؛ يخبر به الكولونيل جول الذي نجا من محاولة اغتيال على يد تاج في مكان اجتماع المجموعة فيقوم بمداهمته ليلاً هو وقواته وقتل كل أفراد المجموعة وعلى رأسهم عامر صديق تاج المقرب وابن رب عمله وأكبر تجار دمشق.
الفنان تيم حسن تقمص شخصية الملاكم بمهارة كبيرة ابتداءً من مشيته ووصولا إلى انفعالاته عند الغضب
يعتقد والد الفقيد والمقربون منه أن تاج هو من وشى به وبأصدقائه، الأمر الذي يدمر سمعته لدى الدمشقيين فتتبدل حياته كليا ويبدأ بخسارة كل شيء تدريجيا بدءا من عمله عند أبوعامر وانتهاءً بزوجته نوران (فايا يونان) التي يحبها كثيرا هي وابنته سلمى التي يضطر إلى أن يتخلى عنها لأمها بعد ابتزازه من رياض الجواد.
بعد أن تم تخوينه من قبل أفراد المنظمة التي تم حلها وتوقف نشاطها عقب مقتل عامر ورفاقه، يترك تاج رياضة الملاكمة التي يحبها ويصبح مقامرا سكيرا لا يعود إلى منزله حتى بزوغ الفجر. يأخذ المال من نوران ليلعب القمار، الأمر الذي اضطرها إلى بيع كل مصوغها لكي تصرف عليه وعلى ابنتها، وحين كانت ترفض إعطاءه المال كان يعنفها.
تاج المحب الذي تعرفه نوران أصبح وحشا شرها للمال من أجل القمار، الأمر الذي يضطرها في النهاية إلى تركه والزواج برياض بك السبب في تدمير حياته وتبدلها؛ فبعد خمس سنوات من الصبر والحفاظ على حبها لم تستطع نوران أن تستمر معه لكن تاج سرعان ما يلملم شتات نفسه وينهض من تحت الرماد ويقرر العودة إلى رياضة الملاكمة التي يحبها والتصالح مع أصدقاء الماضي وخصوصاً مدربه وصديقه سليم، واضعا هدفا واحدا نصب عينيه وهو كشف عمالة رياض الجواد أشهر خياطي دمشق للفرنسيين.
يبدأ الصراع وتبدأ الأحداث بالتصاعد فيقوم هو وصديقه الصحافي سليم (كفاح الخوص) بالبحث والتقصي محاولين الوصول إلى ملف رياض الجواد الموجود في أرشيف إحدى الثكنات العسكرية الفرنسية، الأمر الذي يوقعهم في مشاكل كثيرة مع السلطات الفرنسية.
يستمد تاج قوته من شعلة الحب الباقية في داخله لنوران وابنته سلمى وخصوصا حين يقول في أحد لقاءاته مع الجواد عندما كان آتيا لأخذ ابنته من منزله في نزهة “سوف يأتي اليوم وأسترد كل شيء لي عندك” فيضحك الأخير.
هذه هي المرة الثالثة التي يجتمع فيها النجمان بسام كوسا وتيم حسن في عمل واحد؛ فالمرة الأولى كانت في مسلسل “الانتظار”، إخراج الليث حجو، حيث كان بسام كوسا صحافيا مرموقا يعاني من مشاكل زوجية وتيم حسن أحد صعاليك الحارة (عبود) تجمعه صداقة مع رجا ابنه. والمرة الثانية كانت في مسلسل “زمن العار” عام 2009، إخراج رشا شربتجي، حيث كانا يتنافسان على حب امرأة واحدة أيضا (سلافة معمار).
أداء بطولي
وبالعودة إلى مسلسل “تاج”، تدور أحداثه في مدينة دمشق خلال أربعينات القرن الماضي بكل التفاصيل الجميلة التي كانت حينها حيث ساحة المرجة برمزيتها هي مركز المدينة بمحالها التجارية وفنادقها وكازينوهاتها، إذ تم تقديم تلك الفترة بأمانة وحرص شديد من قبل صناع العمل ابتداء من الشوارع وتفاصيلها كترامواي دمشق الذي بقي حتى خمسينات القرن الماضي وانتهاءً بالملابس التي جاءت بتوقيع مصممة الأزياء الموهوبة رجاء مخلوف. نحن إذا أمام مدينة دمشق كما لم نرها من قبل، دمشق الثقافة والفكر والجمال، فالترامواي هو وسيلة التنقل العامة في المدينة ودور السينما تملأها كسينما الشهبندر التي يملكها نزيه الشهبندر أول عارض أفلام سوري، حيث قدمه العمل كصديق لتاج، وسليم يساعدهما بإعطائهما ملابس للتنكر يستخدمها في تصوير أفلامه، ومقهى المرجة العريق، وكازينو الليدو.
كل هذه الأمكنة التي اطلعنا عليها في الروايات التي تناولت تلك الحقبة من سوريا نشاهدها أمامنا في المسلسل دون أن يقع في فخ التوثيق؛ فالاهتمام بالأماكن الحقيقية جاء ضمن السرد الحكائي والأمانة في نقل تلك الفترة لم تتم في أي عمل سوري قدم عنها من قبل. وعلى سبيل المثال قمع المظاهرات الطلابية التي تخرج من جامعة دمشق كان يتم على يد الجنود السنغال المتطوعين في الجيش الفرنسي وكانوا يسمون آنذاك “الخيالة السنغال”.
والإنتاج الضخم كان واضحا بكل تفاصيل هذا العمل فقد تم بناء مدينتين على أطراف دمشق تحاكيان دمشق في الأربعينات بكل تفاصيلها وتم التصوير فيهما برؤية المخرج الموهوب سامر برقاوي ومدير تصويره البولندي ليقدما لنا العمل في أجمل صورة تضاهي أضخم الأعمال السينمائية التي شاهدناها.
وتقمص الفنان تيم حسن شخصيته بمهارة كبيرة ابتداءً من مشيته ووصولا إلى انفعالاته عند الغضب؛ فقد تقمص شخصية الملاكم تقمصا كاملا في كل كلمة ينطقها وفي كل حركة يقوم بها. كما وجدنا أنفسنا أمام ممثلة موهوبة أضفت خفة على العمل بالرغم من أنها تقف أمام الكاميرا للمرة الأولى وهي المغنية فايا يونان بجمال تفاصيل وجهها الطبيعية التي أعطت مصداقية لشخصية امرأة من ذلك الزمان، كما كان لحضورها نغم جميل كصوتها وأدائها في المشهد الذي تحكي فيه لزوجها الجديد رياض الجمال عن حبها للسينما وفيلم “الوردة البيضاء” الذي كان يعرض في تلك الفترة وتقلد صوت محمد عبدالوهاب وحبيبته في الفيلم، فنجد أنفسنا أمام ممثلة مخضرمة وليست شخصاً يمثل لأول مرة. ولا ننسى الأداء المميز للفنان كفاح الخوص في دور الصحافي سليم صديق تاج المقرب الذي أداه ببراعة وتميز جعل له حضورا يبقى في ذاكرة المشاهد فإذا نحن أمام عمل متكامل على المستوى الفني نصا وإخراجا وتمثيلا.
إلياس حموي
كاتب سوري
عمل فني يحاكي قصة الملاكم الدمشقي تاج الدين في مكافحة المستعمر الفرنسي خلال أربعينات القرن الماضي.
الخميس 2024/03/28
ملاكم يخوض صراعات على عدة مستويات
دمشق - بعد شراكة دامت ثماني سنوات وأثمرت أعمالاً هامة حصدت جماهيرية كبيرة كمسلسل “الهيبة” بأجزائه الخمسة و”الزند” في العام الماضي يعود الثنائي تيم حسن وسامر برقاوي ليقدم حكاية جديدة هذا العام في مسلسل “تاج”، تأليف عمر أبوسعدة وإنتاج شركة الصباح اللبنانية.
يحكي العمل قصة الملاكم الدمشقي تاج الدين، الحمال الذي يمتهن الخياطة وينتمي إلى منظمة القمصان الحديدية التي واجهت الاستعمار الفرنسي في ثلاثينات القرن الماضي، حيث يترأس تاج الملقب بالمقص مجموعة من الفدائيين مهمتهم اغتيال الضباط الفرنسيين وإزعاج السلطات، وهو المطلوب رقم واحد لدى الفرنسيين ليأتي حدث واحد ويغير كل مجرى حياته ويقلبها رأسا على عقب ويصبح الخائن العميل لدى الفرنسيين بعد أن كان البطل المناضل الذي لا يهاب الموت في سبيل حرية بلده. كل ذلك بسبب تقرير كتبه أكبر عميل للاستخبارات الفرنسية في البلاد الخياط الشهير رياض الجواد والذي يؤدي دوره النجم بسام كوسا؛ يخبر به الكولونيل جول الذي نجا من محاولة اغتيال على يد تاج في مكان اجتماع المجموعة فيقوم بمداهمته ليلاً هو وقواته وقتل كل أفراد المجموعة وعلى رأسهم عامر صديق تاج المقرب وابن رب عمله وأكبر تجار دمشق.
الفنان تيم حسن تقمص شخصية الملاكم بمهارة كبيرة ابتداءً من مشيته ووصولا إلى انفعالاته عند الغضب
يعتقد والد الفقيد والمقربون منه أن تاج هو من وشى به وبأصدقائه، الأمر الذي يدمر سمعته لدى الدمشقيين فتتبدل حياته كليا ويبدأ بخسارة كل شيء تدريجيا بدءا من عمله عند أبوعامر وانتهاءً بزوجته نوران (فايا يونان) التي يحبها كثيرا هي وابنته سلمى التي يضطر إلى أن يتخلى عنها لأمها بعد ابتزازه من رياض الجواد.
بعد أن تم تخوينه من قبل أفراد المنظمة التي تم حلها وتوقف نشاطها عقب مقتل عامر ورفاقه، يترك تاج رياضة الملاكمة التي يحبها ويصبح مقامرا سكيرا لا يعود إلى منزله حتى بزوغ الفجر. يأخذ المال من نوران ليلعب القمار، الأمر الذي اضطرها إلى بيع كل مصوغها لكي تصرف عليه وعلى ابنتها، وحين كانت ترفض إعطاءه المال كان يعنفها.
تاج المحب الذي تعرفه نوران أصبح وحشا شرها للمال من أجل القمار، الأمر الذي يضطرها في النهاية إلى تركه والزواج برياض بك السبب في تدمير حياته وتبدلها؛ فبعد خمس سنوات من الصبر والحفاظ على حبها لم تستطع نوران أن تستمر معه لكن تاج سرعان ما يلملم شتات نفسه وينهض من تحت الرماد ويقرر العودة إلى رياضة الملاكمة التي يحبها والتصالح مع أصدقاء الماضي وخصوصاً مدربه وصديقه سليم، واضعا هدفا واحدا نصب عينيه وهو كشف عمالة رياض الجواد أشهر خياطي دمشق للفرنسيين.
يبدأ الصراع وتبدأ الأحداث بالتصاعد فيقوم هو وصديقه الصحافي سليم (كفاح الخوص) بالبحث والتقصي محاولين الوصول إلى ملف رياض الجواد الموجود في أرشيف إحدى الثكنات العسكرية الفرنسية، الأمر الذي يوقعهم في مشاكل كثيرة مع السلطات الفرنسية.
يستمد تاج قوته من شعلة الحب الباقية في داخله لنوران وابنته سلمى وخصوصا حين يقول في أحد لقاءاته مع الجواد عندما كان آتيا لأخذ ابنته من منزله في نزهة “سوف يأتي اليوم وأسترد كل شيء لي عندك” فيضحك الأخير.
هذه هي المرة الثالثة التي يجتمع فيها النجمان بسام كوسا وتيم حسن في عمل واحد؛ فالمرة الأولى كانت في مسلسل “الانتظار”، إخراج الليث حجو، حيث كان بسام كوسا صحافيا مرموقا يعاني من مشاكل زوجية وتيم حسن أحد صعاليك الحارة (عبود) تجمعه صداقة مع رجا ابنه. والمرة الثانية كانت في مسلسل “زمن العار” عام 2009، إخراج رشا شربتجي، حيث كانا يتنافسان على حب امرأة واحدة أيضا (سلافة معمار).
أداء بطوليوبالعودة إلى مسلسل “تاج”، تدور أحداثه في مدينة دمشق خلال أربعينات القرن الماضي بكل التفاصيل الجميلة التي كانت حينها حيث ساحة المرجة برمزيتها هي مركز المدينة بمحالها التجارية وفنادقها وكازينوهاتها، إذ تم تقديم تلك الفترة بأمانة وحرص شديد من قبل صناع العمل ابتداء من الشوارع وتفاصيلها كترامواي دمشق الذي بقي حتى خمسينات القرن الماضي وانتهاءً بالملابس التي جاءت بتوقيع مصممة الأزياء الموهوبة رجاء مخلوف. نحن إذا أمام مدينة دمشق كما لم نرها من قبل، دمشق الثقافة والفكر والجمال، فالترامواي هو وسيلة التنقل العامة في المدينة ودور السينما تملأها كسينما الشهبندر التي يملكها نزيه الشهبندر أول عارض أفلام سوري، حيث قدمه العمل كصديق لتاج، وسليم يساعدهما بإعطائهما ملابس للتنكر يستخدمها في تصوير أفلامه، ومقهى المرجة العريق، وكازينو الليدو.
كل هذه الأمكنة التي اطلعنا عليها في الروايات التي تناولت تلك الحقبة من سوريا نشاهدها أمامنا في المسلسل دون أن يقع في فخ التوثيق؛ فالاهتمام بالأماكن الحقيقية جاء ضمن السرد الحكائي والأمانة في نقل تلك الفترة لم تتم في أي عمل سوري قدم عنها من قبل. وعلى سبيل المثال قمع المظاهرات الطلابية التي تخرج من جامعة دمشق كان يتم على يد الجنود السنغال المتطوعين في الجيش الفرنسي وكانوا يسمون آنذاك “الخيالة السنغال”.
والإنتاج الضخم كان واضحا بكل تفاصيل هذا العمل فقد تم بناء مدينتين على أطراف دمشق تحاكيان دمشق في الأربعينات بكل تفاصيلها وتم التصوير فيهما برؤية المخرج الموهوب سامر برقاوي ومدير تصويره البولندي ليقدما لنا العمل في أجمل صورة تضاهي أضخم الأعمال السينمائية التي شاهدناها.
وتقمص الفنان تيم حسن شخصيته بمهارة كبيرة ابتداءً من مشيته ووصولا إلى انفعالاته عند الغضب؛ فقد تقمص شخصية الملاكم تقمصا كاملا في كل كلمة ينطقها وفي كل حركة يقوم بها. كما وجدنا أنفسنا أمام ممثلة موهوبة أضفت خفة على العمل بالرغم من أنها تقف أمام الكاميرا للمرة الأولى وهي المغنية فايا يونان بجمال تفاصيل وجهها الطبيعية التي أعطت مصداقية لشخصية امرأة من ذلك الزمان، كما كان لحضورها نغم جميل كصوتها وأدائها في المشهد الذي تحكي فيه لزوجها الجديد رياض الجمال عن حبها للسينما وفيلم “الوردة البيضاء” الذي كان يعرض في تلك الفترة وتقلد صوت محمد عبدالوهاب وحبيبته في الفيلم، فنجد أنفسنا أمام ممثلة مخضرمة وليست شخصاً يمثل لأول مرة. ولا ننسى الأداء المميز للفنان كفاح الخوص في دور الصحافي سليم صديق تاج المقرب الذي أداه ببراعة وتميز جعل له حضورا يبقى في ذاكرة المشاهد فإذا نحن أمام عمل متكامل على المستوى الفني نصا وإخراجا وتمثيلا.
إلياس حموي
كاتب سوري