3 وجوه أنثوية من جزيرة فيلكا الكويتية
تنتمي إلى الطرازَين اليوناني والبابلي الهلنستي
3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين
نُشر: 15:44-12 مارس 2024 م ـ 02 رَمضان 1445 هـ
TT
20من جزيرة فيلكا الكويتية، خرج عدد كبير من التماثيل الأثرية المتعددة الأساليب، منها مجموعة من المجسمات الطينيّة الصغيرة، عثرت عليها البعثة الفرنسية في موقع يُعرف بـ«تل الخزنة»، خلال حملة التنقيب الواسعة التي أجرتها في عام 1984. تعود هذه المجموعة إلى الفترة الممتدة من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وتضم أكثر مائتين وثمانين قطعة وصل أغلبها على شكل كسور مجتزأة، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل.
تقع أهم مواقع فيلكا الأثرية في أقصى الجنوب الغربي من ساحة الجزيرة، وأشهرها موقع يُعرف بمنطقة تل سعد وتل سعيد، يضمّ قبرين، أحدهما يدعى قبر سعد والآخر قبر سعيد. على الشريط الساحلي، إلى الشمال من منطقة سعد وسعيد، يقع تل الخزنة، وتعود هذه التسمية إلى أسطورة قديمة يرددها أهالي الجزيرة القدماء، تقول إن هذا التل يحوي في عمقه خزنة من الذهب يحرسه ثعبان مخيف يمنع أي إنسان من حفره. في خريف 1976، شرعت بعثة إيطالية من جامعة البندقية في استكشاف هذا التل لمدة بضعة أيام، وعثرت على مجموعة محدودة من اللقى. خلص هذا الاستكشاف الأوّلي إلى القول بوجود موقع ديني في هذا التل، وتوقّف عند هذا الحدّ.
في خريف 1984، واصلت بعثة فرنسية تابعة لـ«مؤسسة الشرق والبحر الأبيض المتوسط» هذا العمل على مدى شهر تحت إدارة العالِمَين إيف كالفي وجان فرنسوا كالفي، وعادت في العام التالي لاستكماله، وتبيّن أن التل فقد مع الزمن أسس مبانيه الأثرية بشكل شبه كامل. في المقابل، جمعت البعثة خلال أعمال التنقيب مجموعة من الكسور الفخارية تحمل سمات الطرازين الأشوري والأخميني، ومجموعة ضخمة من كسور طينية مبعثرة تعود إلى مجسمات طينية صغيرة، وسمحت هذه اللقى بتحديد التاريخ الخاص بهذا التل.
بحسب دراسة نشرها جان فرنسوا كالفي في سنة 1986، إثر انتهاء أعمال البعثة التي شارك في إدارتها، تشكّل المجسمات الطينية نحو 28 في المائة من مجمل اللقى التي تمّ تسجيلها، وتتميز بتنوّع مواضيعها، فمنها التماثيل الآدمية الذكورية والأنثوية، ومنها الحيوانية المتعددة الأجناس، ومنها تلك التي تمثل عناصر جامدة. ويوحي عدد هذه التماثيل الكبير بأنها تعود على ما يبدو إلى مزار لتقديم النزور يتصل بمعبد اندثر، بقيت منه كتابة يتيمة نُقشت باللغة الآرامية تشير إلى معبود ضاع اسمه. ويرى بعض البحاثة المختصين أن هذا المعبود هو نابو، سيد الكتابة والحكمة في الميراث البابلي، في حين يرى البعض الآخر أنه شماش، سيد الشمس في هذا الميراث.
بلغ عدد قطع هذه المجموعة أكثر من مائتين وثمانين قطعة لم يصل أي منها بشكل كامل للأسف، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل. تتشابه هذه الوجوه في الظاهر، غير أنها لا تتماثل، ويتجلّى هذا التباين في تبني أسلوبين فنيّين مختلفين. يبلغ طول الوجه الأول 2.5 سنتمتر، وعرضه 1.4 سنتمتر، وهو بيضاوي طويل، ويتميز بأنف معقوف وثغر صغير، ويحمل سمات الطراز اليوناني الكلاسيكي المعروف بطراز تاناغارا، وهذا الاسم يعود إلى بلدة في مقاطعة بيوتي التابعة في إقليم وسط اليونان. في مقبرة أثرية تقع في هذه البلدة، تم العثور على مئات من التماثيل اليونانية في 1870، وعُرف هذا الطراز باسم هذه البلدة، وتبيّن لاحقاً أن مدينة أثينا شكّلت أساساً له منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، غير أن التسمية ظلت شائعة ومعتمدة حتى يومنا هذا. يعلو هذا الوجه ما يشبه الخوذة؛ ممّا يوحي بأن صاحبته هي المعبودة أثينا، سيدة القوة وحامية المدينة، غير أن هذا العنصر لا يكفي لتأكيد هذه الهوية.
أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس
يبلغ طول الوجه الثاني 3.4 سنتمتر، وعرضه 2.4 سنتمتر، وهو دائري، ويتميز بوجنتين مكتنزتين، وعينين لوزيتين، ويعلوه منديل يحجب الشعر، مع شريط يلتف حول أعلى الجبين. من حيث التأليف، يتبنّى هذا الوجه طرازاً شاع في بلاد ما بين النهرين، ويعكس من حيث الأسلوب أثراً هيلّينياً يظهر في تجسيم عناصر الوجه. يتبع الوجه الثالث هذا النسق، وحجمه مماثل تقريباً لحجم الوجه الثاني، ويتميز كذلك بعينين واسعتين، وبثغر حُدّدت شفتاه الصغيرتان بدقّة، وتشهد هذه السمات لغلبة الأسس الشرقية على اللمسة الهيلينية بشكل جليّ. في الخلاصة، تشهد هذه الوجوه الثلاثة على أسلوبين فنيين، وتظهر هذه الثنائية في الكسور الأنثوية الأخرى التي تمثل أجزاء من قامات، منها تلك التي ظهرت عارية، ومنها تلك التي ظهرت تحت ثنايا ألبسة تمثّل طرازات متنوّعة.
ينتمي الوجه الأول إلى الطراز اليوناني الكلاسيكي، وينتمي الوجهان الآخران إلى طراز يُعرف بالطراز البابلي الهلنستي، وهو طراز ظهر في بلاد ما بين النهرين في القرن الرابع قبل الميلاد، وعكس أثر الجمالية اليونانية على الميراث المحلّي. شاع هذا الطراز بشكل واسع، وأشهر شواهده تلك التي تعود إلى مقاطعة سلوقية على ضفة نهر دجلة، وتتمثّل بنتاج متعدّد الأشكال برز في عهد الإمبراطورية السلوقية، واستمر في عهدي الإمبراطوريتين اللتين تبعتاها، أي الفرثية والساسانية.
يظهر هذا الطراز في جزيرة فيلكا، كما يظهر في جزيرة البحرين، كما يشهد وجه أنثوي منمنم عُثر عليه بشكل مجتزأ في موقع قلعة البحرين. يماثل هذا الوجه البحريني في تكوينه وجهي تل الخزنة، وهو على الأرجح معاصر لهما، ويعود إلى الفترة الممتدة من نهاية القرن الرابع إلى العقود الأولى من القرن الثالث قبل المسيح، وهي الفترة التي امتدت فيها سلطة سلالة الأخمينيين من غرب آسيا إلى وادي السند في الشرق، وشملت ساحل الخليج.
في نهاية تلك الحقبة، أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس، وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس، وخلّفوا في هاتين الجزيرتين ميراثاً فنياً كبيراً يشهد لحضورهم الساطع فيهما.
تنتمي إلى الطرازَين اليوناني والبابلي الهلنستي
3 وجوه من موقع تل الخزنة في جزيرة فيلكا يقابلها وجه من موقع قلعة البحرين
نُشر: 15:44-12 مارس 2024 م ـ 02 رَمضان 1445 هـ
TT
20من جزيرة فيلكا الكويتية، خرج عدد كبير من التماثيل الأثرية المتعددة الأساليب، منها مجموعة من المجسمات الطينيّة الصغيرة، عثرت عليها البعثة الفرنسية في موقع يُعرف بـ«تل الخزنة»، خلال حملة التنقيب الواسعة التي أجرتها في عام 1984. تعود هذه المجموعة إلى الفترة الممتدة من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وتضم أكثر مائتين وثمانين قطعة وصل أغلبها على شكل كسور مجتزأة، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل.
تقع أهم مواقع فيلكا الأثرية في أقصى الجنوب الغربي من ساحة الجزيرة، وأشهرها موقع يُعرف بمنطقة تل سعد وتل سعيد، يضمّ قبرين، أحدهما يدعى قبر سعد والآخر قبر سعيد. على الشريط الساحلي، إلى الشمال من منطقة سعد وسعيد، يقع تل الخزنة، وتعود هذه التسمية إلى أسطورة قديمة يرددها أهالي الجزيرة القدماء، تقول إن هذا التل يحوي في عمقه خزنة من الذهب يحرسه ثعبان مخيف يمنع أي إنسان من حفره. في خريف 1976، شرعت بعثة إيطالية من جامعة البندقية في استكشاف هذا التل لمدة بضعة أيام، وعثرت على مجموعة محدودة من اللقى. خلص هذا الاستكشاف الأوّلي إلى القول بوجود موقع ديني في هذا التل، وتوقّف عند هذا الحدّ.
في خريف 1984، واصلت بعثة فرنسية تابعة لـ«مؤسسة الشرق والبحر الأبيض المتوسط» هذا العمل على مدى شهر تحت إدارة العالِمَين إيف كالفي وجان فرنسوا كالفي، وعادت في العام التالي لاستكماله، وتبيّن أن التل فقد مع الزمن أسس مبانيه الأثرية بشكل شبه كامل. في المقابل، جمعت البعثة خلال أعمال التنقيب مجموعة من الكسور الفخارية تحمل سمات الطرازين الأشوري والأخميني، ومجموعة ضخمة من كسور طينية مبعثرة تعود إلى مجسمات طينية صغيرة، وسمحت هذه اللقى بتحديد التاريخ الخاص بهذا التل.
بحسب دراسة نشرها جان فرنسوا كالفي في سنة 1986، إثر انتهاء أعمال البعثة التي شارك في إدارتها، تشكّل المجسمات الطينية نحو 28 في المائة من مجمل اللقى التي تمّ تسجيلها، وتتميز بتنوّع مواضيعها، فمنها التماثيل الآدمية الذكورية والأنثوية، ومنها الحيوانية المتعددة الأجناس، ومنها تلك التي تمثل عناصر جامدة. ويوحي عدد هذه التماثيل الكبير بأنها تعود على ما يبدو إلى مزار لتقديم النزور يتصل بمعبد اندثر، بقيت منه كتابة يتيمة نُقشت باللغة الآرامية تشير إلى معبود ضاع اسمه. ويرى بعض البحاثة المختصين أن هذا المعبود هو نابو، سيد الكتابة والحكمة في الميراث البابلي، في حين يرى البعض الآخر أنه شماش، سيد الشمس في هذا الميراث.
بلغ عدد قطع هذه المجموعة أكثر من مائتين وثمانين قطعة لم يصل أي منها بشكل كامل للأسف، منها ثلاثة وجوه أنثوية حافظت على ملامحها بشكل كامل. تتشابه هذه الوجوه في الظاهر، غير أنها لا تتماثل، ويتجلّى هذا التباين في تبني أسلوبين فنيّين مختلفين. يبلغ طول الوجه الأول 2.5 سنتمتر، وعرضه 1.4 سنتمتر، وهو بيضاوي طويل، ويتميز بأنف معقوف وثغر صغير، ويحمل سمات الطراز اليوناني الكلاسيكي المعروف بطراز تاناغارا، وهذا الاسم يعود إلى بلدة في مقاطعة بيوتي التابعة في إقليم وسط اليونان. في مقبرة أثرية تقع في هذه البلدة، تم العثور على مئات من التماثيل اليونانية في 1870، وعُرف هذا الطراز باسم هذه البلدة، وتبيّن لاحقاً أن مدينة أثينا شكّلت أساساً له منذ منتصف القرن الرابع قبل الميلاد، غير أن التسمية ظلت شائعة ومعتمدة حتى يومنا هذا. يعلو هذا الوجه ما يشبه الخوذة؛ ممّا يوحي بأن صاحبته هي المعبودة أثينا، سيدة القوة وحامية المدينة، غير أن هذا العنصر لا يكفي لتأكيد هذه الهوية.
أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس
يبلغ طول الوجه الثاني 3.4 سنتمتر، وعرضه 2.4 سنتمتر، وهو دائري، ويتميز بوجنتين مكتنزتين، وعينين لوزيتين، ويعلوه منديل يحجب الشعر، مع شريط يلتف حول أعلى الجبين. من حيث التأليف، يتبنّى هذا الوجه طرازاً شاع في بلاد ما بين النهرين، ويعكس من حيث الأسلوب أثراً هيلّينياً يظهر في تجسيم عناصر الوجه. يتبع الوجه الثالث هذا النسق، وحجمه مماثل تقريباً لحجم الوجه الثاني، ويتميز كذلك بعينين واسعتين، وبثغر حُدّدت شفتاه الصغيرتان بدقّة، وتشهد هذه السمات لغلبة الأسس الشرقية على اللمسة الهيلينية بشكل جليّ. في الخلاصة، تشهد هذه الوجوه الثلاثة على أسلوبين فنيين، وتظهر هذه الثنائية في الكسور الأنثوية الأخرى التي تمثل أجزاء من قامات، منها تلك التي ظهرت عارية، ومنها تلك التي ظهرت تحت ثنايا ألبسة تمثّل طرازات متنوّعة.
ينتمي الوجه الأول إلى الطراز اليوناني الكلاسيكي، وينتمي الوجهان الآخران إلى طراز يُعرف بالطراز البابلي الهلنستي، وهو طراز ظهر في بلاد ما بين النهرين في القرن الرابع قبل الميلاد، وعكس أثر الجمالية اليونانية على الميراث المحلّي. شاع هذا الطراز بشكل واسع، وأشهر شواهده تلك التي تعود إلى مقاطعة سلوقية على ضفة نهر دجلة، وتتمثّل بنتاج متعدّد الأشكال برز في عهد الإمبراطورية السلوقية، واستمر في عهدي الإمبراطوريتين اللتين تبعتاها، أي الفرثية والساسانية.
يظهر هذا الطراز في جزيرة فيلكا، كما يظهر في جزيرة البحرين، كما يشهد وجه أنثوي منمنم عُثر عليه بشكل مجتزأ في موقع قلعة البحرين. يماثل هذا الوجه البحريني في تكوينه وجهي تل الخزنة، وهو على الأرجح معاصر لهما، ويعود إلى الفترة الممتدة من نهاية القرن الرابع إلى العقود الأولى من القرن الثالث قبل المسيح، وهي الفترة التي امتدت فيها سلطة سلالة الأخمينيين من غرب آسيا إلى وادي السند في الشرق، وشملت ساحل الخليج.
في نهاية تلك الحقبة، أطلق اليونانيون على فيلكا اسم إيكاروس، وأطلقوا على البحرين اسم تيلوس، وخلّفوا في هاتين الجزيرتين ميراثاً فنياً كبيراً يشهد لحضورهم الساطع فيهما.