الذّرَّات واختلافها
كان مألوف الفكر ، قبل قرنين من الزمان ، يقضي بأن ذرات العناصر ( الأكسجين ، الأزوت ، النحاس ، الحديد .. الى سائر العناصر ) انما هي وحدات من المادة لا علاقة بينها أبدا . فذرة الأكسجين لا تشبه ذرة النحاس في شيء قط ، ولا تشبه ذرة الحديد ذرة الأزوت . وأن هذه الذرات ثابتة البناء ، فلا تتحول ذرة اكسجين الى ذرة أزوت ، ولا ذرة أزوت الى ذرة كربون ، ولا ذرة رصاص الى ذرة من ذهب . والذين طلبوا ذلك في قديم الزمن عددناهم مخلوطين في عقولهم ، يريدون اللحاق بما لا يلحق .
ويجري الزمان ، وتعرف الذرات ، ذرات العناصر جميعها ، ويعرف تكوينها على الرغم مما بلغته من الصفر. انها بلغت من الصفر حدا لا تدركها فيه أكبر المجاهر . اننا لو صففنا ذرات من الأدروجين ، مثلا ، صفا واحدا، طوله مللي متر واحد ، لاشتمل على ٠٠٠، ۱۰.۰۰۰ ذرة.
وانتهت بحوث الذرة أخيرا ، بأن ذرات العناصر جميعا تتألف ، كما تتألف الثمرة ، من نواة ، يحيط بها غلاف .
أما الغلاف ، في الذرة ، فيتألف من دقائق ( جسيمات ) من الكهرباء ، هي حبات الكهرباء الأولى التي منها تتألف ، وتسمها الكترونات ، ومفردها الکترون . وأما النواة فتتألف عموما من نوعين من الدقائق ، بروتون به شحنة كهربائية موجبة ، ونترون ولا شحنة فيه ، لا موجبة ولا سالبة ، فهو متعادل . والدقيقتان تتساويان كتلة تتساويان وزنا .
والذرات، من ذرات اكسجين ، الى ذرات أزوت ، الى رصاص ، الى حديد .. الى سائر العناصر ، انما تختلف باختلاف عدد ما بنواتها من بروتونات ، وبما يدور حول هذه النواة من الكترونات ، تدور كما تدور الأرض والزهرة والمريخ وسائر الكواكب حول الشمس .. لولا صغر هذه المتناهي ، وكبر هذه المتناهي .
- الهواء الجوي
والذي يهمنا في كلمتنا هذه ، من كل هذه العناصر، انما هي عناصر الهواء . والذي يعنينا من عناصر الهواء الآن انما هما عنصران ، الأزوت والكربون . أما الأزوت ( النتروجين ) ، فيوجد في الهواء ، مع الأكسجين ، في صورة عنصر فرد غير متحد. أما الكربون فيوجد في الهواء في صورة مركب يعرف عند الكيماويين بحامض الكربونيك أو ثاني أكسيد الكربون .
والذي يهمنا من الأزوت هذا ، والذي يهمنا من الكربون هذا ، ما بنواتيهما من بروتونات ونترونات .
ذرة الأزوت بها ۷ بروتونات + ۷ نترونات . فوزنه الذري ١٤ .
وذرة الكربون بها ٦ بروتونات + ٦ نترونات . فوزنه الذري ١٢ .
ترى ذلك أنه من السهل تحويل ذرة الأزوت الى ذرة كربون ، أو تحويل ذرة كربون الى ذرة ازوت ، وذلك باضافة بروتون ونترون الى ذرة الكربون ليصير أزوتا عاديا ، أو بطرح بروتون ونترون من ذرة الأزوت ليصير كربونا عاديا .
- عند أطراف الجو العليا :
هذه العملية ، تحويل الأزوت الى كربون مشع ، تحدث في هواء الجو ، في أعالي الجو .
ان الكرة الأرضية تمطرها من على أشعة قوية تأتي من الكون تعرف بالأشعة الكونية . ( ليس هذا أوان التحدث عنها ) .
ومن بين هذا المطر الاشعاعي وابل من النترونات فهذا الوابل من النترونات يصيب ذرات الأزوت في أعالي الهواء الجوي ، فيدخل في نواة كل ذرة يصيبها من ذرات الأزوت نترونا جديدا ، فيجعل من نتروناتها ثمانية نترونات بدل سبعة ، ولكن الذرة تريد أن تحتفظ بوزنها ، فمن أجل ذلك هي تطرد بروتونا من بروتوناتها السبعة .
والنتيجة ذرة جديدة عجيبة ، وزنها كوزن ذرة الأزوت ( ٦ بروتونات + ۸ نترونات ) ، فلها وزن ذرة الأزوت الذري الذي هو ١٤ ، ولكن شحنتها الكهربائية تتمثل في ٦ بروتونات فقط ، كذرة الكربون تماما .
والشحنة الكهربائية هي التي تتمثل فيها الاتحادات الكيماوية . وهي الصفة التي تعطي الذرة خواصها الكيماوية .
لهذا سمينا هذا المخلوق الجديد ، الذي ليس هو بذرة ازوت ، ولا بذرة كربون ، بكربون رقم ١٤ .
سميناه كربونا لأن شحنته الكهربائية كشحنة الكربون ، فتفاعلاته الكيماوية كتفاعل الكربون . على الرغم من أن نواته ، من حيث الثقل ، كمثل نواة ذرة الأزوت .
- مخلوق جديد شاذ :
هذه الذرة الجديدة ، هذا المخلوق الجديد، مخلوق شاذ ، يريد أن يعدل من تركيب نواته ، من ذات نفسه ، ليعود الى سابق خلقته ، الى ذرة الأزوت ، كما كان سواها الله في الهواء الجوي أول مرة .
ولكن كيف يصنع هذا ؟ كيف تصنع الذرة هذا ؟
ان بها ٦ بروتونات + ۸ نترونات .
وهي تريد ۷ بروتونات + ۷ نترونات لتعود الى اصلها ، الى أوزت .
ويحدث هذا بطريقة تلقائية عجيبة : يتحول نترون الى بروتون ! وبذلك يتصحح عدد البروتونات ، وكذلك عدد النترونات .
ولكن ، ينبعث من هذا التحول ، ومعه الكترون واحد . أن تحول النترون الواحد الى بروتون واحد يقتضي انبعاث الكترون واحد في هذا التحول .
- هذا هو الاشعاع :
ان هذا الالكترون هو الاشعاع .
هو هذا الذي يحصيه عداد ( جيجر ) ، ويسمعنا اياه ألف نبضة أو ٥٠٠ نبضة ، أو ما بين هذا وذاك من نبضات ، في الساعة .
انها في الواقع دقائق كهربائية ( الكترونات ) تخرج لتصحح من بعد خروجها الأوضاع ، ليعود الكربون ١٤ ( الذي جاء من أزوت الجو بفعل الأشعة الكونية ) الى أصله ، الأزوت العادي .
كان مألوف الفكر ، قبل قرنين من الزمان ، يقضي بأن ذرات العناصر ( الأكسجين ، الأزوت ، النحاس ، الحديد .. الى سائر العناصر ) انما هي وحدات من المادة لا علاقة بينها أبدا . فذرة الأكسجين لا تشبه ذرة النحاس في شيء قط ، ولا تشبه ذرة الحديد ذرة الأزوت . وأن هذه الذرات ثابتة البناء ، فلا تتحول ذرة اكسجين الى ذرة أزوت ، ولا ذرة أزوت الى ذرة كربون ، ولا ذرة رصاص الى ذرة من ذهب . والذين طلبوا ذلك في قديم الزمن عددناهم مخلوطين في عقولهم ، يريدون اللحاق بما لا يلحق .
ويجري الزمان ، وتعرف الذرات ، ذرات العناصر جميعها ، ويعرف تكوينها على الرغم مما بلغته من الصفر. انها بلغت من الصفر حدا لا تدركها فيه أكبر المجاهر . اننا لو صففنا ذرات من الأدروجين ، مثلا ، صفا واحدا، طوله مللي متر واحد ، لاشتمل على ٠٠٠، ۱۰.۰۰۰ ذرة.
وانتهت بحوث الذرة أخيرا ، بأن ذرات العناصر جميعا تتألف ، كما تتألف الثمرة ، من نواة ، يحيط بها غلاف .
أما الغلاف ، في الذرة ، فيتألف من دقائق ( جسيمات ) من الكهرباء ، هي حبات الكهرباء الأولى التي منها تتألف ، وتسمها الكترونات ، ومفردها الکترون . وأما النواة فتتألف عموما من نوعين من الدقائق ، بروتون به شحنة كهربائية موجبة ، ونترون ولا شحنة فيه ، لا موجبة ولا سالبة ، فهو متعادل . والدقيقتان تتساويان كتلة تتساويان وزنا .
والذرات، من ذرات اكسجين ، الى ذرات أزوت ، الى رصاص ، الى حديد .. الى سائر العناصر ، انما تختلف باختلاف عدد ما بنواتها من بروتونات ، وبما يدور حول هذه النواة من الكترونات ، تدور كما تدور الأرض والزهرة والمريخ وسائر الكواكب حول الشمس .. لولا صغر هذه المتناهي ، وكبر هذه المتناهي .
- الهواء الجوي
والذي يهمنا في كلمتنا هذه ، من كل هذه العناصر، انما هي عناصر الهواء . والذي يعنينا من عناصر الهواء الآن انما هما عنصران ، الأزوت والكربون . أما الأزوت ( النتروجين ) ، فيوجد في الهواء ، مع الأكسجين ، في صورة عنصر فرد غير متحد. أما الكربون فيوجد في الهواء في صورة مركب يعرف عند الكيماويين بحامض الكربونيك أو ثاني أكسيد الكربون .
والذي يهمنا من الأزوت هذا ، والذي يهمنا من الكربون هذا ، ما بنواتيهما من بروتونات ونترونات .
ذرة الأزوت بها ۷ بروتونات + ۷ نترونات . فوزنه الذري ١٤ .
وذرة الكربون بها ٦ بروتونات + ٦ نترونات . فوزنه الذري ١٢ .
ترى ذلك أنه من السهل تحويل ذرة الأزوت الى ذرة كربون ، أو تحويل ذرة كربون الى ذرة ازوت ، وذلك باضافة بروتون ونترون الى ذرة الكربون ليصير أزوتا عاديا ، أو بطرح بروتون ونترون من ذرة الأزوت ليصير كربونا عاديا .
- عند أطراف الجو العليا :
هذه العملية ، تحويل الأزوت الى كربون مشع ، تحدث في هواء الجو ، في أعالي الجو .
ان الكرة الأرضية تمطرها من على أشعة قوية تأتي من الكون تعرف بالأشعة الكونية . ( ليس هذا أوان التحدث عنها ) .
ومن بين هذا المطر الاشعاعي وابل من النترونات فهذا الوابل من النترونات يصيب ذرات الأزوت في أعالي الهواء الجوي ، فيدخل في نواة كل ذرة يصيبها من ذرات الأزوت نترونا جديدا ، فيجعل من نتروناتها ثمانية نترونات بدل سبعة ، ولكن الذرة تريد أن تحتفظ بوزنها ، فمن أجل ذلك هي تطرد بروتونا من بروتوناتها السبعة .
والنتيجة ذرة جديدة عجيبة ، وزنها كوزن ذرة الأزوت ( ٦ بروتونات + ۸ نترونات ) ، فلها وزن ذرة الأزوت الذري الذي هو ١٤ ، ولكن شحنتها الكهربائية تتمثل في ٦ بروتونات فقط ، كذرة الكربون تماما .
والشحنة الكهربائية هي التي تتمثل فيها الاتحادات الكيماوية . وهي الصفة التي تعطي الذرة خواصها الكيماوية .
لهذا سمينا هذا المخلوق الجديد ، الذي ليس هو بذرة ازوت ، ولا بذرة كربون ، بكربون رقم ١٤ .
سميناه كربونا لأن شحنته الكهربائية كشحنة الكربون ، فتفاعلاته الكيماوية كتفاعل الكربون . على الرغم من أن نواته ، من حيث الثقل ، كمثل نواة ذرة الأزوت .
- مخلوق جديد شاذ :
هذه الذرة الجديدة ، هذا المخلوق الجديد، مخلوق شاذ ، يريد أن يعدل من تركيب نواته ، من ذات نفسه ، ليعود الى سابق خلقته ، الى ذرة الأزوت ، كما كان سواها الله في الهواء الجوي أول مرة .
ولكن كيف يصنع هذا ؟ كيف تصنع الذرة هذا ؟
ان بها ٦ بروتونات + ۸ نترونات .
وهي تريد ۷ بروتونات + ۷ نترونات لتعود الى اصلها ، الى أوزت .
ويحدث هذا بطريقة تلقائية عجيبة : يتحول نترون الى بروتون ! وبذلك يتصحح عدد البروتونات ، وكذلك عدد النترونات .
ولكن ، ينبعث من هذا التحول ، ومعه الكترون واحد . أن تحول النترون الواحد الى بروتون واحد يقتضي انبعاث الكترون واحد في هذا التحول .
- هذا هو الاشعاع :
ان هذا الالكترون هو الاشعاع .
هو هذا الذي يحصيه عداد ( جيجر ) ، ويسمعنا اياه ألف نبضة أو ٥٠٠ نبضة ، أو ما بين هذا وذاك من نبضات ، في الساعة .
انها في الواقع دقائق كهربائية ( الكترونات ) تخرج لتصحح من بعد خروجها الأوضاع ، ليعود الكربون ١٤ ( الذي جاء من أزوت الجو بفعل الأشعة الكونية ) الى أصله ، الأزوت العادي .
تعليق