جوامع العراق ومساجده القديمة شواهد تاريخية مهددة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جوامع العراق ومساجده القديمة شواهد تاريخية مهددة

    جوامع العراق ومساجده القديمة شواهد تاريخية مهددة


    معالم دينية كان لها دور كبير في ازدهار الفكر والثقافة واللغة العربية.
    الثلاثاء 2024/03/19
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    ترميم التاريخ واجب

    مثلت المساجد والجوامع الوجهة الأولى للمسلمين منذ القدم، للنهل من علوم الدين والحديث في شؤون الدنيا، حيث أقام علماء المسلمين حلقات للعلم، وتلقى الطلبة الدروس وما جمعه أساتذتهم من تراث الأولين والآخرين. كما مثلت منابر هامة تتناول كل شؤون الحياة. وللعراق نصيب هام من هذه المنشآت التي مازالت شواهد على حضارة عريقة رغم ما تواجهه من إهمال.

    بغداد - يحتضن العراق المئات من الجوامع والمساجد التاريخية، التي مازالت شامخة رغم مرور الزمن وتعاقب الأحداث، تقف شواهد حية على تاريخ الحضارة الإسلامية في بلاد الرافدين وإرثها الراسخ.

    بدأ الفتح الإسلامي للعراق في خلافة أبي بكر الصديق، فيما كانت البصرة أول مدينة أقامها المسلمون في العراق في عهد عمر بن الخطاب، وقد اختطها عتبة بن غزوان عام 14 أو 15 للهجرة. ثم تلتها الكوفة، التي أنشأها سعد بن أبي وقاص سنة 17 للهجرة، ويعد مسجد البصرة ومسجد الكوفة أقدم مساجد العراق.
    شواهد على التاريخ



    علي النشمي: المساجد شكلت المجتمع الإسلامي ونهضته دينيا وفكريا وسياسيا


    يقول الباحث والمؤرخ العراقي علي النشمي إن “بناء المساجد في العراق شهد اهتماما كبيرا خلال حكم الدولتين الأموية والعباسية، وإن المسجد أصبح في ذلك الوقت مركزا من مراكز الحياة العامة، يجتمع فيه الناس لسماع قرارات الدولة وتحفظ فيه أموال المسلمين؛ لذا كان له دور كبير في حياة المجتمع الإسلامي ونهضته دينيا وفكريا وسياسيا، كما أن معظم المساجد كانت مراكز إشعاع حضاري، وجامعات علمية مكتملة التخصصات، يتلقى فيها الطلبة مختلف العلوم على أيدي علماء متمكنين من تخصصاتهم”.

    ويشير إلى أن بغداد والكوفة والبصرة والموصل ساهمت بشكل فعال في بناء اللغة ومنها انشقت المدارس اللغوية الأخرى، وكانت أولى المدن الإسلامية التي تدرس في مساجدها العلوم الصرفة مثل الفلك والكيمياء.

    ويتابع “تحتوي العاصمة بغداد على عدد كبير من الجوامع والمساجد، منها 912 جامعا تقام فيها صلاة الجمعة، و149 مسجدا صغيرا تقام فيها الصلوات الخمس فقط”، مبينا أن جامع الخلفاء في بغداد إلى جانب جامعي المنصور والرصافة من أكبر جوامع المدينة التاريخية، التي كانت تقام فيها صلاة الجمعة خلال القرون الأربعة الأخيرة من الخلافة العباسية.

    ويسرد المؤرخ العراقي جانبا من تاريخ بناء جامع الخلفاء قائلا “إن الجامع بني في القرن الثالث الهجري في زمن الخليفة المكتفي بالله، أي أن منارته صامدة منذ أكثر من 1200 سنة، ما يجعلها من أقدم المنارات في العالم، كما يضم الجامع قاعة مصلى ثمانية الشكل، تعلوها قبة عليها زخرفة بالخط الكوفي، يبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار، بالإضافة إلى الارتفاع الأساسي للبناء الذي يبلغ نحو 14 مترا، كما توجد هناك 3 أروقة تؤدي إلى المصلى”.

    ويضيف النشمي أن البغداديين يطلقون على منارة جامع الخلفاء “منارة سوق الغزل” نسبة إلى السوق الشعبي المعروف، وقد أعيد ترميم الجامع في ستينات القرن الماضي دون المساس بالمنارة، من باب الحفاظ على قيمتها الأثرية.
    الكثير من المساجد القديمة في العراق تعاني من الإهمال رغم مكانتها التاريخية والدينية والثقافية والعلمية الكبيرة

    وبني جامع الخلفاء بين عامي (289 – 295هـ/902 – 908م)، وقد ذكره الرحالة ابن بطوطة عند زيارته بغداد عام 727هـ/ 1327م.

    وكانت منارة الجامع أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من على مئذنتها، وكان ارتفاعها 35 مترا، وسقطت المنارة وهدم الجامع عام 670هـ/1271م، وأعيد بناؤهما عام 678هـ/1279م.

    ومن أشهر الجوامع في العراق كذلك جامع سامراء، الذي اشتهر بمئذنته الفريدة من نوعها، وقد بني في عهد الخليفة المتوكل على الله بين عامي 234 و237هـ.

    وكان الجامع آنذاك هو الأكبر في العالم الإسلامي، وهو من أروع المنشآت ذات الأثر في تلك الحقبة من تاريخ الأمة الإسلامية، ومازالت آثاره تشاهد حتى الآن مع مئذنته الملوية شمال غرب مدينة سامراء الحالية، وتعد أضخم وأبرز الآثار الباقية من مباني المدينة القديمة.

    وتعتبر سامراء من أمهات المدن العراقية القديمة، ومازالت تزخر بالآثار الإسلامية، وتقع المدينة على الضفة الشرقية من نهر دجلة، وتبعد نحو 118 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة بغداد، وقد بناها الخليفة العباسي المعتصم بالله سنة 221هـ/835م فكانت عاصمة الخلافة العباسية.
    حماية التراث




    يذكر النشمي أهمية جامع النوري في مدينة الموصل، الذي يعرف بـ”الجامع الكبير” لسعته وعظمة بنيانه، هو من مساجد العراق التاريخية، ويقع في الساحل الأيمن “الغربي” من الموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.

    وبني الجامع في عهد السلطان نورالدين محمود زنكي في القرن السادس الهجري، ويعد ثاني جامع يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وقد أعيد إعماره عدة مرات، كان آخرها عام 1363هـ/1944م. ويشتهر الجامع بمنارته المحدبة نحو الشرق، وهي الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي.

    وقد أثار تفجير تنظيم داعش سنة 2017 جامع النوري والمئذنة التاريخية التي تتوسطه، المعروفة باسم “منارة الحدباء”، في المدينة القديمة بالجانب الغربي من الموصل شمالي البلاد موجة من التنديد الواسع وصدمة مازال صداها منتشرا لما خلفته من صحوة ووعي أكثر من أي وقت مضى بضرورة حماية المعالم الأخرى.

    وقد أدى الإهمال والصراع الذي دام سنوات مع تنظيم داعش إلى تدمير الكثير من التراث الثقافي الذي كان يزخر به العراق ويعود تاريخه إلى آلاف السنين وتحديدا إلى بعض أقدم الإمبراطوريات في العالم في حضارة بلاد الرافدين القديمة، فضلا عن تراث التاريخ الإسلامي الحديث.

    كما تخشى جماعات الحفاظ على التراث من أن يؤدي ازدهار البناء في بغداد وخطط توسعة الطرقات والجسور والبنية التحتية الأخرى في أنحاء البلاد إلى تدمير الجزء المتبقي من هذا التراث الذي تمثل المساجد والجوامع أهم عناصره.

    وتعاني الكثير من المساجد القديمة في العراق من الإهمال رغم مكانتها التاريخية والدينية والثقافية والعلمية الكبيرة، وهو ما حدا بالعديد من حماة التراث والمثقفين والمتابعين إلى المناداة بضرورة تفعيل وسائل لحماية هذا الإرث الثقافي الهام، والذي يمثل شواهد على قرون خلت من الازدهار الفكري والعلمي والثقافي لبلاد الرافدين.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X