أدب الطفل في سلطنة عمان يستثمر مهارات القرن الحادي والعشرين
كتاب ونقاد عمانيون: الأدب وسيلة فعالة للحفاظ على الهوية الثقافية.
الأربعاء 2024/03/20
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحفاظ على الهوية رهان محوري في سلطنة عمان
تولي سلطنة عمان اهتماما بالغا بخصوصياتها الثقافية والمحافظة عليها، لذا تركز بشكل كبير على تناقل الهوية العمانية من جيل إلى جيل، وهو ما نجحت فيه من خلال اعتماد الفنون والآداب. ويعتبر أدب الطفل وسيلة فعالة لترسيخ القيم وتشكيل خيال الأطفال ووعيهم بما يساهم في الحفاظ على الهوية والانفتاح على ما هو جديد وعلى الآخر من جهة أخرى.
خميس الصلتي
مسقط - تشكل الهوية الثقافية ركيزة أساسية لنمو الطفل معرفيا وإبداعيا من خلال العديد من المحفزات والمكونات حوله، أهمها ما يتفاعل معه بشكل يومي من خلال “البيت والمدرسة والمجتمع”، وما يستلهمه من أمور مرتبطة بالدين الإسلامي وعقيدته السمحة.
في سلطنة عمان هناك مؤثرات كثيرة تضاف إلى ما سبق من مكونات ومحفزات إلى تشكل تلك الهوية، وتصل إلى جوانب معرفية مرتبطة بالثقافة العمانية الأصيلة الضاربة في القدم، والتاريخ الإنساني المعرفي التراكمي، والعادات والتقاليد والسمت العماني المتعارف عليه، كل ذلك يأتي من خلال سياق معرفي بصور يستوعبها الطفل لبناء هويته في واقع الأدب، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الشعر والمسرح والقصة القصيرة والنشيد وغيرها من المفردات.
دعم أدب الطفل
التركيز على الهوية الثقافية ضرورة ملحة في أدب الطفل لما له من تأثير كبير على المتلقي الصغير بما يقدمه من معالجات
يؤكد عدد من المختصين على ما يمكن أن يضاف إلى الهوية الثقافية في أدب الطفل في سلطنة عمان من خلال المحفزات والممكنات الأدبية العلمية، مع الإشارة إلى التحديات التي تواجهها الهوية في ظل التداخل المعلوماتي في الفضاءات الثقافية المفتوحة.
يقول الأكاديمي عامر بن محمد العيسري أستاذ مساعد للتربية المبكرة بجامعة السلطان قابوس إن “أدب الطفل في سلطنة عمان نشأ أولا في كنف أدب الكبار وامتزج به، وبدأ أول ما بدأ شفويا يعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات، أو في صورة أشعار تتوارثها الأجيال، مثل حكايات الغواصين ومغامرات الهجرة والسفر وحكايات الشجاعة والبطولة والألغاز والألعاب الشعبية التي كان لها دور في إثراء الأدب وتذوقه لدى الأطفال وتنشئتهم وبناء شخصيتهم، وتمثل الاهتمام بالأطفال وأدبهم في سلطنة عمان في مجهودات بعض الوزارات المعنية بالطفل مثل وزارة الإعلام التي قدمت برامج للأطفال في الإذاعة والتلفزيون، وفي بعض الصحف المحلية التي خصصت صفحات وملاحق أسبوعية لأدب الأطفال”.
وتطرق إلى تطور أدب الطفل في سلطنة عمان والإنتاج المقدم للأطفال وما ساعد على ذلك بما فيها إقامة عدد من الندوات والفعاليات البحثية المخصصة وعلى سبيل المثال لا الحصر حلقة العمل الأولى التي أقامها النادي الثقافي في عام 1989 تحت عنوان “ندوة ثقافة الطفل”، والندوة التي أقيمت في قاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس خلال الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر من عام 2008 بعنوان “ثقافة الطفل العماني”، كما تم تخصيص ركن خاص بمعرض مسقط الدولي للكتاب لمناشط الطفل تقدم فيه باقات متنوعة من الفعاليات بهذا المجال، كما عُقدت ضمن فعاليات المعرض ندوة متخصصة حول الإعلام الجديد والأطفال.
ويبين العيسري أنه في عام 2015 خصصت جائزة السلطان قابوس للأدب في دورتها الرابعة محورا مهما يعنى بالكتابة للأطفال، كما خصصت وزارة التربية والتعليم مسابقات للمعلمين بعنوان قصص داعمة للمناهج وأعلن النادي الثقافي عام 2019 عن إقامته مسابقة جائزة أدب الطفل في الخيال العلمي، وأطلقت جائزة الإجادة الإعلامية للأطفال ضمن فعاليات ندوة أطفالنا والإعلام الجديد التي أقامتها وزارة الإعلام، وبرزت مسابقة عمان تحكي التي تنفذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ومسابقة الإبداع الأدبي لطلبة المدارس التي تنفذها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
أدب الطفل يعد جنسا أدبيا خاصا وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية بالإضافة إلى الخصائص الفنية وخروجه عنها أمر خطير
ويضيف “من هنا يبرز وجود جهات حكومية وأهلية في سلطنة عمان تشجع على أدب الأطفال وتقيم فعاليات في هذا المجال أو تدعم نشره، وهناك جوائز فازت بها كاتبات عمانيات مثل: الأكاديمية وفاء الشامسية التي حصلت على المركز الأول على مستوى الوطن العربي في سلسلة الكتب الثقافية التابعة لمكتب التربية العربي لعام 2016، وابتهاج الحارثية التي فازت بقصتها ‘أنا وماه’ في جائزة اتصالات عام 2015، وعائشة الحارثية التي فازت بجائزة اتصالات في عام 2018 في فئة أفضل عمل قصصي بقصة ‘الحنين’، وكتاب ‘بو‘ الذي رشح ضمن قائمة القصص القصيرة لجائزة ‘كتابي‘، وخديجة المفرجية، الفائزة بالمركز الأول في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في أدب الأطفال عن فئة الشعر عام 2021”.
ويؤكد على أن المتتبع للخطوات الحثيثة التي تبرز من هنا وهناك في سلطنة عمان لتطوير أدب الأطفال وما يكتب لهم يلحظ وجود بعض التحديات التي توضح معالم أهم الخطوات التي ينبغي السعي لتنفيذها على أرض الواقع لتمضي مسيرة تطور أدب الطفل قدما بصورة منظمة، وعلى رأسها المخصصات المالية المحددة لمجال الطفولة، والتقنية الرقمية التي تمثل تحديا كبيرا يمكن أن تبعد شريحة واسعة من الأطفال عن الاستمرار في متابعة ما يكتب لهم، ومن أهم هذه الخطوات المهمة التي ينبغي العمل عليها، وجود إستراتيجية أو رؤية أو وضوح في الأدوار والآليات، وزيادة الدراسات والنقد الهادف للإنتاج المقدم للأطفال، وتوفير المتخصصين في مجال نقد أدب الأطفال ودعمهم وتعزيزهم، وزيادة الوعي بأهمية تطوير وتجويد ما يقدم للأطفال من إنتاج أدبي، وزيادة وعي الأهالي بآليات اختيار المناسب منه لأبنائهم.
كما يدعو العيسري إلى زيادة الحلقات والفعاليات والمسابقات المتخصصة في مجال أدب الطفل، وإتاحتها بشكل واسع لجميع الفئات، ووجود دعامات أساسية لإبراز الإنتاج المكتوب للأطفال مثل المجلات، والقناة الفضائية المتخصصة للأطفال، وتحويل الإنتاج القصصي المكتوب إلى قصص برامج كرتونية متحركة ووجود الكتب التفاعلية وتوظيف التكنولوجيا بها، ووجود مدونات وقنوات ومواقع إلكترونية متخصصة في أدب الأطفال، وتخصيص منابع تمويلية ثابتة لدعم الإنتاج المقدم للأطفال وتطويره وتقديم التسهيلات وتبسيط الإجراءات الإدارية في ما يتعلق بطباعة محتوى أدب الطفل ونشره وإنتاجه.
ويشدد على أهمية الابتعاد عن النظرية الربحية في الإنتاج المقدم للأطفال من خلال تقليل البهرجة في الشكل والاهتمام بالمحتوى المقدم وفائدته وتأثيره على الأطفال والاهتمام بالموروث الشعبي والثقافي واهتمامه بالعمق والصدق والخيال وموضوعات فلسفة الحياة التي تهتم بمستقبل الأطفال، وتعدّهم للمشاركة بفاعلية في المجتمع، على أن يتم توجيه كتاب الطفل إلى شرائح عمرية متعددة، يحتاج كل منها إلى اختيار ما يلائمه من موضوعات وأسلوب ومفردات لغوية، وصور وأشكال وألوان وأوعية ثقافية مختلفة، وإخراجات مشوقة وأدوات مساعدة، ما يجعل كتاب الطفل أكثر تعقيدا عشرات المرات من كتب الكبار فيؤدي ذلك إلى إنتاج كتب متخصصة وذات جودة من ناحية النص والصورة والتصميم والإخراج والتسويق.
الهوية الثقافية
أدب الطفل في سلطنة عمان بدأ شفويا ويعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات
من ناحيتها تقول الأكاديمية وفاء بنت سالم الشامسية المختصة في أدب الطفل “علينا تحديد المحفزات والممكنات التي نصبو إليها جميعا، في محاولة لتمكين أطفالنا منها من خلال ممارساتنا المختلفة، وطالما أنها مرتبطة بالهوية الثقافية، فالأهم أن نقف على المقصود بهوية الطفل، والهوية الثقافية”.
وتوضح أن هوية الطفل تنمو نتيجة لتفاعله مع من حوله في البيت أولا، ثم في المراحل التأسيسية التعليمية الأولى والمجتمع الأوسع، وهوية الطفل بل هوياته المختلفة التي تتعمق خلال مسار تطوره؛ فالطفل الذي راقب والديه بتعاملهما مع معطيات المزرعة مثلا أو نباتاتها ورافقهما إلى النزهات في الجبل والوادي، فإنه سينمو لديه في البداية وبشكل غير واع ميل طبيعي لهذه النزهات وما تحتويه، وسيحاول العودة إليها كلما سنحت له الفرصة، وهذه التجارب وغيرها تبلور مفهومه لذاته ولهويته، وتنمّي علاقاته الإيجابية مع بيئته وما تحويه من مواد وأشخاص.
وتضيف الشامسية “إن تنمية هوية الطفل الثقافية تكتسب أهميتها من ارتباطها بحياته اليومية، إذ يعيش في بيئة مليئة بالمؤثرات الثقافية، ويسمع لغة ويرتبط بها، وينشأ في مكان ويشعر بالانتماء إليه، ويمارس عادات وتقاليد مختلفة فتصبح مكونا رئيسا من أيديولوجيته الثقافية والمعرفية، ويتفاعل مع عالمه الصغير المحيط به فتنشأ لديه خلفية معرفية وفكرية واجتماعية تتفاوت في تأثيرها من طفل إلى آخر”.
وتؤكد على أن هناك بعدا مهما في الهوية الثقافية وأهمية تنميتها لدى الطفل، إذ أنها أساس لتنمية قدرته على التعامل مع الثقافات الأخرى باحترام من حيث التوافق معها أو التصالح أو التسامح، وهي محك مهم يبلور تعامله مع العالم المتغير، والتعلم من التجارب البشرية والثقافات البشرية الواسعة، لذلك حين يترجم الكاتب الذي يكتب للطفل المحفزات والممكنات الأدبية والعلمية عليه أن يضع خارطة واضحة المعالم بها، فالهوية الثقافية عالم واسع وممتد، ولا ترتبط بالعالم المادي فقط بل تتجاوزه إلى عوالم أخرى، والاشتغال على هذا الأمر ضرورة ملحة لما لأدب الطفل من تأثير كبير على المتلقي الصغير بما يقدمه من معالجات وشخصيات يتماهى معها، ويتأثر بها، وبما يضيفه إلى موسوعته العلمية من معارف ومعلومات تظل عالقة في ذهنه لفترة زمنية طويلة مما يشكل لاحقا تأثيرا يظهر على قيمه ومبادئه وسلوكياته. لكن ما يحكم هذا الاشتغال هو الأدوات التي يستخدمها الكاتب، ومحددات الفئة العمرية التي يخاطبها؛ كي يضمن تقديم معالجة محكمة تعزز الهوية الثقافية لدى الطفل.
وتقول إن “المعالجة تأتي في أشكال مختلفة، منها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المشاهد، وتبقى القصة أكثر الأنواع المطروقة من قبل الكتّاب لمبررات كثيرة، تليها القصص المصورة، والمسرحيات، والأناشيد، أما من حيث الموضوعات المعالجة فهي كثيرة، وتأتي القيم على رأس القائمة، ثم هناك الهوية الوطنية، والتاريخ، والدين، واللغة، في حين بقيت بعض المحاور قليلة المعالجة إن لم يكن التطرق لها نادرا كالهوية الجنسية، والجمالية”.
يجب تنمية الوعي النقدي في شخصية الطفل
وفي شأن التحديات تقول “التحديات موجودة، وباتت كثيرة بسبب التداخل المعلوماتي، ولكن الأصل في التنشئة هو تمكين الطفل من هويته الثقافية الأصيلة، وتعزيز مهارات التعامل مع ما حوله بطريقة واعية يعتمد فيها على الغربلة، والتقييم، والمقارنة للوصول إلى المنطقة الآمنة، وإن الاهتمام بالجانب المعرفي في ما يتعلق بالهوية الثقافية يأخذ نصيب الأسد، بينما لا يحظى الجانبان الوجداني والمهاري بذات الاهتمام، رغم أهميتهما القصوى، فهما يؤديان دورا مهما في استقطاب المحفزات والتأثر بها، ثم ترجمتها لسلوكيات يمارسها الطفل في الوسط الذي يعيش فيه”.
وتبين الشامسية أن أدب الطفل في سلطنة عمان قطع شوطا كبيرا في بلورة المحفزات مستعينا بأدواته الأدبية والعلمية، وما رأيناه وعايشناه في معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة لهو شاهد على ثراء الاشتغال في مجالات الهوية الثقافية، وتقديمها بأساليب مختلفة ومتنوعة للطفل القارئ، وتأتي الموسوعة العمانية للأطفال على رأس الهرم في ما قدم له تمكينا لمعارفه، وتأصيلا لهويته الثقافية.
وتتابع “ربما أشير في مجمل الحديث إلى وجود بعض الفجوات، ومن ضمنها ما نلمسه من قلة الإيمان بدور أدب الطفل في إحداث التغيير المطلوب لدى الأجيال القادمة، إضافة إلى أهمية التكامل بين كل المؤسسات والمشتغلين في أدب الطفل لصناعة المشهد الثقافي الموجه للطفل بهويته ومعطياته المختلفة بالطريقة العلمية المناسبة، مع التأكيد على ضرورة التمكن من أدوات الكتابة والمعالجة العميقة والصحيحة للطفل، خصوصا مع ما نراه من ضعف في بعض المعالجات والاشتغالات على مستوى النص أو الرسم أو الإخراج”.
أما الكاتب عبدالرزاق الربيعي الذي له إصدارات شعرية ومسرحية موجهة للأطفال، فيقول في هذا السياق إن “تعزيز الهوية الثقافية من أهم الواجبات الملقاة على عاتق من يكتب للطفل في سلطنة عمان، وهذه الهوية تقوم على ركائز ثابتة، وعميقة، فسلطنة عمان غنية بموروثاتها الثقافية التي تشكل مصدرا مهما ومعينا لا ينضب ينهل منه المشتغلون بالكتابة للطفل، واكتسبت غنى ثقافيا ومعرفيا، بفضل تاريخها الممتد إلى عصور قديمة، وانفتاحها الثقافي الممنهج على الثقافات الأخرى وهو انفتاح نتج عنه تواصل مع الحضارات المحيطة بدأ منذ العصور القديمة، عندما ارتبطت بعلاقات تجارية مع تلك الحضارات، وكان اللبان والبخور همزة وصل بينها وبين دول قامت في وادي الرافدين والنيل والهند“.
ويشير إلى ضرورة أن يعرف الطفل في سلطنة عمان هذا التاريخ وأن يدرك سمات هذه الهوية المتأصلة ذات الجذور العميقة التي يغلب عليها الاعتدال والتسامح، والتعايش، والتعدد، والخصوصية الوطنية التي تدخل في مفردات الحياة اليومية من ملبس ومأكل ومشرب، وللوصول إلى تحقيق هذا الهدف السامي لا بد من جهد كبير يبذل على مستوى فردي ومؤسساتي.
ويضيف “التحديات التي تواجهها الهوية في هذه المرحلة كبيرة، والانفتاح الثقافي أضر بالثقافة المحلية، وهذا الجهد يبدأ من البيت حيث يربى الطفل محافظا على موروثه الثقافي والاجتماعي وانتمائه لقضايا مجتمعه، حريصا، كل الحرص، على العادات، والتقاليد التي من شأنها أن تشكل منه مواطنا يتفاعل مع مجتمعه ثم تأتي مهمة المدرسة التي تقوم بالتأكيد على تلك المفردات وغرس الانتماء الوطني لدى النشء الجديد وإعداده إعدادا صحيحا للمستقبل، ويكون دور المشتغلين بأدب الطفل هو مساعدة البيت والمدرسة بهذه المهمة بما ينتجونه من إبداعات في الكتابة الشعرية والسردية والفنون البصرية، لوضع البوصلة في اتجاهها الصحيح، لذا فالمهمة الملقاة على عاتقهم كبيرة، فلا بد من تكاتف الجهود من أجل تحقيق الهدف المنشود”.
الوعي النقدي
التحديات أمام كتب الأطفال باتت كثيرة
ترى الباحثة والناقدة في الأدب العماني الأكاديمية فايزة بنت محمد الغيلانية أن أدب الطفل يعد جنسا أدبيا خاصا، وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية، بالإضافة إلى الخصائص الفنية، ويمكن القول إن الإخلال بأيّ منهما، يخرج أي إنتاج أدبي منسوب إلى هذا الجنس منه، وينبغي حينها بالضرورة محاصرته، وسحبه.
وأضافت بالقول “تحرص المنظومة التربوية والثقافية والإعلامية في سلطنة عمان على أن تبرز التربية الدينية الإسلامية، والثقافة العربية الأصيلة، والهوية الوطنية بمكوّناتها المادية والمعنوية، في كل ما له صلة بالطفل، من أدب مكتوب، أو مسموع، أو مرئي، وتعد هذه المقومات الثلاثة من أهم المحفزات في أدب الطفل في سلطنة عمان”.
وتتابع أنه “من خلال الإنتاج المتزايد في أدب الطفل في سلطنة عمان، وظهور أقلام شابة تطرح رؤيتها لعالم الطفل من خلال هذا الإنتاج، الذي يتيح الانفتاح على الآخر مع الحفاظ على الهوية، والتماهي مع التطور العلمي من حوله من خلال توظيف نماذجه المختلفة في هذا الإنتاج بوصفه جزءا من العالم الذي يحيط بالطفل، أو يحيا فيه، تبرز مهارات القرن الحادي والعشرين مثل مهارات الاتصال والتواصل، ومهارات التفكير الناقد، وتوظيف الخيال مثل محفزات تندمج مع الصور التقليدية، والقيم الأخلاقية المتعارف عليها، لتنتج للطفل أدبا يربطه بمجتمعه، وبالعالم من حوله، ويتيح له في الوقت نفسه التعامل معه في جوانبه الإيجابية والسلبية بوعي، وقدرة كبيرة على حل المشكلات”.
وتؤكد على أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال في ظل الانفتاح المعلوماتي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وسهولة وصول الطفل إليها؛ أن نمنع وصولها إليه، وهو ما يمثل التحدي الأكبر، فما يمكن متابعته من الوالدين أو المنزل، يمكن للطفل أن يتابعه من خلال الحديث مع أصدقائه، أو مشاهدته أو قراءته في أيّ من الأماكن التي يرتادها الطفل. وعليه فإن الحديث مع الطفل، وتوعيته، ومشاركته ما يقرؤه أو يشاهده يمكن أن ينمي لديه وعيا نقديا، وقدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة من حوله، وهما يمكّنانه من التمييز بين الجيد وغيره وفق المعايير التي تعززها المكونات والمحفزات القيمية، والسمات الفنية المقبولة في أدب الطفل التي اعتاد وجودها في ما يتابعه ويقرؤه ويشاهده.
وتوضح أن الاضطراب المؤسسي في التعامل مع عناصر الهوية الوطنية يمثل تحديا آخر، لاسيما في ما يتعلق بالاهتمام باللغة العربية، وتعزيزها بوصفها مكوّنا أساسيا في الهوية الوطنية من خلال التسميات الأجنبية التي بدأت تظهر في المجتمع العماني لبعض الأماكن التي يمكن أن يرتادها الطفل مثل “ذا فيليج” أو “داون تاون” وغيرها، مما يؤثر بشكل كبير على المدى البعيد في ترسيخ صورة الهوية في شخصية الطفل، بين ما ينبغي له أن يكونه، وما هو من حوله من مفردات ومسميات، وأزياء، وممارسات بعيدة عن هويته الأصلية.
وترى أن الأمر يصبح أخطر حين يأتي أدب الطفل – أحيانا – مكتوبا باللهجات العامية، التي لا تعين على تنمية قدرات الطفل اللغوية، وتبتعد به عن بعض الغايات التي يسهم الأدب بأنواعه المختلفة في تحقيقها، لاسيما في ظل ابتعاد مؤسسات أخرى كالمؤسسات التربوية من مدارس وغيرها عن تعزيز مكانة اللغة العربية في نفوس الناشئة، نظرا لغلبة الاعتماد على اللهجات في التدريس وغيره من ممارسات فيها. وهذا ما يجعل التوافق بين المؤسسات المختلفة ذات الصلة بالطفل منقطعا، وأدوارها متضاربة مما يؤثر – دون شك – في تعيين هوية ثقافية أصيلة، ومتينة، وواضحة في أدب الطفل.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كتاب ونقاد عمانيون: الأدب وسيلة فعالة للحفاظ على الهوية الثقافية.
الأربعاء 2024/03/20
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الحفاظ على الهوية رهان محوري في سلطنة عمان
تولي سلطنة عمان اهتماما بالغا بخصوصياتها الثقافية والمحافظة عليها، لذا تركز بشكل كبير على تناقل الهوية العمانية من جيل إلى جيل، وهو ما نجحت فيه من خلال اعتماد الفنون والآداب. ويعتبر أدب الطفل وسيلة فعالة لترسيخ القيم وتشكيل خيال الأطفال ووعيهم بما يساهم في الحفاظ على الهوية والانفتاح على ما هو جديد وعلى الآخر من جهة أخرى.
خميس الصلتي
مسقط - تشكل الهوية الثقافية ركيزة أساسية لنمو الطفل معرفيا وإبداعيا من خلال العديد من المحفزات والمكونات حوله، أهمها ما يتفاعل معه بشكل يومي من خلال “البيت والمدرسة والمجتمع”، وما يستلهمه من أمور مرتبطة بالدين الإسلامي وعقيدته السمحة.
في سلطنة عمان هناك مؤثرات كثيرة تضاف إلى ما سبق من مكونات ومحفزات إلى تشكل تلك الهوية، وتصل إلى جوانب معرفية مرتبطة بالثقافة العمانية الأصيلة الضاربة في القدم، والتاريخ الإنساني المعرفي التراكمي، والعادات والتقاليد والسمت العماني المتعارف عليه، كل ذلك يأتي من خلال سياق معرفي بصور يستوعبها الطفل لبناء هويته في واقع الأدب، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك الشعر والمسرح والقصة القصيرة والنشيد وغيرها من المفردات.
دعم أدب الطفل
التركيز على الهوية الثقافية ضرورة ملحة في أدب الطفل لما له من تأثير كبير على المتلقي الصغير بما يقدمه من معالجات
يؤكد عدد من المختصين على ما يمكن أن يضاف إلى الهوية الثقافية في أدب الطفل في سلطنة عمان من خلال المحفزات والممكنات الأدبية العلمية، مع الإشارة إلى التحديات التي تواجهها الهوية في ظل التداخل المعلوماتي في الفضاءات الثقافية المفتوحة.
يقول الأكاديمي عامر بن محمد العيسري أستاذ مساعد للتربية المبكرة بجامعة السلطان قابوس إن “أدب الطفل في سلطنة عمان نشأ أولا في كنف أدب الكبار وامتزج به، وبدأ أول ما بدأ شفويا يعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات، أو في صورة أشعار تتوارثها الأجيال، مثل حكايات الغواصين ومغامرات الهجرة والسفر وحكايات الشجاعة والبطولة والألغاز والألعاب الشعبية التي كان لها دور في إثراء الأدب وتذوقه لدى الأطفال وتنشئتهم وبناء شخصيتهم، وتمثل الاهتمام بالأطفال وأدبهم في سلطنة عمان في مجهودات بعض الوزارات المعنية بالطفل مثل وزارة الإعلام التي قدمت برامج للأطفال في الإذاعة والتلفزيون، وفي بعض الصحف المحلية التي خصصت صفحات وملاحق أسبوعية لأدب الأطفال”.
وتطرق إلى تطور أدب الطفل في سلطنة عمان والإنتاج المقدم للأطفال وما ساعد على ذلك بما فيها إقامة عدد من الندوات والفعاليات البحثية المخصصة وعلى سبيل المثال لا الحصر حلقة العمل الأولى التي أقامها النادي الثقافي في عام 1989 تحت عنوان “ندوة ثقافة الطفل”، والندوة التي أقيمت في قاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس خلال الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر من عام 2008 بعنوان “ثقافة الطفل العماني”، كما تم تخصيص ركن خاص بمعرض مسقط الدولي للكتاب لمناشط الطفل تقدم فيه باقات متنوعة من الفعاليات بهذا المجال، كما عُقدت ضمن فعاليات المعرض ندوة متخصصة حول الإعلام الجديد والأطفال.
ويبين العيسري أنه في عام 2015 خصصت جائزة السلطان قابوس للأدب في دورتها الرابعة محورا مهما يعنى بالكتابة للأطفال، كما خصصت وزارة التربية والتعليم مسابقات للمعلمين بعنوان قصص داعمة للمناهج وأعلن النادي الثقافي عام 2019 عن إقامته مسابقة جائزة أدب الطفل في الخيال العلمي، وأطلقت جائزة الإجادة الإعلامية للأطفال ضمن فعاليات ندوة أطفالنا والإعلام الجديد التي أقامتها وزارة الإعلام، وبرزت مسابقة عمان تحكي التي تنفذها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ومسابقة الإبداع الأدبي لطلبة المدارس التي تنفذها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
أدب الطفل يعد جنسا أدبيا خاصا وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية بالإضافة إلى الخصائص الفنية وخروجه عنها أمر خطير
ويضيف “من هنا يبرز وجود جهات حكومية وأهلية في سلطنة عمان تشجع على أدب الأطفال وتقيم فعاليات في هذا المجال أو تدعم نشره، وهناك جوائز فازت بها كاتبات عمانيات مثل: الأكاديمية وفاء الشامسية التي حصلت على المركز الأول على مستوى الوطن العربي في سلسلة الكتب الثقافية التابعة لمكتب التربية العربي لعام 2016، وابتهاج الحارثية التي فازت بقصتها ‘أنا وماه’ في جائزة اتصالات عام 2015، وعائشة الحارثية التي فازت بجائزة اتصالات في عام 2018 في فئة أفضل عمل قصصي بقصة ‘الحنين’، وكتاب ‘بو‘ الذي رشح ضمن قائمة القصص القصيرة لجائزة ‘كتابي‘، وخديجة المفرجية، الفائزة بالمركز الأول في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في أدب الأطفال عن فئة الشعر عام 2021”.
ويؤكد على أن المتتبع للخطوات الحثيثة التي تبرز من هنا وهناك في سلطنة عمان لتطوير أدب الأطفال وما يكتب لهم يلحظ وجود بعض التحديات التي توضح معالم أهم الخطوات التي ينبغي السعي لتنفيذها على أرض الواقع لتمضي مسيرة تطور أدب الطفل قدما بصورة منظمة، وعلى رأسها المخصصات المالية المحددة لمجال الطفولة، والتقنية الرقمية التي تمثل تحديا كبيرا يمكن أن تبعد شريحة واسعة من الأطفال عن الاستمرار في متابعة ما يكتب لهم، ومن أهم هذه الخطوات المهمة التي ينبغي العمل عليها، وجود إستراتيجية أو رؤية أو وضوح في الأدوار والآليات، وزيادة الدراسات والنقد الهادف للإنتاج المقدم للأطفال، وتوفير المتخصصين في مجال نقد أدب الأطفال ودعمهم وتعزيزهم، وزيادة الوعي بأهمية تطوير وتجويد ما يقدم للأطفال من إنتاج أدبي، وزيادة وعي الأهالي بآليات اختيار المناسب منه لأبنائهم.
كما يدعو العيسري إلى زيادة الحلقات والفعاليات والمسابقات المتخصصة في مجال أدب الطفل، وإتاحتها بشكل واسع لجميع الفئات، ووجود دعامات أساسية لإبراز الإنتاج المكتوب للأطفال مثل المجلات، والقناة الفضائية المتخصصة للأطفال، وتحويل الإنتاج القصصي المكتوب إلى قصص برامج كرتونية متحركة ووجود الكتب التفاعلية وتوظيف التكنولوجيا بها، ووجود مدونات وقنوات ومواقع إلكترونية متخصصة في أدب الأطفال، وتخصيص منابع تمويلية ثابتة لدعم الإنتاج المقدم للأطفال وتطويره وتقديم التسهيلات وتبسيط الإجراءات الإدارية في ما يتعلق بطباعة محتوى أدب الطفل ونشره وإنتاجه.
ويشدد على أهمية الابتعاد عن النظرية الربحية في الإنتاج المقدم للأطفال من خلال تقليل البهرجة في الشكل والاهتمام بالمحتوى المقدم وفائدته وتأثيره على الأطفال والاهتمام بالموروث الشعبي والثقافي واهتمامه بالعمق والصدق والخيال وموضوعات فلسفة الحياة التي تهتم بمستقبل الأطفال، وتعدّهم للمشاركة بفاعلية في المجتمع، على أن يتم توجيه كتاب الطفل إلى شرائح عمرية متعددة، يحتاج كل منها إلى اختيار ما يلائمه من موضوعات وأسلوب ومفردات لغوية، وصور وأشكال وألوان وأوعية ثقافية مختلفة، وإخراجات مشوقة وأدوات مساعدة، ما يجعل كتاب الطفل أكثر تعقيدا عشرات المرات من كتب الكبار فيؤدي ذلك إلى إنتاج كتب متخصصة وذات جودة من ناحية النص والصورة والتصميم والإخراج والتسويق.
الهوية الثقافية
أدب الطفل في سلطنة عمان بدأ شفويا ويعتمد على الرواية للأدب والقصص الشعبية على ألسنة الأجداد والجدات
من ناحيتها تقول الأكاديمية وفاء بنت سالم الشامسية المختصة في أدب الطفل “علينا تحديد المحفزات والممكنات التي نصبو إليها جميعا، في محاولة لتمكين أطفالنا منها من خلال ممارساتنا المختلفة، وطالما أنها مرتبطة بالهوية الثقافية، فالأهم أن نقف على المقصود بهوية الطفل، والهوية الثقافية”.
وتوضح أن هوية الطفل تنمو نتيجة لتفاعله مع من حوله في البيت أولا، ثم في المراحل التأسيسية التعليمية الأولى والمجتمع الأوسع، وهوية الطفل بل هوياته المختلفة التي تتعمق خلال مسار تطوره؛ فالطفل الذي راقب والديه بتعاملهما مع معطيات المزرعة مثلا أو نباتاتها ورافقهما إلى النزهات في الجبل والوادي، فإنه سينمو لديه في البداية وبشكل غير واع ميل طبيعي لهذه النزهات وما تحتويه، وسيحاول العودة إليها كلما سنحت له الفرصة، وهذه التجارب وغيرها تبلور مفهومه لذاته ولهويته، وتنمّي علاقاته الإيجابية مع بيئته وما تحويه من مواد وأشخاص.
وتضيف الشامسية “إن تنمية هوية الطفل الثقافية تكتسب أهميتها من ارتباطها بحياته اليومية، إذ يعيش في بيئة مليئة بالمؤثرات الثقافية، ويسمع لغة ويرتبط بها، وينشأ في مكان ويشعر بالانتماء إليه، ويمارس عادات وتقاليد مختلفة فتصبح مكونا رئيسا من أيديولوجيته الثقافية والمعرفية، ويتفاعل مع عالمه الصغير المحيط به فتنشأ لديه خلفية معرفية وفكرية واجتماعية تتفاوت في تأثيرها من طفل إلى آخر”.
وتؤكد على أن هناك بعدا مهما في الهوية الثقافية وأهمية تنميتها لدى الطفل، إذ أنها أساس لتنمية قدرته على التعامل مع الثقافات الأخرى باحترام من حيث التوافق معها أو التصالح أو التسامح، وهي محك مهم يبلور تعامله مع العالم المتغير، والتعلم من التجارب البشرية والثقافات البشرية الواسعة، لذلك حين يترجم الكاتب الذي يكتب للطفل المحفزات والممكنات الأدبية والعلمية عليه أن يضع خارطة واضحة المعالم بها، فالهوية الثقافية عالم واسع وممتد، ولا ترتبط بالعالم المادي فقط بل تتجاوزه إلى عوالم أخرى، والاشتغال على هذا الأمر ضرورة ملحة لما لأدب الطفل من تأثير كبير على المتلقي الصغير بما يقدمه من معالجات وشخصيات يتماهى معها، ويتأثر بها، وبما يضيفه إلى موسوعته العلمية من معارف ومعلومات تظل عالقة في ذهنه لفترة زمنية طويلة مما يشكل لاحقا تأثيرا يظهر على قيمه ومبادئه وسلوكياته. لكن ما يحكم هذا الاشتغال هو الأدوات التي يستخدمها الكاتب، ومحددات الفئة العمرية التي يخاطبها؛ كي يضمن تقديم معالجة محكمة تعزز الهوية الثقافية لدى الطفل.
وتقول إن “المعالجة تأتي في أشكال مختلفة، منها المكتوب، ومنها المسموع، ومنها المشاهد، وتبقى القصة أكثر الأنواع المطروقة من قبل الكتّاب لمبررات كثيرة، تليها القصص المصورة، والمسرحيات، والأناشيد، أما من حيث الموضوعات المعالجة فهي كثيرة، وتأتي القيم على رأس القائمة، ثم هناك الهوية الوطنية، والتاريخ، والدين، واللغة، في حين بقيت بعض المحاور قليلة المعالجة إن لم يكن التطرق لها نادرا كالهوية الجنسية، والجمالية”.
يجب تنمية الوعي النقدي في شخصية الطفل
وفي شأن التحديات تقول “التحديات موجودة، وباتت كثيرة بسبب التداخل المعلوماتي، ولكن الأصل في التنشئة هو تمكين الطفل من هويته الثقافية الأصيلة، وتعزيز مهارات التعامل مع ما حوله بطريقة واعية يعتمد فيها على الغربلة، والتقييم، والمقارنة للوصول إلى المنطقة الآمنة، وإن الاهتمام بالجانب المعرفي في ما يتعلق بالهوية الثقافية يأخذ نصيب الأسد، بينما لا يحظى الجانبان الوجداني والمهاري بذات الاهتمام، رغم أهميتهما القصوى، فهما يؤديان دورا مهما في استقطاب المحفزات والتأثر بها، ثم ترجمتها لسلوكيات يمارسها الطفل في الوسط الذي يعيش فيه”.
وتبين الشامسية أن أدب الطفل في سلطنة عمان قطع شوطا كبيرا في بلورة المحفزات مستعينا بأدواته الأدبية والعلمية، وما رأيناه وعايشناه في معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة لهو شاهد على ثراء الاشتغال في مجالات الهوية الثقافية، وتقديمها بأساليب مختلفة ومتنوعة للطفل القارئ، وتأتي الموسوعة العمانية للأطفال على رأس الهرم في ما قدم له تمكينا لمعارفه، وتأصيلا لهويته الثقافية.
وتتابع “ربما أشير في مجمل الحديث إلى وجود بعض الفجوات، ومن ضمنها ما نلمسه من قلة الإيمان بدور أدب الطفل في إحداث التغيير المطلوب لدى الأجيال القادمة، إضافة إلى أهمية التكامل بين كل المؤسسات والمشتغلين في أدب الطفل لصناعة المشهد الثقافي الموجه للطفل بهويته ومعطياته المختلفة بالطريقة العلمية المناسبة، مع التأكيد على ضرورة التمكن من أدوات الكتابة والمعالجة العميقة والصحيحة للطفل، خصوصا مع ما نراه من ضعف في بعض المعالجات والاشتغالات على مستوى النص أو الرسم أو الإخراج”.
أما الكاتب عبدالرزاق الربيعي الذي له إصدارات شعرية ومسرحية موجهة للأطفال، فيقول في هذا السياق إن “تعزيز الهوية الثقافية من أهم الواجبات الملقاة على عاتق من يكتب للطفل في سلطنة عمان، وهذه الهوية تقوم على ركائز ثابتة، وعميقة، فسلطنة عمان غنية بموروثاتها الثقافية التي تشكل مصدرا مهما ومعينا لا ينضب ينهل منه المشتغلون بالكتابة للطفل، واكتسبت غنى ثقافيا ومعرفيا، بفضل تاريخها الممتد إلى عصور قديمة، وانفتاحها الثقافي الممنهج على الثقافات الأخرى وهو انفتاح نتج عنه تواصل مع الحضارات المحيطة بدأ منذ العصور القديمة، عندما ارتبطت بعلاقات تجارية مع تلك الحضارات، وكان اللبان والبخور همزة وصل بينها وبين دول قامت في وادي الرافدين والنيل والهند“.
ويشير إلى ضرورة أن يعرف الطفل في سلطنة عمان هذا التاريخ وأن يدرك سمات هذه الهوية المتأصلة ذات الجذور العميقة التي يغلب عليها الاعتدال والتسامح، والتعايش، والتعدد، والخصوصية الوطنية التي تدخل في مفردات الحياة اليومية من ملبس ومأكل ومشرب، وللوصول إلى تحقيق هذا الهدف السامي لا بد من جهد كبير يبذل على مستوى فردي ومؤسساتي.
ويضيف “التحديات التي تواجهها الهوية في هذه المرحلة كبيرة، والانفتاح الثقافي أضر بالثقافة المحلية، وهذا الجهد يبدأ من البيت حيث يربى الطفل محافظا على موروثه الثقافي والاجتماعي وانتمائه لقضايا مجتمعه، حريصا، كل الحرص، على العادات، والتقاليد التي من شأنها أن تشكل منه مواطنا يتفاعل مع مجتمعه ثم تأتي مهمة المدرسة التي تقوم بالتأكيد على تلك المفردات وغرس الانتماء الوطني لدى النشء الجديد وإعداده إعدادا صحيحا للمستقبل، ويكون دور المشتغلين بأدب الطفل هو مساعدة البيت والمدرسة بهذه المهمة بما ينتجونه من إبداعات في الكتابة الشعرية والسردية والفنون البصرية، لوضع البوصلة في اتجاهها الصحيح، لذا فالمهمة الملقاة على عاتقهم كبيرة، فلا بد من تكاتف الجهود من أجل تحقيق الهدف المنشود”.
الوعي النقدي
التحديات أمام كتب الأطفال باتت كثيرة
ترى الباحثة والناقدة في الأدب العماني الأكاديمية فايزة بنت محمد الغيلانية أن أدب الطفل يعد جنسا أدبيا خاصا، وخاضعا لمعايير أخلاقية وقيمية، بالإضافة إلى الخصائص الفنية، ويمكن القول إن الإخلال بأيّ منهما، يخرج أي إنتاج أدبي منسوب إلى هذا الجنس منه، وينبغي حينها بالضرورة محاصرته، وسحبه.
وأضافت بالقول “تحرص المنظومة التربوية والثقافية والإعلامية في سلطنة عمان على أن تبرز التربية الدينية الإسلامية، والثقافة العربية الأصيلة، والهوية الوطنية بمكوّناتها المادية والمعنوية، في كل ما له صلة بالطفل، من أدب مكتوب، أو مسموع، أو مرئي، وتعد هذه المقومات الثلاثة من أهم المحفزات في أدب الطفل في سلطنة عمان”.
وتتابع أنه “من خلال الإنتاج المتزايد في أدب الطفل في سلطنة عمان، وظهور أقلام شابة تطرح رؤيتها لعالم الطفل من خلال هذا الإنتاج، الذي يتيح الانفتاح على الآخر مع الحفاظ على الهوية، والتماهي مع التطور العلمي من حوله من خلال توظيف نماذجه المختلفة في هذا الإنتاج بوصفه جزءا من العالم الذي يحيط بالطفل، أو يحيا فيه، تبرز مهارات القرن الحادي والعشرين مثل مهارات الاتصال والتواصل، ومهارات التفكير الناقد، وتوظيف الخيال مثل محفزات تندمج مع الصور التقليدية، والقيم الأخلاقية المتعارف عليها، لتنتج للطفل أدبا يربطه بمجتمعه، وبالعالم من حوله، ويتيح له في الوقت نفسه التعامل معه في جوانبه الإيجابية والسلبية بوعي، وقدرة كبيرة على حل المشكلات”.
وتؤكد على أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال في ظل الانفتاح المعلوماتي، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وسهولة وصول الطفل إليها؛ أن نمنع وصولها إليه، وهو ما يمثل التحدي الأكبر، فما يمكن متابعته من الوالدين أو المنزل، يمكن للطفل أن يتابعه من خلال الحديث مع أصدقائه، أو مشاهدته أو قراءته في أيّ من الأماكن التي يرتادها الطفل. وعليه فإن الحديث مع الطفل، وتوعيته، ومشاركته ما يقرؤه أو يشاهده يمكن أن ينمي لديه وعيا نقديا، وقدرة على التعامل مع المتغيرات المتسارعة من حوله، وهما يمكّنانه من التمييز بين الجيد وغيره وفق المعايير التي تعززها المكونات والمحفزات القيمية، والسمات الفنية المقبولة في أدب الطفل التي اعتاد وجودها في ما يتابعه ويقرؤه ويشاهده.
وتوضح أن الاضطراب المؤسسي في التعامل مع عناصر الهوية الوطنية يمثل تحديا آخر، لاسيما في ما يتعلق بالاهتمام باللغة العربية، وتعزيزها بوصفها مكوّنا أساسيا في الهوية الوطنية من خلال التسميات الأجنبية التي بدأت تظهر في المجتمع العماني لبعض الأماكن التي يمكن أن يرتادها الطفل مثل “ذا فيليج” أو “داون تاون” وغيرها، مما يؤثر بشكل كبير على المدى البعيد في ترسيخ صورة الهوية في شخصية الطفل، بين ما ينبغي له أن يكونه، وما هو من حوله من مفردات ومسميات، وأزياء، وممارسات بعيدة عن هويته الأصلية.
وترى أن الأمر يصبح أخطر حين يأتي أدب الطفل – أحيانا – مكتوبا باللهجات العامية، التي لا تعين على تنمية قدرات الطفل اللغوية، وتبتعد به عن بعض الغايات التي يسهم الأدب بأنواعه المختلفة في تحقيقها، لاسيما في ظل ابتعاد مؤسسات أخرى كالمؤسسات التربوية من مدارس وغيرها عن تعزيز مكانة اللغة العربية في نفوس الناشئة، نظرا لغلبة الاعتماد على اللهجات في التدريس وغيره من ممارسات فيها. وهذا ما يجعل التوافق بين المؤسسات المختلفة ذات الصلة بالطفل منقطعا، وأدوارها متضاربة مما يؤثر – دون شك – في تعيين هوية ثقافية أصيلة، ومتينة، وواضحة في أدب الطفل.
ShareWhatsAppTwitterFacebook