الشاعر المغربي عبدالحق ميفراني: باستطاعة الشعراء أن يغيروا العالم
القدرة المتفردة للشعر تبرز إبان الأزمات واللحظات الإنسانية المفجعة التي يتقدم فيها الشعراء كي يرتقوا آلام اللحظة.
الخميس 2024/03/21
محورية الشعر في خدمة قضايا الإنسان
عبداللطيف أبي القاسم
الرباط - يؤكد مدير دار الشعر بمراكش، عبدالحق ميفراني، أن الشعر يضطلع بدور محوري في خدمة قضايا الإنسان وقيم التسامح والمحبة في مواجهة خطابات الكراهية وأيديولوجيات التدمير التي تعرف صعودا متناميا في العصر الحالي.
ويقول ميفراني في حديث معه عشية اليوم العالمي للشعر، الذي يصادف الحادي والعشرين من مارس من كل سنة، إن “الشعراء حراس النور وهم القادرون على إضاءة النفق عندما ينغرس ظلام وسوداوية خطابات الكراهية وتصبح قاعدة أيديولوجية خاضعة للتنميط، بل وهي السائدة والمهمينة”.
ويعتبر ميفراني، وهو شاعر وناقد، أن الشعر في تضاده وقدرته على نسج أقانيم الجمال وطروس من الحب، استطاع على امتداد التاريخ أن يحافظ على صوته المفرد، مبرزا أن باستطاعة الشعراء أن يغيروا العالم، تماما مثلما أن باستطاعة القصائد أن تكون ميسم خلاص العالم من كراهيته لذاته.
الشعراء حراس النور وهم القادرون على إضاءة النفق عندما ينغرس ظلام وسوداوية خطابات الكراهية والانغلاق والصراع
وبالحديث عن اليوم العالمي للشعر، يقول ميفراني إن التحسيس بقيم الشعر لا يحتاج يوما عالميا للتعريف بوظيفة جنس تعبيري انغرس في الوجدان الإنساني منذ القدم، ولا أن نخصص يوما “احتفاليا”، مبرزا في المقابل أن الصعود القوي لأيديولوجيات التدمير هو ما يدفعنا اليوم، وفي كل مرة، لأن نعيد التحسيس بقيم الشعر ووظائفه باعتباره شكلا من أشكال المقاومة الذاتية، وضدا على التيئيس.
هذه القدرة المتفردة للشعر، تبرز أيضا، حسب ميفراني، إبان الأزمات والكوارث الطبيعية واللحظات الإنسانية المفجعة “التي يتقدم فيها الشعراء كي يرتقوا آلام اللحظة”. واعتبر في هذا الصدد أن للكلمة “سلطة مجازية تمسح دمعة طفلة أو تصبح بلسما وترياقا لقلب جريح أو تسعف مفقودا في دهاليز التيه، أو تصبح ترياقا لجسد أنهكه انتصار الألم”، مبرزا أن هذه كانت وظيفة الأدب وصوت الإنسان الداخلي القادر على عبور جغرافيات الألم بحثا عن تلك الكوة من الأمل.
وفي معرض جوابه عن سؤال حول اختيار مراكش من طرف منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي برسم سنة 2024، يقول ميفراني إن المدينة الحمراء تعتبر “أيقونة المدن الكونية، بمكانتها التاريخية وواجهة ثقافية عالمية اشتهرت بإنتاجها الثقافي والتراثي والأدبي، معززة صورتها كواجهة لتعزيز قيم التعايش والحوار”.
ويضيف أن مراكش هي أيضا مدينة الشعر والشعراء، من خلال ما قدمته من تجارب شعرية أغنت شجرة الشعر المغربي الوارفة، مشيرا إلى أنها هي المدينة التي شهدت إصدار أول ديوان شعري مغربي، وهو ديوان “أحلام الفجر” للشاعر عبدالقادر حسن العاصمي الصادر سنة 1935.
ويبرز ميفراني أن الاحتفاء بمراكش هذه السنة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي أمر يكتسي أهميته حيث أن البرنامج الرسمي لهذه الاحتفالية يتضمن تنفيذ أنشطة على مدار عام كامل، مشيرا إلى أن تظاهرة عواصم الثقافة تهدف أيضا إلى “دعم دور الثقافة في التنمية المستدامة وترسيخ أهمية احترام الحقوق الثقافية والثقافات المتباينة، لتحويل هذه المدن إلى وجهات ثقافية ودعم رأسمالها الثقافي”.
تعزيز حضور الفعل الثقافي في السياسات العمومية، خصوصا وأن المملكة تتميز بتعددها اللساني وتنوعها الثقافي الزاخر والخصب
وفي جوابه عن سؤال حول سبل النهوض بالشعر وأهله بالمغرب، يدعو مدير دار الشعر بمراكش إلى تعزيز حضور الفعل الثقافي في السياسات العمومية، خصوصا وأن المملكة تتميز بتعددها اللساني وتنوعها الثقافي الزاخر والخصب (من الفصيح إلى الأمازيغية إلى الحساني إلى الزجل)، وبروافدها المتعددة هي أيضا.
ويعتبر في هذا الصدد أننا هنا أمام “شبه أرخبيل”، يقع في نقطة مركزية من العالم ويتواشج فيه البعد المتوسطي بالإيبيري بالإفريقي بالعربي بالإسلامي.
ويستعرض ميفراني في هذا الصدد تجربة دار الشعر بمراكش، مشيرا إلى أن الدار تمكنت منذ تأسيسها سنة 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، أن تشتغل ضمن إستراتيجية تقوم على ترسيخ حضور الشعر ضمن السياق المجتمعي.
ويبرز أن الدار استطاعت عبر العديد من المبادرات التي أطلقتها أن تذهب باللقاءات إلى البادية والجبال والصحراء والبحر (شواطئ الشعر)، وإلى المآثر والساحات والفضاءات العمومية، وذلك ضمن برمجة سنوية تحتفي بالتعدد والتنوع الثقافي المغربي.
ويخلص ميفراني إلى أن قدرة الشعر، وضمن السياق الذي يقدم فيه، بمنظور برمجة تدبيرية مؤسساتية حديثة، تجعله في مقدمة “فنون القول” القادر على صياغة قيمنا الجمعية وتوحيد أفقنا الجمالي الإنساني، وانفتاحنا على المشترك الإنساني.العدد كامل
مقالات ذات صلة
القدرة المتفردة للشعر تبرز إبان الأزمات واللحظات الإنسانية المفجعة التي يتقدم فيها الشعراء كي يرتقوا آلام اللحظة.
الخميس 2024/03/21
محورية الشعر في خدمة قضايا الإنسان
عبداللطيف أبي القاسم
الرباط - يؤكد مدير دار الشعر بمراكش، عبدالحق ميفراني، أن الشعر يضطلع بدور محوري في خدمة قضايا الإنسان وقيم التسامح والمحبة في مواجهة خطابات الكراهية وأيديولوجيات التدمير التي تعرف صعودا متناميا في العصر الحالي.
ويقول ميفراني في حديث معه عشية اليوم العالمي للشعر، الذي يصادف الحادي والعشرين من مارس من كل سنة، إن “الشعراء حراس النور وهم القادرون على إضاءة النفق عندما ينغرس ظلام وسوداوية خطابات الكراهية وتصبح قاعدة أيديولوجية خاضعة للتنميط، بل وهي السائدة والمهمينة”.
ويعتبر ميفراني، وهو شاعر وناقد، أن الشعر في تضاده وقدرته على نسج أقانيم الجمال وطروس من الحب، استطاع على امتداد التاريخ أن يحافظ على صوته المفرد، مبرزا أن باستطاعة الشعراء أن يغيروا العالم، تماما مثلما أن باستطاعة القصائد أن تكون ميسم خلاص العالم من كراهيته لذاته.
الشعراء حراس النور وهم القادرون على إضاءة النفق عندما ينغرس ظلام وسوداوية خطابات الكراهية والانغلاق والصراع
وبالحديث عن اليوم العالمي للشعر، يقول ميفراني إن التحسيس بقيم الشعر لا يحتاج يوما عالميا للتعريف بوظيفة جنس تعبيري انغرس في الوجدان الإنساني منذ القدم، ولا أن نخصص يوما “احتفاليا”، مبرزا في المقابل أن الصعود القوي لأيديولوجيات التدمير هو ما يدفعنا اليوم، وفي كل مرة، لأن نعيد التحسيس بقيم الشعر ووظائفه باعتباره شكلا من أشكال المقاومة الذاتية، وضدا على التيئيس.
هذه القدرة المتفردة للشعر، تبرز أيضا، حسب ميفراني، إبان الأزمات والكوارث الطبيعية واللحظات الإنسانية المفجعة “التي يتقدم فيها الشعراء كي يرتقوا آلام اللحظة”. واعتبر في هذا الصدد أن للكلمة “سلطة مجازية تمسح دمعة طفلة أو تصبح بلسما وترياقا لقلب جريح أو تسعف مفقودا في دهاليز التيه، أو تصبح ترياقا لجسد أنهكه انتصار الألم”، مبرزا أن هذه كانت وظيفة الأدب وصوت الإنسان الداخلي القادر على عبور جغرافيات الألم بحثا عن تلك الكوة من الأمل.
وفي معرض جوابه عن سؤال حول اختيار مراكش من طرف منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي برسم سنة 2024، يقول ميفراني إن المدينة الحمراء تعتبر “أيقونة المدن الكونية، بمكانتها التاريخية وواجهة ثقافية عالمية اشتهرت بإنتاجها الثقافي والتراثي والأدبي، معززة صورتها كواجهة لتعزيز قيم التعايش والحوار”.
ويضيف أن مراكش هي أيضا مدينة الشعر والشعراء، من خلال ما قدمته من تجارب شعرية أغنت شجرة الشعر المغربي الوارفة، مشيرا إلى أنها هي المدينة التي شهدت إصدار أول ديوان شعري مغربي، وهو ديوان “أحلام الفجر” للشاعر عبدالقادر حسن العاصمي الصادر سنة 1935.
ويبرز ميفراني أن الاحتفاء بمراكش هذه السنة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي أمر يكتسي أهميته حيث أن البرنامج الرسمي لهذه الاحتفالية يتضمن تنفيذ أنشطة على مدار عام كامل، مشيرا إلى أن تظاهرة عواصم الثقافة تهدف أيضا إلى “دعم دور الثقافة في التنمية المستدامة وترسيخ أهمية احترام الحقوق الثقافية والثقافات المتباينة، لتحويل هذه المدن إلى وجهات ثقافية ودعم رأسمالها الثقافي”.
تعزيز حضور الفعل الثقافي في السياسات العمومية، خصوصا وأن المملكة تتميز بتعددها اللساني وتنوعها الثقافي الزاخر والخصب
وفي جوابه عن سؤال حول سبل النهوض بالشعر وأهله بالمغرب، يدعو مدير دار الشعر بمراكش إلى تعزيز حضور الفعل الثقافي في السياسات العمومية، خصوصا وأن المملكة تتميز بتعددها اللساني وتنوعها الثقافي الزاخر والخصب (من الفصيح إلى الأمازيغية إلى الحساني إلى الزجل)، وبروافدها المتعددة هي أيضا.
ويعتبر في هذا الصدد أننا هنا أمام “شبه أرخبيل”، يقع في نقطة مركزية من العالم ويتواشج فيه البعد المتوسطي بالإيبيري بالإفريقي بالعربي بالإسلامي.
ويستعرض ميفراني في هذا الصدد تجربة دار الشعر بمراكش، مشيرا إلى أن الدار تمكنت منذ تأسيسها سنة 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، أن تشتغل ضمن إستراتيجية تقوم على ترسيخ حضور الشعر ضمن السياق المجتمعي.
ويبرز أن الدار استطاعت عبر العديد من المبادرات التي أطلقتها أن تذهب باللقاءات إلى البادية والجبال والصحراء والبحر (شواطئ الشعر)، وإلى المآثر والساحات والفضاءات العمومية، وذلك ضمن برمجة سنوية تحتفي بالتعدد والتنوع الثقافي المغربي.
ويخلص ميفراني إلى أن قدرة الشعر، وضمن السياق الذي يقدم فيه، بمنظور برمجة تدبيرية مؤسساتية حديثة، تجعله في مقدمة “فنون القول” القادر على صياغة قيمنا الجمعية وتوحيد أفقنا الجمالي الإنساني، وانفتاحنا على المشترك الإنساني.العدد كامل
مقالات ذات صلة