انتشار الحضارة الغربية
شهدت الفترة من 1500-1900م تغيرات كبرى في تاريخ العالم، فزاد سكان العالم زيادة كبيرة. زادوا من 450 مليون نسمة عام 1500م إلى بليون ونصف البليون في 1900م، ونمت المدن نموًا مطردًا، وبدأت الحضارة الأوروبية تسود الحضارات الأخرى في المجالات الثقافية، والاقتصادية، والتقنية، وانتهى عهد الحضارات المستقلة عن بعضها بعضًا، وبدأ التقارب بين بعضها جليًا، وأخذت أوروبا تسود بقية العالم وذلك لعدة أسباب، منها: إقامتها المستعمرات في آسيا وإفريقيا والأمريكتين، ومنها حدوث الثورة الصناعية وازدهار الصناعة في أوروبا، وإيجاد الأسواق في المستعمرات، ثم التجارة التي درّت على أوروبا أرباحًا طائلة، ثم التطور التقني (التكنولوجي) الهائل الذي شهدته أوروبا. وأخيرًا استطاعت أوروبا أن تنقل نظمها الإدارية والقانونية والسياسية والحربية والاقتصادية إلى مستعمراتها تلك، وتمكنت من السيادة والهيمنة.
عصر النهضة:
كانت الفلسفة الإنسانية هي الأساس الثقافي للنهضة الأوروبية، التي تعطي اهتمامًا أقل بالكنيسة والأمور الدينية، ومحاولة لفهم البشر والطبيعة البشرية والعالم من منظور علمي. وقد كان رواد تلك الفلسفة هم الذين حفظوا التراث الإغريقي والروماني، واضعين بذلك الأساس لحركة النهضة التي امتدت لنحو ثلاثمائة عام من التطور والتوسع في الآداب والعلوم في أوروبا. بدأت هذه الحركة في إيطاليا وانتشرت منها إلى أوروبا أثناء القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وكانت حركة ترمي في عمومها إلى اهتمام بالإنسان وبمشاعره أكثر من الاهتمام بالمسائل الكنسية، وهي أيضًا ترمي إلى الاهتمام بالأمور العلمية، الأمر الذي أدى إلى اكتشافات علمية متميزه. ★ تَصَفح: عصر النهضة.
أعقب هذه النهضة عصر الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر الذي أقام الكنيسة البروتستانتية المستقلة عن روما. كما أدى إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية ذاتها.
عصر الاستكشافات الجغرافية:
واكبت حركة النهضة حركة الاكتشافات الجغرافية، وكانت أولاها محاولة البرتغاليين اكتشاف طريق بحري شرقي إلى آسيا، فجاءت الرحلات إلى رأس الرجاء الصالح، ثم تبعت ذلك رحلة كولمبوس إلى أمريكا (العالم الجديد) عام 1492م. وكذلك رحلة فاسكو دا جاما في الفترة من عام 1497 - 1498م إلى الهند حول إفريقيا، ثم محاولة فرديناند ماجلاّن القيام برحلة حول العالم. وكان معظم هؤلاء البحارة المكتشفون يحاولون إيجاد طريق بحري أقصر إلى آسيا. وقد أدت هذه الرحلات إلى زيادة المعرفة الجغرافية بتلك الجهات، كما أنها أدت إلى إنشاء المزيد من المستعمرات مصادر للمواد الخام للصناعات الأوروبية، وأسواقًا لمنتجات تلك المصانع. وقد أثرت أوروبا كثيرًا من تلك التجارة، بما فيها تجارة الرقيق التي كانت قد بدأت آنذاك. ثم جاءت فترة البحث عن الذهب الأمر الذي أدى إلى استعمار الأمريكتين. وكان الأسبان سبّاقين في هذا المجال، فقد كانت أسبانيا في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي مسيطرة على المكسيك، وأواسط أمريكا، ومعظم أمريكا الجنوبية، وقد خلَّفت أسبانيا آثارًا ما زالت باقية، هي لغتها وديانتها الكاثوليكية. ثم جاءت بريطانيا لتستعمر معظم أمريكا الشمالية، فقامت حروب ضد الهنود ـ سكان البلاد الأصليين ـ وكاد القادمون الجدد أن يفنوهم. ولم ينفرد الإنجليز باستعمار أمريكا وإنما شاركهم في ذلك الفرنسيون في الشمال، والهولنديون في المنطقة التي تشمل الآن نيوجيرسي، وكونكتيكت ونيويورك.
الإمبراطوريات الإسلامية:
ظلت أجزاء من أوروبا وآسيا تحت الحكم العثماني حتى القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)، وقد تميز ذلك الحكم بالتسامح الديني، إذ كانت كل مِلّة تمارس شعائرها الدينية في حرية تامة. كما أن العثمانيين حكموا ولاياتهم حكمًا غير مركزي، وتركوها تدير أمورها الداخلية.
احتلت الدولة العثمانية الدولة الصفوية التي كانت قائمة في فارس في القرن السادس عشر الميلادي بسبب الخلافات على الحدود في منطقة العراق، كما أن الدولة الصفوية احتلت الإمبراطورية المغولية في الهند وحاربتها، وقد وصلت هذه الأخيرة إلى أوج عظمتها على عهد حاكمها أكبر الذي حكم من 1556-1605م. وسيطر على معظم شمال وأواسط الهند وأفغانستان، وقد اتسم حكمه أيضًا بالتسامح الديني، الأمر الذي حببه إلى قلوب الهندوس الذين أخلصوا له.
بدأت إمبراطورية المغول تضعف تحت حكم خلفاء أكبر بسبب سياستهم المالية المتعسفة، وسياساتهم الدينية وبسبب الحروب ضد فارس. وبحلول عام 1707م كانت هذه الإمبراطورية قد تفككت تمامًا.
التطورات في الصين واليابان:
تدهورت أسرة مينج في الصين، وبدأ النفوذ الأوروبي، وكذلك بدأ حكم المانشو القادمين من منشوريا، وكان حكام المينج قد أتوا بهم لمساعدتهم في إخماد الثورات ولكنهم سرعان ما أقاموا حكم أسرتهم أسرة الكينج التي حكمت الصين حتى عام 1912م. وقد وسعوا حدودهم حتى منطقة كوريا واحترموا الحضارة الصينية. ولم يغيروا من أنظمة الحكم الصينية، وشهدت فترتهم ازدهارًا ورخاءً، وازدادت الصلة بأوروبا، لكن الصين ظلت تعيش منعزلة.
كانت اليابان أشد عزلة من الصين، وقد وفد إليها التجار الأوروبيون والمنصِّرون في القرن السادس عشر الميلادي، وكان الحكم آنذاك لعائلة توكوجاوا، التي خشيت المنصرين ونشاطهم، فطردتهم من اليابان، وعمدت إلى اقتلاع النصرانية من البلاد، ثم انقطعت صلاتها بالعالم الخارجي إلى الحد الذي توقفت عنده التجارة الخارجية، ما عدا النَّزْر اليسير مع هولندا.
قيام الديمقراطيات والحركات القومية:
أثرت الديمقراطية والحركات القومية على معظم أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، فالشعور بالقومية مثلاً أدى إلى قيام دول جديدة ذات طابع قومي، كما أن أثر هاتين القوتين القومية والديمقراطية أدى أحيانًا إلى اندلاع ثورات ضد النُّظُم القديمة. من ذلك الثورة الأمريكية التي بدأت في أبريل عام 1775م للمطالبة بمزيد من الحرية والاستقلال، والتي كانت في أساسها ثورة ضد بريطانيا وضد محاولاتها إحكام سيطرتها على مستعمراتها الأمريكية. وكان من نتائج هذه الثورة ظهور شعب جديد ـ هو الشعب الأمريكي ـ وإقامة كيان سياسي جديد، هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت الثورة الفرنسية (1789م) مثالاً آخر للثورة على النظام القديم. وكان لانتشار الفكر الديمقراطي والفكر القومي، أثر واضح في قيام تلك الثورة التي عملت على إنهاء النظام القديم، وإعلان حقوق الإنسان والتمسك بمبدأ الحرية، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أقامت أول جمهورية فرنسية.
في عام 1804م أطاح نابليون بونابرت بالحكومة الثورية، وأعلن نفسه إمبراطورًا على فرنسا وممتلكاتها، وقد تمت له السيطرة على معظم أوروبا، لكنه تعرض لنكسة عندما فقد معظم جيشه في محاولاته غزو روسيا عام 1812م، وتعرض نابليون لهزيمة أخرى من قوات أوروبا المتحدة في معركة واترلو عام 1815م، مُنْهِية بذلك محاولته حكم أوروبا.
حاول بعض ساسة أوروبا الحد من انتشار فكر الثورة الفرنسية في أوروبا، فعقدوا لذلك مؤتمر فيينا الذي كان من نتائجه إعادة الحكم الملكي في إيطاليا وأسبانيا وأماكن أخرى، وكان نابليون قد أطاح بالملكية فيها، كما أعاد مؤتمر فيينا الحكم الملكي لفرنسا ذاتها. ولكن المؤتمر فشل بعد كل ذلك في إيقاف تيار الليبرالية والقومية على المدى البعيد.
بحلول عام 1808م عرفت أوروبا الدساتير، فكان لمعظم دولها دستور يحكمها، كما أن إيطاليا وألمانيا شهدتا حركة وحدة قومية فتوحدت كل منهما تحت حكم دستوري، وكان الاعتقاد السائد أن الديمقراطية والقومية ستنتشران وتحلان كل مشاكل العالم السياسية.
الثورة الصناعية:
بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا، وانتشرت إلى كل دول أوروبا وأمريكا بحلول منتصف القرن التاسع عشر. وقد كان أثرها كبيرًا على حياة الناس، يشابه الأثر الذي أحدثه اكتشاف الزراعة في العهود الغابرة، إذ إنه بقيام المصانع ظهرت المدن الصناعية الكبرى، وسهل الاتصال بين البشر، وسهلت الحياة بفضل التطور الذي طرأ على نظم المواصلات والاتصالات. كما كان للثورة الصناعية آثار اجتماعية جمة مثل ازدهار الطبقة الوسطى التي أثرت سريعًا بامتلاكها المصانع، ووسائل الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى ظهور الرأسمالية، نظامًا اقتصاديًا يمتلك فيه الأفراد وسائل الإنتاج. وسادت الرأسمالية في بريطانيا أولاً ثم في بقية أنحاء أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي.
كانت الثورة الصناعية في أيامها الأولى وبالاً على العمال والطبقات الفقيرة، فالأجور كانت منخفضة، والمساكن مزدحمة، والأحوال الصحية والاجتماعية في المدن سيئة. ولم يكن غريبًا أن ثار أولئك العمال على أسلوب استخدام الآلات الحديثة في المصانع لاعتقادهم أن ذلك هو سبب بلائهم، وقد بدأ بعض الناس يلومون الرأسمالية، الأمر الذي أدى إلى ظهور الأفكار الاشتراكية التي جذبت إليها الكثير من الطبقات الفقيرة. وقد طوّر ماركس فكرها في فترة لاحقة لتصبح شيوعية محضة. وقد شهدت هذه الفترة إلى جانب هذه التطورات بداية ظهور النقابات العمالية، وبداية الإصلاح في قوانين العمل والعمال في بريطانيا وغيرها.
الاستعمار:
ساهمت الثورة الصناعية إلى حد كبير في قيام حركة التوسُّع الاستعماري في القرن التاسع عشر، وقد أدت الحاجة إلى مزيد من المواد الخام للمصانع، ومزيد من الأسواق لمنتجات تلك المصانع إلى ذلك التوسع الاستعماري، فاقتسمت أوروبا دول إفريقيا وآسيا، وأنشأت مستعمرات فيهما، ولم تبق إلا الصين واليابان وسيام (تايلاند) دولاً مستقلة، ولكن سرعان ما بدأت الصين تقع تحت النفوذ البريطاني بعد هزيمتها في حرب الأفيون عام 1842م، كما أن اليابان بدأت تتطور صناعيًا وحربيًا بعد عام 1860م، واستطاعت الصمود أمام الدول المستعمرة، وظهرت قوتها عام 1905م عندما هزمت روسيا في الحرب الروسيه اليابانية الشهيرة.
قامت في أمريكا الجنوبية حركة واسعة تطالب بالاستقلال، وقد حاز عدد من دولها الاستقلال. كما بدأت الولايات المتحدة تتوسع في المكسيك، وتكسب أراضي جديدة أحيانًا عن طريق الشراء، مثل ألاسكا التي اشترتها من روسيا، وعن طريق الحرب أحيانًا أخرى مثل الفلبين وغوام وبورتوريكو التي كسبتها من أسبانيا بعد حرب عام 1898م. ★ تَصَفح: الولايات المتحدة، تاريخ.
وقد ظهرت في هذه الفترة آثار الاستعمار السلبية، مثل نهبه لخيرات تلك المستعمرات. وعدم الاهتمام بأهلها وبعاداتهم وثقافاتهم، الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات مقاومة الاستعمار والمطالبة بالاستقلال.
شهدت الفترة من 1500-1900م تغيرات كبرى في تاريخ العالم، فزاد سكان العالم زيادة كبيرة. زادوا من 450 مليون نسمة عام 1500م إلى بليون ونصف البليون في 1900م، ونمت المدن نموًا مطردًا، وبدأت الحضارة الأوروبية تسود الحضارات الأخرى في المجالات الثقافية، والاقتصادية، والتقنية، وانتهى عهد الحضارات المستقلة عن بعضها بعضًا، وبدأ التقارب بين بعضها جليًا، وأخذت أوروبا تسود بقية العالم وذلك لعدة أسباب، منها: إقامتها المستعمرات في آسيا وإفريقيا والأمريكتين، ومنها حدوث الثورة الصناعية وازدهار الصناعة في أوروبا، وإيجاد الأسواق في المستعمرات، ثم التجارة التي درّت على أوروبا أرباحًا طائلة، ثم التطور التقني (التكنولوجي) الهائل الذي شهدته أوروبا. وأخيرًا استطاعت أوروبا أن تنقل نظمها الإدارية والقانونية والسياسية والحربية والاقتصادية إلى مستعمراتها تلك، وتمكنت من السيادة والهيمنة.
ثروات الشعوب يمكن مقارنتها على أساس معرفة الناتج الوطني الإجمالي لذلك الشعب. ويعني الناتج الوطني الإجمالي قيمة الخدمات والسلع التي ينتجها أحد الأقطار خلال سنة واحدة. ولازال الناتج الوطني للفرد في الدول النامية في أدنى مستوى. |
كانت الفلسفة الإنسانية هي الأساس الثقافي للنهضة الأوروبية، التي تعطي اهتمامًا أقل بالكنيسة والأمور الدينية، ومحاولة لفهم البشر والطبيعة البشرية والعالم من منظور علمي. وقد كان رواد تلك الفلسفة هم الذين حفظوا التراث الإغريقي والروماني، واضعين بذلك الأساس لحركة النهضة التي امتدت لنحو ثلاثمائة عام من التطور والتوسع في الآداب والعلوم في أوروبا. بدأت هذه الحركة في إيطاليا وانتشرت منها إلى أوروبا أثناء القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وكانت حركة ترمي في عمومها إلى اهتمام بالإنسان وبمشاعره أكثر من الاهتمام بالمسائل الكنسية، وهي أيضًا ترمي إلى الاهتمام بالأمور العلمية، الأمر الذي أدى إلى اكتشافات علمية متميزه. ★ تَصَفح: عصر النهضة.
أعقب هذه النهضة عصر الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر الذي أقام الكنيسة البروتستانتية المستقلة عن روما. كما أدى إلى إصلاح الكنيسة الكاثوليكية ذاتها.
الأجهزة العلمية الجديدة، مثل التلسكوب والمجهر، ساهمت في دفع النمو المعرفي إلى الأمام خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. ونشاهد (إلى اليمين) التلسكوبات التي استخدمها الفلكي جاليليو الذي توصل إلى اكتشافات مثيرة في علم الفلك. وإلى اليسار نشاهد المجهر الهولندي الذي صنع في القرن الثامن عشر وفيه ثلاث مرايا عاكسة. |
واكبت حركة النهضة حركة الاكتشافات الجغرافية، وكانت أولاها محاولة البرتغاليين اكتشاف طريق بحري شرقي إلى آسيا، فجاءت الرحلات إلى رأس الرجاء الصالح، ثم تبعت ذلك رحلة كولمبوس إلى أمريكا (العالم الجديد) عام 1492م. وكذلك رحلة فاسكو دا جاما في الفترة من عام 1497 - 1498م إلى الهند حول إفريقيا، ثم محاولة فرديناند ماجلاّن القيام برحلة حول العالم. وكان معظم هؤلاء البحارة المكتشفون يحاولون إيجاد طريق بحري أقصر إلى آسيا. وقد أدت هذه الرحلات إلى زيادة المعرفة الجغرافية بتلك الجهات، كما أنها أدت إلى إنشاء المزيد من المستعمرات مصادر للمواد الخام للصناعات الأوروبية، وأسواقًا لمنتجات تلك المصانع. وقد أثرت أوروبا كثيرًا من تلك التجارة، بما فيها تجارة الرقيق التي كانت قد بدأت آنذاك. ثم جاءت فترة البحث عن الذهب الأمر الذي أدى إلى استعمار الأمريكتين. وكان الأسبان سبّاقين في هذا المجال، فقد كانت أسبانيا في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي مسيطرة على المكسيك، وأواسط أمريكا، ومعظم أمريكا الجنوبية، وقد خلَّفت أسبانيا آثارًا ما زالت باقية، هي لغتها وديانتها الكاثوليكية. ثم جاءت بريطانيا لتستعمر معظم أمريكا الشمالية، فقامت حروب ضد الهنود ـ سكان البلاد الأصليين ـ وكاد القادمون الجدد أن يفنوهم. ولم ينفرد الإنجليز باستعمار أمريكا وإنما شاركهم في ذلك الفرنسيون في الشمال، والهولنديون في المنطقة التي تشمل الآن نيوجيرسي، وكونكتيكت ونيويورك.
الإمبراطوريات الإسلامية:
ظلت أجزاء من أوروبا وآسيا تحت الحكم العثماني حتى القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)، وقد تميز ذلك الحكم بالتسامح الديني، إذ كانت كل مِلّة تمارس شعائرها الدينية في حرية تامة. كما أن العثمانيين حكموا ولاياتهم حكمًا غير مركزي، وتركوها تدير أمورها الداخلية.
احتلت الدولة العثمانية الدولة الصفوية التي كانت قائمة في فارس في القرن السادس عشر الميلادي بسبب الخلافات على الحدود في منطقة العراق، كما أن الدولة الصفوية احتلت الإمبراطورية المغولية في الهند وحاربتها، وقد وصلت هذه الأخيرة إلى أوج عظمتها على عهد حاكمها أكبر الذي حكم من 1556-1605م. وسيطر على معظم شمال وأواسط الهند وأفغانستان، وقد اتسم حكمه أيضًا بالتسامح الديني، الأمر الذي حببه إلى قلوب الهندوس الذين أخلصوا له.
بدأت إمبراطورية المغول تضعف تحت حكم خلفاء أكبر بسبب سياستهم المالية المتعسفة، وسياساتهم الدينية وبسبب الحروب ضد فارس. وبحلول عام 1707م كانت هذه الإمبراطورية قد تفككت تمامًا.
التطورات في الصين واليابان:
تدهورت أسرة مينج في الصين، وبدأ النفوذ الأوروبي، وكذلك بدأ حكم المانشو القادمين من منشوريا، وكان حكام المينج قد أتوا بهم لمساعدتهم في إخماد الثورات ولكنهم سرعان ما أقاموا حكم أسرتهم أسرة الكينج التي حكمت الصين حتى عام 1912م. وقد وسعوا حدودهم حتى منطقة كوريا واحترموا الحضارة الصينية. ولم يغيروا من أنظمة الحكم الصينية، وشهدت فترتهم ازدهارًا ورخاءً، وازدادت الصلة بأوروبا، لكن الصين ظلت تعيش منعزلة.
كانت اليابان أشد عزلة من الصين، وقد وفد إليها التجار الأوروبيون والمنصِّرون في القرن السادس عشر الميلادي، وكان الحكم آنذاك لعائلة توكوجاوا، التي خشيت المنصرين ونشاطهم، فطردتهم من اليابان، وعمدت إلى اقتلاع النصرانية من البلاد، ثم انقطعت صلاتها بالعالم الخارجي إلى الحد الذي توقفت عنده التجارة الخارجية، ما عدا النَّزْر اليسير مع هولندا.
قيام الديمقراطيات والحركات القومية:
أثرت الديمقراطية والحركات القومية على معظم أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، فالشعور بالقومية مثلاً أدى إلى قيام دول جديدة ذات طابع قومي، كما أن أثر هاتين القوتين القومية والديمقراطية أدى أحيانًا إلى اندلاع ثورات ضد النُّظُم القديمة. من ذلك الثورة الأمريكية التي بدأت في أبريل عام 1775م للمطالبة بمزيد من الحرية والاستقلال، والتي كانت في أساسها ثورة ضد بريطانيا وضد محاولاتها إحكام سيطرتها على مستعمراتها الأمريكية. وكان من نتائج هذه الثورة ظهور شعب جديد ـ هو الشعب الأمريكي ـ وإقامة كيان سياسي جديد، هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت الثورة الفرنسية (1789م) مثالاً آخر للثورة على النظام القديم. وكان لانتشار الفكر الديمقراطي والفكر القومي، أثر واضح في قيام تلك الثورة التي عملت على إنهاء النظام القديم، وإعلان حقوق الإنسان والتمسك بمبدأ الحرية، بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أقامت أول جمهورية فرنسية.
في عام 1804م أطاح نابليون بونابرت بالحكومة الثورية، وأعلن نفسه إمبراطورًا على فرنسا وممتلكاتها، وقد تمت له السيطرة على معظم أوروبا، لكنه تعرض لنكسة عندما فقد معظم جيشه في محاولاته غزو روسيا عام 1812م، وتعرض نابليون لهزيمة أخرى من قوات أوروبا المتحدة في معركة واترلو عام 1815م، مُنْهِية بذلك محاولته حكم أوروبا.
حاول بعض ساسة أوروبا الحد من انتشار فكر الثورة الفرنسية في أوروبا، فعقدوا لذلك مؤتمر فيينا الذي كان من نتائجه إعادة الحكم الملكي في إيطاليا وأسبانيا وأماكن أخرى، وكان نابليون قد أطاح بالملكية فيها، كما أعاد مؤتمر فيينا الحكم الملكي لفرنسا ذاتها. ولكن المؤتمر فشل بعد كل ذلك في إيقاف تيار الليبرالية والقومية على المدى البعيد.
بحلول عام 1808م عرفت أوروبا الدساتير، فكان لمعظم دولها دستور يحكمها، كما أن إيطاليا وألمانيا شهدتا حركة وحدة قومية فتوحدت كل منهما تحت حكم دستوري، وكان الاعتقاد السائد أن الديمقراطية والقومية ستنتشران وتحلان كل مشاكل العالم السياسية.
الثورة الصناعية:
بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا، وانتشرت إلى كل دول أوروبا وأمريكا بحلول منتصف القرن التاسع عشر. وقد كان أثرها كبيرًا على حياة الناس، يشابه الأثر الذي أحدثه اكتشاف الزراعة في العهود الغابرة، إذ إنه بقيام المصانع ظهرت المدن الصناعية الكبرى، وسهل الاتصال بين البشر، وسهلت الحياة بفضل التطور الذي طرأ على نظم المواصلات والاتصالات. كما كان للثورة الصناعية آثار اجتماعية جمة مثل ازدهار الطبقة الوسطى التي أثرت سريعًا بامتلاكها المصانع، ووسائل الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى ظهور الرأسمالية، نظامًا اقتصاديًا يمتلك فيه الأفراد وسائل الإنتاج. وسادت الرأسمالية في بريطانيا أولاً ثم في بقية أنحاء أوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي.
كانت الثورة الصناعية في أيامها الأولى وبالاً على العمال والطبقات الفقيرة، فالأجور كانت منخفضة، والمساكن مزدحمة، والأحوال الصحية والاجتماعية في المدن سيئة. ولم يكن غريبًا أن ثار أولئك العمال على أسلوب استخدام الآلات الحديثة في المصانع لاعتقادهم أن ذلك هو سبب بلائهم، وقد بدأ بعض الناس يلومون الرأسمالية، الأمر الذي أدى إلى ظهور الأفكار الاشتراكية التي جذبت إليها الكثير من الطبقات الفقيرة. وقد طوّر ماركس فكرها في فترة لاحقة لتصبح شيوعية محضة. وقد شهدت هذه الفترة إلى جانب هذه التطورات بداية ظهور النقابات العمالية، وبداية الإصلاح في قوانين العمل والعمال في بريطانيا وغيرها.
الاستعمار:
ساهمت الثورة الصناعية إلى حد كبير في قيام حركة التوسُّع الاستعماري في القرن التاسع عشر، وقد أدت الحاجة إلى مزيد من المواد الخام للمصانع، ومزيد من الأسواق لمنتجات تلك المصانع إلى ذلك التوسع الاستعماري، فاقتسمت أوروبا دول إفريقيا وآسيا، وأنشأت مستعمرات فيهما، ولم تبق إلا الصين واليابان وسيام (تايلاند) دولاً مستقلة، ولكن سرعان ما بدأت الصين تقع تحت النفوذ البريطاني بعد هزيمتها في حرب الأفيون عام 1842م، كما أن اليابان بدأت تتطور صناعيًا وحربيًا بعد عام 1860م، واستطاعت الصمود أمام الدول المستعمرة، وظهرت قوتها عام 1905م عندما هزمت روسيا في الحرب الروسيه اليابانية الشهيرة.
قامت في أمريكا الجنوبية حركة واسعة تطالب بالاستقلال، وقد حاز عدد من دولها الاستقلال. كما بدأت الولايات المتحدة تتوسع في المكسيك، وتكسب أراضي جديدة أحيانًا عن طريق الشراء، مثل ألاسكا التي اشترتها من روسيا، وعن طريق الحرب أحيانًا أخرى مثل الفلبين وغوام وبورتوريكو التي كسبتها من أسبانيا بعد حرب عام 1898م. ★ تَصَفح: الولايات المتحدة، تاريخ.
وقد ظهرت في هذه الفترة آثار الاستعمار السلبية، مثل نهبه لخيرات تلك المستعمرات. وعدم الاهتمام بأهلها وبعاداتهم وثقافاتهم، الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات مقاومة الاستعمار والمطالبة بالاستقلال.