"إيحاءات بصرية" لثلاثة فنانين عراقيين
تجارب تتشابه وتختلف منطلقة من الواقع العراقي.
الجمعة 2024/03/15
ألوان تعكس أفكار راسمها
يجتمع ثلاثة فنانين تشكيليين عراقيين في معرض يقدم "إيحاءات بصرية" استوحتها أعمالهم المترابطة من حيث الأفكار والموتيفات، توضح الاختلاف والتشابه في أساليبهم ورحلة كل واحد منهم لرسم هوية تشكيلية خاصة به تستلهم مكوناتها من الموروث العراقي.
بغداد - "إيحاءات بصرية" هو عنوان المعرض المشترك للفنانين العراقيين ستار لقمان وهدى أسعد وصباح العزاوي، وقد أقيم مؤخرا في قاعة حوار للفنون ببغداد. وقدم كل منهم عشر لوحات مختلفة القياسات ومتنوعة الأساليب والطرح الفكري، وجمعهم رابط الإبداع الجمالي.
الفنان ستار لقمان، رغم أنه في كل مرة يعرض تجربة مختلفة عن الأخرى، في معارضه الشخصية أو مشاركاته العامة، على مدى مسيرته الفنية الطويلة، لكنه بالأخير يرجع إلى بداياته مع المدرسة البغدادية التي أسسها الفنان الخالد جواد سليم. فهو أكثر الفنانين مواصلة ومحافظة على هذه المدرسة، وتمسكا بأبعادها الفكرية وطرازها الفلكلوري الفني.
وإذا تتبعنا أعمال تجربته، سنلمس ذلك جلياً في تجسيد تلك المعاني الجميلة والتصورات الرائعة، التي أسسها جواد سليم، كونها قد حملت فيها جملة من المبالغات اللطيفة في النسب الأكاديمية وبساطة التصميم ووضوحه والمعادلات المتوازنة في الكتل والألوان الشرقية المتميزة، فضلاً عن المنمنمات الإسلامية، المتممة.
◙ ستار لقمان محافظ على بداياته الأصيلة، وهو يستلهم موضوعاته ضمن الواقع البغدادي حصريا فضلاً عن التقاليد الاجتماعية
إن أغلب مفرداته التشكيلية "امرأة، طفل، رجل، ديك، فانوس، شمعة، بساط شعبي، شناشيل، زي بغدادي، قارب، هلال.."، فكل شيء يقع نظره عليه يعطي له تصوراً خاصاً مثلما عمل في السجاد والوجه المنظور من الأمام. وفي بعض الأحيان يعمل على إدخال الخط العربي منخل الأبيات من الشعر ضمن سياق العمل، فتحس وكأن الفنان مستلذ ومستمتع بالجانب الفني، ويبقى لقمان محافظا على بداياته الأصيلة، وهو يستلهم موضوعاته من الواقع البغدادي حصريا (العيد، بائع الفرارات، البقالون، المهن الشعبية الأخرى) فضلاً عن التقاليد الاجتماعية المتوارثة والملابس والأزياء الشعبية المتنوعة، والرمزيّات في الحيوانات، فالديك مثلاً يجسّد الرجولة والقوة والسيطرة، بينما الدجاجة تعني عكس ذلك تماماً.ِ
الفنان ستار لقمان من مواليد بغداد 1944، عضو جمعية التشكيليين العراقيين، ونقابة الفنانين العراقيين. خريج معهد الفنون الجميلة عام 1967، أقام معرضه الشخصي الأول في قاعة كولبنكيان عام 1977، والثاني في قاعة الاناء عام 1997، والثالث في قاعة أكد عام 2009، أما الرابع فأقيم في قاعة حوار بعنوان “إشراقات بغدادية” عام 2014، وكان المعرض الشخصي الخامس له في قاعة “رؤى 32” في عمان عام 2017، إضافة إلى مشاركته في خمسة معارض مع فنانين في بغداد وعمان في سنوات مختلفة، وغيرها داخل العراق وخارجه.
أما الفن التشكيلي المعاصر عند الفنانة هدى أسعد فله تحولاته ومتغيراته السريعة، ويخضع لرؤيتها الشخصية في الجمال والمهارة الخاصة بالتعبير عن خيالها، إذ بحثت عن التقنية والقيمة العالية للألوان والخامات في الحقل البصري بالتجريب والتجديد، حيث يعطي مساحات وإنتاج جديد وهو خلق وابتكار بإنشاءات مختلفة وحرث الألوان وبحث عن تقنيات جديدة والانسجام اللوني في لوحاتها للمحافظة على وحدة الأسلوب في تنفيذ العمل الفني بالموضوع بحيث اختارت مفردة جذع الشجرة في أغلب أعمالها الفنية.
قبل العمل تفكر الفنانة هدى أسعد في الموضوع جلياً، بطريقها للحذف والإضافة ليعطي عملها الفني جمالية لا تؤثر على وحدة الأسلوب والفضاء المتشكل من الأشجار والتضاريس والأرضية والانسجام اللوني. أما الألوان فتستعملها بتقنيات ومواد متعددة للتنفيذ، مستفيدة كثيرا من استعمال الألوان في تناغم هارموني وتضاد في أحيان أخرى في الطابع الأساسي والمميز لأعمالها.
ولوحاتها تدعونا إلى التأمل في الأفق البعيد، هذا السكون الذي يحيط بكل جوانب العمل من الأشجار الميتة َوالأغصان والحشائش، أنتجت منه لوحة جميلة بكل أرجائها ومع كتلها وألوانها التي تسير بهدوء على أرضية اللوحة بموسيقى هادئة لتعطي لنا انطباعا عما تشعر به وأن نقف ونتأمل لندخل إلى جوهر العمل وموسيقى الفضاء الحر التي أنطقت الألوان وحركت الكتل لتصنع الجمال والفضاء الحر للعمل الفني. وقد اتبعت في أسلوبها المدرسة التعبيرية التجريدية، مستعملة ألوان الأكريليك في جميع أعمالها.
◙ الفن التشكيلي المعاصر عند الفنانة هدى أسعد له تحولاته ومتغيراته السريعة، ويخضع لرؤيتها الشخصية في الجمال
والوحدة التشكيلية في تجربة هدى أسعد هي بقايا الأشجار الميتة بحيث استطاعت وتمكنت من إيجاد توازن اللوحة والفضاء وجعلهما متكاملين، فالطبيعة الميتة رسمتها حتى تخلق منها الحداثة والمعاصرة في أعمالها.
الفنانة هدى أسعد، مواليد بغداد عام 1972، حاصلة على بكالوريوس في كلية الفنون الجميلة، وعلى دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1995. أقامت معرضها الشخصي الأول بعنوان “اختزالات” في قاعة حوار، والثاني أيضا بعنوان “اختزالات” في قاعة حوار، والثالث بعنوان "علامات تكوينية” في عمان بالأردن، أما معرضها الرابع فكان بعنوان "التساميات" في قاعة برونز في بغداد، والخامس بعنوان "فضاءات حرة" في المعهد الثقافي الفرنسي في بغداد، فضلاً عن مشاركاتها العديدة داخل العراق وخارجه.
أما الفنانة صباح العزاوي فهي فنانة متواصلة، وجادة في العطاء، حيث تحاول في تجربتها أن تبحث وتستقر على ثيمة أسلوب فني متميز، يثبت هويتها ومسارها الإبداعي الذي تسير عليه الآن. فقد قدمت تجربة تتسم بالمعاصرة والتجريد اللوني، مفهومها في الفن “عندما تتراكم الصور في داخلي تطفو مساحات اللون المتداخلة وتتجرد من الحقيقة فتختزل الأشياء لتكون صورة مغايرة لا تنتمي إلا إلى نفسها”.
فهي تحاول أن تختزل مجموعة من الكتل اللونية بشكل طبقات شاسعة ومتنوعة على سطح قماشة لوحاتها لتشكل منها رؤية بصرية فضفاضة، لا تحدها خطوط خارجية، طليقة، انسيابية، إضافة إلى ألوانها التي تتسم بالشفافية المفرطة، وهي من ضمن مميزات أسلوبها الفني الخاص.
الفنانة صباح العزاوي، حاصلة على دبلوم في معهد الفنون التطبيقية - قسم التصميم، ودبلوم في معهد الفنون والتراث الشعبي، وبكالوريوس في كلية الفنون الجميلة - قسم الرسم. لها مشاركات عديدة منذ العام 2013 في المعارض التشكيلية التي نظمتها دائرة الفنون في وزارة الثقافة، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين.
علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي
تجارب تتشابه وتختلف منطلقة من الواقع العراقي.
الجمعة 2024/03/15
ألوان تعكس أفكار راسمها
يجتمع ثلاثة فنانين تشكيليين عراقيين في معرض يقدم "إيحاءات بصرية" استوحتها أعمالهم المترابطة من حيث الأفكار والموتيفات، توضح الاختلاف والتشابه في أساليبهم ورحلة كل واحد منهم لرسم هوية تشكيلية خاصة به تستلهم مكوناتها من الموروث العراقي.
بغداد - "إيحاءات بصرية" هو عنوان المعرض المشترك للفنانين العراقيين ستار لقمان وهدى أسعد وصباح العزاوي، وقد أقيم مؤخرا في قاعة حوار للفنون ببغداد. وقدم كل منهم عشر لوحات مختلفة القياسات ومتنوعة الأساليب والطرح الفكري، وجمعهم رابط الإبداع الجمالي.
الفنان ستار لقمان، رغم أنه في كل مرة يعرض تجربة مختلفة عن الأخرى، في معارضه الشخصية أو مشاركاته العامة، على مدى مسيرته الفنية الطويلة، لكنه بالأخير يرجع إلى بداياته مع المدرسة البغدادية التي أسسها الفنان الخالد جواد سليم. فهو أكثر الفنانين مواصلة ومحافظة على هذه المدرسة، وتمسكا بأبعادها الفكرية وطرازها الفلكلوري الفني.
وإذا تتبعنا أعمال تجربته، سنلمس ذلك جلياً في تجسيد تلك المعاني الجميلة والتصورات الرائعة، التي أسسها جواد سليم، كونها قد حملت فيها جملة من المبالغات اللطيفة في النسب الأكاديمية وبساطة التصميم ووضوحه والمعادلات المتوازنة في الكتل والألوان الشرقية المتميزة، فضلاً عن المنمنمات الإسلامية، المتممة.
◙ ستار لقمان محافظ على بداياته الأصيلة، وهو يستلهم موضوعاته ضمن الواقع البغدادي حصريا فضلاً عن التقاليد الاجتماعية
إن أغلب مفرداته التشكيلية "امرأة، طفل، رجل، ديك، فانوس، شمعة، بساط شعبي، شناشيل، زي بغدادي، قارب، هلال.."، فكل شيء يقع نظره عليه يعطي له تصوراً خاصاً مثلما عمل في السجاد والوجه المنظور من الأمام. وفي بعض الأحيان يعمل على إدخال الخط العربي منخل الأبيات من الشعر ضمن سياق العمل، فتحس وكأن الفنان مستلذ ومستمتع بالجانب الفني، ويبقى لقمان محافظا على بداياته الأصيلة، وهو يستلهم موضوعاته من الواقع البغدادي حصريا (العيد، بائع الفرارات، البقالون، المهن الشعبية الأخرى) فضلاً عن التقاليد الاجتماعية المتوارثة والملابس والأزياء الشعبية المتنوعة، والرمزيّات في الحيوانات، فالديك مثلاً يجسّد الرجولة والقوة والسيطرة، بينما الدجاجة تعني عكس ذلك تماماً.ِ
الفنان ستار لقمان من مواليد بغداد 1944، عضو جمعية التشكيليين العراقيين، ونقابة الفنانين العراقيين. خريج معهد الفنون الجميلة عام 1967، أقام معرضه الشخصي الأول في قاعة كولبنكيان عام 1977، والثاني في قاعة الاناء عام 1997، والثالث في قاعة أكد عام 2009، أما الرابع فأقيم في قاعة حوار بعنوان “إشراقات بغدادية” عام 2014، وكان المعرض الشخصي الخامس له في قاعة “رؤى 32” في عمان عام 2017، إضافة إلى مشاركته في خمسة معارض مع فنانين في بغداد وعمان في سنوات مختلفة، وغيرها داخل العراق وخارجه.
أما الفن التشكيلي المعاصر عند الفنانة هدى أسعد فله تحولاته ومتغيراته السريعة، ويخضع لرؤيتها الشخصية في الجمال والمهارة الخاصة بالتعبير عن خيالها، إذ بحثت عن التقنية والقيمة العالية للألوان والخامات في الحقل البصري بالتجريب والتجديد، حيث يعطي مساحات وإنتاج جديد وهو خلق وابتكار بإنشاءات مختلفة وحرث الألوان وبحث عن تقنيات جديدة والانسجام اللوني في لوحاتها للمحافظة على وحدة الأسلوب في تنفيذ العمل الفني بالموضوع بحيث اختارت مفردة جذع الشجرة في أغلب أعمالها الفنية.
قبل العمل تفكر الفنانة هدى أسعد في الموضوع جلياً، بطريقها للحذف والإضافة ليعطي عملها الفني جمالية لا تؤثر على وحدة الأسلوب والفضاء المتشكل من الأشجار والتضاريس والأرضية والانسجام اللوني. أما الألوان فتستعملها بتقنيات ومواد متعددة للتنفيذ، مستفيدة كثيرا من استعمال الألوان في تناغم هارموني وتضاد في أحيان أخرى في الطابع الأساسي والمميز لأعمالها.
ولوحاتها تدعونا إلى التأمل في الأفق البعيد، هذا السكون الذي يحيط بكل جوانب العمل من الأشجار الميتة َوالأغصان والحشائش، أنتجت منه لوحة جميلة بكل أرجائها ومع كتلها وألوانها التي تسير بهدوء على أرضية اللوحة بموسيقى هادئة لتعطي لنا انطباعا عما تشعر به وأن نقف ونتأمل لندخل إلى جوهر العمل وموسيقى الفضاء الحر التي أنطقت الألوان وحركت الكتل لتصنع الجمال والفضاء الحر للعمل الفني. وقد اتبعت في أسلوبها المدرسة التعبيرية التجريدية، مستعملة ألوان الأكريليك في جميع أعمالها.
◙ الفن التشكيلي المعاصر عند الفنانة هدى أسعد له تحولاته ومتغيراته السريعة، ويخضع لرؤيتها الشخصية في الجمال
والوحدة التشكيلية في تجربة هدى أسعد هي بقايا الأشجار الميتة بحيث استطاعت وتمكنت من إيجاد توازن اللوحة والفضاء وجعلهما متكاملين، فالطبيعة الميتة رسمتها حتى تخلق منها الحداثة والمعاصرة في أعمالها.
الفنانة هدى أسعد، مواليد بغداد عام 1972، حاصلة على بكالوريوس في كلية الفنون الجميلة، وعلى دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1995. أقامت معرضها الشخصي الأول بعنوان “اختزالات” في قاعة حوار، والثاني أيضا بعنوان “اختزالات” في قاعة حوار، والثالث بعنوان "علامات تكوينية” في عمان بالأردن، أما معرضها الرابع فكان بعنوان "التساميات" في قاعة برونز في بغداد، والخامس بعنوان "فضاءات حرة" في المعهد الثقافي الفرنسي في بغداد، فضلاً عن مشاركاتها العديدة داخل العراق وخارجه.
أما الفنانة صباح العزاوي فهي فنانة متواصلة، وجادة في العطاء، حيث تحاول في تجربتها أن تبحث وتستقر على ثيمة أسلوب فني متميز، يثبت هويتها ومسارها الإبداعي الذي تسير عليه الآن. فقد قدمت تجربة تتسم بالمعاصرة والتجريد اللوني، مفهومها في الفن “عندما تتراكم الصور في داخلي تطفو مساحات اللون المتداخلة وتتجرد من الحقيقة فتختزل الأشياء لتكون صورة مغايرة لا تنتمي إلا إلى نفسها”.
فهي تحاول أن تختزل مجموعة من الكتل اللونية بشكل طبقات شاسعة ومتنوعة على سطح قماشة لوحاتها لتشكل منها رؤية بصرية فضفاضة، لا تحدها خطوط خارجية، طليقة، انسيابية، إضافة إلى ألوانها التي تتسم بالشفافية المفرطة، وهي من ضمن مميزات أسلوبها الفني الخاص.
الفنانة صباح العزاوي، حاصلة على دبلوم في معهد الفنون التطبيقية - قسم التصميم، ودبلوم في معهد الفنون والتراث الشعبي، وبكالوريوس في كلية الفنون الجميلة - قسم الرسم. لها مشاركات عديدة منذ العام 2013 في المعارض التشكيلية التي نظمتها دائرة الفنون في وزارة الثقافة، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين.
علي إبراهـيم الدليمي
كاتب عراقي