عباس الموسوي.. نصف قرن من الإبداع ورحلات الفن والسلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عباس الموسوي.. نصف قرن من الإبداع ورحلات الفن والسلام

    عباس الموسوي.. نصف قرن من الإبداع ورحلات الفن والسلام


    فنان جسّد طبيعة البحرين وأسواقها في ثلاثة آلاف عمل انطباعي.
    السبت 2024/03/16
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الفن رسم مسار عباس الموسوي في الحياة

    المتأمل في تجربة الفنان التشكيلي البحريني عباس الموسوي من السهل أن يلاحظ أن رؤيته الفنية لم تتأثر طوال خمسة عقود بالتغيرات التي طرأت على البحرين، إنما هو حريص دائما على أن يجسد طبيعة البلد وتراثه، رغم أنه يحتفظ بأعماله لتاريخه الفني.

    يحتفل الفنان التشكيلي البحريني عباس الموسوي هذا العام بخمسين عاماً من الفن، اشتهر فيها بلوحاته الانطباعية التي تجسد جماليات المناظر الطبيعية وأسواق البحرين القديمة، إذ أنتج نحو ثلاثة آلاف لوحة منتشرة في أنحاء العالم تعكس علاقته ببيئته المحلية. كما أطلق مشروع الفن من أجل السلام عام 1991، إبان حرب الخليج، واستطاع أن يصل برسالته إلى أروقة الأمم المتحدة في جنيف عام 2000 بحضور ألف طفل وفنان، ومازال مستمراً في رحلاته حول العالم حيث تمتزج روحه الفنية برؤيته الإنسانية.

    تميزت أعماله بغزارة الإنتاج وحبه للحياة الذي تجلى في لوحاته الملونة. ويصف نفسه بالملون الذي يسعى دائماً إلى إبراز قيمة اللون في أعماله، فيما يؤكد أن شخصيته المفعمة بالإبداع هي ما يجذب الجمهور لاقتناء أعماله والاستمتاع بها.

    نشأ الموسوي في بيت يهتم بالثقافة والفن والأدب، وهو سليل عائلة من الشعراء والخطباء، فوالده هو العلامة محمد صالح العدناني، الذي كسر الصورة النمطية لرجل الدين، حيث درس في الهند. وبعد عودته إلى البحرين زيّن بيته بصور لوحاتٍ لفنانين عالميين مثل ليوناردو دافنشي ورافيلو.

    لدي أفكار كثيرة أود ترجمتها، وكذلك لدي معارض فنية جاهزة تركتها إلى حينها، كمعرض باللون الأسود فقط

    وعن ذلك يقول “نشأت في بيت يهتم بالثقافة والفن والأدب. كنت أشاهد صور اللوحات التي جلبها والدي من الهند، بالإضافة إلى صور زعماء العالم، كما كان صوت أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب يصدح في بيتنا. لم أرغب في أن أكون موسيقيا فاتجهت إلى التمثيل في المدرسة، وفي الجامعة درست التصميم الداخلي في القاهرة، وأسست مجموعة للتمثيل المسرحي. كل هذه العوامل التي صبت في مجرى حياتي جعلتني أدرك أن الفن سيكون مساري في الحياة”.

    واشتهر الموسوي بلوحاته الانطباعية، حيث كانت البيئة المحلية مصدر إلهام له، وبخصوص ذلك يقول “أحب هذه الأرض.. هذه الجزيرة غنية بالظروف والمناخات التي تساعد الفنان على أن يستقي منها ويسقط تلك الرؤى على أعمال فنية، فهناك الريف والمزارع والبحر، وكذلك الصحراء ببساطتها، ثم نأتي إلى الأسواق القديمة المُعرشة… لا تخدعني المظاهر البراقة، بل تثيرني دهشة المكان، قوة حضوره أو قوة صمته أحيانا”.

    لكنه يؤكد أن رؤيته الفنية لم تتأثر بفعل التغيرات العمرانية التي طرأت على البحرين والعاصمة المنامة تحديدا، حيث يستند في أعماله على المشاهد المحفورة في ذاكرته، بالإضافة إلى أرشيف هائل من الصور التي وثقها بعدسته منذ ستينات القرن الماضي، حيث اكتسب هواية التصوير الفوتوغرافي من والده. ويقول “العالم يتطور، ولكنْ ثمة مدن تبقى محافظة على روحها. هناك مناطق في البحرين تم الحفاظ على هويتها وأتمنى ألا تتغير. نعم قد يختزلها الفنان ويغيرها بفلسفة الفكرة وبتعبيره، لكنها تبقى كما هي شاهداً للزمن والزائر والسائح”.


    مرسم الفنان الخاص


    ويتابع “يقول الكثيرون إنني أرسم هذه المشاهد منذ خمسين عاما حتى اليوم. هذا صحيح، ولكن يختلف التعبير، ففي كل مرة أعيد المشاهد إلى الماضي بأسلوب جديد، مثل الموسيقي الذي تتطور لديه النوتة الموسيقية… كل الأشياء القديمة يعاد تركيبها الآن بمهارات المبدعين الذين يقدمونها بصيغة تناسب العصر وتتطور معه”.

    وعن علاقته بالبحر، وهو ابن الجزيرة، يقول “البحر جاري، وهو فضاء واسع بلا حدود. في صغري كنت أستغل كل فرصة لارتياد البحر وصيد السمك، ليس من أجل الكسب المالي أو عمل من تجارة من البحر، بل كنت أستمتع بقضاء ساعات طويلة في البحر، حتى غدوت ماهرا في الصيد وتعرفت على سلوك الأسماك. هذه المهارة نفعتني في الحياة لاحقاً إذ علمتني البحث عن أفضل ما هو متاح في اللحظة، وكذلك الاستعانة بحدسي ليرشدني إلى الطريق الصحيح بدلاً من تسيير حياتي بعشوائية أو بالحظ”.

    ويصف الموسوي نفسه بالملون الذي يبحث عن القيمة اللونية للعمل كما يبحث الموسيقي عن عمق النوتة الموسيقية في الأداء، فيما يستحضر عبارةً تحفزه وهي أن بمقدور الفنان أن يرسم بلون واحد فقط، وأن يبدع بصورة مختلفة في كل مرة.

    ويقول “لدي أفكار كثيرة أود ترجمتها على أرض الواقع، وكذلك لدي معارض فنية جاهزة تركتها إلى حينها، كمعرض باللون الأسود فقط، وآخر باللون الأحمر، وهو لون مؤثر رافقني طيلة حياتي، إذ يرمز إلى الحياة والحرارة والشغف… جميل أن يخفي الفنان بعض الأعمال عن الجمهور ليفاجئه بها لاحقاً”.

    أما عن اللون الذي يعبر عن مزاجه في هذه المرحلة وهو على عتبة خمسين عاماً من الفن فهو الأزرق الذي يصفه باللون الهادئ والمتجدد، وقد عاد مؤخراً إلى تجسيد لوحات البحر.


    تتبع لحركة الحياة في البحرين


    ويشير إلى أن الكثير من أعماله ليست للبيوت، بل يحتفظ بها لتاريخه الفني ولا يستطيع أن يرسمها من جديد، من بينها لوحات رسمها في فترة دراسته الجامعية، وأخرى رسمها في بدايات جمعية البحرين للفنون التشكيلية التي تأسست عام 1983، وصولاً إلى لوحات رسمها في السنوات الأخيرة.

    ويعتقد الموسوي أن شخصيته هي التي تجذب معظم الناس لاقتناء أعماله بالدرجة الأولى، وعن ذلك يقول “هذه مهارة لا تحتاج إلى طاقة بل إلى تبسيط، فكلما بسّط الفنان الأشياء للآخرين استطاع المتلقي فهمه أكثر وفهم عوالمه والتغلغل في داخله. وفي النهاية يبقى العمل الفني تركة يرثها الأبناء، ولهذا دائما أنبه مقتني أعمالي إلى أن لوحاتي ستصبح موضع خلاف بين الأبناء مستقبلاً، ومن الأفضل له اقتناء لوحة لكل ابن أو ابنة من الآن، ويمكنه دفع ثمنها لاحقاً”.

    ويؤكد الفنان البحريني، الذي اشتهر بغزارة إنتاجه الفني، أنه لا يبحث عن الكسب المادي من خلال بيع أكبر قدر ممكن من اللوحات، بل يبحث عن القيمة، فـ”مثلما منحنا والدي نخيلاً بأسمائنا في صغرنا، وكبرنا معها وكنا نحرص عليها، أسعى اليوم من خلال لوحاتي الفنية إلى نقل الشيء نفسه وإيصاله إلى الناس”.

    وكمرسمه المفتوح دائماً لاستقبال الزوار، فإن قلب الموسوي منفتح على الحياة والناس. وفي هذا السياق يقول “جعلت بيتي بثلاثة أبواب وممرات، واحد يقود إلى منزلي، وثانٍ إلى المرسم، وثالث إلى الحديقة، وجميعها مشتركة ومفتوحة من الصباح إلى المساء وحتى في أيام العطلة. إذا فُتحت الأبواب، فالفكر منفتح، ورؤيتك تجاه العالم مختلفة، فمقابلة أشخاص جدد في حياتك يومياً تدل على أنك متجدد ومبدع، وتستقي الأفكار التي تلائمك من الناس، لأنهم حصيلة تجربة طويلة”.

    ويتابع “معظم من اقتنوا أعمالي أصبحوا أصدقاء لي، فلطالما أصبح عملي جزءًا من بيت أو مكتب أحدهم، فعلي أن أنشئ علاقة صداقة معه، بحيث كلما رأى العمل تذكّر حضوري وصوتي وأسلوبي. ودائما أؤكد لهم أنني مستعد لصيانة أعمالي التي اقتنوها في أي مكان في العالم، وبالفعل حدث وأن سافرت إلى أوروبا لصيانة أعمال لي”.

    وإثر سؤاله عما يشغل باله خلال هذه الفترة؟ أجاب “العالم يحتاج إلى لمسة فن راقية برقي التطور الهائل الذي نشهده، وبرقي الفكر المتجدد في العولمة والتكنولوجيا. إذا لم نتمكن من توظيف الفن في هذا التكامل، فسنظل في مكاننا نتأرجح يميناً ويساراً دون التقدم بخطوات حقيقية نحو الأمام”.

    ودعا الموسوي إلى تخصيص يوم للاحتفاء بجميع أشكال الفنون، وفي هذا الإطار يقول “الفنون هي أصدق شيء يمكن التعبير عنه بحب؛ لا يستطيع الإنسان أن يكون فناناً دون أن يمتلك الحس والرسالة التي تستطيع تغيير المفاهيم البالية والقديمة. الحياة جميلة، لكن معظمنا لا يعرف من أين يمسكها وكيف يتعامل معها، كيف نعيش ونتعايش”.

    فيما اختتم حديثه طارحا تساؤلا “نحن اليوم أمام امتحانات كثيرة؛ هل يستطيع العقل البشري أن يغلب الذكاء الاصطناعي الذي اقتحم حياتنا بهذه القوة؟ أعتقد أننا أقوى من كل هذا، والدليل هو أن كل شيء يمر يُترك في سلة التاريخ، ويبقى العقل هو المنير والحاضر والذي يعطي الحياة مفاهيمها، والفن يجب أن يكون السيد في كل شيء”.





    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    سوسن فريدون
    صحافية بحرينية
يعمل...
X