"تاج" يسافر بالزمن إلى دمشق ورياضة الملاكمة في القرن العشرين
حضور بصري طاغ للمدينة وخصائصها المعمارية في الأربعينات.
الاثنين 2024/03/18
المدينة أرض صراعات
في الموسم الدرامي السوري تحضر أجواء مدينة دمشق سياسيا وحضاريا من خلال مسلسل قدم جهدا خاصا في توثيق تاريخي لها بالتوازي مع خطوط درامية حارة قدمتها شخوص تصارعت في زمن سياسي مفعم بالحيوية والخطورة. مسلسل “تاج” سلط الضوء على دمشق وحراكها في أربعينات القرن العشرين بصورة تركز على صيغ التغير.
دمشق - لا يخرج الثلاثي الدرامي صادق الصباح في الإنتاج وسامر برقاوي في الإخراج وتيم حسن في التمثيل عن مسارهم الدرامي الناجح الذي سبق أن قدموه خلال مواسم عديدة في مسار الدراما السورية وحققوا به حضورا لافتا. فالثلاثي قدم سلسلة “الهيبة” في خمسة أجزاء ظهرت فيها حكاية افتراضية عن عوالم الجريمة والتشويق والأكشن، وكرست خلالها شخصية جبل وهو المتحكم بمنطقة الهيبة ومسارات حياة سكانها إلى حد بعيد.
الوصفة السحرية
تاج هو شخصية ناشئة من جذر شعبي، غير متعلمة ومزاجية وعصبية وهوجاء لكنها وطنية ومحبة
في الموسم الفائت قدم الثلاثي مسلسل “الزند” الذي خرج عن نمط الهيبة المعاصر زمنيا واستحضر أجواء البطولة الفردية والتشويق ودخلها من خلال قصة بطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني، ومن خلال تتبع مسار حياة الزند، دخل المسلسل عوالم التشويق والإثارة والبطولات الفردية ومآلات ذلك في تكريس صيغ نجاح درامي سابق.
في متابعة لتقديم وصفة النجاح التي تقوم على حبكات سينما الأكشن والتشويق واستثمارها في صناعة دراما تلفزيونية جديدة، يعود صناع مسلسل “تاج” لتقديم أجواء البطولة الفردية التي تواجه صراعات حياتية شخصية ووطنية، من خلال حكاية شاب تتقاطع حياته مع محيطه بشكل خطر.
تاج ملاكم طموح، يمتلك قدرة بدنية وفنية تجعله ناجحا في مساره. ولا شك أن طرح فكرة الملاكم جديد في الدراما السورية، ويشكل خطوة جريئة من صناعه، فالرياضة متابعة لدى الجمهور السوري لكنها لا تصل إلى مستوى الرياضة الشعبية كما في حال كرة القدم أو كرة السلة. لكن التاريخ السوري الحديث يؤكد أن هذه الرياضة قد عرفت في فترة خمسينات القرن العشرين وما بعدها رواجا جيدا بين الشباب، وكانت تتمتع بجمهور واسع وتنظم لها مسابقات وبطولات وتحديات خاصة.
استثمر صناع المسلسل ماضي هذه الرياضة لرسم شخصية ستكون بطلا فرديا جديدا في الشكل الفني الذي ترغب في تقديمه.
في مسلسل “تاج” صراعات على أكثر من مستوى، وهو يقدم جرعة عالية من الشغف الفني. تاج، رجل ذو شخصية معقدة تتأرجح بين مستويات عديدة في حياته الشخصية والمهنية، شخصية تحمل في تفاصيلها ذرى درامية حادة. وحسنا فعل كاتب النص، بأنه لم يجعله بطلا طهرانيا، فهو وطني وناجح رياضيا ومحب للآخرين ووفي لزوجته وابنته، لكنه في الآن نفسه متهور وأرعن وعصبي ومقامر.
هذه التناقضات أوجدت فيه حالة درامية صاخبة استثمرها الكاتب أبوسعدة ليقدم مسارا روائيا يحمل حالة درامية إنسانية حقيقية وغير مصطنعة. فالبطل تاج يحب زوجته لكنه يختلف معها وينفصل عنها رغم استمرار حبه لها، وهو وطني تربى على حب أهله وناسه لكنه بسبب تهوره وسلوكه الجامح يصبح عميلا من وجهة نظر بعض المجتمع، وهو رياضي ناجح يحصد الكثير من النجاحات المهنية، لكنه يخسرها جميعا ويصبح عاطلا عن العمل بشكل مفاجئ، ويضطر إلى بيع الميداليات التي ربحها عندما كان لاعبا.
لقاء نجمين
بطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني
يشكل حضور بسام كوسا عامل جذب لأي مسلسل درامي يظهر فيه، لما يقدمه من فن رفيع وكونه صاحب قاعدة جماهيرية عربية كبيرة، والأمر ذاته ينطبق على تيم حسن الذي يمتلك حضورا فنيا عاليا وطاغيا لدى الجمهور العربي، والجهة المنتجة تعي ذلك تماما ورهانها على وجودهما معا في عمل واحد مغامرة إنتاجية ناجحة كما تؤكد مؤشرات المتابعة الأولية للمسلسل.
قبل سنوات التقى بسام كوسا وتيم حسن في مسلسل “زمن العار”، وقدما فيه شخصيتين تتصارعان على حب امرأة، وحقق المسلسل حينها نجاحا. وبعد مضي سنوات يلتقي الفنانان مجددا في مسلسل “تاج” الذي يقدم تنافسا فنيا بين الشخصيتين اللتين تحملان تناقضات كثيرة بينهما.
رياض في مسلسل “تاج”، تاجر مرموق، يحظى بمكانة مهنية وشعبية كبيرة في مجتمعه، وهو بحكم نفوذه المالي والاجتماعي يتشابك مصلحيا مع بعض مراكز النفوذ من السوريين والفرنسيين أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وينشئ معهم مصالح مشتركة. فهو يقوم من جهة بأعمال وطنية وشعبية هامة، لكنه من جانب آخر يتعاون معهم. شخصية رياض جدلية وإشكالية، تطرح أسئلة حارة عن طبيعة الشخصية الوطنية وصفاتها وسلوكياتها، وهي تمتلك حضورا براغماتيا يجعلها قادرة على قلب الأحداث أو تغيير اتجاهاتها من خلال فعل واحد تقوم به. وبسام كوسا، بثقله الفني الكبير يحقق لها حضورا قويا ولافتا بأداء هادئ دون تكلف.
أما شخصية تاج فهي على خلاف ذلك، نشأت في بيئة شعبية، غير متعلمة ومزاجية وعصبية وهوجاء لكنها وطنية ومحبة وتمتلك مفاعيل درامية متقدة يمكنها فتح آفاق درامية على الكثير من الاحتمالات، وهي لكثرة تناقضاتها تحمل غنى واسعا في تفاصيلها، الأمر الذي أظهره أداء تيم حسن لها بشكل مختلف يحمل الجديد والعميق وهذا ما يقدمه حسن من إضافات على كل أدواره.
في متابعة لتقديم وصفة النجاح التي تقوم على حبكات سينما الأكشن والتشويق واستثمارها في صناعة دراما تلفزيونية جديدة، يعود صناع مسلسل "تاج" لتقديم أجواء البطولة الفردية
ويستحضر الجمهور العربي الكثير من إبداعات مدير التصوير البولندي الشهير زبيغنيو ريبتشنسكي، الذي قدم مع شريكه الفني المخرج التونسي الراحل شوقي الماجري أعمالا فنية كثيرة، كرس فيها مفهوم الإضاءة كعنصر حاسم في تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية متفردة. ريبتشنسكي فنان بولندي يقدم إبداعاته في التصوير والكتابة والإخراج وحاز على العديد من الترشيحات عن بعض أعماله في مهرجانات عالمية. وهو صاحب مزاج فني خاص يتميز بتقديم حالة بصرية غنية تتضافر فيها الإضاءة مع الديكور والإكسسوار لتوجد فضاءات مشهدية متفردة.
وفي مسلسل تاج يحافظ ريبتشنسكي على أسلوبه، فيقدم تدرجات ضوئية وتمايزات لونية تساهم إلى حد بعيد برسم تكوينات جمالية أولا، وتقدم معادلات بصرية لمنطوق الشخصيات في حواراتها التي ستقدمها في مشاهدها ثانيا.
كما يستثمر سامر برقاوي هذه الطاقة الخلاقة إلى أبعد مدى في إيجاد توليفة ناجحة، تجمع جهد الشكل البصري مع مجهودات الممثلين التي كانت على التوازي في مسار صحيح، لتكون النتيجة صيغة مشهدية تقدم ما أراده برقاوي للوصول إلى مقولاته الفكرية الموجودة في النص المكتوب أصلا على أحسن حال وبأسلوب بصري متميز.
كثيرا ما يتداول سكان دمشق ومن يعرفها أحاديث عن جماليات المدينة في فترة الأربعينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت فورة عمرانية وجدت فيها العديد من الأحياء التي تجاوزت أسوار المدينة القديمة التاريخية، لتنشئ دمشق الحديثة التي كانت على الشكل الأوروبي في أبهى حالاته.
حضور بصري
مازالت تلك الأحياء موجودة في قلب المدينة، وهي التي اعتمد عليها صناع المسلسل في تصوير فترة أحداث المسلسل هي أربعينات القرن العشرين وما بعدها. هذا استلزم تصوير مشاهد في بعض الأبنية التي تنتمي إلى تلك الفترة الزمنية. فتم التصوير في جمعية الإسعاف الخيري التي تقع في قلب المدينة قرب البرلمان وكذلك في مبنى وزارة الداخلية الذي يسميه أهل دمشق بالقشلة كما تم بناء مدينيتن قديمتين في منطقة قرب دمشق بديكورات خاصة تحاكي تفاصيل عمارة دمشق في تلك الفترة. كما أوجد صناع العمل عربة ترامواي كهربائية تماثل عربات عرفتها دمشق في تلك الفترة وكانت لشركة سويسرية مستثمرة.
وبني عمود ساحة المرجة وهي أقدم وأشهر ساحات دمشق بحجم يماثل الحجم الطبيعي للعمود الحقيقي الذي بني عام 1907 في عهد الوالي العثماني حسين ناظم باشا وقد صممه الإيطالي ريموندو دارونكو وجعل في قمته مجسما لجامع يلدز في إسطنبول وكان بمناسبة إقامة اتصالات برقية بين دمشق والمدينة المنورة.
كانت واضحة رغبة مخرج العمل في تقديم صورة أقرب ما تكون لطبيعة مدينة دمشق، وقد حققت شرطية الديكور والغرافيك هذا المطلب وأرجعت إلى الذاكرة بعض الأعمال السينمائية التي قدمت دمشق في حالات تكاد تكون حقيقية عن فترات سابقة كما في فيلم أحلام المدينة الشهير للمخرج محمد ملص الذي قدم عام 1982.
يذكر أن مسلسل “تاج” يقدم على عدد من القنوات والمنصات العربية وهو من إنتاج شركة سيدرز آرت برودكشن (صادق أنور الصباح) وتأليف عمر أبوسعدة، أما المخرج فهو سامر برقاوي وقدم الأدوار فيه نخبة من ممثلي سوريا وبعض المشاركات العربية منهم: تيم حسن وبسام كوسا ومنى واصف وفايا يونان ونورا رحال وجمال قبش وباسل حيدر ودوجانا عيسى وفرح الدبيات ولوريس قزق وكفاح الخوص وسوسن أبوعفار وموفق الأحمد وآخرون.
نضال قوشحة
كاتب سوري
حضور بصري طاغ للمدينة وخصائصها المعمارية في الأربعينات.
الاثنين 2024/03/18
المدينة أرض صراعات
في الموسم الدرامي السوري تحضر أجواء مدينة دمشق سياسيا وحضاريا من خلال مسلسل قدم جهدا خاصا في توثيق تاريخي لها بالتوازي مع خطوط درامية حارة قدمتها شخوص تصارعت في زمن سياسي مفعم بالحيوية والخطورة. مسلسل “تاج” سلط الضوء على دمشق وحراكها في أربعينات القرن العشرين بصورة تركز على صيغ التغير.
دمشق - لا يخرج الثلاثي الدرامي صادق الصباح في الإنتاج وسامر برقاوي في الإخراج وتيم حسن في التمثيل عن مسارهم الدرامي الناجح الذي سبق أن قدموه خلال مواسم عديدة في مسار الدراما السورية وحققوا به حضورا لافتا. فالثلاثي قدم سلسلة “الهيبة” في خمسة أجزاء ظهرت فيها حكاية افتراضية عن عوالم الجريمة والتشويق والأكشن، وكرست خلالها شخصية جبل وهو المتحكم بمنطقة الهيبة ومسارات حياة سكانها إلى حد بعيد.
الوصفة السحرية
تاج هو شخصية ناشئة من جذر شعبي، غير متعلمة ومزاجية وعصبية وهوجاء لكنها وطنية ومحبة
في الموسم الفائت قدم الثلاثي مسلسل “الزند” الذي خرج عن نمط الهيبة المعاصر زمنيا واستحضر أجواء البطولة الفردية والتشويق ودخلها من خلال قصة بطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني، ومن خلال تتبع مسار حياة الزند، دخل المسلسل عوالم التشويق والإثارة والبطولات الفردية ومآلات ذلك في تكريس صيغ نجاح درامي سابق.
في متابعة لتقديم وصفة النجاح التي تقوم على حبكات سينما الأكشن والتشويق واستثمارها في صناعة دراما تلفزيونية جديدة، يعود صناع مسلسل “تاج” لتقديم أجواء البطولة الفردية التي تواجه صراعات حياتية شخصية ووطنية، من خلال حكاية شاب تتقاطع حياته مع محيطه بشكل خطر.
تاج ملاكم طموح، يمتلك قدرة بدنية وفنية تجعله ناجحا في مساره. ولا شك أن طرح فكرة الملاكم جديد في الدراما السورية، ويشكل خطوة جريئة من صناعه، فالرياضة متابعة لدى الجمهور السوري لكنها لا تصل إلى مستوى الرياضة الشعبية كما في حال كرة القدم أو كرة السلة. لكن التاريخ السوري الحديث يؤكد أن هذه الرياضة قد عرفت في فترة خمسينات القرن العشرين وما بعدها رواجا جيدا بين الشباب، وكانت تتمتع بجمهور واسع وتنظم لها مسابقات وبطولات وتحديات خاصة.
استثمر صناع المسلسل ماضي هذه الرياضة لرسم شخصية ستكون بطلا فرديا جديدا في الشكل الفني الذي ترغب في تقديمه.
في مسلسل “تاج” صراعات على أكثر من مستوى، وهو يقدم جرعة عالية من الشغف الفني. تاج، رجل ذو شخصية معقدة تتأرجح بين مستويات عديدة في حياته الشخصية والمهنية، شخصية تحمل في تفاصيلها ذرى درامية حادة. وحسنا فعل كاتب النص، بأنه لم يجعله بطلا طهرانيا، فهو وطني وناجح رياضيا ومحب للآخرين ووفي لزوجته وابنته، لكنه في الآن نفسه متهور وأرعن وعصبي ومقامر.
هذه التناقضات أوجدت فيه حالة درامية صاخبة استثمرها الكاتب أبوسعدة ليقدم مسارا روائيا يحمل حالة درامية إنسانية حقيقية وغير مصطنعة. فالبطل تاج يحب زوجته لكنه يختلف معها وينفصل عنها رغم استمرار حبه لها، وهو وطني تربى على حب أهله وناسه لكنه بسبب تهوره وسلوكه الجامح يصبح عميلا من وجهة نظر بعض المجتمع، وهو رياضي ناجح يحصد الكثير من النجاحات المهنية، لكنه يخسرها جميعا ويصبح عاطلا عن العمل بشكل مفاجئ، ويضطر إلى بيع الميداليات التي ربحها عندما كان لاعبا.
لقاء نجمين
بطل شعبي يجد نفسه في مواجهة قوى الاستغلال في بيئته الشخصية، متمثلة بقوى الإقطاع وسلطات الاحتلال العثماني
يشكل حضور بسام كوسا عامل جذب لأي مسلسل درامي يظهر فيه، لما يقدمه من فن رفيع وكونه صاحب قاعدة جماهيرية عربية كبيرة، والأمر ذاته ينطبق على تيم حسن الذي يمتلك حضورا فنيا عاليا وطاغيا لدى الجمهور العربي، والجهة المنتجة تعي ذلك تماما ورهانها على وجودهما معا في عمل واحد مغامرة إنتاجية ناجحة كما تؤكد مؤشرات المتابعة الأولية للمسلسل.
قبل سنوات التقى بسام كوسا وتيم حسن في مسلسل “زمن العار”، وقدما فيه شخصيتين تتصارعان على حب امرأة، وحقق المسلسل حينها نجاحا. وبعد مضي سنوات يلتقي الفنانان مجددا في مسلسل “تاج” الذي يقدم تنافسا فنيا بين الشخصيتين اللتين تحملان تناقضات كثيرة بينهما.
رياض في مسلسل “تاج”، تاجر مرموق، يحظى بمكانة مهنية وشعبية كبيرة في مجتمعه، وهو بحكم نفوذه المالي والاجتماعي يتشابك مصلحيا مع بعض مراكز النفوذ من السوريين والفرنسيين أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، وينشئ معهم مصالح مشتركة. فهو يقوم من جهة بأعمال وطنية وشعبية هامة، لكنه من جانب آخر يتعاون معهم. شخصية رياض جدلية وإشكالية، تطرح أسئلة حارة عن طبيعة الشخصية الوطنية وصفاتها وسلوكياتها، وهي تمتلك حضورا براغماتيا يجعلها قادرة على قلب الأحداث أو تغيير اتجاهاتها من خلال فعل واحد تقوم به. وبسام كوسا، بثقله الفني الكبير يحقق لها حضورا قويا ولافتا بأداء هادئ دون تكلف.
أما شخصية تاج فهي على خلاف ذلك، نشأت في بيئة شعبية، غير متعلمة ومزاجية وعصبية وهوجاء لكنها وطنية ومحبة وتمتلك مفاعيل درامية متقدة يمكنها فتح آفاق درامية على الكثير من الاحتمالات، وهي لكثرة تناقضاتها تحمل غنى واسعا في تفاصيلها، الأمر الذي أظهره أداء تيم حسن لها بشكل مختلف يحمل الجديد والعميق وهذا ما يقدمه حسن من إضافات على كل أدواره.
في متابعة لتقديم وصفة النجاح التي تقوم على حبكات سينما الأكشن والتشويق واستثمارها في صناعة دراما تلفزيونية جديدة، يعود صناع مسلسل "تاج" لتقديم أجواء البطولة الفردية
ويستحضر الجمهور العربي الكثير من إبداعات مدير التصوير البولندي الشهير زبيغنيو ريبتشنسكي، الذي قدم مع شريكه الفني المخرج التونسي الراحل شوقي الماجري أعمالا فنية كثيرة، كرس فيها مفهوم الإضاءة كعنصر حاسم في تقديم أعمال سينمائية وتلفزيونية متفردة. ريبتشنسكي فنان بولندي يقدم إبداعاته في التصوير والكتابة والإخراج وحاز على العديد من الترشيحات عن بعض أعماله في مهرجانات عالمية. وهو صاحب مزاج فني خاص يتميز بتقديم حالة بصرية غنية تتضافر فيها الإضاءة مع الديكور والإكسسوار لتوجد فضاءات مشهدية متفردة.
وفي مسلسل تاج يحافظ ريبتشنسكي على أسلوبه، فيقدم تدرجات ضوئية وتمايزات لونية تساهم إلى حد بعيد برسم تكوينات جمالية أولا، وتقدم معادلات بصرية لمنطوق الشخصيات في حواراتها التي ستقدمها في مشاهدها ثانيا.
كما يستثمر سامر برقاوي هذه الطاقة الخلاقة إلى أبعد مدى في إيجاد توليفة ناجحة، تجمع جهد الشكل البصري مع مجهودات الممثلين التي كانت على التوازي في مسار صحيح، لتكون النتيجة صيغة مشهدية تقدم ما أراده برقاوي للوصول إلى مقولاته الفكرية الموجودة في النص المكتوب أصلا على أحسن حال وبأسلوب بصري متميز.
كثيرا ما يتداول سكان دمشق ومن يعرفها أحاديث عن جماليات المدينة في فترة الأربعينات من القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت فورة عمرانية وجدت فيها العديد من الأحياء التي تجاوزت أسوار المدينة القديمة التاريخية، لتنشئ دمشق الحديثة التي كانت على الشكل الأوروبي في أبهى حالاته.
حضور بصري
مازالت تلك الأحياء موجودة في قلب المدينة، وهي التي اعتمد عليها صناع المسلسل في تصوير فترة أحداث المسلسل هي أربعينات القرن العشرين وما بعدها. هذا استلزم تصوير مشاهد في بعض الأبنية التي تنتمي إلى تلك الفترة الزمنية. فتم التصوير في جمعية الإسعاف الخيري التي تقع في قلب المدينة قرب البرلمان وكذلك في مبنى وزارة الداخلية الذي يسميه أهل دمشق بالقشلة كما تم بناء مدينيتن قديمتين في منطقة قرب دمشق بديكورات خاصة تحاكي تفاصيل عمارة دمشق في تلك الفترة. كما أوجد صناع العمل عربة ترامواي كهربائية تماثل عربات عرفتها دمشق في تلك الفترة وكانت لشركة سويسرية مستثمرة.
وبني عمود ساحة المرجة وهي أقدم وأشهر ساحات دمشق بحجم يماثل الحجم الطبيعي للعمود الحقيقي الذي بني عام 1907 في عهد الوالي العثماني حسين ناظم باشا وقد صممه الإيطالي ريموندو دارونكو وجعل في قمته مجسما لجامع يلدز في إسطنبول وكان بمناسبة إقامة اتصالات برقية بين دمشق والمدينة المنورة.
كانت واضحة رغبة مخرج العمل في تقديم صورة أقرب ما تكون لطبيعة مدينة دمشق، وقد حققت شرطية الديكور والغرافيك هذا المطلب وأرجعت إلى الذاكرة بعض الأعمال السينمائية التي قدمت دمشق في حالات تكاد تكون حقيقية عن فترات سابقة كما في فيلم أحلام المدينة الشهير للمخرج محمد ملص الذي قدم عام 1982.
يذكر أن مسلسل “تاج” يقدم على عدد من القنوات والمنصات العربية وهو من إنتاج شركة سيدرز آرت برودكشن (صادق أنور الصباح) وتأليف عمر أبوسعدة، أما المخرج فهو سامر برقاوي وقدم الأدوار فيه نخبة من ممثلي سوريا وبعض المشاركات العربية منهم: تيم حسن وبسام كوسا ومنى واصف وفايا يونان ونورا رحال وجمال قبش وباسل حيدر ودوجانا عيسى وفرح الدبيات ولوريس قزق وكفاح الخوص وسوسن أبوعفار وموفق الأحمد وآخرون.
نضال قوشحة
كاتب سوري