للشاعر والناقد المغربي:نبيل منصر.ديوان"من الأزل إلى الأبد"قصائد تنشد الحياة البرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • للشاعر والناقد المغربي:نبيل منصر.ديوان"من الأزل إلى الأبد"قصائد تنشد الحياة البرية



    عبد الرحيم الخصار
    الثلاثاء 12 مارس 2024م


    صورة الشاعر الرعوي (موقع ليان آار)
    من الأزل إلى الأبد" قصائد تنشد صفاء الحياة البرية
    المغربي نبيل منصر يجسد صورة الشعر الرعوي ببعده الميتافيزقي
    ملخص:

    يسلك الشاعر والناقد المغربي نبيل منصر في ديوانه الجديد "من الأزل إلى الأبد" سبيل الشعر الرعوي، باحثاً في عمق الطبيعة عن لحظات الصفاء النفسي وتجليات الوجود.

    يستهل الشاعر المغربي نبيل منصر مجموعته الجديدة "من الأزل إلى الأبد" ، الصادرة عن منشورات بيت الحكمة - تطوان، بما يشبه بيان الكتابة، عبر نص قصير يحمل عنوان "كلمة شعر": "في ما مضى كانت لي كلمات قليلة/ لم تكن من بينها كلمة طفولة ولا كلمة حلم/ كنت ألعب بالحجر/ والأعشاش/ والسواقي/ والكلاب الأليفة/ إلى أن اهتديت إلى كلمة غريبة/ ومن بيتها الجميل الذي يوجد بالغابة/ جاءتني كلمات أخرى/ منها الشجرة/ والبحر والوادي/ الذي يهيم فيه الشعراء".

    يبدو هذا النص أيضا بمثابة تعاقد مع القارئ، يوضح فيه الشاعر كيف اهتدى إلى الشعر، كأنما يريد أن يبرر خياراته في الكتابة، ويخبرنا أننا أمام تجربة برية ورعوية يبدو فيها الشاعر كما لو أنه من الغجر الذين خرجوا عن قواعد المدينة، وتركوا لأقدامهم حرية التجوال في البساتين والغابات والهوامش الجغرافية، هذا المنحى الرعوي يرسخه نبيل منصر عبر اختياره شذرة شعرية من كتاب "راعي القطيع" لألبرطو كاييرو أحد أنداد الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا: "فلتفارقيني أيتها الأشعار/ أنا عابر لأبقى".

    الديوان الجديد (دار باب الحكمة)

    لقد شكلت الرعوية خياراً أدبياً منذ الشاعر الإغريقي ثيوقريطس مؤسس الأدب الرعوي والروماني فرجيل، وصولاً إلى لويس دي كامويس وملتون وشيلي وإدمون سبنسر وسيرغي يسنين وغيرهم، وقامت على تمجيد الحياة الريفية والاحتفاء بعناصر الطبيعة. وعرفت امتدادها في عصرنا الراهن من خلال تيار الأدب الإيكولوجي الذي جسدته مجموعة من الأسماء في أوروبا وأميركا مثل غاري سنايدر صاحب "جبال وأنهار بلا نهاية"، وتيد والتر صاحب "القمر الأزرق"، وشيموس هيني صاحب "موت عالم طبيعة"، وكاتلين رين التي دشنت مسيرتها الأدبية في مطلع الأربعينيات بمجموعة شعرية حملت عنوان "حجر وورد". وشكل الأدب الياباني في القرن الـ17 نموذجاً للاحتفاء بجماليات الطبيعة، ودعوة إلى الإصغاء والتأمل والجنوح الروحي تخففاً من الأثقال المادية.

  • #2
    في مديح الطبيعة:

    وإن لم تكن الرعوية ميسما أساسياً للكتابة عند عدد من الشعراء، فإنها اخترقت نصوصهم من حين لآخر، إذ تأتي على الشاعر لحظات يضجر فيها من صخب المدينة وقسوتها، ويتمنى الهرب إلى الأرياف، وحين لا تسعفه الظروف يمارس هذا الهرب شعرياً. وهذا ما يبدو جلياً في نصوص "من الأزل إلى الأبد" لنبيل منصر، حيث يهيمن معجم الطبيعة على نصوص المجموعة الشعرية بصورة لافتة، فهو الأنسب للتعبير عما ينشده الشاعر من حرية ورغبة في الامتداد وتجاوز كل الخطوط التي تحد حركة الإنسان، وتتحكم في مساحات أحلامه وأمانيه. من ثم فعناصر الطبيعة حاضرة بغزارة في كتاب منصر: البرد، العصفور، الرمل، الثلج، العشب، الطقس، الماء، الصخرة، البحر، الجليد، التلال، الصحراء، الهضاب، السماء، حجر، غصن، أزهار، رياح...

    الشاعر المغربي نبيل منصر (صفحة فيسبوك)

    إلا أن هذه العناصر مسندة دائماً إلى ما هو رمزي، إذ تخرج في الغالب عن وجودها المادي في الطبيعة، لتحيل على ما يعتمل في ذات الشاعر. يقول مثلاً في نص بعنوان "أنا والملاك": "غناء الطيور/ يقف على غصن رقيق يتمايل في جوفي"، وفي نص "الكلمات الأخرى" نقرأ هذه العبارة: "تتلاطم أمواج الأبدية على وجهي"، وفي نص "كتاب مفتوح" يقول الشاعر: "من الأزل إلى الأبد/ التفاح تفاح في الكتاب والهضاب/ وعلى صدور الجميلات". في نصوص نبيل منصر الريح تلد، والبحر يقيم في قفص، والليل يتعرى، والغيمة تتحول إلى كلمة، والنجمة ترقد بين الأصابع، القصب صديق، والسنبلة لها ريش، والشرنقة مكان تتشكل فيه الكلمات، والليل يهيل رماده على قلب الشاعر، والحجر يتحول إلى نمر وثعبان وحذاء فلاح، أما النهر فهو "يمضي وكأن الحياة قد سحبت بالصنارة من جوفه الشفاف".

    يتجلى هذا الامتداد في الطبيعة والتفاعل معها في جنوح الشاعر إلى وضع عناصرها عناوين لعدد كبير من نصوصه: "سمكة الجليد"، "الصخرة"، "القصب"، "الأرض"، "السنبلة"، "حجر"، "الزرافة"، "اليمامة". إن عناصر الطبيعة في شعره تؤدي وظائف غير تلك التي أوكلت إليها، فالشاعر يستقدمها من أفضيتها الأولى إلى أفضيته الخاصة، متوسلاً حضورها لتوليد دلالات جديدة، ولترجمة هواجسه ومخاوفه، ومواقفه من عالم لا يتوقف عن الانفلات والهرب من الأراضي التي يصل إليها الشاعر مثقلاً بأحلام يبدو أنها لن تتحقق.

    تعليق


    • #3
      الذات بين الجموح والهشاشة:
      إن الهرب إلى الطبيعة عند نبيل منصر ليس فحسب هرباً لغوياً، بل هو قائم على فلسفة تنشد الخلاص من أثقال وأهوال اليومي المادي بالرجوع إلى منابت الحياة الطبيعية. في المقابل لا يرفض الشاعر المدنية الجديدة، بل ينخرط فيها، لكن متوجساً من الاستلاب. يذكرنا هذا بـ"الغابة السوداء" عند مارتن هايدغر، حيث عاش إلى آخر حياته في بيت ريفي رافضاً النزول إلى برلين للتدريس في جامعتها، بحجة أن جدران المدينة تحد من انطلاق الأفكار. ويبدو أن الأمر يتفاقم عند الشعراء لأن الجدران ستحد من انسياب الأفكار من جهة، ومن تدفق المشاعر من جهة أخرى. لقد غادر غاري سنايدر، أحد رواد الشعر الإيكولوجي، أميركا ليقضي فترة طويلة في غابات شرق آسيا، قبل أن يعود إليها ليدرس الطلاب مادة غريبة عنوانها "الفكر البري". إن مفردات تحضر في نصوص الشاعر المغربي من قبيل: "العربة والحصان والبئر والمذراة والبيت الريفي وسكة المحراث" تشكل نداءً خفياً وتوقاً إلى الحياة البرية. ثمة تأهب مسبق للانطلاق في المساحات الشاسعة، حتى لو كان ذلك من دون وجهة: "خرجت يوماً فعثرت على قدمي. فرحت كثيراً/ لأن التيه أصبح عضواً في جسدي".

      في لحظات قليلة يضع نبيل منصر على نصوصه "الطبيعية" لمسة سوريالية، في نص "كيف أصبحت شاعراً" نقرأ: أنت تحب أكثر قيثارتك/ تحملها أحياناً بين يديك كموجة/ في الليل، في الليل عندما ينام الجميع/ تتقافز منها أسماك حية".

      تحضر الذات في نصوص نبيل منصر بما هي مادة الكتابة وموضوعها، وهي ذات منطلقة وقادرة على تجاوز اختبار الوجود، حيث يعول الشاعر على مفرداته، زاهداً في الآخر، ومحتمياً بالطبيعة، متجرداً من المادة، ومستنداً إلى بدائية ما. إنه يتخذ هيئة تروبادور بري، لا يلقي قصائده على أحد، بل على الأشجار والحقول والسهوب والهضاب: "أطير وأسقط/ لائذاً بالأكمات والوديان/ وساعات السهو الطويل/ في فمي سر وقيثارة ولغة غريبة".

      لكن هذه الذات الجامحة تقف من حين لآخر أمام هشاشتها، خصوصاً حين يحضر الموت بكامل سطوته، يقول في نص "هبات" الذي كتبه عن والده: "أخدت أبي وأعطيتني الكلمات/ ليتك فعلت العكس، وتركت أبي يشيخ/ أمام صمتي الكبير".

      تعليق

      يعمل...
      X