مدينة الدار البيضاء كازابلانكا
- محرر أوراريد
- 11 يوليو 2019
يدللها أهلها وزوارها ويسمونها اختصارا بـ"كازا"، تعتبر أكبر مدن المغرب العربي، وثالث أكبر مدينة في أفريقيا من حيث عدد السكان، بعد مدينتي لاغوس النيجيرية والقاهرة. تحتل المدينة مكانة إستراتيجية على المستوى الاقتصادي متميزة في ذلك عن باقي المدن المغربية، وتحتضن الكثير من المنشآت والبنيات التحتية التي تعد الأكبر والأضخم في المغرب، فهي العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية. وتتنوع هذه المنشآت بين الترفيهية والرياضية والسياحية والثقافية، كما تضم أغلب الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وتكثر بها فرص العمل.
تعتبر الدار البيضاء هي القلب الإقتصادي للمغرب
الدار البيضاء هي العاصمة الاقتصادية للمغرب، وقاطرة الاقتصاد الوطني. هذه المدينة هي القطب الصناعي للبلاد وتتركز فيها معظم الوحدات الإنتاجية ونسبة هائلة من اليد العاملة في الصناعة، فهي نقطة تكتل للمشاريع الكبرى ومركز رئيسي للتجارة والخدمات والأشغال.
تعتبر المدينة قطباً صناعياً وتجارياً والقلب النابض لاقتصاد المغرب، ومحط أنظار المستثمرين والشركات الدولية والوطنية، وتنشط بها الحركة التجارية والاقتصادية، بحكم توفرها على ميناء ضخم وموقعها الاستراتيجي القريب من أوروبا والحواضر الاقتصادية الكبرى في العالم.
وشهدت فترة الحماية الفرنسية وتحديداً سنة 1913 تشييد أهم البنى التحتية الأساسية بالمدينة، من ميناء ومطار وطرق سككية، ما جعل من المدينة مركزاً حضارياً كبيراً يشهد حركة تنموية مماثلة، وساهم في ازدهار النشاط الاقتصادي بها.
صنفت وكالة «زي ين» (Z/Yen) البريطانية في تقرير صادر عنها سنة 2017، المركز المالي في الدار البيضاء، في المرتبة 30 عالمياً بعد باريس، والثالثة عربياً بعد دبي وأبو ظبي في تصنيف أفضل الوجهات للاستثمارات المالية العالمية خلال العام الماضي، وهو التصنيف ذاته الذي بوأها المرتبة الأولى في القارة الأفريقية.
ويتنوع النشاط الاقتصادي بالمدينة بين الصناعة (صناعة الطيران، صناعة السيارات، الصناعات الإلكترونية، الصناعات الغذائية) والخدمات والبناء والأشغال العمومية والسياحة.
تستفيد المدينة من مؤهلاتها الكبيرة في مجال البنى التحتية، وتستثمرها في جلب المزيد من الاستثمارات وتوطين المزيد من الشركات فوق ترابها، فهي تتوفر على أكبر مطار في المغرب، وشبكة طرقية كبيرة، وتربطها السكك الحديدية بأهم المدن المغربية، كما تمر بها أغلب خطوط الطريق السيار، وتتوفر على شبكة حديثة من خطوط الترامواي داخل المدينة، وهو الذي يربط بين المناطق السكنية ووسط المدينة، ما يخلق ديناميكية اقتصادية وتسهيلاً لحركة الركاب المغادرين والوافدين.
لماذا سميت الدار البيضاء بهذا الإسم؟
كانت مدينة الدار البيضاء قديماً تسمى "أنفا"، وكانت آنذاك مجرد قرية صغيرة، لكن سبب تسميتها بالدار البيضاء هو محط اختلاف بين المؤرخين والباحثين، فهناك من يرجع أصل تسمية الدار البيضاء إلى البحارة البرتغاليين خلال القرن الخامس عشر، الذين سموها "Casa Branca" للدلالة على المجال الجغرافي للمدينة، حيث أن التسمية العربية هي ترجمة حرفية للكلمة البرتغالية، وتقول الرواية أن السبب في ذلك هو وجود منزل بلون أبيض كان يساعد البرتغاليين على تحديد موقع المدينة.
هناك رأي آخر يقول أن السلطان » محمد بن عبد الله « هو صاحب التسمية، حيث شيد بها مسجداً كبيراً وزاوية وبذلك اتخذت تسمية الدار البيضاء، نسبة إلى ذلك البيت الأبيض الذي شيد بها، وأن المدينة لم تعرف بالاسم المستمد من الترجمة بالإسبانية كازا بلانكا (Casablanca) إلا اعتباراً من 1781، وهي السنة التي أقام فيها الإسبان وكالات تجارية بالمدينة، وهناك روايات عديدة أخرى متداولة لكنها أقل مصداقية.
تاريخ المدينة: كيف تحولت من أنفا إلى الدار البيضاء
وفقا للرحالة الحسن بن محمد الوزان أو "ليون الإفريقي" (ولد سنة 1490) فإن أنفا بناها الرومان، أما الرحالة مارمول كاربخال يُرجع مسألة تأسيسها إلى الفينقيين، لكن ليس هناك دليل يدعم هاتين الفرضيتين.
وفي المقابل ذهب المؤرخ الزياني إلى أن مؤسسيها هم الأمازيغ الزناتيون، لكنه لا يتحدث عن زمن تأسيسها ولا عن مصدر معلوماته. إلا أن ابن خلدون أرجع أصلها لمجموعات بورغواطية.
يصف الجغرافي الإدريسي الحركة التجارية بالمدينة خلال القرن 12 بالنشيطة. وانطلاقاً من القرن 13 إلى غاية القرن 15 عرفت المدينة صراعات بين الموحدين والمرينيين للسيطرة عليها، ثم بين المرينيين والوطاسيين، إلا أنها أصبحت مستقلة وشكلت دولة صغيرة ينشط فيها قراصنة السفن.
كتب ليون الإفريقي في كتابه "وصف إفريقيا" أن أنفا خلال القرن 16 كانت تضم العديد من المعابد والمحلات الجميلة، والقصور العالية. وتذكر المصادر التاريخية أن البرتغاليين حاصروا المدينة ودمروها سنة 1468 انتقاما لاعتراض سفنهم من طرف قراصنة أنفا، ثم عادوا إلى نفس الموقع سنة 1515 وشيدوا بلدة جديدة سموها "Casa Branca" (البيت الأبيض أو الدار البيضاء)، ولكنهم تركوها لاحقا سنة 1755 بعد الزلزال المدمر الذي ضربها، ليعيد بناءها السلطان العلوي "محمد بن عبد الله" (1757-1790) مجدداً في أواخر القرن الثامن عشر.
احتل الفرنسيون المدينة في عام 1907، وأثناء المحمية الفرنسية (1912-56) أصبحت الدار البيضاء الميناء الرئيسي للمغرب. ومنذ ذلك الحين، شهدت المدينة نمواً وتطوراً مستمراً وسريعاً. وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-45) احتضنت الدار البيضاء اجتماع رؤساء القوات العظمى الحليفة (روزفلت، تشرشيل، جيرو، دوغول) لإعداد استراتيجية ما بعد الحرب خلال مؤتمر آنفا في يناير 1943.
كانت الدار البيضاء خلال فترة الحماية الفرنسية مهدا للمقاومة الوطنية بالمغرب، وقد لعبت النقابات التي أقامت مقراتها في المدينة دوراً مهماً في الكفاح الوطني، واحتضنت أحياء المدينة وبلدتها القديمة العديد من المقاومين وشكلت معقلاً لهم، ومنطلقا للنضال من أجل استرجاع الاستقلال السياسي للبلاد. وتخلد مجموعة من شوارع المدينة ملاحم المقاومة الوطنية بحملها لأسماء تذكر بالمقاومة والنضال، مثل شارع الفداء وشارع المقاومة، وأخرى تحمل أسماء مقاومين كشارع الزرقطوني الذي يعد من أهم شوارع المدينة.
وبعد استقلال المغرب سنة 1956 عرفت المدينة تطوراً عمرانياً وديموغرافياً كبيراً، بوأها مرتبة كبرى المدن المغربية، بل وجعلها من أهم المدن في القارة الإفريقية.
عدد سكان الدار البيضاء (كازابلانكا)
من بضع مئات من السكان كانوا يقطنون المدينة في عام 1850، أصبح تعداد السكان ثمانية آلاف في عام 1866، منهم 6000 مسلمون، 1800 يهود وأكثر من مائة أوروبي. لم يكن عدد سكان الدار البيضاء سنة 1906 يتجاوز 20.000 نسمة، أما الآن فيبلغ عدد سكان الدار البيضاء 3.343.642 نسمة حسب الإحصاء السكاني لسنة 2014، وهي بذلك إحدى المدن الأفريقية والعربية الأكثر سكاناً. تبلغ نسبة البطالة في صفوف البيضاويين حوالي %19، وترتفع عند الإناث ل%25، لتستقر بين الذكور في %16.
نسبة الأمية بين سكان المدينة بلغت حسب نفس الإحصاء %17,2، حيث ترتفع في صفوف الإناث لتبلغ %24 بينما %10 من الذكور أميين، أما نسبة التحاق الأطفال بين %7 سنوات و%12 سنة بالمدرسة بلغت %98.2. وينطق %99.2 من السكان بالدارجة المغربية، بينما %11 يحسنون تحدث اللهجات الأمازيغية وعلى رأسها تاشلحيت بنسبة %10.
المقومات السياحية في مدينة الدار البيضاء المغربية
يزخر فن المعمار البيضاوي بتنوع كبير ومزج فريد بين الثقافات وفنون المعمار، حيث تمتزج فيها أصالة المعمار العربي الإسلامي المتشبع باللمسة الأندلسية، بفنون المعمار الحديثة والإرث الاستعماري الكبير. وتحافظ بعض مبانيها التي تعد رائدة في فن المعمار الفريد المسمى « Art Déco » بذاكرة المدينة وتروي قصة تراث غني في الهندسة المعمارية عاشت في كنفه الدار البيضاء.
ومن بين الأماكن السياحية والمعالم التاريخية الجديرة بالزيارة والاكتشاف في مدينة الدار البيضاء نجد مسجد الحسن الثاني الذي بني عام 1993، ويعد أضخم مسجد في المملكة المغربية، والمدينة القديمة التي تضم العديد من المباني التاريخية والمحاطة بالأسوار من كل جانب.
إضافة إلى حي الأحباس الذي شيد في عهد الحماية، والذي يتميز بفن المعمار الذي يمزج بين المعمار العربي الإسلامي والهندسة الأوروبية، ويبقى كورنيش عين الذياب من أكثر الأماكن إغراء للسياح بحكم امتداده على طول الشاطئ واحتضانه للعديد من المطاعم والفنادق والمحلات الفخمة، يقصده الراغبون في الترفيه والاستجمام.