"إن شاء الله ولد" هل سينتصر الفيلم لقضايا المرأة أم سيكتفي بكشفها
انتهاكات حقوق المرأة تمنح السينما العربية اهتماما دوليا.
السبت 2024/03/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
قضية مزمنة في المجتمعات العربية
لطالما تساءل الجمهور وليس فقط النقاد ما هو سر نجاح فيلم سينمائي ما ووصوله إلى العالمية؟ ليس هذا فحسب، بل إن السؤال الأهم كيف يحصل هؤلاء المخرجون على كل ذلك الدعم والمنح المالية لإنتاج أفلامهم رغم محلية موضوعات تلك الأفلام وعدم وجود نجوم معروفين مشاركين فيها، فهل فعلا بسبب القضايا التي تطرحها؟
ليس بجديد على السينما العربية الاهتمام بقضايا المرأة وفتح ملفاتها وخاصة العالقة منها في المحاكم، فمن منا لا يتذكر فيلم النجمة الكبيرة فاتن حمامة “أريد حلا” الذي كان سببا مباشرا في تغير جزء من قانون الأحوال الشخصية في مصر؟ تذكرت هذا الفيلم وتلك الواقعة مباشرة بعد أن شاهدت الفيلم الأردني “إن شاء الله ولد” للمخرج أمجد الرشيد وتساءلت بعيدا عن الهدف الإنساني والإشكالي الكبير الذي يمكن أن يحققه الفيلم في حال عرض جماهيريا، هل فعلا هذه النظرة القاصرة للمرأة العربية في بلادنا هي سبب نجاح ذلك الفيلم وانتشاره عالميا؟
منذ سنوات ليست بالقليلة قدمت المخرجة السورية رولا فتال مونودراما مسرحية عن نص من تأليف الكاتب التونسي الراحل حكيم مرزوقي بعنوان “عيشة” بطولة الراحلة الممثلة السورية رائفة الرز، نجح العرض نجاحا مبهرا عربيا وعالميا، وحين عادت من جولتها سألتها عن سبب ذلك النجاح وخاصة أن فتال لم تكن مخرجة محترفة ولا ذات باع في ذلك الحقل الفني، فكان جوابها أن الغرب يُحبّ أن يرى “غسيلنا”، وبالفعل عبر ملاحظتي لسنوات عدة تأكدت أن جل العروض المسرحية والأفلام السينمائية الناجحة، تلك التي تحمل وتكشف قضايانا المحلية.
وبالعودة إلى فيلم “إن شاء الله ولد” فإن المخرج يطرح قضية إنسانية تتعلق بالإرث والمجتمع والعادات، وهي قضية لا تتعلق بالأردن محليا بل تتعلق بالمرأة في أي مكان تتبع قوانينه الشرائع الدينية وليس المدنية، ليظهر بكل بساطة على أنه قانون مجحف وظالم على الرغم من أن غايته كانت إنصاف المرأة وإعطائها حقوقها، والحقيقة أن هذه الصورة المتخلفة عن مجتمعنا العربي كما تبدو، يرغب الغرب أن يراها أو ربما يتوقع ذلك عنها، وتأتي تلك الأفلام السينمائية لتؤكد له وجهته.
الذكر يحمي المرأة من المجتمع الذكوري وإن كان لا يزال ولدا
تدور أحداث فيلم “إن شاء الله ولد” حول منال، وهي زوجة شابة وأم لطفله، لكنها ستفقد زوجها في الدقائق الأولى من الفيلم، وستتعرض مباشرة لملاحقة عائلته لمقاسمتها الميراث الشرعي على اعتبار ما من ولد ذكر ليرثه، مما يعني أنها ستخرج من المنزل وستبقى دون مأوى، أو ستنتقل للعيش في منزل شقيقها بانتظار حصولها على الستر أي حصولها على زوج آخر، الأمر الذي سيفقدها بالمقابل حضانة طفلتها بشكل مباشر، أي أنها تعيش بين نارين لا رحمة بينهما، ولأن منال كادت تملك نصف البيت فعليا لأنها ساهمت في شرائه ودفع أقساطه، فإنها لن تتنازل عن حقها الذي لا تملك له سندا قانونيا وستلجأ للادعاء أنها حامل لتكسب الوقت.
إنها قصة حقيقية ليس فقط لأن المخرج الذي يقود أولى تجاربه في السينما الروائية الطويلة، كان قد سمع بها واعتبرها تمثل صورة عن المجتمع الأردني وقضايا المرأة فقام بتحويلها إلى فيلم، بل لأنها قصة واقعية يتكرر حدوثها ليس فقط في الأردن وإنما في معظم بلداننا العربية، لكنها المرة الأولى التي تتطرق لها السينما بكل تلك الشفافية والوضوح.
والفيلم لا يكتفي بطرح قضية حصر الإرث ومشكلة تقسيم الميراث، بل سيضعنا أيضا كمشاهدين ضمن دوامة أسئلة عديدة ما بين تطبيق الشرع بالنص والموقف الأخلاقي من ذلك القانون وشروط إجازته لا اقتطاع جزء منه وإهمال المقصود من سنّه، كما يشير إلى موقف المجتمع والعائلة الصامت تجاه كل ذلك. ليس هذا فحسب بل إن منال السيدة المسلمة المحجبة ستتعرض لملاحقة زميلها في العمل والمراقبة الشديدة من شقيق زوجها، وفي المقابل وليجعل المخرج من قضية فيلمه قضية عامة وليست مقتصرة على طائفة بعينها، سيضيف محور شخصية جديدة لسيدة من الطائفة المسيحية تريد أن تتخلى عن جنينها لأنها كرهت زوجها اللعوب والخائن، لكن الكنيسة ستعتبر ذلك الإجهاض جريمة قتل، وستقف أيضا عائلتها والمجتمع ضدها.
"إن شاء الله ولد" لا يكتفي بطرح قضية حصر الإرث وتقسيم الميراث، بل سيضعنا أيضا ضمن دوامة أسئلة عديدة
يطرح الفيلم أسئلته الوجودية للجمهور حول كافة أشكال المحرمات التي يفرضها المجتمع العربي على المرأة تحت غطاء الدين مهما كان ذلك الدين، في حين يتغاضى نفس المجتمع ويغض بصره عن الموقف اللاإنساني الذي ستتعرض له المرأة سواء الزوجة التي لا ولد ذكر لها كشخصية منال، أو الأخرى التي ستتعرض للضرب من قبل زوجها بعد أن تفقد جنينها، كل ذلك على مرأى وقبول من العائلة، وكأن المجتمع يكيل بمكيالين فيما لو تعلق الأمر بالمرأة. إنها أسئلة أخلاقية قبل كل شيء وسيكون الرد على تلك الأسئلة صعبا جدا وربما سيشكل أزمة حال خروج الفيلم لقاعات السينما. فهل سيكون للفيلم دوره في تغير وتعديل بعض من قوانين الأحوال الشخصية كما فعل سابقا فيلم “أريد حلا” للفنانة فاتن حمامه؟ أم أنه سيمر مرور الكرام وسيكتفي بكشف المستور وكشفنا أمام أنفسنا قبل الغرب الذي يرى في مجتمعاتنا بؤرة متخلفة؟ الإجابة على هذا السؤال مرهونة بالأيام التي سترافق العرض الجماهيري للفيلم.
الجدير ذكره أن فيلم “إن شاء الله ولد” كتب قصته المخرج أمجد الرشيد الذي شارك بدوره أيضا في كتابة السيناريو مع رولا ناصر ودلفن أوغت، وهو من بطولة الفنانة الشابة منى حوا التي لعبت دور منال باقتدار وإتقان كبير إلى جانب كل من هيثم العمري، يمنى مروان، محمد جيزاوي، سلوى نقاره وإسلام العوضي.
وكان المخرج أمجد الرشيد قد استمر بالعمل والتحضير للفيلم لفترة تجاوزت الست سنوات، حصل خلالها على دعم كبير عربي وأوروبي للفيلم، بدءا من مهرجان القاهرة السينمائي والجوائز العديدة من ورشة فاينال كات فينيسيا في مهرجان البندقية السينمائي، وجائزة مهرجان فرايبورغ السينمائي في سويسرا. كما استطاع الحصول على تسهيلات خاصة من الهيئة الملكية للأفلام للتصوير ومنحة من صندوق الأردن لدعم الأفلام، وكان عرضه الأول في أسبوع النقاد من مهرجان كان السينمائي كأول فيلم أردني يشارك في ذلك المهرجان ويحصل على جائزة، كما شارك في مسابقة مهرجان البحر الأحمر في جدة، وفي مهرجان بغداد السينمائي وحصل على جائزة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لمى طيارة
كاتبة سورية
انتهاكات حقوق المرأة تمنح السينما العربية اهتماما دوليا.
السبت 2024/03/09
ShareWhatsAppTwitterFacebook
قضية مزمنة في المجتمعات العربية
لطالما تساءل الجمهور وليس فقط النقاد ما هو سر نجاح فيلم سينمائي ما ووصوله إلى العالمية؟ ليس هذا فحسب، بل إن السؤال الأهم كيف يحصل هؤلاء المخرجون على كل ذلك الدعم والمنح المالية لإنتاج أفلامهم رغم محلية موضوعات تلك الأفلام وعدم وجود نجوم معروفين مشاركين فيها، فهل فعلا بسبب القضايا التي تطرحها؟
ليس بجديد على السينما العربية الاهتمام بقضايا المرأة وفتح ملفاتها وخاصة العالقة منها في المحاكم، فمن منا لا يتذكر فيلم النجمة الكبيرة فاتن حمامة “أريد حلا” الذي كان سببا مباشرا في تغير جزء من قانون الأحوال الشخصية في مصر؟ تذكرت هذا الفيلم وتلك الواقعة مباشرة بعد أن شاهدت الفيلم الأردني “إن شاء الله ولد” للمخرج أمجد الرشيد وتساءلت بعيدا عن الهدف الإنساني والإشكالي الكبير الذي يمكن أن يحققه الفيلم في حال عرض جماهيريا، هل فعلا هذه النظرة القاصرة للمرأة العربية في بلادنا هي سبب نجاح ذلك الفيلم وانتشاره عالميا؟
منذ سنوات ليست بالقليلة قدمت المخرجة السورية رولا فتال مونودراما مسرحية عن نص من تأليف الكاتب التونسي الراحل حكيم مرزوقي بعنوان “عيشة” بطولة الراحلة الممثلة السورية رائفة الرز، نجح العرض نجاحا مبهرا عربيا وعالميا، وحين عادت من جولتها سألتها عن سبب ذلك النجاح وخاصة أن فتال لم تكن مخرجة محترفة ولا ذات باع في ذلك الحقل الفني، فكان جوابها أن الغرب يُحبّ أن يرى “غسيلنا”، وبالفعل عبر ملاحظتي لسنوات عدة تأكدت أن جل العروض المسرحية والأفلام السينمائية الناجحة، تلك التي تحمل وتكشف قضايانا المحلية.
وبالعودة إلى فيلم “إن شاء الله ولد” فإن المخرج يطرح قضية إنسانية تتعلق بالإرث والمجتمع والعادات، وهي قضية لا تتعلق بالأردن محليا بل تتعلق بالمرأة في أي مكان تتبع قوانينه الشرائع الدينية وليس المدنية، ليظهر بكل بساطة على أنه قانون مجحف وظالم على الرغم من أن غايته كانت إنصاف المرأة وإعطائها حقوقها، والحقيقة أن هذه الصورة المتخلفة عن مجتمعنا العربي كما تبدو، يرغب الغرب أن يراها أو ربما يتوقع ذلك عنها، وتأتي تلك الأفلام السينمائية لتؤكد له وجهته.
الذكر يحمي المرأة من المجتمع الذكوري وإن كان لا يزال ولدا
تدور أحداث فيلم “إن شاء الله ولد” حول منال، وهي زوجة شابة وأم لطفله، لكنها ستفقد زوجها في الدقائق الأولى من الفيلم، وستتعرض مباشرة لملاحقة عائلته لمقاسمتها الميراث الشرعي على اعتبار ما من ولد ذكر ليرثه، مما يعني أنها ستخرج من المنزل وستبقى دون مأوى، أو ستنتقل للعيش في منزل شقيقها بانتظار حصولها على الستر أي حصولها على زوج آخر، الأمر الذي سيفقدها بالمقابل حضانة طفلتها بشكل مباشر، أي أنها تعيش بين نارين لا رحمة بينهما، ولأن منال كادت تملك نصف البيت فعليا لأنها ساهمت في شرائه ودفع أقساطه، فإنها لن تتنازل عن حقها الذي لا تملك له سندا قانونيا وستلجأ للادعاء أنها حامل لتكسب الوقت.
إنها قصة حقيقية ليس فقط لأن المخرج الذي يقود أولى تجاربه في السينما الروائية الطويلة، كان قد سمع بها واعتبرها تمثل صورة عن المجتمع الأردني وقضايا المرأة فقام بتحويلها إلى فيلم، بل لأنها قصة واقعية يتكرر حدوثها ليس فقط في الأردن وإنما في معظم بلداننا العربية، لكنها المرة الأولى التي تتطرق لها السينما بكل تلك الشفافية والوضوح.
والفيلم لا يكتفي بطرح قضية حصر الإرث ومشكلة تقسيم الميراث، بل سيضعنا أيضا كمشاهدين ضمن دوامة أسئلة عديدة ما بين تطبيق الشرع بالنص والموقف الأخلاقي من ذلك القانون وشروط إجازته لا اقتطاع جزء منه وإهمال المقصود من سنّه، كما يشير إلى موقف المجتمع والعائلة الصامت تجاه كل ذلك. ليس هذا فحسب بل إن منال السيدة المسلمة المحجبة ستتعرض لملاحقة زميلها في العمل والمراقبة الشديدة من شقيق زوجها، وفي المقابل وليجعل المخرج من قضية فيلمه قضية عامة وليست مقتصرة على طائفة بعينها، سيضيف محور شخصية جديدة لسيدة من الطائفة المسيحية تريد أن تتخلى عن جنينها لأنها كرهت زوجها اللعوب والخائن، لكن الكنيسة ستعتبر ذلك الإجهاض جريمة قتل، وستقف أيضا عائلتها والمجتمع ضدها.
"إن شاء الله ولد" لا يكتفي بطرح قضية حصر الإرث وتقسيم الميراث، بل سيضعنا أيضا ضمن دوامة أسئلة عديدة
يطرح الفيلم أسئلته الوجودية للجمهور حول كافة أشكال المحرمات التي يفرضها المجتمع العربي على المرأة تحت غطاء الدين مهما كان ذلك الدين، في حين يتغاضى نفس المجتمع ويغض بصره عن الموقف اللاإنساني الذي ستتعرض له المرأة سواء الزوجة التي لا ولد ذكر لها كشخصية منال، أو الأخرى التي ستتعرض للضرب من قبل زوجها بعد أن تفقد جنينها، كل ذلك على مرأى وقبول من العائلة، وكأن المجتمع يكيل بمكيالين فيما لو تعلق الأمر بالمرأة. إنها أسئلة أخلاقية قبل كل شيء وسيكون الرد على تلك الأسئلة صعبا جدا وربما سيشكل أزمة حال خروج الفيلم لقاعات السينما. فهل سيكون للفيلم دوره في تغير وتعديل بعض من قوانين الأحوال الشخصية كما فعل سابقا فيلم “أريد حلا” للفنانة فاتن حمامه؟ أم أنه سيمر مرور الكرام وسيكتفي بكشف المستور وكشفنا أمام أنفسنا قبل الغرب الذي يرى في مجتمعاتنا بؤرة متخلفة؟ الإجابة على هذا السؤال مرهونة بالأيام التي سترافق العرض الجماهيري للفيلم.
الجدير ذكره أن فيلم “إن شاء الله ولد” كتب قصته المخرج أمجد الرشيد الذي شارك بدوره أيضا في كتابة السيناريو مع رولا ناصر ودلفن أوغت، وهو من بطولة الفنانة الشابة منى حوا التي لعبت دور منال باقتدار وإتقان كبير إلى جانب كل من هيثم العمري، يمنى مروان، محمد جيزاوي، سلوى نقاره وإسلام العوضي.
وكان المخرج أمجد الرشيد قد استمر بالعمل والتحضير للفيلم لفترة تجاوزت الست سنوات، حصل خلالها على دعم كبير عربي وأوروبي للفيلم، بدءا من مهرجان القاهرة السينمائي والجوائز العديدة من ورشة فاينال كات فينيسيا في مهرجان البندقية السينمائي، وجائزة مهرجان فرايبورغ السينمائي في سويسرا. كما استطاع الحصول على تسهيلات خاصة من الهيئة الملكية للأفلام للتصوير ومنحة من صندوق الأردن لدعم الأفلام، وكان عرضه الأول في أسبوع النقاد من مهرجان كان السينمائي كأول فيلم أردني يشارك في ذلك المهرجان ويحصل على جائزة، كما شارك في مسابقة مهرجان البحر الأحمر في جدة، وفي مهرجان بغداد السينمائي وحصل على جائزة.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
لمى طيارة
كاتبة سورية